يبدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اليوم الإثنين 20 يونيو/حزيران 2022، جولته الشرق الأوسطية، التي تستغرق 3 أيام وتضم مصر كمحطة أولى يليها الأردن، مختتمًا إياها بالعاصمة التركية أنقرة، وهي الأولى له خارج إقليم الشرق الأوسط منذ نحو 4 سنوات.
وتأتي الجولة في توقيت حساس، إذ تشهد الساحة الدولية العديد من التطورات الخطيرة، كما أنها تأتي قبل نحو شهر من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المقررة 15 و16 تموز/يوليو المقبل، للسعودية، التي من المتوقع أن يلتقي خلالها بقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.
وتعد هذه الجولة الثانية لولي العهد خارج منطقة الخليج بعد زيارته لليابان في 2019، في وقت يعاني فيه العالم من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط الماضي والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها التي فرضت العديد من التحديات والتهديدات التي تتطلب رؤية موحدة للتعاطي معها والخروج بأقل الخسائر.
حراك سياسي.. دلالة التوقيت
قبل ساعات من جولة ابن سلمان شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية قمة ثلاثية بمشاركة العاهل الأردني عبد الله الثاني وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بجانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ناقشوا خلالها العديد من القضايا العربية المشتركة التي فرضتها التحديات الأخيرة.
وتتزامن زيارة ولي العهد مع قمة جدة الخليجية المنتظرة والمقررة في 16 يوليو/تموز المقبل، التي يعول عليها في الخروج بتوصيات تعزز التماسك الخليجي العربي في مواجهة تداعيات الحرب الروسية وأزمة سوق الطاقة العالمي فضلًا عن التموضوعات التي فرضتها التغيرات الواضحة في السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط.
وعلى المستوى الشخصي فإن جولة ابن سلمان – التي من المرجح أنها لن تكون الأخيرة إذ تشير مصادر إلى زيارة أخرى للجزائر الشهر القادم – تتزامن مع مرور 5 سنوات على مبايعته وليًا للعهد في 21 يونيو/حزيران 2017، وهي ما يمكن أن تكون رسالة واضحة نحو تعزيز شرعيته الإقليمية والدولية التي تعرضت لشكوك وشروخات كبيرة جراء سياسته الداخلية والخارجية معًا التي تسببت في تشويه صورة المملكة حقوقيًا على المستوى الدولي.
وتعد زيارة ابن سلمان لمصر هي الثامنة له منذ عام 2015 الذي شهد وحده 3 زيارات في 14 أبريل/نيسان، و29 يوليو/تموز، و15 كانون الأول/ ديسمبر، فيما شهد عام 2016 زيارة واحدة برفقة العاهل السعودي في 7 أبريل/نيسان 2016، التي جرى خلالها توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، فيما جاءت الثالثة مطلع مارس/آذار 2018، وهي الأولى له بعد تنصيبه وليًا للعهد تبعها بزيارة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، ليختتم زياراته السبعة في 11 يونيو/حزيران حين التقى السيسي بمدينة شرم الشيخ.
أما فيما يتعلق بالأردن، فخلال السنوات الخمسة الماضية التقى ولي العهد 4 مرات بالملك عبد الله الثاني (2017 – 2018 – 2019 – 2021)، فيما أُجريت 7 اتصالات بينهما (في الفترة من 22 يونيو/حزيران 2017 حتى 19 أبريل/نيسان 2022) بجانب برقية تعزية بضحايا سيول البحر الميت (غرب)، التي أدت حينها إلى مصرع 21 مواطنًا وإصابة 35 في أكتوبر/تشرين 2018، فيما لم يزر ولي العهد تركيا منذ مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 حين توترت العلاقات بين البلدين بصورة حالت دون ذلك، لتكون زيارة الأربعاء القادم هي الأولى له منذ ذلك التاريخ.
تحديات إقليمية ودولية
تعاني المنطقة العربية تحديدًا – مقارنة بغيرها من مناطق العالم الأخرى – من تداعيات المستجدات التي شهدتها الساحة الدولية، التي على رأسها الحرب الروسية التي وضعت الأمن الغذائي العربي في مأزق، فضلًا عن الهزات العنيفة التي شهدها سوق الطاقة الذي يعد عصب الحياة الأول للخليج.
