تصاعد في السنوات الأخيرة “خطاب الكراهية” الذي تنتهجه حكومات أو أحزاب أو مجموعات أو أفراد تعادي أطرافًا أخرى غالبًا ما تكون هشة، وزادت حدة عنفه بعدما بات مدفوعًا بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، فأصبح يتخذ أبعادًا تنذر بالخطر ويهدد السلم الأهلي للمجتمعات.
قررت الأمم المتحدة لأول مرة، أن تحتفل يوم 18 يونيو/حزيران، باليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية الذي اعتمدته الجمعية العامة في يوليو/تموز 2021، وذلك بمبادرة من المملكة المغربية.
وترى الأمم المتحدة أن خطاب الكراهية “إنكار للقيم للأمم المتحدة وللمبادئ التي بني عليها ميثاقها، مثل “احترام كرامة الإنسان والمساواة والسلام”، مشيرة إلى أن خطاب الكراهية يتخذ أحيانًا “شكل خطاب عادي مقبول نسبيًا في الحياة اليومية، ويأتي في شكل نكت أو فكاهة قد لا نلقي لها بالًا”.
ومنذ عقود وعبر مسيرة زاحفة يعاني الفلسطينيون من خطاب الكراهية الذي تمارسه “إسرائيل” ضدهم منذ احتلت أراضيهم، وكان ذلك جليًا من خلال تصريحات حاخاماتها وقادتها وقوانينها العنصرية التي روجت لها عبر وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وتلفاز طبقتها على أرض الواقع لاقتلاع الفلسطيني وتصويره بأنه “متخلف وعنيف”.
في هذا السياق يقول عصمت منصور الخبير في الشؤون الإسرائيلية لـ”نون بوست”: “خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين مرتبط بالحركة الصهيونية ونظرتها الدونية للعرب التي تنفي وجودهم لتقيم مشروع دولتها على أنقاضهم”، مشيرًا إلى أن الرواية الإسرائيلية منذ نشأتها قائمة على شيطنة الفلسطيني وتحقير عاداته وإظهاره أنه شرس.
للساسة تأثير كبير في خطابهم التحريضي الذي يبرر قتل الأطفال والمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، ورفضهم محاكمة المجرمين، بل يمجدونهم ويحولونهم لأبطال
ولفت منصور إلى أن بداية خطاب الكراهية كانت عبارة “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض” وهو ادعاء روج له زعماء الحركة الصهيونية مثل إسرائيل زانجويل وثيودور هيرتزل نتج عنه إحدى أهم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين وهي ترحيل الفلسطينيين.
ويوضح أن “إسرائيل” دومًا تحاول الظهور بدور الضحية عبر خطاباتها التحريضية، بهدف إلغاء تشريع الوجود العربي الفلسطيني، كما تطرق إلى أن خطاب الكراهية تطور مع سن القوانين التي تبيح حق العودة للإسرائيليين وتنفيه لصاحب الأرض الحقيقي للاستيلاء على أراضيه ضمن سلسلة قوانين منها قانون القومية الذي يعتبر حق تقرير المصير وحدود دولة “إسرائيل” من البحر إلى النهر.
وذكر عصمت أنه من خلال متابعته للشأن الإسرائيلي فإن اللهجة التي يتحدث بها القادة والوزراء تغذي خطاب الكراهية على التحريض والعنف، الأمر الذي ينعكس على الجمهور الإسرائيلي الذي يتسابق بنشر آلاف التغريدات والتعليقات بعد كل عملية فدائية وهم يطالبون بقتل العرب وهدم بيوتهم، عدا عن خطاب الكنيست والدعوات الصريحة للقضاء على الفلسطينيين وإعادة قطاع غزة والضفة للوراء.
مؤكدًا أن للساسة تأثيرًا كبيرًا في خطابهم التحريضي الذي يبرر قتل الأطفال والمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، ورفضهم محاكمة المجرمين، بل يمجدونهم ويحولونهم لأبطال.
