ترجمة وتحرير: نون بوست
تعد أزمة الجوع في جنوب السودان في أسوأ حالاتها منذ أن حصلت البلاد على استقلالها في سنة 2011. ونظرا لأن تمويل المساعدات الإنسانية المخصصة لهذه المنطقة ضئيل، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مؤخرًا اضطراره لتعليق تقديم المساعدات الغذائية لقرابة مليوني شخص داخل البلاد. قد يبدو مليونا شخص مجرد رقم بالنسبة لنا، ولكن وراء كل واحد منهم قصة يأس، وقصّة شخص لا يعرف ما إذا كان سيعثر على ما يسد به رمقه كل يوم.
أجبر الصراع الداخلي في جنوب السودان البعض على التخلي عن ديارهم وسبل عيشهم وهم الآن يعانون من الجوع، بينما يتسبب الجفاف أو الفيضانات في أجزاء أخرى من البلاد في الحد من إنتاج الغذاء. كل هذه المآسي تتفاقم الآن بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والنتيجة معاناة أكثر من 60 بالمئة من سكان جنوب السودان من الجوع الشديد. ويمكن أن يؤدي نقص الطعام إلى تعرّض الرضع لسوء تغذية مميت وسريع ما لم تصل المساعدة في الوقت المناسب، إلا أن المساعدات تتقلّص الآن بسبب نقص التمويل.
بهذه الطريقة، تتشكل عاصفة المجاعة في جنوب السودان والعديد من الدول الأخرى. فالاحتياجات الغذائية في تزايد بينما تقلل أسعار الغذاء المرتفعة من حجم المساعدات الإنسانية، لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يحشد ويجمع التمويل للمساعدات الغذائية العالمية. وإذا فشلنا في ذلك، قد تُزهق أرواح كثيرة وتعم الفوضى البلدان التي يعاني فيها الملايين من الجوع.
إننا نرى بالفعل كيف يموت الناس جوعًا، ففي شرق إفريقيا يموت شخص من الجوع كل 48 ثانية وذلك وفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمتي “أنقذوا الأطفال” و”أوكسفام”. كما أن جنوب السودان في خطر الآن بعد نفاد تمويل برنامج الأغذية العالمي المخصص للمساعدات.
قالت أدينكا باجو، من برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان: “إننا نشعر بقلق بالغ إزاء تأثير التخفيضات في التمويل على الأطفال والنساء والرجال الذين لن يكون لديهم ما يكفي من الطعام خلال موسم الجفاف. لقد استنفدت هذه العائلات كامل استراتيجيات التأقلم، وهم بحاجة إلى مساعدة إنسانية فورية للحصول على الطعام على المدى القصير ولإعادة بناء سبل عيشهم وتعزيز قدرتهم على الصمود لمواجهة الصدمات المستقبلية”.
كما حذّر تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة من أن 20 منطقة في العالم من المتوقع أن يتفاقم فيها الجوع هذا الصيف، وتشمل هذه المناطق البلدان التي مزقتها الحرب، وجنوب السودان، ونيجيريا، وإثيوبيا، والصومال، والبلدان التي تواجه خطر المجاعة الجماعية. وفي أفغانستان يعاني قرابة 20 مليون شخص من الجوع الشديد بسبب الصراع والجفاف والفيضانات، وينضاف إليها الآن زلزال مدمر، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة بالفعل.
تمثّل سوريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ودول الساحل، وهايتي، والسودان “موضع قلق بالغ” مع تفاقم الجوع. كما تمت إضافة مدغشقر ولبنان ودول غرب إفريقيا بما في ذلك بنين إلى قائمة الدول التي تواجه أزمة الجوع. وتعد أوكرانيا أحدث إضافة إلى هذه القائمة، بعد أن حوّلت الحرب دولة كانت ذات يوم سلة غذاء العالم إلى منطقة يحتاج فيها الملايين إلى مساعدات غذائية.
دعا تقرير الأمم المتحدة أيضًا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة “لإنقاذ الأرواح وسبل العيش ومنع المجاعة”. وإنه لأمر ضروري أن يزيد الكونغرس من المساعدات الغذائية العالمية لمنع حدوث المجاعة والفوضى العالمية.
