قبل 35 سنة، تقدمت تركيا بطلب عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن المفاوضات ظلت على ما هي عليه، إذ واجه هذا الطلب معارضة كبيرة من دول أوروبية عدة خاصة فرنسا، رغم قوة تركيا الاقتصادية وحاجة الأوروبيين للتعاون معها.
في مقابل ذلك، دعا الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، نهاية فبراير/شباط الماضي، الاتحاد الأوروبي إلى الموافقة على انضمام أوكرانيا على وجه السرعة للتكتل القاري، فتجند قادة الاتحاد لدراسة الملف الأوكراني وتسريع النظر فيه.
دولة مرشحة
في قرار أثبت ازدواجية المعايير لدى الأوروبيين، رحبت المفوضية الأوروبية بطلب أوكرانيا الانضمام للتكتل القاري، وأصدرت المفوضية توصية بقبول أحدث المتقدمين “أوكرانيا” وبأن يمنحها مجلس الدول الأعضاء في الاتحاد “وضع المرشح”.
جاء هذا القرار بسرعة، إذ لم يتعد على طلب الانضمام إلا 3 أشهر ونصف، وعلى إثر فحص مبدئي لآلاف الصفحات من الوثائق المقدمة، أعطى الاتحاد الضوء الأخضر لأوكرانيا التي يعتبرها مؤهلة للانضمام للاتحاد.
يتطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سنوات من الإصلاح الإداري والسياسي والاقتصادي
يتطلب اتخاذ مثل هذه الخطوة المهمة الإجماع في القمة المقبلة للاتحاد المكون من 27 دولة في نهاية يونيو/حزيران الحاليّ، ويذكر أن أوكرانيا قد تقدمت بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد أربعة أيام من تدفق القوات الروسية عبر حدودها في فبراير/شباط الماضي.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي: “نعلم جميعًا أن الأوكرانيين مستعدون للموت من أجل الدفاع عن تطلعاتهم الأوروبية، نريدهم أن يعيشوا معنا، من أجل الحلم الأوروبي”.
في أول تعقيب له على هذا القرار، نشر زيلينسكي تغريدة على تويتر قائلًا: “إنها الخطوة الأولى على مسار العضوية في الاتحاد الأوروبي التي ستقرب بالتأكيد انتصارنا، بسبب شجاعة الأوكرانيين على وجه التحديد يمكن لأوروبا أن تخلق تاريخًا جديدًا من الحرية وأن تزيل أخيرًا المنطقة الرمادية في أوروبا الشرقية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا”.
الحرب الروسية تسرع العملية
قبل أشهر قليلة لم يكن من الممكن أن يتخيل الرئيس الأوكراني لوهلة إمكانية أن تمنح بلاده “وضع المرشح” بهذه السرعة الكبيرة، لكن الحرب الروسية ضد بلاده والتغييرات الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة غيّرت بعض المعطيات.
بقيت تركيا قرابة 12 سنة حتى أصبحت دولة مرشحة، ذلك أن الاتحاد الأوروبي يطلب في السابق سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية من المتقدمين حتى يتمكنوا من الحصول على هذه الصفة ومن بعدها تنطلق مفاوضات أخرى للانضمام التام.
⚡️المفوضية الأوروبية: نوصي بمنح #أوكرانيا صفة مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
— الأحداث الروسية??? (@soldier2017kg) June 17, 2022
غيرت الحرب الروسية ضد أوكرانيا الوضع الجيوسياسي بشكل واسع النطاق، وغيرت طريقة الأوروبيين في النظر لمطالب العضوية، فهذه المطالب كان يُنظر إليها وفق منهج تقني بحت محدد مسبقًا دون أي اجتهاد، لكن الآن الاجتهاد هو سيد الموقف.
يرى الأوروبيون أن أوكرانيا مستهدفة من الروس وأن انضمامها للتكتل الأوروبي يمكن أن يحميها، لذلك عليهم التسريع في نظر طلب الانضمام ومنحها الأولوية على بقية الدول لحماية الديمقراطية والقيم الأوروبية في القارة العجوز من التهديد الروسي وفق تصورهم.
إجراءات معقدة
قبل توصية المفوضية الأوروبية، زار قادة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، أكبر ثلاث قوى أوروبية، كييف، وأكدوا من العاصمة الأوكرانية ترحيبهم بانضمام أوكرانيا إلى التكتل الأوروبي، وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن هذه الزيارة تعد “لحظة مهمة، ورسالة للوحدة الأوروبية تجاه الأوكرانيين”.
لكن هل يعني هذا أن أوكرانيا في طريق معبّد للانضمام للاتحاد الأوروبي؟ يبدو هذا الأمر صعبًا نوعًا ما، فما هذه الخطوات إلا بداية لعملية قد تستغرق سنوات عديدة، ويتطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سنوات من الإصلاح الإداري والسياسي والاقتصادي.
