قفزت خلال الأيام الأخيرة إلى واجهة الاهتمامات، وبمناسبة يوم اللاجئ العالمي الذي حددته الأمم المتحدة في 20 يونيو/حزيران من كل عام، قضية اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة التي يعيشها لبنان هذه الأيام.
وقد برزت مسألة اللاجئين في ضوء التصريح الذي أدلى به البطريرك الماروني، بشارة الراعي، ودعا فيه الأسرة الدولية للتخفيف عما أسماه كاهل لبنان المرهق اقتصاديًا ومعيشيًا، من خلال إيجاد حل نهائي لوجود اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على أرض لبنان.
وقال الراعي: “الإنسانية والأخوية التي نكنها لهذين الشعبين الشقيقين، لا تلغي التفكير الوطني بمصلحة لبنان. لا يمكن القبول بأن أطرافًا عديدةً، لا سيما على الصعيد الدولي، تعتبر اللاجئين والنازحين واقعًا لا بد من التكيف معه إلى حد الدمج والتوطين والتجنيس”.
بدوره دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال رعايته في السرايا الحكومية إطلاق “خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023″، “المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحبًا على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.
بؤس وتعتير
وإذا كان البطريرك الراعي والعديد من المسؤولين خاصة في الأحزاب ذات الأكثرية أو الكثافة المسيحية لا يتركون فرصة إلا ويعبرون فيها عن استيائهم من وجود اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية ويدعون إلى إعادتهم إلى سوريا بالنسبة للاجئين السوريين، وترحيلهم عن لبنان بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، فإنها المرة الأولى التي يدلي بها مسؤول بمستوى رئيس الحكومة اللبنانية بهذا الموقف أو التصريح الذي توجه به الرئيس نجيب ميقاتي إلى المجتمع الدولي وإلى الدول الغربية والأوروبية على وجه التحديد من أجل القيام بدورها وتقديم المساعدة إلى لبنان حتى يصبح لديه القدرة والإمكانية على تحمل أعباء اللاجئين وإلا لبنان سيعيدهم إلى سوريا.
وهو ما لن يحصل لاعتبارات بعضها يتصل بالجانب الأمني ومدى اطمئنان الناس على حياتها ومستقبل أبنائها، ومنها ما يتصل بالجانب المادي والاقتصادي حيث تعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة لا تقل حدة وخطورة عن لبنان، الأمر الذي يقف عائقًا أمام عودة اللاجئين السوريين، بل على العكس من ذلك فإن أي تشديد عليهم في لبنان، وأي إجراءات إضافية تضاعف من حجم معاناتهم ستدفعم للتفكير بالهجرة عبر البحر إلى أوروبا بشكل أساسي وربما منها إلى دول أخرى في أمريكا أو غيرها.
والرئيس ميقاتي يعرف ويدرك أن أوروبا في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه حاليًّا منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا لن تكون مستعدة لاستضافة أي لاجئ جديد، وبالتالي فإن الموقف اللبناني بالتلويح بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا بمثابة ورقة ضغط للحصول على المزيد من التمويل الذي يمكن أن يخفف ولو قليلًا من حجم وتأثير الأزمة الاقتصادية على لبنان.
تم تسجيل نحو 865 ألف لاجئ سوري لدى المفوضية في لبنان في نهاية عام 2020
أما بالنسبة للتصريح الذي أطلقه البطريرك الراعي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان حتى لو كان ذلك على حساب تشتتهم في بقاع الأرض، لأن “إسرائيل”، بحسب موقف الراعي، لن تعيدهم إلى بلدهم، فهو موقف خطير جدًا ويصب في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية، وبغض النظر عن النوايا التي ينطلق منها صاحب الموقف.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المسؤولين الفلسطينيين، سواء في السلطة الفلسطينية ومن يمثلها في لبنان أم في الفصائل الأخرى التي لا ليس لها تمثيل في منظمة التحرير الفلسطينية، فإنهم جميعًا يجمعون على رفض التوطين في لبنان، ويؤكدون على التمسك بحق العودة، رغم حالة البؤس “والتعتير” التي يعيشونها في مخيمات اللجوء بلبنان.
تحت خط الفقر
أما بالنسبة لأعداد اللاجئين في لبنان فإن تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أنه قد تم تسجيل نحو 865.531 لاجئ سوري لدى المفوضية في لبنان في نهاية عام 2020، بينما قدرت أعداد اللاجئين السوريين المقيمين فعليًا على الأراضي اللبنانية بما يقارب مليون ونصف لاجئ سوري بينهم نحو 600 ألف يعيشون في الخيام في نحو 2800 تجمع لمخيمات عشوائية.
في حين أشارت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في لبنان نحو 200 ألف لاجئ موزعين على 12 مخيمًا ويعيشون أوضاعًا صعبة ومزرية، وعلى مناطق سكنية أخرى.