وعلى مستوى التحديات الجيوسياسية فالنفوذ المتمادي لإيران في المنطقة وتجاوز أذرعها العسكرية لخطوط الأمن القومي الخليجي الحمراء كما هو الحال مع الحوثيين في اليمن، الذين استطاعوا تهديد العمق السعودي والإماراتي على حد سواء، فضلًا عن الضغوط التي تمارسها طهران على الغرب لتمرير الاتفاق النووي بما يتناسب وطموحاتها التوسعية، كل هذا أثار قلق زعماء الخليج الذي يرون في إيران الخطر والعدو الأبرز الذي دفعهم لإعادة النظر في توجهاتهم الخارجية بما فيها العلاقات مع “إسرائيل”.
جل تلك التطورات مثلت تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار المنطقة تزامن مع التغيرات الواضحة في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد جو بايدن وما رافقها من رغبة ملحة في سحب قوى أخرى البساط من تحت الأمريكان لقيادة المنطقة وتعزيز نفوذها كما هو حال روسيا والصين، بجانب توسع النفوذ الإسرائيلي عبر موجات التطبيع المجاني والمكاسب التي حققتها بما يهدد الأمن القومي العربي حتى إن لم تكن هناك ممانعة في هذا التوجه لكن في حدوده الضيقة.
بلورة موقف عربي مشترك
يتضح ابتداءً أن الجولة تهدف إلى بلورة موقف عربي مشترك إزاء التحديات الراهنة، وهو ما ذهب إليه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسن هريدي، الذي أشار إلى أن القمم التي تعقد على مستوى القادة العرب تسعى إلى الوصول إلى رؤية عربية موحدة تجاه عدد من القضايا التي من المتوقع أن يتم طرحها على جدول أعمال قمة جدة المرتقبة منتصف الشهر المقبل.
وألمح إلى أن القمة المقبلة تتميز بخصوصية مغايرة لدوراتها السابقة، كونها تأتي في وقت حساس، وتسبق زيارة للرئيس الأمريكي هي الأولى له منذ توليه السلطة، ويتوقع أن يكون لها تداعياتها على رسم خريطة المنطقة لاحقًا، ومن ثم جاءت تلك الجولة في إطار الإعداد المسبق الجيد لتلك القمة التي سيشارك فيها قادة الرئيس المصري والعاهل الأردني بجانب رئيس الوزراء العراقي.
ويستعرض الدبلوماسي المصري أبرز الملفات المقترح التطرق إليها خلال جولة ابن سلمان، كذلك على هامش أعمال القمة، وعلى رأسها “التهديدات الإيرانية وكيفية التعامل معها والهدنة في اليمن وقضايا الأمن الغذائي للدول العربية وأسعار الطاقة، في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية”، بجانب آفاق التعاون المستقبلي بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والدول العربية حتى عام 2024، بحسب تصريحاته لـ”سكاي نيوز“.
وعن أهمية الحراك الدبلوماسي العربي الراهن يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن جولة ابن سلمان الثلاثية وما سبقها من قمة شرم الشيخ، وخطوط الاتصالات المفتوحة بين زعماء المنطقة، سيكون لها تداعياتها الإيجابية على كل أطراف المعادلة العربية لدعم قضايا الأمة وفي المقدمة منها أمن الخليج والقضية الفلسطينية، مضيفًا في تصريحات له “جملة التحركات المصرية العربية في هذا التوقيت تؤكد ضرورة التنسيق المشترك العربي – العربي في إطار ما يجري من تهديدات إقليمية وتحديات ومخاطر وتهديد أمن الخليج”.
