على مدى قرابة 3 سنوات، لم يهاجم تفشي وباء فيروس كورونا الصحة العامة فحسب، بل هاجم الاقتصاد أيضًا، ففي سنوات سيسجلها التاريخ، أطلقت الجائحة سلسلة من ردود الفعل غير المسبوقة للاضطراب الاقتصادي العالمي، في حين يُنظر اليوم إلى عدم الاستقرار الجيوسياسي باعتباره الخطر الأكبر على النمو العالمي.
ومع ذلك، يُعتقد أن الاقتصاد الحلال أكثر مقاومة لمخاطر الأزمة الاقتصادية التي خلَّفها الوباء والحرب، فنمو عدد الجاليات المسلمة في الغرب وما صاحبه من ضرورة توفير احتياجاتهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية خلق سوقًا جديدةً، لتتسابق كبرى الشركات العالمية والعلامات التجارية لتلبية طلباتهم، وأصبحت بذلك السوق الحلال من أسرع الأسواق انتشارًا ونموًا في العالم.
السوق الأسرع نموًا
يشير الحلال إلى ما هو جائز أو مباح وفقًا للشريعة الإسلامية، فالأطعمة الحلال تعني المواد الغذائية المسموح باستهلاكها بموجب الشريعة الإسلامية، ونقيض الحلال هو الحرام أي غير المباح، ويشير إلى أي مادة لا يُسمح بتناولها، مثل لحم الخنزير والحيوانات المذبوحة بشكل غير لائق والكحول والمُسْكرات الأخرى والحيوانات آكلة اللحوم والدم والأطعمة الملوثة والخطيرة وما إلى ذلك.
لا يشير مصطلح “حلال” فقط إلى المواد الغذائية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بل تشير الكلمة إلى فلسفة كاملة للحياة لدى المسلمين، ويؤثر مفهومه على جميع مجالات الحياة وجميع أشكال التعايش بين المسلمين ابتداءً بالطعام والشراب ومرورًا بالخدمات المصرفية والسياحة وقواعد اللباس الحلال والعمل والترفيه وانتهاءً بالتأثير حتى على اختيار شريك الحياة.
من المتوقع أن يصل حجم سوق الأغذية الحلال العالمية إلى 1.95 تريليون دولار بحلول عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.3% خلال هذه الفترة
تلعب المنتجات والخدمات الحلال دورًا متزايد الأهمية في الاقتصاد اليوم وفي المستقبل، إذ يعيش قرابة ملياري مسلم في العالم في جميع أنحاء العالم حاليًّا، بحسب بيانات نشرها مركز بيو للأبحاث، وهم من بين أسرع الفئات الاجتماعية نموًا، ومن المتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 2.2 مليار (26%) في عام 2030 و2.6 مليار (30%) عام 2050 على التوالي، لذا يشكلون أهمية كبيرة للسوق تُستغل بالفعل على نطاق واسع في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا، التي لطالما كانت المنتجات ملتزمة فيها بمعيار الحلال كجزء من خط إنتاجها.
يساهم هؤلاء بزيادة الطلب على المنتجات الحلال المسموح لها للمسلمين بموجب الشريعة الإسلامية، لكن الحلال أكثر من مجرد عالم من المنتجات، إنه طريقة حياة بمعنى أوسع، لكن قد تُستخدم منتجات “حلال” لأغراض تسويقية وجذب مجموعة كبيرة من المستهلكين وبالتالي لتحقيق الأرباح وليس لخدمة الدين.
لا تقتصر قضية الحلال على الدين فقط، بل تلعب دورًا متزايد الأهمية في الأعمال التجارية، ففي عام 2019، أنفق المسلمون أموالًا بنسبة تزيد على 3.2% على أساس سنوي مقارنة بعام 2018، وبلغ إجمالي مبيعات السلع الاستهلاكية الإسلامية ما يزيد قليلًا على تريلوني دولار أمريكي، في قطاعات الأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل والأزياء والسفر والإعلام والترفيه، وكلها تتأثر باحتياجات الاستهلاك الأخلاقية المستوحاة من العقيدة الإسلامية، حسب تقرير حالة الاقتصاد العالمي الصادر عام 2020 عن مؤسسة “دينارستاندرد” للبحوث والاستشارات.
