يبدو أن التداعيات المستمرة لمسلسل الخروقات الاستخباراتية والأمنية التي تتعرض لها إيران اليوم، لم تتوقف عند اغتيال ضباط الحرس الثوري والعلماء النوويين العاملين في البرنامج النووي الإيراني، بل تصاعدت لتشمل إقالة رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، بناءً على أوامر صدرت من قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، وتعيينه مستشارًا له، حسبما أعلن ذلك التلفزيون الرسمي الإيراني أمس الخميس.
سلسلة من الإخفاقات
طائب الذي عُرف بعلاقاته الوثيقة بمكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وقربه من مجتبى خامنئي نجل المرشد، لم يعُد بإمكانه الحفاظ على ثقة خامنئي وجنرالات الحرس الثوري، بعد سلسلة الخروقات الاستخباراتية التي طالت إيران مؤخرًا، وفشله في إيقاف العديد منها، والأكثر من ذلك لم يستطع رد اعتبار الحرس الثوري أمام “إسرائيل”، بعدما فشلَ في أكثر من مناسبة في اصطياد أهداف إسرائيلية في الداخل التركي.
فكما جاء في صحيفة “حريت” التركية في عددها الصادر أمس الخميس، فإن أحد المهام التي كانت ملقاة على عاتق طائب في الفترة الأخيرة هي ضرب أهداف إسرائيلية داخل إسطنبول، ومنها السفير الإسرائيلي وزوجته، حيث تمكّن جهاز الموساد الإسرائيلي من نقلهما إلى تل أبيب بطائرة خاصة، بعدما تمَّ كشف مخطط طائب، ما أدّى إلى تصاعد الأصوات داخل الحرس الثوري مطالبةً باستبداله لفشله أكثر من مرة.
لم تتوقف الإخفاقات الاستخباراتية التي واجهت طائب عند هذا الحد، بل أدّى نجاح “إسرائيل” في تحقيق سلسلة من الاختراقات داخل جهاز استخبارات الحرس الثوري، وتجنيدها لعدد كبير من الضباط والعناصر الأمنية الإيرانية لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي، إلى كشف جزء واسع من قاعدة بيانات الحرس الثوري في الداخل والخارج.
هذا فضلًا عن الحصول على معلومات حساسة عن المواقع النووية والبرامج الصاروخية، ما أدّى إلى ترسيخ القناعة لدى المرشد الأعلى بأن طائب لم يعد قادرًا على الاستمرار، فرغم أن قرار الإقالة صدر عن سلامي، إلا أن الأمر المباشر صدر عن خامنئي بالنهاية.
إذ تحدثت قناة “كان” الإسرائيلية في تقرير لها نُشر في 17 يونيو/ حزيران الجاري، أن الأجهزة الأمنية الإيرانية بدأت مؤخرًا ممتعضة من سلوك طائب، الذي أوقعها في مزيد من الإحراجات في الداخل والخارج، وأظهرَ إيران بمظهر العاجز الذي لا يستطيع أن يردع “إسرائيل”، وأنه لا بدَّ من إقالة طائب من أجل إعادة التوازن داخل مؤسسة الحرس الثوري، التي أصبحت اليوم فاقدة الثقة بقدرتها على الاستمرار.
ومن الأمور الثانوية الأخرى المتعلقة بإقالة طائب، هي التغريدة التي نشرها مخرج مسلسل الاستخبارات الإيراني الشهير “Gando”، مجتبى آماني، والذي حاولَ في هذه المسلسل عرض العمليات الاستخباراتية الناجحة للحرس الثوري داخل وخارج إيران، وتساءلَ آماني في هذه التغريدة عن سبب التعثر الكبير الذي أصاب جهاز استخبارات الحرس الثوري في الآونة الأخيرة، قائلًا: “إن هذا الأمر يدعو للتساؤل”.
كاظمي بديلًا لطائب
يبلغ محمد كاظمي، أو كما يُعرف بـ”الحاج كاظم”، نحو 65 عامًا من العمر، وهو من أهالي مدينة سمنان في شرق طهران، كان عضوًا في اللجان الثورية التي تشكّلت لمواجهة ما وُصف بـ”القوى المعارضة للثورة” خلال الثمانينيات، والتي انضمّت بعد فترة وجيزة إلى وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، خلال ما عُرف باسم “مسلسل القتل” لتصفية المفكّرين والشعراء والكتّاب المعارضين عام 1998 خلال فترة رئاسة محمد خاتمي.