خطابات الحاخامات في صناعة التطرف والكراهية
يعد الحاخامات اليهود أحد أهم مكوّنات المجتمع الإسرائيلي في إدارة المجتمع والدولة، ويحظى منهم خاصة أصحاب فتاوى القتل بدعم سياسي كبير.
يذكر ثابت العمور وهو باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ضمن مقال له أن هؤلاء الحاخامات باتوا يتحكمون ويؤثرون ليس في مراكز صناعة واتخاذ القرار في كيان الاحتلال فقط، بل وفي تنفيذه.
ويشير إلى أن من شواهد تغلغل الحاخامات في مفاصل القرار كافة، ما كشفته دراسة أعدّها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة “بار آيلان” الإسرائيلية، عن مدى انصياع المجندين المتدينيين لأوامر الحاخامات، فنحو 95% منهم لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر إليهم، من دون أن تكون متسقة مع الفتاوى الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية.
ويقول العمور: “فتاوى الحاخامات المؤثرة الأساس في تكوين عقلية الأفراد، داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، فتحكم طرق تفكيرهم وتصرفاتهم تجاه “الأغيار” – مصطلح ديني يهودي يطلقه اليهود على غير اليهود -، لتصبح تلك الفتاوى بمنزلة آليات التحكم والسيطرة على المجتمع الإسرائيلي.
بعض شواهد فتاوى الحاخامات لصناعة التطرف والكراهية
– عام 2000، وخلال انتفاضة الأقصى، نشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية نص رسالة وجّهها تلاميذ المدارس الحكومية الدينية الإسرائيلية، للجنود الإسرائيليين الاحتياط، عند هجومهم على طولكرم، تقول: “عزيزي الجندي، تجاوز كل القوانين واقتل أكبر عدد من العرب، فالعربي الطيب هو العربي الميت، فليحترق كل الفلسطينيين”.
– أيلول/سبتمبر 2005، أصدرت مجموعة من الحاخامات فتوى ضمّنتها رسالة وُجّهت إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أرييل شارون، حثته فيها على عدم التردد في المس بالمدنيين الفلسطينيين، وجاء في الفتوى: “نحن الموقعين أدناه، ندعو الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي إلى العمل بحسب مبدأ: من يُقدم إليك لقتلك، سارع واقتله”.
– في أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009، كشفت صحيفة “هآرتس” أن الحاخامية العسكرية وزعت على الجنود المتدينيين فتوى للحاخام شلومو أفنير، تحث على قتل الفلسطينيين.
– في أكتوبر/تشرين الأول 2016 أصدر الحاخام بن تسون موتسيبي فتوى تجيز قتل الفلسطينيين بطريقة “الإمساك برأسه وضربه مرارًا بالأرض حتى يتفتت”.
– عام 2019 أفتى الحاخام أليعزر كشتئيل لطلابه بأن: “السادة هم اليهود والعبيد هم العرب، والأفضل بالنسبة إليهم أن يكونوا عبيدًا لليهود؛ فالعربي يُحب أن يكون تحت الاحتلال”.
أبرز القوانين التي تحرض على الكراهية
لم تكتف “إسرائيل” بخرق القوانين الإنسانية والدولية في التعامل مع الفلسطيني بل ومنذ احتلالها للأراض الفلسطينية تشرعن قوانين لتهجيرهم وقلعهم من أراضيهم، عدا عن تلك التي تحث على الكراهية لتعطي نفسها الضوء الأخضر لممارسة المزيد من العنصرية ضدهم كالقوانين المتعلقة بالأسرى والشهداء وأحياء القدس.
ودومًا تصدر حزمة من القوانين والتشريعات التي تمس الفلسطينيين وتحديدًا من يعيشون في الأراضي المحتلة 48، إذ تتميز تلك القوانين بطابعها العنصري لتضييق الخناق عليهم.