الرئيس الفرنسي ماكرون: فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تدعم منح أوكرانيا “فورا” وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. pic.twitter.com/lHe3kW1Md9
— الأحداث الروسية??? (@soldier2017kg) June 16, 2022
ويُطلق على شروط انضمام دولة جديدة للاتحاد الأوروبي اسم “معايير كوبنهاغن” التي حددتها معاهدة لشبونة، ويحيل مجلس الاتحاد طلبات الانضمام إلى المفوضية ويطلب منها تقييم قدرة تلك الدولة على الالتزام بهذه المعايير التي تتلخص في: “الديمقراطية المستقرة وسيادة القانون وحقوق الإنسان والحرية والمساواة واقتصاد السوق الحرة وضرورة قبول كل تشريعات الاتحاد الأوروبي”.
يعتبر طلب انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بعيد المنال، خاصة أن قواعد الاتحاد تفرض أولًا تسوية النزاعات حتى لا تتكرر تجربة قبرص
يبقى الانضمام إلى الاتحاد مفتوحًا أمام الدول الأوروبية المستعدة للتوقيع على المعاهدات التأسيسية الثلاثة التي تقبل بتطبيق القانون الأوروبي بأكمله، وعلى الدول المرشحة أن تقبل كل التشريعات والاتفاقيات التي تحكم الاتحاد الأوروبي بشكله الحاليّ.
وتأمل أوكرانيا في إيجاد إجراء خاص لاختصار الإجراءات العادية المعقدة حتى يتم تسريع قبول انضمامها للاتحاد الأوروبي، لكن معاهدات الاتحاد والمادة 49 تحديدًا من معاهدة لشبونة المتعلقة بطلبات الانضمام لا يوجد فيها مثل هذا الإجراء.
تحدد هذه المادة مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي، فيجب في البداية أن يكون هناك مرحلة تفاوض، ثم معاهدة انضمام، بعدها موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 على هذه المعاهدة، والتصديق عليها لاحقًا في برلمانات هذه الدول.
هذه الخطوات عادة ما تستغرق سنوات طويلة، فعلى الدولة التي تطلب الانضمام للاتحاد القاري أن تستوفي عددًا من المعايير بخصوص نظامها السياسي وسيادة القانون والقدرة على تطبيق مجموعة واسعة من قوانين الاتحاد الأوروبي، واستغرقت أقصر عملية انضمام 3 سنوات فقط وكان الأمر مع دولة فنلندا.
انقسام أوروبي
توجد دول داخل الاتحاد تريد تسريع الأمر، إذ سبق أن دعا رؤساء ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هي: جمهورية التشيك ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، في رسالة مفتوحة للاتحاد إلى بدء محادثات انضمام أوكرانيا “على نحو فوري”، وتدعم السويد والمجر وكرواتيا هذا الأمر أيضًا.
ترى هذه الدول ضرورة التسريع بقبول طلب أوكرانيا، حتى يكون ذلك رسالة لروسيا التي تريد التوسع في شرق القارة العجوز دون أن تعطي اهتمامًا للتهديدات الأوروبية والعقوبات المفروضة ضدها من العديد من القوى الإقليمية والدولية.
في مقابل ذلك، هناك دول ترى ضرورة التريث وأن عملية الانضمام يمكن أن تستغرق وقتًا طويلًا، وعلى رأس هذه الدول فرنسا، فباريس لا ترى فائدة اقتصادية أو سياسية تذكر من انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي في الوقت الحاليّ، كما أن كييف لا تستجيب للمعايير الأوروبية.
وقبل أسابيع أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن المفاوضات مع أوكرانيا، التي تعاني الآن من أزمة اقتصادية هائلة ومن عواقب الحرب، قد تستمر لسنوات أو حتى لعقود، وقال ماكرون في قمة قادة الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار الماضي بمدينة فرساي: “المجلس الأوروبي أعلن في رسالة قوية وواضحة مصير أوكرانيا في أوروبا، هل يمكننا اتخاذ تدابير استثنائية لدولة ما في حالة حرب من دون احترام لمعايير الانضمام تلك؟ الإجابة لا”.
مسؤول فرنسي??:
قبل أن تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، يجب أن تتوقف الحرب داخل أراضيها.
— أحداث سياسية (@rzc_o8) June 14, 2022
يشاطر رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ماكرون في هذا الموقف، فقال: “ليس هناك من مسار سريع”، وهو نفس موقف المستشار الألماني أولاف شولتز الذي قال في قمة القادة الأوروبيين: “على الاتحاد الأوروبي أن يعمّق شراكته مع أوكرانيا بدلًا من الحديث عن انضمامها لعضويته”.
بالنظر إلى شروط الأوروبيين، يعتبر طلب انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بعيد المنال، خاصة أن قواعد الاتحاد تفرض أولًا تسوية النزاعات حتى لا تتكرر تجربة قبرص، والكل يعلم أن لأوكرانيا نزاعات حول منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم.
في ظل هذا الوضع من المرجح أن يزيد الأوروبيين تعاونهم مع أوكرانيا ويمنحوها امتيازات أكثر تساعدها في حربها ضد روسيا وفي إعادة إعمار البلاد حال انتهاء الحرب، لكن أن يتم قبول طلب انضمامها للتكتل القاري فيبدو الأمر صعبًا.