ترجمة حفصة جودة
يأمل مسؤولو المتاحف السودانية في إعادة القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، التي استولى عليها الجنود البريطانيون ومديرو الاستعمار والمسافرون، قائلين إنها قد تجلب السلام لتلك البلاد غير المستقرة.
تتضمن تلك القطع دروعًا قيمة وأسلحة وملابس ورايات المقاتلين الذين قاوموا القوات البريطانية التي غزت واستعمرت السودان قبل أكثر من 120 عامًا.
من أكثر القطع المثيرة للجدل، جمجمتان من أرض المعركة، عندما حاول المحاربون السودانيون إعاقة تقدم الجيشين المصري والبريطاني، وفي أثناء الاشتباك بأم درمان عام 1898 استخدم القادة البريطانيون بنادق آلية والمدفعية لإسقاط آلاف الضحايا المسلحين بأسلحة خفيفة.
في الخرطوم، كان استعادة البقايا البشرية لهؤلاء الذين قاتلوا في المعركة، أمرًا ذا أهمية بالغة، تقول الدكتورة إجلال المالك – مدير الصيانة بالهيئة الوطنية للآثار والمتاحف -: “يجب أن نقود حملة كبيرة، هؤلاء الناس إخواننا وأبطالنا، لقد وحدوا بلادنا ودافعوا عنها، إنها قصة خاصة لمقاومة الاستعمار، ويجب أن يراهم أسلافهم هنا”.
كان جمع الغنائم في ميدان المعركة أمرًا شائعًا بين الجنود البريطانيين في أثناء الحملات الاستعمارية، وهناك آلاف القطع الأثرية من السودان في المجموعات البريطانية، كان لهذه الانتصارات دلالة خاصة لبريطانيا الفكتورية، فهي تعد انتقامًا لمقتل الجنرال تشارلز غوردون في الخرطوم عام 1885.
استمر الحكم الاستعماري للمملكة المتحدة هناك حتى عام 1956، تُوجد الجمجمتان في متحف التشريح بمدينة إدينبرغ، وقد استولى عليها المستكشف ريغنالد كويتليتز ورائد علم الأدوية ورجل الأعمال هنري ويلكوم، وهناك عدد كبير من الرفات البشري الذي أزاله الأوروبيون الغربيون من إفريقيا.
استُخدم هذا الرفات في الأبحاث العلمية الزائفة لدعم النظريات العنصرية في أثناء الاندفاع لاستعمار القارة بنهاية القرن الـ19.
ترتبط عناصر أخرى في المتحف البريطاني بمعركة أم درمان، بما في ذلك راية قائدي المقاتلين السودانيين، وهي موجودة الآن في مكتبة القصر الأخضر بجامعة دورهام، بالإضافة إلى معطف مبطن ودرع مذهليّن ضمن مجموعة الدروع الملكية.
تضم متاحف أخرى في المملكة المتحدة قطعًا مشابهةً جُمعت في أعقاب الانتصارات البريطانية، يقول المسؤولون السودانيون إنهم يريدون رؤية بعض هذه القطع معروضة في المتحف الجديد الذي سيُفتتح في أم درمان خلال الأسابيع المقبلة، التي ستحكي من منظور جديد قصة استعمار بريطانيا للسودان.
يقول أحمد محمد – أمين المتحف – “أريد أن أكشف التفاصيل الحقيقية لمعركة أم درمان ولا يمكنني القيام بذلك دون هذه القطع، من المهم أن يعلم الشعب السوداني تلك القصة”.
هناك عدد ضخم من الآثار والقطع القيمة السودانية خارج البلاد، وتضم تمثال الإمبراطور الروماني أغسطس في المتحف البريطاني، ومجموعة من المجوهرات الذهبية التي لا تُقدر بثمن
يصرّ محمد على أن المتحف – الذي يُرمم بمنحة من المجلس الثقافي البريطاني – يمكنه توفير الأمن والظروف المناسبة لأي قطع أثرية عائدة من بريطانيا أو أي مكان آخر، وبالفعل عادت بعض القطع إلى السودان، فقد أعادت أسرة بريطانية – استولى أسلافها على غنائم من معركة أم درمان – رداءً لمحارب سوداني من الدراويش.