وفيما يتصل بالوضع الذي يعيشه اللاجئون السوريون والفلسطينيون في لبنان تؤكد دراسات مفوضية شؤون اللاجئين أن ما يقارب من 90% من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان باتوا تحت خط الفقر، بينما يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أوضاعًا صعبة في المخيمات التي تعيش شبه حالة حصار، إذ تمنع القوانين إدخال العديد من المواد إليها لا سيما مواد البناء وغيرها مما يمكن أن يخفف من عبء الحياة على اللاجئين، فضلًا عن أن اللاجئين ممنوعون من العمل في الكثير من القطاعات والوظائف، والقطاعات المحدودة المسموح لهم العمل بها تكاد تنحصر بالزراعة وقطاع عمالة البناء والحرف اليدوية البسيطة.
أما بخصوص رفد اللاجئين للدورة الاقتصادية اللبنانية فإن مفوضية اللاجئين التي تتابع أوضاع اللاجئين السوريين تؤكد أنها ساعدت من خلال برنامج المساعدات النقدية 30% من العائلات اللاجئة، ونقلت جريدة النهار عن المتحدثة باسم المفوضية في لبنان ليزا أبو خالد أن المفوضية زادت قيمة المساعدات النقدية المتعددة الأغراض والمساعدات الغذائية على التوالي من 400.000 ليرة لبنانية إلى 800.000 ليرة لبنانية للأسرة الواحدة في الشهر، ومن 100.000 ليرة لبنانية إلى 300.000 ليرة لبنانية للفرد الواحد في الشهر بالنسبة إلى المساعدات الغذائية، اعتبارًا من شهر سبتمبر/أيلول 2021، وذلك بناءً على ما تم التوافق عليه مع الشركاء الحكوميين وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات الشريكة.
هذا يعني أن الدورة الاقتصادية اللبنانية تتلقى أموالًا من المانحين والكافلين الدوليين على حساب تغطية اللجوء السوري في لبنان، وهذه الأموال ترفد الدورة الاقتصادية وإن كانت في مكان آخر تصنع فارقًا على مستوى الدخل الفردي مع المواطنين اللبنانيين وهذا ما يجب التنبه له حتى لا توجد فجوة اقتصادية بين المواطن واللاجئ ويكون مدعاة لإثارة النزاعات أو إطلاق دعوات الترحيل حتى لو كانت على حساب الجانب الإنساني أو الحقوقي.
يعاني اللاجئون السوريون والفلسطينيون كالمواطنين اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية والمعيشية الضاغطة على الجميع في لبنان، وربما تزداد معاناة اللاجئين بالنظر إلى القوانين التي تحرمهم من العمل
وفيما يتصل بإنفاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فإنها أيضًا تقدم خدمات إنسانية كثيرة تشمل التعليم الابتدائي والمهني والرعاية الصحية الأولية وشبكة الأمان الاجتماعي والدعم والبنية التحتية وتحسين المخيمات والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة وغيرها، وكلها خدمات يصب الإنفاق عليها في الدورة الاقتصادية اللبنانية، ناهيك بأن جزءًا من ميزانيات السلطة الفلسطينية أو الفصائل الفلسطينية تُصرف في لبنان، فضلًا عن الأموال والمساعدات التي يتلقاها اللاجئون الفلسطينيون من ذويهم في المهجر – سواء في الدول العربية أم أوروبا أم أمريكا – التي تشكل موردًا ومصدرًا مهمًا لتعزيز الدورة الاقتصادية اللبنانية.
يعاني اللاجئون السوريون والفلسطينيون كالمواطنين اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية والمعيشية الضاغطة على الجميع في لبنان، وربما تزداد معاناة اللاجئين بالنظر إلى القوانين التي تحرمهم من العمل في الكثير من القطاعات، بل وتزيد الإجراءات القانونية التي تشرع وجودهم على الأراضي اللبنانية من هذه المعاناة، وهذا يجعلهم يعشيون أزمة إضافية تدفعم إلى الصبر على المعاناة أو البحث عن رحلة فيها الكثير من المخاطرة عبر البحر بحثًا عن مكان أفضل وهو ما كشفته الفاجعة التي مني بها أبناء مدينة طرابلس والشمال قبل بضعة أشهر عندما غرق مركب كان يقل عددًا من اللبنانيين واللاجئين السوريين نحو المجهول.
وبانتظار الحلول الحقيقية التي ترسي نوعًا من الاستقرار النسبي على المستويات كافة في سوريا بدءًا من ضمان الحريات والحقوق، وبانتظار تحقيق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، سيظل اللاجئ السوري والفلسطيني يعيش المعاناة في لبنان وسيظل عرضة للتهديد بالترحيل عند كل منعطف سياسي أو أزمة حادة تجد فيها السلطة فرصة لجني المال على حسابهم، لكن يبقى الأهم في كل ذلك أن تظل قضية اللاجئين الفلسطينيين حية حتى لا تموت، وقضية اللاجئين السوريين حاضرة حتى يضمنوا العودة إلى أرضهم بكرامة وحرية تمنع إعادة استعبادهم من جديد.