حاولت السلطات حينها وضع حدّ لتلك الفضيحة وإبعاد التهمة عن النظام، فكُلّف كاظمي بالتحقيق مع عناصر في المخابرات اتُّهموا بتنفيذ تلك الجرائم، وكان كاظمي رئيسًا سابقًا لمنظمة حماية المعلومات في الحرس الثوري، حيث كان يُعرف بـ”رجل الظل” بسبب أنشطته السرّية خلف الستار، وكذلك شارك في تنفيذ عمليات خارجية تجسُّسية وعملياتية ضد المعارضين واختطافهم واغتيالهم.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة حماية المعلومات في الحرس الثوري هي منظمة استخبارات مركزية مستقلة عن هيئة الأركان العامة للحرس الثوري، وتحت الإشراف المباشر لمكتب المرشد الأعلى، مسؤولة عن جمع ومعالجة وصيانة المعلومات العسكرية والمتخصصة من وحدات الحرس الثوري الأخرى، والحصول على المعرفة اللازمة لوضع الأعداء الداخليين والخارجيين للحرس الثوري وإيران، وكذلك التصدي للعمليات العدائية.
ممّا لا شكّ فيه أن كاظمي سيحاول إعادة التوازن داخل جهاز استخبارات الحرس الثوري، وذلك عبر إعادة تشكيل شبكة العلاقات التي حكمت الجهاز خلال الفترة الماضية، سواء على مستوى الهرم القيادي أو العمليات الاستخباراتية، إذ سيكون أمام تحديات كبيرة أبرزها الحصول على ثقة المرشد الأعلى وجنرالات الحرس الثوري.
هذا فضلًا عن كسب ثقة حلفاء الحرس في الدول التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، والأهم من كل ذلك استثمار قربه من المستشار العسكري للمرشد الأعلى، الجنرال أصغر حجازي، في ترسيخ موقعه داخل الحرس الثوري، وتحديدًا بالضدّ من الشبكة التي ترتبط بطائب، والتي سوف تتضرر من عملية إقالته.
بالإضافة إلى ما تقدّم، يقع على عاتق الرئيس الجديد مواجهة العديد من الأنشطة المتمثلة بالاضطرابات الداخلية التي تمرُّ بها إيران، إلى جانب تفكيك أغلب الشبكات الاستخباراتية التي نجحت “إسرائيل” بتشكيلها، وتفعيل عمليات وحدات مكافحة التجسُّس للحدّ من عمليات الاغتيال التي تطال الضباط والعلماء.
والأهم من كل ذلك هو كبح جماح الهجمات السيبرانية المتصاعدة، التي طالت المواقع النووية وأجهزة الطرد المركزي، من أجل الحفاظ على الحظوظ النووية الإيرانية، خصوصًا مع تعثُّر المحادثات النووية في فيينا.
إجمالًا، إن تعيين شخصية مثل كاظمي محل طائب على رأس جهاز استخبارات الحرس الثوري، يشير إلى توجه واضح لدى المرشد الأعلى في منح هذا المنصب لشخصية أكثر احترافًا في العمل الاستخباراتي.
فالموقع الذي كان يشغله كاظمي في حماية أمن المعلومات داخل الحرس الثوري، يعني أنه بمثابة الصندوق الأسود للنظام الإيراني برمّته، وهو ما يجعله أكثر قدرة على الحركة واتخاذ القرار، على خلاف طائب الذي كان يتلقّى منه المعلومات حسب الضرورة.
ومن ثم رغم السجلّ المهني الذي يمتلكه كاظمي، إلا أن مسألة نجاحه أو إخفاقه في إدارة جهاز استخبارات الحرس الثوري في المرحلة المقبلة، ستتوقف على طبيعة تعامله مع التهديدات الإسرائيلية والأمريكية داخل وخارج إيران، ما سيجعله أمام اختبار صعب للغاية لإثبات مدى صحّة قرار خامنئي في اختياره لهذا المنصب المهم في فترة حرجة تمرُّ بها إيران اليوم.