يتزايد أيضًا طلب غير المسلمين على مثل هذه النوعية من المنتجات، وقد أدَّى هذا الطلب إلى تقدير الإنفاق على المواد الغذائية والمشروبات ليكون 1.17 تريليون دولار، مع عائدات من منتجات الأغذية والمشروبات الحلال تقدَّر بنحو 415 مليار دولار، وهو ما يمثل 17% من إنفاق السوق العالمي البالغ 7 تريليونات دولار.
حسب تقرير “دينارستاندرد” التي تتخذ من دبي مقرًا لها، فإن ما يعرف بالاقتصاد الحلال يشكل 3.7% من إجمالي التجارة العالمية، وتجاوزت قيمته السوقية نحو 2.2 تريليون دولار خلال عام 2019، يذهب أكثر من ثلثيها إلى الأغذية والمشروبات الحلال، والبقية تتوزع على المنتجات الحلال الأخرى.
ومن إجمالي تجارة الأغذية حول العالم، تمثل تجارة المنتجات الحلال 30%، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الأغذية الحلال العالمية إلى 1.95 تريليون دولار بحلول عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.3% خلال هذه الفترة، حسب ما ذكرت منصة “ماركت ووتش” (Market Watch) في تقرير لها مؤخرًا.
وفي حين تشير التقديرات إلى أن وباء كوفيد 19 تسبب في انخفاض بنسبة 8% في الإنفاق العالمي بين المسلمين عام 2020، فمن المتوقع أن يعود الاقتصاد الحلال (باستثناء قطاع السفر) إلى مستويات الإنفاق قبل الجائحة، مع توقعات بوصول الإنفاق العالمي من المسلمين في معظم قطاعات الاقتصاد الحلال إلى 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2024 بمعدل نمو سنوي تراكمي لمدة 5 سنوات يبلغ 3.1%.
سوق تتعدى حدود المسلمين
أشهر الأطعمة المعروفة حتى بين غير المسلمين هي “حلال” (HALAL) ، وتضم الدواجن والألبان والأجبان الخالية من دهون الخنزير والحلويات التي لا تحتوي على جيلاتين حيواني، هذا إلى جانب اللحوم التي تلعب دورًا خاصًا في هذا الموضوع، فوفقًا للإسلام يتوجب الذبح بطريقة معينة، فأحد المعايير هي ذبح الحيوان دون تخدير، لكن هذا محظورًا بموجب قوانين بعض الدول الأوروبية لحماية الحيوان.
ساهم الإقبال الكبير على هذه المنتجات الحلال في دفع كبرى الشركات وسلاسل المطاعم والوجبات الخفيفة على الصعيد العالمي بالدخول في هذه السوق التي تمثل فيه الدول المسلمة في شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 55% منه.
لم تعد المنتجات الحلال تقتصر على اللحوم فقط كما يوحي اسمها، وإنما امتدت لتشمل كل ما نأكله أو نشربه وخرجت خارج قطاع الأغذية والمشروبات لتضم 6 قطاعات أخرى
وبحسب التقديرات، قفز إطلاق المنتجات الحلال بنسبة 19%، من 16936 منتجًا إلى 20482 منتجًا، خلال الفترة بين 2018 و2020، وجاءت 63% من هذه المنتجات من آسيا، تليها إفريقيا والشرق الأوسط، وتحتفظ ماليزيا بالمرتبة الأولى في مؤشر الاقتصاد الإسلامي العالمي للعام الثامن، وتأتي السعودية والإمارات وإندونيسيا والأردن ضمن الدول الخمسة الأولى.
وللمفارقة، أصبحت الدول العشرة غير المسلمة في مقدمتها الهند والبرازيل والنمسا والولايات المتحدة والأرجنتين تسيطر على الحصة الكبرى من سوق بيع المنتجات الحلال بواقع 85%، فيما تكتفي الدول المسلمة بـ15% تتقدمها ماليزيا وإندونيسيا وتركيا، ما يعني بحسب وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي أن “سوق المنتجات الحلال بيد غير المسلمين”.
