ترجمة وتحرير: نون بوست
نظر إبراهيم سعدون بعينين هائمتان في عدسة كاميرا قناة “روسيا اليوم” وقال: “مرحبًا أبي، أمي. أنا بخير هنا، لا تقلقا علي. كل شيء سيصبح على ما يرام”.
في اليوم السابق ليوم 10 يونيو/حزيران، حكم على المغربي البالغ من العمر 21 عامًا بالإعدام من قبل المحكمة العليا لجمهورية دونيتسك الشعبية، وهي منطقة انفصالية موالية لروسيا في أوكرانيا، إلى جانب مواطنِيْن بريطانيين.
ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس عن مسؤول قضائي قوله إن الرجال أدينوا بارتكاب “أنشطة مرتزقة وارتكاب أعمال تهدف إلى الاستيلاء على السلطة والإطاحة بالنظام الدستوري لجمهورية دونيتسك الشعبية”.
وخلال البث القصير الذي بثته قناة “روسيا اليوم” الإخبارية الناطقة بالعربية، لم يعلق سعدون على الحكم. لكنه أجاب على أسئلة الصحفي حول طريقة معاملته قائلا: “اليوم، عاملوني بشكل أفضل من البارحة. كنت مستعدًا لأي شيء عندما سلمت نفسي”، مضيفًا: “لكنني أريد أن أعيش”.
بعد تجنيده في الجيش الأوكراني، أكد أنه يتقاضى راتبًا شهريًّا يتراوح بين “10500 و11000 هريفنيا (أي ما يعادل 371 دولارًا)”، وتضاعف هذا الراتب ثلاث مرات عندما أصبح على خط المواجهة.
على عكس التقارير التي ظهرت عبر وسائل الإعلام، لم يُقبض على سعدون من قبل الجيش الروسي، حسبما ما صرح به مقربون منه لموقع ميدل إيست آي، وأكدوا أنه استسلم خلال معركة في منطقة دونباس، دارت في نيسان/أبريل الماضي، بينما كان يرتدي زي لواء ماريوبول 36 مشاة البحرية.
British citizens Aiden Aslin and Shaun Pinner, and Moroccan national Saadoun Brahim, all of whom fought on contract with Ukraine’s military, have been sentenced to death by the Kremlin’s puppet authorities in Donetsk in show trial that lasted mere days. They were not mercenaries. pic.twitter.com/QYGOEkHXHE
— Christopher Miller (@ChristopherJM) June 9, 2022
لكن كيف انتهى المطاف بهذا الشاب المغربي هنا؟ كان سعدون واحدًا من 8 آلاف طالب من المغرب يدرسون في أوكرانيا، التي تضم ثاني أكبر مجموعة للطلاب الأجانب في البلاد. وكان يدرس في كلية كييف للديناميكا الهوائية وتكنولوجيا الفضاء لمدة سنتين.
وفي هذ الصدد، صرحت ليليا أليكسانوفا، التي قابلته في صيف تلك السنة في ريف بالعاصمة، خلال مقابلة أجرتها معه موقع ميدل إيست آي: “في خريف 2021، قبل اندلاع الحرب بفترة طويلة، غادر للانضمام إلى الجيش الأوكراني”.
وقد وصفت هذه الشابة الأوكرانية البالغة من العمر 19 عامًا، والتي تعيش الآن في بوسطن، سعدون بأن طالب يتمتع بالكثير من التعاطف غير متناهي، ولذلك “كان شخصًا محبوبًا بفضل طريقة تواصله التلقائية مع كل من التقى بهم”.
وقالت أليكسانوفا إن سعدون “وقع في حب أوكرانيا، بسبب حبه لريفها، وكثيرًا ما كان يتحدث عن رغبته في رد الجميل للبلد الذي قدم له الكثير”. وبحسب أليكسانوفا، رأى سعدون في الجيش “نوعًا من التنفيس عن النفس”، مما مكنه من تطهير كل ميولاته السلبية، وتحديدا كل الأمور التي كانت تثير قلقه.
وأردفت أليكسانوفا، التي ترفض أن ينعت أي شخص صديقها “بالمرتزق” قائلة: “لقد أجرينا محادثات طويلة حول صحته النفسية. كان يعلم أنني أعاني من القلق، لقد ساعدني بشكل كبير في التغلب على الصعوبات التي واجهتها”.
وأضافت قائلة: “لم يلتحق بالجيش من أجل المال ولا للحصول على جواز سفر. لقد فعل ذلك عن قناعة شخصية، قبل الغزو الروسي بوقت طويل”.
