قبل سنتين ونصف اتهمت السلطات الجزائرية نظيرتها المغربية بجلب العدو الإسرائيلي إلى حدودها الغربية وتهديد أمن المنطقة القومي، وحينها اعتبر البعض أن الجزائر تفتعل الأزمات وتخلق العداوات مع المغرب لغايات داخلية.
لكن مع مرور الوقت تبين صحة الاتهامات الجزائرية، فقد حط فعلًا جنود إسرائيليون في الأراضي المغربية للمشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي” المُقامة في مناطق واسعة من المملكة وبمشاركة العديد من الدول بما فيها تونس التي قال رئيسها ذات يوم “التطبيع خيانة عظمى”.
الأسد الإفريقي
انطلقت مناورات الأسد الإفريقي أول أمس الإثنين على أن تتواصل حتى الأول من يوليو/تموز المقبل، بهدف “تطوير قابلية العمل المشترك التقني والإجرائي بين القوات المسلحة الملكية وقوات البلدان المشاركة، وكذا التدريب على تخطيط وقيادة عمليات مشتركة في إطار متعدد الجنسيات”، وفق القوات المسلحة الملكية المغربية.
تشمل المناورات مناطق أكادير وطانطان وتارودانت وبن جرير (وسط) والقنيطرة (شمال)، فضلًا عن منطقة المحبس التي تقع في الصحراء وعلى خط التماس عند الحدود مع الجزائر، وهي المرة الثانية على التوالي التي تحتضن فيها المنطقة جزءًا من المناورات.
من شأن مشاركة الإسرائيليين في هذه المناورات أن تنمي مشاعر العداء بين المغرب والجزائر
تشمل المناورات بالإضافة إلى التكوينات المتعلقة بالجوانب ذات الصلة بالعديد من المجالات العملياتية، تدريبات على عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية والتمرينات البرية والمحمولة جوًا والجوية والبحرية وإزالة التلوث (النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيميائي).
تعود أول نسخة من هذه المناورات إلى سنة 2007، وهي تُجرى سنويًا، لكن أقيمت أحيانًا أكثر من نسخة في العام الواحد، وتعد “الأسد الإفريقي”، كتمرين مشترك متعدد الجنسيات، أحد التدريبات الرئيسية والكبرى التي تنظمها وتديرها القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم) بشراكة مع القوات المسلحة الملكية المغربية.
وتعد مناورات “الأسد الإفريقي” استمرارية للتعهد الإستراتيجي للإدارة الأمريكية والتعامل مع الملف الإفريقي في إطار وضع إستراتيجية عسكرية مناسبة قائمة على المرتكزات الأمريكية الأمنية، لذلك يحرص الأمريكان على مشاركة أكبر عدد ممكن من الجيوش.
جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الجزائرية
قدّرت ميزانية هذه السنة بـ36 مليون دولار، وتضم مناورات “الأسد الإفريقي” لهذا العام 7500 جندي من المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وتشاد وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة والسنغال وغانا.
فضلًا عن هذه الدول، يشارك الكيان الإسرائيلي في المناورات لأول مرة، ويمثل مراقبون عسكريون كيان الاحتلال في هذه المناورات التي تعتبر الكبرى في القارة الإفريقية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها.
تأتي مشاركة الكيان الإسرائيلي في هذه المناورات بعد 18 شهرًا تقريبًا من التطبيع الدبلوماسي مع المغرب، تحت رعاية الإدارة الأمريكية السابقة لدونالد ترامب، تبع هذا التطبيع تسريع العلاقات العسكرية بين المغرب و”إسرائيل”، وهي الأولى من نوعها في العالم العربي.
معلومات عن #الأسد_الإفريقي
-هذه هي النسخة 18 وتدوم 10 أيام،
-7500 جندي مشارك من المشاة والبحرية والجو،
-18 دولة مشاركة ولأول مرة #إسرائيل??
-انطلقت اليوم 20 يونيو من #أغادير
-جزء منها سيقام بالمحبس على مقربة من البوليساريو،
-وجزء آخر سيقام في #تونس #غانا و #السينغال pic.twitter.com/z9TSNbUCJa
— IFARRANE Said (@ifarrane) June 20, 2022
باعتبار أن جزءًا من المناورات سيشمل منطقة المحبس في الصحراء الغربية المتنازع عليها ومخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف حيث تتمركز حركة استقلال البوليساريو، فإن الإسرائيليين سيكونون فعلًا على خطوط التماس مع الجزائر.
وتأتي المناورات وسط تصاعد التوترات بشأن الصحراء الغربية منذ اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيادة المغربية على المنطقة عام 2020 مقابل إعادة الرباط العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن دونالد ترامب موافقة المغرب على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مقابل توقيعه اعترافًا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ العام 1975، ليصبح المغرب الرابع عربيًا الذي ينضم إلى حظيرة التطبيع خلال عام 2020، وبهذا التطبيع أصبحت الرباط العاصمة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات رسمية مع الاحتلال الصهيوني.