بدأ اللاعبون الكبار في صناعة المواد الغذائية يلاحظون ازدهار قطاع الأغذية الحلال، ففي عام 2019، استثمرت شركة الأغذية اليابانية “Ajinomoto” 85 مليون دولار لبناء خط إنتاج حلال في ماليزيا، وفي نفس العام، موَّل الفرع المحلي لشركة Sanichi Technology اليابانية مصنع للجيلاتين الحلال بقيمة 300 مليون دولار ومنطقة صناعية في ماليزيا ستكون الأولى من نوعها في المنطقة.
وشهدت السنوات الأخيرة إجراء العديد من استثمارات الأسهم الخاصة البارزة، ما يشير إلى زيادة شهية المستثمرين للاستثمار في الأغذية الحلال، فقد استثمرت شركة ESP Capital وKingsley Capital Partners 30 مليون دولار في جنان ميت Janan Meat، وهي شركة رائدة في توريد لحم الضأن الحلال ومقرها المملكة المتحدة، في حين استثمرت شركة أبراج كابيتال ومجموعة تكساس باسيفيك 400 مليون دولار في سلسلة مطاعم الوجبات السريعة كودو (kudu) التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرًا لها.
كما فتح انتشار فيروس كورونا فرصًا جديدةً في قطاعات التجارة الإلكترونية للأغذية الحلال وأعمال التوصيل بالإضافة إلى فئات منتجات غذائية جديدة، فعلى سبيل المثال، مؤخرًا كان هناك ارتفاع في منصات توصيل الوجبات الحلال عبر الإنترنت، لا سيما في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وتمثل HalalEat في المملكة المتحدة وHalalonclick في سنغافورة وHalalEda.me الروسية، مجرد أمثلة قليلة تسلط الضوء أيضًا على الإمكانات العابرة للحدود لقطاع الأغذية الحلال.
بالنسبة للمستهلكين غير المسلمين، سرعان ما أصبحت العلامات التجارية والمنتجات الغذائية الحلال مرادفة لسلامة الأغذية والنظافة والصحة، إذ تؤدي عوامل مثل الأمراض ومخاوف الأمن الغذائي إلى زيادة الطلب على الخيارات الصحية، وبسبب اللوائح الصارمة في الحصول على شهادة الحلال، تطور المطبخ الحلال من كونه اختيارًا غذائيًا دينيًا إلى ضمان طعام آمن وصحي وموثوق.
وساهمت جودة الطعام الحلال ومواصفات السلامة الغذائية التي يتمتع بها في زيادة شعبيته، ليصل عدد مستهلكي الأطعمة الحلال إلى ملياري شخص بمن فيهم غير المسلمين، يمثلون أكثر من ربع سكان العالم تقريبًا، بحسب إحصاءات الاتحاد العالمي للأغذية الحلال.
وتقدم حاليًّا سلاسل المطاعم والوجبات السريعة الشهيرة مثل كنتاكي وماكدونالدز وصبواي الطعام الحلال في كثير من البلدان غير الإسلامية، كما تُقبل المتاجر العالمية الكبرى مثل “كارفور” على عرض الأطعمة والمشروبات الحلال بسبب إقبال غير المسلمين على تناوله وتفضيله على غيره من المنتجات المنتشرة في بلدانهم.
تشير العديد من الدراسات البحثية إلى أن غير المسلمين لديهم تصور إيجابي عن المنتجات الغذائية الحلال ويظهرون نوايا كبيرة لشرائها لأنهم يعرفون أن الطعام الحلال يتمتع بالنظافة وأمان مصدره وكذلك طريقة التعامل والتحضير، وتنعكس هذه المشاعر على أرض الواقع، فقد أشار المستهلكون الذين شملهم الاستطلاع في تقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2020/2021 إلى أن أصدقاءهم غير المسلمين لديهم نظرة إيجابية عن الطعام الحلال وغالبًا ما يرون أنه أكثر صحة.