وتابعت: “بقينا على اتصال بعد أن غادرت إلى الولايات المتحدة. لكنه توقف فجأة عن الرد على رسائلي في آذار/مارس. في المرة الأولى التي رأيت فيها وجهه على مقطع فيديو صوره مؤثر دعاية روسي، صُدمت، لأنني لم أتعرف على إبراهيم الذي كنت أعرفه. في النهاية، كنت سعيدًة فقط لأنه عرفت أنه على قيد الحياة “.
“أسير حرب”
الآن يقول أصدقاء سعدون الأوكرانيون إنهم نظموا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام هاشتاغ #أنقذ_إبراهيم للدفاع عنه من خلال سرد الحقيقة بشأن تجربته في أوكرانيا. في كييف، ونُشرت ملصقات تحمل وجهه في الأماكن العامة كجزء من الحملة.
في هذ السياق؛ أوضحت أليكسانوفا “العالم بحاجة إلى أن يعرف أنه ليس مرتزق، وأنه لا ينبغي معاملته على هذا النحو…إنه أسير حرب”، ويشكك أصدقاء سعدون الأوكرانيون أيضًا في مزاعم والد سعدون بأن ابنه لديه جواز سفر أوكراني، وقالوا إن “هذا غير صحيح، حيث إن لدى إبراهيم تصريح إقامة في أوكرانيا ساري المفعول حتى سنة 2024″، وأضافوا: “لدينا نسخ من جميع وثائقه الرسمية، ولم يكن والده على اتصال به لفترة طويلة. لقد خلط بين المصطلحات في الترجمة وقال إن لديه جواز سفر، لكن هذا ليس هو الحال على الإطلاق”.
A lot of attention has been focused on the 2 British men sentenced to death by a court in a Russian-backed, self-proclaimed separatist enclave in the Donbas. Alongside them is this man, 21 year-old Moroccan national Brahim Saadune. He came to Kyiv as a technology student… /1 pic.twitter.com/RS5K7kCgGp
— Catherine Norris Trent (@cntrentF24) June 12, 2022
في الواقع؛ لم تكن مهمة أصدقاء سعدون الأوكرانيين مهمة سهلة، ففي 15 حزيران/يونيو، أعلن رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين: “عقوبة الإعدام هي العقوبة التي يستحقها هؤلاء الفاشيون”. ربما لم يكن يشير مباشرة إلى سعدون، لكن كلماته جاءت بعد أقل من أسبوع من صدور الأحكام بحق المغربي ورفيقيه البريطانيين.
وأضاف فولودين أنه سيكون من “العدل” فرض عقوبة الإعدام في جمهورية دونيتسك الانفصالية “خاصة في أوقات الحرب”.
في المقابل؛ كانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد صرحت قبل أيام قليلة أن محاكمة الجنود الأجانب الثلاثة تصنف “جرائم حرب”.
وفي جلسة استماع طارئة عقدت في 16 حزيران/ يونيو، في اليوم التالي لتصريحات فولودين، طلبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من موسكو عدم إعدام سعدون.
وعلى الرغم من استبعاد موسكو في منتصف آذار/مارس من مجلس أوروبا، إلا أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مقتنعة أن روسيا لا تزال ملزمة بالامتثال لقراراتها.
لا مبالاة المغرب
على الرغم من متابعة وسائل الإعلام المحلية هذه القضية في المغرب، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا إجبار الحكومة على مساعدة سعدون.
وقد التزمت السلطات الصمت بشأن هذا الملف، واقتصرت السفارة المغربية في كييف على نشر بيان صحفي جاء فيه أن سعدون “تم القبض عليه وهو يرتدي زي الجيش الأوكراني، كعضو في وحدة من مشاة البحرية الأوكرانية”، وأنه “مسجون حاليًا من قبل كيان لا تعترف به لا الأمم المتحدة ولا المغرب”، ولم تنشر السفارة أي بيان آخر بعد ذلك.
وفي شأن ذي صلة، أكدت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان أنها أرسلت رسالة إلى نظيرها الروسي تطلب منه “التدخل قدر الإمكان للحفاظ على حقوق المواطن المغربي إبراهيم سعدون”.
وأضافت أنها التمست من منتدى حقوق الإنسان الروسي: “بذل قصارى جهده لضمان تمتع إبراهيم سعدون من محاكمة وجولة استئناف عادلة”.
المصدر: ميدل إيست آي