عقب ذلك مباشرة، أشارت الجزائر إلى “الأعمال العدائية” من المغرب وانتقدت التعاون الأمني لجارها الشرقي مع “الكيان الصهيوني”، ورأت وجود إرادة أجنبية حقيقية لوصول “الصهيونية” إلى حدودها، وكان هذا الأمر سببًا مقنعًا لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية.
أكدت مناورات الأسد الإفريقي المخاوف الجزائرية وأثبتت أن الكيان الصهيوني أصبح له موضوع قدم في دول المغرب العربي
من شأن مشاركة الإسرائيليين في هذه المناورات أن تنمي مشاعر العداء بين المغرب والجزائر، إذ ترى السلطات الجزائرية الحاكمة أن للكيان الإسرائيلي دورًا كبيرًا في توتر العلاقات مع الجارة الغربية، فمنذ أن طبعت الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، شهدت العلاقات الجزائرية المغربية تراجعًا كبيرًا وتوترًا ينذر بأزمة كبرى بين الشقيقين في حال لم يتم تدارك الأمر بينهما.
وكرد مسبق على هذه المناورات، نظمت الجزائر بين 8 و13 يونيو/حزيران الحاليّ تمارين عسكرية حول مدينة تندوف المجاورة للمغرب والصحراء الغربية، ونفذ الجيش الجزائري عرضًا بدباباته وطائراته المقاتلة وطائراته المروحية وجرت معظم التدريبات في منتصف الليل، ما وضع القوات المسلحة الملكية المغربية في حالة تأهب.
تطبيع تونسي
إلى جانب مشاركة الدول المذكورة في الأعلى والكيان الإسرائيلي، تشارك تونس أيضًا في هذه المناورات وهي الدولة الوحيدة التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية رسمية مع الكيان الإسرائيلي لكن يبدو أن الواقع عكس ذلك، حيث تحتضن تونس جزءًا من هذه المناورات، ما سيجعل الجنود التونسيين يعملون إلى جانب المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، ما من شأنه أن يؤثر في مصداقية الرئيس قيس سعيد الذي قال قبل توليه الرئاسة بيومين إن التطبيع خيانة عظمى.
من جانبه دعا الحزب الجمهوري إلى الانسحاب الفوري لتونس من المناورات، وطالب الحزب الجهات الرسمية بتقديم كشف مفصل للشعب التونسي عن خلفيات المشاركة في هذه المناورات إلى جانب الكيان الإسرائيلي.
وأدان الجمهوري بشدة انخراط منظومة 25 يوليو/تموز في مسار التطبيع على أكثر من صعيد وحمّل رئيس الجمهورية المسؤولية الكاملة عن انتهاج سياسة تضرب في العمق الثوابت الوطنية للشعب التونسي ودولته المنحازة لقضايا أمتها في التحرر والانعتاق من نير الاحتلال.
ونبه إلى أن الانخراط في سياسة المحاور المعادية لمصالحنا الوطنية والقومية سيكون له أسوأ الأثر على علاقاتنا بمحيطنا الإقليمي ويشكل طعنةً في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يواجه ببسالة آلة الحرب الصهيونية.
فضيحة عملية تطبيع سياسي عسكري مع الكيان المحتل
تونس تشارك في اكبر مناورات عسكرية في افريقيا على ارض المغرب أطلق عليها إسم ” الأسد الافريقي 2022″ بميزة خاصة لجيش الاحتلال .
منظومة 25 جويلية هي منظومة التطبيع و الانخراط في مسار يعزز محور اسرائيل مصر الامارات
— yasmina (@yasmina25114795) June 21, 2022
عرفت تونس مؤخرًا تنامي موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ شهدت البلاد مؤخرًا موجة تطبيع غير مسبوقة، فقد استقبلت رحلات جوية مباشرة من تل أبيب وجلس وزير دفاعها إلى الطاولة نفسها مع وزير الدفاع الإسرائيلي.
وقبل أيام تحدّثت وسائل إعلام صهيونية عن وجود رغبة تونسية في الدخول بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، وأشارت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية إلى أن الرئيس قيس سعيّد أوعزَ بتسهيل زيارات الإسرائيليين إلى بلاده، لكن المعارضة في الداخل حالت دون رغبته في المضيّ بمساعي التطبيع مع “إسرائيل”.
مناورات العسكرية “الأسد الإفريقي 2022” على أرض المغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة عدة دول منها تونس.وحضور اسرائيل لاول مرة
الشعب التونسي يؤيد ويساند بقوة القضية الفلسطينية والحكومة ???تتجه نحو التطبيع #ضد #التطبيع#ضد #الانقلاب
— radhia brahmi (@brahmi_radhia) June 22, 2022
كما سبق أن رشح وزراء في حكومة الاحتلال أن تنضمَّ تونس في وقت قريب إلى “حظيرة التطبيع” والرباعي العربي، ونقصد الإمارات والمغرب والسودان والبحرين التي أعنت تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع كيان الاحتلال قبل سنة ونصف من الآن.
أكدت مناورات الأسد الإفريقي المخاوف الجزائرية وأثبتت أن الكيان الصهيوني أصبح له موضوع قدم في دول المغرب العربي الأمر الذي من شأنه أن يزيد التوتر في المنطقة ويسهم في مزيد من خلق البلابل والفتن بين دول المنطقة.