أكثر من مجرد الطعام الحلال
الأكثر شهرة وارتباطًا بمصطلح “حلال” هو الطعام الحلال، ومع ذلك، لم تعد المنتجات الحلال تقتصر على اللحوم فقط كما يوحي اسمها، وإنما امتدت لتشمل كل ما نأكله أو نشربه وخرجت خارج قطاع الأغذية والمشروبات لتضم 6 قطاعات أخرى: التمويل الإسلامي والأزياء المحتشمة ووسائل الإعلام والترفيه والسفر والأدوية ومستحضرات التجميل.
غالبًا ما يُنظر إلى الحلال على أنه يحرم فقط تناول لحم الخنزير أو شرب الكحول، بينما يمكن أن تحتوي الأطعمة والأدوية ومستحضرات التجميل على الكحول أيضًا، ويحرِّم الإسلام أيضًا جميع المنتجات التي تحوي شيئًا من الخنزير بما في ذلك الشعر والجيلاتين والجلد، وفي ظل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات برزت أيضًا تطبيقات لتحديد المنتجات المسموح بها، لأنه ليس من السهل دائمًا تحديد ذلك.
بعد أن كان قطاع الطعام الحلال منطلقًا رئيسيًا لبداية التجارة الحلال، واحتلاله المرتبة الثانية بين أكبر القطاعات، توسعت هذه الصناعة كونها أكثر الأسواق ربحية وسرعة في النمو، لكن هذا التوسع أصبح في جزء منه مبنيًا على أهداف الربح الخالصة ولا يراعي الهدف الأصلي من إنشاء سوق الحلال وهو إنتاج سلع متوافقة مع شريعة المسلمين.
بلغت قيمة السوق العالمية لمستحضرات التجميل الحلال 16.32 مليار دولار أمريكي عام 2015، ومن المتوقع أن تصل إلى 52.02 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025
يلعب مصطلح “حلال” دورًا متزايدًا ليس فقط في الأطعمة، لكن أيضًا في عالم الأزياء المحتشمة التي ترتديها المحجبات، ونشأت سوق هذه الأزياء نتيجة الضرورة، فقد نص القرآن على وجوب الاحتشام على المرأة وإخفاء مفاتنها وعدم إثارة الرغبة الجنسية، وتنطبق قواعد اللباس أيضًا على الرجال.
وفقًا لتقرير حالة الاقتصاد العالمي، فإن متوسط عمر المسلمين والمسلمات في العالم 24 سنة، ومن المتوقع بحلول عام 2030، أن يكون 29% من سكان العالم من الشباب (15-29) مسلمين، وبالتالي يشكلون أصغر فئة دينية عمرًا، وينفق الشباب المسلم قرابة 300 مليار دولار سنويًا على الأزياء، وتصل نسبة المنتجات الحلال من مبيعات العلامات التجارية المعروفة إلى 10% من إجمالي مبيعاتها.
أما قطاع التمويل الإسلامي الذي يحتل المرتبة الأولى في سوق الحلال، يواصل لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي الأوسع، إذ يبلغ حجم سوق التمويل الإسلامي الحاليّ أكثر من تريليوني دولار مع استمرار هيمنة الخدمات المصرفية الإسلامية والأصول والصكوك والتكافل وشرائح أخرى على القطاع الذي تسيطر عليه أسواق التمويل الإسلامي الخليجية، بحصة تبلغ 40.3%، فيما تستحوذ باقي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حصة تبلغ 38.6% من إجمالي الأصول المالية الإسلامية حول العالم.
بحسب التقديرات، يوجد أكثر من 500 مصرف في 72 دولة حول العالم، وبهذا المعنى أصبحت مكانة المصارف الإسلامية كبيرة بالفعل، من المتوقع بحسب مؤشر ريفينيتيف” لتنمية التمويل الإسلامي لعام 2021 أن يصل إجمالي أصول التمويل الإسلامي إلى 4.94 تريليون دولار بحلول عام 2025.