حيال هذا الشأن، قال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: “إننا نواجه عاصفة صخمة لن تؤذي فقط أفقر الفقراء، بل ستؤثّر أيضًا على ملايين العائلات التي تمكّنت حتى الآن من النجاة”. وأضاف بيزلي أن هناك حوالي 325 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتجهّون نحو المجاعة.
يكتسي إطعام الجياع أهمية حيويةً لمنع اندلاع أعمال الشغب والانزلاق إلى الصراع على الموارد الشحيحة.
لقد أدت الحرب والجفاف إلى أزمة جوع حادة في كل مكان. ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بات من الصعب على وكالات الإغاثة مثل برنامج الأغذية العالمي إطعام جميع المحتاجين ما يؤدي إلى تقليص مخصصات برامج المساعدات الغذائية أو تعليقها بسبب نقص التمويل في الصومال أو دول الساحل.
اضطرت الحكومة في سريلانكا إلى حرمان مليون طفل من برنامج الوجبات المدرسية المجاني بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويحاول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة أنقذوا الأطفال تقديم المساعدة من خلال إطعام أكبر عدد ممكن من الأطفال في سريلانكا في ظل الحاجة إلى توفير مزيد من التمويل للوجبات المدرسية. ومن جهته، حذّر جوليان شيلاباه، المدير الوطني لمنظمة أنقذوا الأطفال في سريلانكا، من أنه “إذا لم يواصل برنامج الوجبات المدرسية المجاني عمله، سنرى قريبًا وضعية لن يكون فيها الأطفال جوعى فقط وإنما مصابين أيضًا بأمراض خطيرة ويعانون من سوء التغذية، وذلك سيكون له عواقب وخيمة على نسبة الحضور إلى المدرسة”.
في رود آيلاند، تنتج منظمة “إديسيا” غير الربحية غذاءً منقذًا للحياة يسمى “بلانبي نات” يعالج الأطفال المصابين بسوء التغذية في الدول الفقيرة. لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية جعل إنتاج إديسيا لهذا الطعام صعبًا في وقت تشتد الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى. وتعد إديسيا من بين العديد من المنظمات التي تدعو إلى زيادة المساعدات الغذائية العالمية لضمان إطعام كل الجياع.
لابد من الترفيع في المعونة الغذائية العالمية وإلا سيكون العديد من المحتاجين لها عرضة لخطر سوء التغذية القاتل. ولك أن تتخيّل وضعية أسرة نزحت بسبب الحرب لترى كيف أن حصصها الشهرية تتقلص إلى النصف بسبب قلة التمويل؛ وهذا ما حدث فعلا في اليمن.
يمكن لكل شخص إحداث فرق الآن في منع تعرض الملايين في جميع أنحاء العالم لخطر المجاعة هذا الصيف. في الحقيقة، يتطلب وقف أزمة جوع بهذا الحجم هذا النوع من الجهد الجماعي. يمكنك الاتصال بالمسؤولين المنتخبين في منطقتك وحثهم على زيادة المساعدات الغذائية العالمية. لابد من زيادة الموارد المخصصة للتخفيف من حدة الجوع في هذه المرحلة الحرجة.
يمكن أن تكون قدوة يُحتذى بها من خلال تنظيم فعالية لجمع التبرعات أو حشد الناس للتخفيف من أزمة الجوع في العالم. يمكنك تحسيس الآخرين بأزمة الجوع التي تجتاح العالم، ومن شأن ذلك تشجيع التبرعات وغيرها من فعاليات الإغاثة من الجوع. وفي كل مرة تتخذ فيها إجراءات ضد الجوع، تظهر للعالم أنك تكترث لأمر الجوعى. وإذا لقيت هذه القضية اهتمام عدد كافٍ من الناس، يمكننا إنقاذ ملايين الأشخاص من الجوع هذا الصيف والمساعدة في بناء السلام.
المصدر: مجلة نيوزويك