لكن جميع الأطراف المعنية تعترف بوجود عقبات قانونية وعملية بارزة، فالمالك تقول إنها ضد التسرع في إعادة تلك القطع، وتضيف “يريد بعض أفراد الشعب السوداني إعادة تلك القطع الأثرية الآن، لكنهم بحاجة لإدراك الأمور القانونية، ففي الواقع هناك بعض الصعوبات في السودان، سيكون عظيمًا أن نسترجع كل هذه الآثار الآن، لكنهم الآن في مكان مناسب حيث يمكن أن يراهم الكثير من الناس، لذا يجب أن نكون عقلانيين”.
قال المتحدث باسم جامعة دورهام إن القائمة النهائية لطلبات الإعارة السودانية ما زالت قيد المناقشة، وأضاف “إننا نتعاون عن كثب مع الهيئة الوطنية للآثار والمتاحف في السودان بما في ذلك طلبات إعارة حديثة لبعض العناصر من الأرشيف السوداني لعرضها في السودان، ونحن ندرك وهم يدركون أيضًا أن ذلك لن يحدث دون بعض الصعوبات”.
قال البروفيسور توم غيلينجووتر من متحف التشريح في إدينبرغ، إن المؤسسة تعمل مع العديد من المجتمعات حول العالم لتسهيل إعادة البقايا والآثار، لكنها لم تتسلم طلبًا رسميًا حتى الآن لإعادة جماجم أم درمان.
ويضيف “هذه البقايا التشريحية تُستخدم الآن للبحث عن تاريخ الجينات والأنظمة الغذائية وحركة البشر، إننا نتعامل مع إرثنا الاستعماري وآثاره المعاصرة بكل جدية، ونواصل البحث عن طرق لمعالجة تلك القضايا المهمة”.
وصفت المالك المسؤولين في المتاحف البريطانية بالأصدقاء والزملاء وقالت إنهم متعاونين للغاية.
هناك عدد ضخم من الآثار والقطع القيمة السودانية خارج البلاد، وتضم تمثال الإمبراطور الروماني أغسطس في المتحف البريطاني، ومجموعة من المجوهرات الذهبية التي لا تُقدر بثمن التي نُهبت من المقابر الملكية بواسطة مغامر إيطالي في ثلاثينيات القرن الماضي وانتهى بها الأمر في ألمانيا.
إن قضية استعادة عناصر التراث التي أُخذت بالقوة أو أخذها الغزاة المستعمرون والإداريون والمغامرون هي قضية حساسة مع تزايد الضغط على المؤسسات الغربية في السنوات الأخيرة، في العام الماضي كانت ألمانيا أول دولة تعيد مجموعة لوحات “بنين بروزنز” التي نهبها الجنود البريطانيون في أواخر القرن الـ19، كما أشارت فرنسا إلى تحول بارز في سياستها.
مزقت الصراعات السودان لعقود، وقد حطم الانقلاب العسكري العام الماضي آمال الانتقال السريع للديمقراطية بعد سقوط الديكتاتور المخضرم عمر البشير في 2019.
أكد المسؤولون السودانيون أنهم لا يسعون لاسترجاع أي قطع أثرية نُقلت بموجب اتفاقات قانونية أو أي قطع أخرى لم يتمكنوا من الحفاظ عليها.
رُمم المتحف الوطني في الخرطوم بمنحة قدرها مليون دولار من الحكومة الإيطالية، وما زال العمل جاريًا في متحف جنوب غرب دارفور.
تقول غالية جار النبي – القائمة بأعمال مدير المتحف الوطني -: “الوضع هنا ليس مناسبًا، في الوقت الحاليّ يجب أن تبقى الآثار حيث هي الآن، لكننا في النهاية سنرغب بالطبع في إعادتها إلى متحفنا”.
المصدر: الغارديان