بالنسبة لقطاع آخر من الاقتصاد الحلال، تركز مصانع مستحضرات التجميل الآن على الشابات المسلمات، وبدأت في إنشاء أول خطوط إنتاج للمستحضرات الحلال التي لا تحتوي على منتجات حيوانية أو مكونات كيميائية مثل الكحول، ونظرًا لأن المسلمين يشكلون جزءًا كبيرًا من سكان العالم، فإن صناعة مستحضرات التجميل السائدة تركز الآن على تطوير المنتجات الحلال المعتمدة.
ومن المتوقع أن تؤدي قاعدة كبيرة من السكان المسلمين في جميع أنحاء العالم ممن هم على استعداد لدفع أسعار مميزة لمنتجات التجميل الحلال المعتمدة إلى زيادة الطلب على المنتجات خلال السنوات القادمة، ومن المحتمل أيضًا أن يكون الوعي المتزايد بشأن استخدام مستحضرات التجميل أحد العوامل الرئيسية التي تقود السوق.
وفقًا لتقرير حديث صادر عن شركة Grand View Research لأبحاث السوق العالمية، بلغت قيمة السوق العالمية لمستحضرات التجميل الحلال 16.32 مليار دولار أمريكي عام 2015، ومن المتوقع أن تصل إلى 52.02 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025.
على الصعيد العالمي، تعتبر السياحة الحلال التي تستهدف العائلات المسلمة التي تلتزم بقيم الإسلام من أسرع القطاعات نموًا في صناعة السفر العالمية، استجابةً لذلك، تحاول الفنادق ووكالات السفر منذ فترة طويلة تلبية احتياجاتهم الغذائية والدينية، حيث لا توجد مشروبات كحولية أو لحوم الخنزير أو أندية ليلية أو صالات قمار، وتخصّص مسابح للنساء فقط دون اختلاط بين الجنسين.
منذ عام 2016، نما عدد المسافرين المسلمين بنحو 30%، وتتوقع دراسة مشتركة حديثة أجرتها Mastercard وCrescent Rating، وهي مجموعة بحثية تتعقب السفر الحلال، أن مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد العالمي ستقفز على مدار العقد القادم من 180 مليار إلى دولار 300 مليار دولار.
تعتبر تركيا وجهة معروفة للعطلات الحلال، وهناك مئات المنتجعات الحلال على سواحلها، وينظر إلى السياحة باعتبارها أهم مصادر الدخل في البلاد، لكن بسبب الخلافات السياسية، انخفض عدد السياح الأوروبيين والروس في السنوات الأخيرة، فتحرك قطاع السياحة، وركز بشكل متزايد على السياحة الحلال.
في مواجهة التحديات
لسوء الحظ، ما زال هناك الكثير من سوء الفهم بخصوص المنتجات والخدمات الحلال داخل المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة، وغالبًا ما تُقابل المنتجات المرتبطة بمصطلح “حلال” بالعداء والنقد بين المستهلكين غير المسلمين وفي البلدان غير الإسلامية.
رغم ارتفاع ثمنها قليلًا عن مثيلاتها من المنتجات غير الحلال ورواجها الضخم في أوروبا، فإن هناك جدلًا متواصلًا لسنوات في أوروبا بخصوص المنتجات الحلال، فبعض المعارضين لها من أنصار حقوق الحيوان وآخرين يرونها محاولةً لفرض الثقافة الإسلامية على البلاد.
ولا تزال هناك مقاومة كبيرة للأغذية الحلال على وجه الخصوص، حتى إن بعض الدول الأوروبية تحركت لحظر طرق الذبح الحلال، ففي ديسمبر/كانون الأول عام 2020، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن دول الاتحاد الأوروبي يمكنها حظر الذبح الشعائري دون تخدير، مؤيدة بذلك حظرًا بلجيكيًا على طريقة الذبح الإسلامي واليهودي للحيوانات دون صعق، ورفضت الاعتراضات التي قدمتها الجماعات الدينية.