توقيت مهم لجولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله الخارجية لعدد من الدول العربيه الشقيقة ولجمهورية تركيا الصديقة ،
ونسال الله ان تحقق هذه الزيارات الامال المعقودة عليها بتعزيز الحوار والشراكة الاستراتيجية بين هذه الدول ومواجهة التهديدات الاقليمية . #جولة_ولي_العهد pic.twitter.com/oyqF9xzCX6
— عساف بن سالم ابوثنين (@abosalman16) June 20, 2022
5 ملفات في حقيبة ابن سلمان
تستحوذ 5 ملفات رئيسية على حقيبة ابن سلمان خلال جولته الشرق أوسطية، أولها الملف الاقتصادي الذي يحتل مكانة بارزة في قائمة الأولويات، وهو البوابة الأبرز نحو تبريد الأجواء المتوترة نسبيًا، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تحياها المنطقة كجزء من الاقتصاد العالمي المتأثر بطبيعة الحال بتداعيات الحرب الروسية ومن قبلها جائحة كورونا.
فمصر والأردن وتركيا يعانون من أوضاع اقتصادية مأساوية، دفعتهم إلى التراجع خطوة للوراء من أجل تكسير كتلة تلك الأزمة بشتى السبل، ولو على حساب إعادة النظر في سياستهم الخارجية، وهو ما يعيه ابن سلمان جيدًا الذي يسعى هو الآخر لتعزيز حضور بلاده اقتصاديًا عبر أسواق دول المنطقة في إطار سعيه لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الاقتصاد النفطي.
فيما يأتي ملف جزيرتي “تيران وصنافير” ضمن الملفات التي من المتوقع أن يناقشها ولي العهد السعودي مع الرئيس المصري، حيث لم يتم تسليم الجزيرتين حتى الآن رغم تنازل القاهرة عنهما رسميًا في 2016، فيما كانت بعض وسائل الإعلام العبرية قد أشارت إلى وساطة أمريكية بين “إسرائيل” والسعودية ومصر لنقل الجزيرتين لسيادة الرياض بشكل رسمي وهادئ.
ثم تأتي التهديدات الإيرانية كأحد أبرز القضايا الحيوية التي تفرض نفسها على اجتماعات القيادة السعودية في الداخل والخارج، خاصة بعد التجاوزات التي مارستها جماعة الحوثي في الداخل السعودي، فضلًا عن مناطق الاحتكاك المتعددة على أكثر من مسار، فيما يسعى ابن سلمان لاستغلال العلاقات الجيدة للقاهرة وأنقرة مع طهران لمساعدته في هذا الملف.
بعض الأصوات ترى أن التطبيع المصري التركي ربما يكون أحد الملفات المدرجة داخل حقيبة ولي العهد السعودي، لا سيما في ظل التصريحات الإيجابية المتبادلة بين أنقرة والقاهرة مؤخرًا، التي لم ترتق بعد لمستوى التطبيع الدبلوماسي الكامل، فالرغبة في بلورة موقف إقليمي واحد في مواجهة التحديات الراهنة يتطلب طي صفحات الخلاف بين القوى المؤثرة، فيما يميل البعض إلى قدرة الرياض على القيام بهذا الدور خلال زيارة ابن سلمان إلى أنقرة.
أما آخر الملفات الخمسة فيتمحور حول مسعى السعودية تدشين مرحلة جديدة من العلاقات العربية الجيدة والبناءة مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل حالة الفتور التي شهدتها علاقات بلاده مع واشنطن منذ تولي بايدن السلطة، وعليه يحاول ولي العهد تقديم أوراق اعتماده للإدارة الديمقراطية الأمريكية بصورة رسمية خلال قمة جدة المقبلة كزعيم عربي قادر على فرض حضوره وريادته للمنطقة، بما يدفع الأمريكان نحو إعادة النظر في العلاقات مع السلطة السعودية الجديدة الممثلة في الأمير الشاب.
وفي المجمل.. فإن الجولة برمتها تسير في خطين متوازيين، تعزيز حضور ولي العهد السعودي كحاكم فعلي للمملكة على المستوى الإقليمي والدولي، بعد إنهاء العراقيل التي حالت دون ذلك خلال السنوات الماضية (ملف جمال خاشقجي وتهميش إدارة بايدن له) وبلورة موقف عربي يخدم الأجندة السعودية تحديدًا في ضوء التحديات الراهنة التي دفعت الجميع للتخلي نسبيًا عن مرتكزاتها الثابتة.