ومن تلك القوانين يرصد “نون بوست” عددًا منها:
– قانون تبييض الاستيطان: وينص على أنه يحق للدولة (سلطات الاحتلال) مصادرة حق استخدام أرض فلسطينية خاصة من أصحابها وليست الملكية عليها، ما يعني مصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة (مملوكة لأشخاص) لغرض الاستيطان.
– مشروع قانون منع الأذان: الذي يمنع استخدام مكبرات الصوت في الشعائر الدينية من الساعة 11 ليلًا وحتى السابعة صباحًا، ما يعني عمليًا منع رفع أذان صلاة الفجر، ويأتي ضمن خطة ممنهجة لمحاربة الهوية الإسلامية للشعب، خاصة أنه يعد من أخطر قرارات “إسرائيل العنصرية.
– منع استخدام العربية في المواصلات: ضمن الحرب على اللغة العربية ونزع وتشويه هوية فلسطينيي الداخل من أجل سلخهم عن امتدادهم العربي.
– كما خصصت عشرات القوانين التي تستهدف الأسرى للانتقام، ومن أبرزها تجديد الاعتقال الإداري لهم وهو الحبس مدة طويلة تصل لسنوات دون توجيه تهمة واضحة بحجة وجود ملفات سرية.
خطاب الكراهية في المناهج التعليمية
لعل من أبرز الطرق التي تسلكها “إسرائيل” في تعزيز خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين هو عبر المناهج التعليمية التي تغذي عقول صغارهم داخل مدارسهم على العنف وقتل الفلسطيني واعتباره “فأر” لا بد من قتله كما يصورون دومًا.
قبل أيام قليلة خرج تقريرًا جديدًا لمركز التحالف المصري لحقوق الإنسان والتنمية بعنوان: “خطاب الكراهية والفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وذكر أن خطابات الكراهية المنتشرة في “إسرائيل” ضد الفلسطينيين مصدرها التعليم والمناهج الدراسية التي تزرع الكراهية في العقول منذ الصغر، إذ تعلم الكتب المدرسية الإسرائيلية خطابًا عنصريًا يزيل فلسطين نهائيًا من الخريطة، ولا يوجد في تلك الكتب أي جوانب إيجابية عن الثقافة والحياة الفلسطينية.
وأكد أن الفلسطينيين يتعرضون في مناطق متفرقة لصور عديدة من جرائم الكراهية من المستوطنين، منها الضرب والتعدي والسحل والضرب باللكمات بأعقاب البنادق والمقابض والعصي واستخدام الأسلحة النارية والقتل والتهديد بإطلاق النار ورشق الحجارة وإطلاق الكلاب.
دور وسائل الإعلام في تغذية خطاب الكراهية
تعمل “إسرائيل” منذ عقود على استقطاب متابعين من الفلسطينيين والعرب إلى وسائل الإعلام الخاصة بها، وخصصت مساحة كبيرة لإعلامها باللغة العربية، فالإذاعة الإسرائيلية أفردت موجة خاصة للبث باللغة العربية، وأطلقت الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية عام 2001، ذلك بالإضافة إلى قناة “I24” التي تم تأسيسها قبل أعوام قليلة.
تقول الباحثة هبه شكري في دراسة لها إن “إسرائيل” ركزت جهدها الأكبر على الصحافة الإلكترونية، ومن أهمها، موقع “تايمز أوف إسرائيل” الذي يبث تقارير معمقة ومتحيزة للرواية الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض المواقع باللغة العربية وأهمها، إسرائيل بالعربية، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، ويتم الاعتماد بشكل أساسي على ما حققته الصفحات التابعة لتلك المواقع على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفق دراستها فإن الإستراتيجية الإعلامية لـ”إسرائيل” تعتمد على مبدأ التضليل كوسيلة لتحقيق الأهداف الصهيونية المتأصلة، إلى جانب الدعاية المنظمة ونشر الخطط ذات الأهداف الإستراتيجية الواضحة، إذ يركز على تكرار مجموعة من القضايا والدعاوى الباطلة لترسيخها في الأذهان وتثبيتها في الذاكرة حتى تصبح كأنها حقائق مسلم بها، كما يتم ترسيخ مصطلحات محددة للتأثير على الإدراك الباطن لكل ما يخص القضية الفلسطينية.