كمثال آخر على ذلك، تحركت هولندا لحظر تصدير اللحوم الحلال بسبب الاعتراضات على طرق الذبح المستخدمة، وتقليل الآثار السلبية على الرفق بالحيوان، ما يحد من مشاركة البلد في أسواق منظمة التعاون الإسلامي عالية الطلب.
كذلك كان هناك ردة فعل عنيفة ضد إصدار شهادات “حلال” في أستراليا التي بدأت عام 1974، حيث أجرى العديد من أعضاء مجلس الشيوخ تحقيقًا في صناعة الحلال، مع الأخذ في الاعتبار تكلفة الشهادة وارتفاع أسعار المواد الغذائية كضريبة.
غيرذلك، ربطت مجموعات مناهضة للحلال وأوساط مناوئة للإسلام في أستراليا بين عائدات شهادات المنتجات الحلال، والمنظمات الإرهابية، وادَّعى هؤلاء أن المجتمع الأسترالي يرغم على تناول الأطعمة الحلال ويتحمّل مسؤولية دفع الأعباء التي يفرضها المصدقون على شهادات الحلال، وهو ما نفته لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ الأسترالية المكلفة من الحكومة.
يتعرف المسلمون على اللحوم الحلال دون غيرها من المنتجات من خلال الملصق أو الختم الموجود عليها، رغم ذلك، تتزايد الشكوك بشأن مدى مطابقة المنتجات الحلال للمعايير الشرعية، خاصة أن الأجهزة الرقابية في الدول الغربية لا تولي اهتمامًا بذلك بقدر ما تركز على مواصفات أخرى كالمذاق وطريقة التعليب.
توقعت دراسات حديثة نشرتها وكالة الأنباء الإسلامية الدولية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أن ينمو السوق الحلال العالمي 9 مرات بحلول عام 2030 ليصل إلى 10 تريليونات دولار.
من الناحية العملية، يخضع المنتج لعملية اعتماد ثم يحصل على الملصق أو الختم، لكن المشكلة هنا أيضًا أن هناك شهادات ومتطلبات مختلفة، بالإضافة إلى عشرات المعايير لمنح علامة “حلال” في جميع أنحاء العالم، ما يجعل شهادات علامة “حلال” خارج سيطرة الحكومات في الكثير من الدول الأوروبية، فبالإضافة إلى سوق المنتجات الحلال، نشأ قطاع أعمال ثانوي مربح للغاية لاستصدار شهادات علامة “حلال”.
مع التعقيدات المتزايدة في سلسلة التوريد العالمية وعمليات الإنتاج، لا يزال اعتماد معايير المنتجات الحلال يمثل تحديًا كبيرًا، ما يسبب ارتباكًا للشركات متعددة الجنسيات التي تسعى لدخول سوق الأطعمة الحلال، فعلى سبيل المثال، تواجه البرازيل، وهي واحدة من أكبر مصدري منتجات اللحوم إلى دول منظمة التعاون الإسلامي، نقصًا في الامتثال لمعايير الحلال وتحاول مراجعة إجراءاتها الحاليّة لإصدار شهادات الحلال.
في المقابل، هناك العديد من الشركات التي تحجم عن تصنيف منتجاتها على أنها حلال، على الرغم من أن هذا من شأنه أن يجعل الحيلة أسهل للمسلمين المتدينين الذين يعيشون في الدول الأوروبية، ويعود السبب إلى الخوف من جذب انتباه سلبي كما يقول بعض الخبراء في فيلم تسجيلي لقناة دويتش فيلله الألمانية.
على سبيل المثال، قامت شركة “كاتيس” (katjes) الألمانية للحلويات عام 2018، بحملة ترويجية لمنتجاتها تحت مسمى “كله نباتي”، تهدف إلى لفت الانتباه إلى السكاكر التي لا تحتوي على الجيلاتين المأخوذ من لحم الخنزير.
وكانت إحدى العارضات المشاركات في الحملة الترويجية محجبة، نتيجة لذلك، كانت هناك حملة مسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان من بين من عبروا عن امتعاضهم أعضاء في حزب “البديل من أجل ألمانيا” ممن دعوا إلى مقاطعة الشركة، زاعمين أنها “تحاول أسلمة المجتمع”.
Was soll uns diese Werbung sagen? Vielleicht, das nur Hijab-Trägerinnen dieses Produkt kaufen sollten?pic.twitter.com/cy4aHI7NZg
— Frank Pasemann ?? (@Frank_Pasemann) January 29, 2018
تغريدة نشرها النائب عن حزب البديل من أجل ألمانيا فرانك باسمان تعليقًا على استخدام امرأة مسلمة للترويج لمنتج شركة “كاتيس” من السكاكر النباتية
في عام 2019، قامت شركة ديكاتلون الفرنسية المتخصصة في المعدات الرياضية بتصنيع غطاء رأس خاص للمسلمات لممارسة رياضة الجري، لكنها توقفت عن تسويقها بعد احتجاجات من الأوساط اليمينية واتهامات باستغلال الدين الإسلامي لربح المال.
من ناحية أخرى، غالبًا ما يُساء استخدام رموز الحلال للاحتجاج على “أسلمة” المجتمع، مثلًا شعار “التحدي الحلال” (challenge Halal)، ففي عام 2016، أطلقت دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لوضع منتجات لحم الخنزير على رفوف بيع اللحوم الحلال في المتاجر.
كان هذا التحدي يزعم إلى جذب الانتباه للرفق بالحيوان، لكنه كان في الواقع بحسب منتقديه “إسلاموفوبيا تتخفى بذريعة حماية الحيوانات”، وكانت المجموعات اليمينية المرتبطة بحركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” على وجه الخصوص، هي التي شاركت في هذا التحدي.
لا يقتصر الأمر على الاحتجاجات، إذ تقع اعتداءات على المسلمين بشكل يومي، وينتمي الجناة في الغالب إلى المتطرفين اليمينيين، ففي عام 2020، ووفقًا لصحيفة Neuer Osnabrücker Zeitung الألمانية، وقع نحو 900 اعتداء على مسلمين ومؤسسات إسلامية، ما يعني حدوث أكثر من اعتداءين في اليوم، وزادت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 2% عام 2020 مقارنة بأرقام عام 2019، وكان هناك 77 هجومًا على المساجد، وتم تخريب وانتهاك مبان إسلامية.
كما هو الحال مع أي صناعة، هناك تحديات، ونقص الوعي هو أهمها بالنسبة للتمويل الإسلامي، ما يؤدي بدوره إلى انخفاض مستوى انتشار الخدمات المصرفية الإسلامية، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن رغم ذلك، تظل دول مجلس التعاون الخليجي الشركة الرائدة في مجال التمويل الإسلامي في المنطقة، حيث تبلغ أصولها 922 مليار دولار نظرًا لمساعدة الميزانيات القوية في امتصاص صدمة تراجع أسعار النفط.
مهما كان سوق الحلال راسخًا، يبدو أن هناك دائمًا مجالًا إضافيًا للنمو والفرص، إذ يمثل المستهلكون المسلمون شريحة سريعة النمو، ومن المتوقع، بحسب مركز التجارة والتسويق الحلال أن ينمو استهلاك الأطعمة والمشروبات الحلال بمقدار 1.38 مليار دولار بحلول عام 2024، كذلك وتوقعت دراسات حديثة نشرتها وكالة الأنباء الإسلامية الدولية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أن ينمو السوق الحلال العالمي 9 مرات بحلول عام 2030 ليصل إلى 10 تريليونات دولار.
تمثل مثل هذه التطورات في صناعة الحلال بداية سوق ضخمة محتملة، يغذيها عدد كبير وسريع النمو من الشباب المسلم في جميع أنحاء آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وإفريقيا الذين يبحثون عن منتجات وخدمات تتماشى مع أسلوب حياتهم الإسلامي، ما يؤثر على كيفية إنتاج المنتجات الغذائية الحلال وتسويقها وبيعها، ويجعل في النهاية صناعة الحلال أكثر أهمية في المستقبل.