كما تستخدم وسائل الإعلام العبرية في خطاباتها التحريضية، شخصيات سياسية واعتبارية ذات تأثير في المجتمع الإسرائيلي، وعبر المتابعة لوسائل الإعلام العبرية، يلاحظ أن التحريض تجاه الفلسطيني يزداد من عام إلى آخر، ويعود ذلك لعدة أسباب منها سيطرة خطاب اليمين المتطرف على الساحة السياسية والإعلامية، بالإضافة إلى عدة أحداث سياسية وقعت خلال السنوات القليلة الماضية منها تطبيع الدول العربية مع “إسرائيل”.
تأثير مواقع السوشيال ميديا على التحريض
في العقد الأخير لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد حاول كل طرف الاستفادة من أدواته لإثبات روايته، ولقوة نفوذ “إسرائيل” على الساحة الدولية عملت على استغلال تلك المواقع لنشر المواد التحريضية والمزيفة خاصة وقت اشتعال الأحداث بين طرفي الصراع.
ويمكن القول إن الخطاب الإسرائيلي العنصري نجح في استقطاب ملايين المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدًا من خلال صفحات رسمية لشخصيات سياسية كان يتم من خلالها تبرير السياسيات الإسرائيلية، وتصوير الفلسطيني كـ”مخرب وإرهابي”.
ومن أبرز هذه الصفحات كانت لأفيخاي أدرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، فمنذ تدشين صفحته ولا يزال يستفز الفلسطينيين والداعمين لقضيتهم عبر بث وتزييف معلومات تاريخية وأخبار آنية مفبركة، ليبرر جرائم الاحتلال ويحرض على معاقبة وتشويه صورة حركات المقاومة الفلسطينية ومن يتبعها.
وسنويًا تصدر حملة “حملة” تقريرًا بشأن مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية، فوفق النتيجة الأخيرة لسنة 2021 جاء فيها أن هناك ازديادًا في خطاب الكراهية تجاه الفلسطينيين والعرب بنسبة 8% عن العام 2020.
وبحسب تقرير “حملة” فقد شهد عام 2021 ارتفاعًا بواقع 46 ألف منشور عن العام الذي سبقه (2022)، الذي نشر خلاله 574 ألف منشور عنيف.
وظهر أن أبرز المنصات المستخدمة في نشر العنصرية والتحريض خلال العام الماضي “تويتر”، حيث نُشر 58% من الخطاب العنيف من خلالها، فيما شكلت منصة فيسبوك ما نسبته 19%.
يقول نديم ناشف، مدير مركز حملة، إن منصات التواصل الاجتماعي شكلت خلال فترة هبة مايو/أيار 2021 انعكاسًا لما يحدث على أرض الواقع، حيث تضاعف الخطاب العنيف خلال فترة الهبة بشكل ملحوظ، وشكلت وسائل التواصل الاجتماعي أداةً للحشد لهجمات عنيفة وتحريضية ضد الفلسطينيين والعرب، التي لم يقتصر أثرها على الفضاء الرقمي، بل تجاوزت ذلك إلى عنف امتد على أرض الواقع.
ويبدو واضحًا خلال الدراسات والتقارير أن السنوات العشرة الأخيرة، ارتفعت وتيرة خطاب الكراهية الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وما سهل عليهم بث الحقائق المزورة والأفكار المضللة نفوذهم لدى مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “فيسبوك وتويتر” لترويج روايتهم الكاذبة وتعقب الرواية الفلسطينية وتقييدها.