أنهى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني زيارته إلى القاهرة التي أتت تلبية لدعوة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ورافق هذه الزيارة الكثير من الجدل في الأوساط العربية، فمصر وقطر كانتا على قطيعة شبه كاملة، خاصة بعد مشاركة مصر في حصار قطر الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين، وتأتي هذه الزيارة في ظل تغير الظروف والمعطيات السياسية في المنطقة.
لم تكن زيارة تميم بن حمد الوحيدة التي أثارت الجدل في منطقة الشرق الأوسط، فقد شهد هذا العام نوعًا من تخفيف التصعيد بين الدول وفتح باب الدبلوماسية، فأعداء الأمس الذين سخرت كل الجهود لمحاربتهم وضرب اقتصادهم أصبحوا أصدقاء اليوم بل أكثر من ذلك باتوا حلفاءً على أصعدة عدّة، يأتي هذا التغير في ظل تغير وجه العلاقات الدولية بشكل عام وتغير التحالفات والإستراتيجيات بعد عدة حروب شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
في هذا التقرير نلقي نظرة سريعة على أهم التغيرات التي حصلت في العلاقات البينية للدول في منطقة الشرق الأوسط.
قطر والمحيط
في يونيو/حزيران 2017 أعلنت دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار على دولة قطر، وقطعت هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وأغلقت جميع المنافذ إليها وذلك بعد اتهام الدوحة بـ”دعم الإرهاب”، وكانت هذه الدول في عام 2014 قد سحبت سفرائها من قطر بسبب ما يعتقد أنه الموقف القطري من انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي لمصر محمد مرسي.
ومن الأسباب التي دفعت هذه الدول إلى حصار قطر، هو ما يعتبرونه دعم الأخيرة “للفوضى وعدم الاستقرار بالمنطقة” إضافة إلى موقف الدوحة من ثورات الربيع العربي والعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى سياسة قناة الجزيرة في تغطية الأحداث وتعاطيها الذي يخالف سياسة تلك الدول.
لكن، لم تبق قطر ذلك “العدو الأخطر” في المنطقة، فقد تراجعت تلك الدول عن حصارها وتوصلت إلى اتفاق مع الدوحة تكلل بعقد قمة العلا في السعودية مطلع العام الماضي 2021، حيث حضر تميم بن حمد أمير قطر القمة بدعوة رسمية من السعودية لطي سنوات أربعة من الخلاف، وباتت كل الاتهامات التي ألقتها تلك الدول على قطر من الماضي وتم فتح الحدود وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين تلك الدول، لتطوى بذلك أكبر الخلافات بين الدول الخليجية في العصر الحديث.
ما سبق كان على الصعيد الجماعي، أما على صعيد الدول كل واحدة على حدة، فقد بادرت كل دولة بإعادة العلاقات مع الدوحة بطريقتها الخاصة، وكذا عملت قطر على تليين خطابها والعمل على دبلوماسية أكبر والاتجاه نحو هذه الدول بعد القطيعة الكبيرة التي حصلت.
السعودية: تبادل المسؤولون القطريون والسعوديون الزيارات الدبلوماسية بعد قمة العلا، فقد زار أمير قطر تميم بن حمد الرياض مرتين بعد هذه القمة، وكذلك زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الدوحة في زيارة كانت الأولى من نوعها منذ بدء الحصار، وقد ترأس ابن سلمان والأمير تميم الاجتماع السادس لمجلس التنسيق بين البلدين، وفي أحد اللقاءات الصحفية قال ولي العهد السعودي: “الأزمة السابقة مع قطر شجار بين أفراد العائلة”، معتبرًا أن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني “قائد رائع”.
وعن إذا ما كانت الأزمة انتهت أوضح ابن سلمان: “بالتأكيد، العائلة تظل عائلة، والأمر مثل شجار بين الأشقاء، مما يعني أنهم حتمًا سيتجاوزونه، وحتمًا سوف نصبح أفضل الأصدقاء، فلدى دول مجلس التعاون الخليجي نفس النظام، ولدينا نفس الآراء السياسية بنسبة 90% على ما أعتقد، ونواجه نفس المخاطر الأمنية، ونفس التحديات والفرص الاقتصادية، ولدينا كذلك نفس المجتمع والنسيج الاجتماعي”.
الإمارات: بعد قمة العلا التي عقدت في السعودية، التقى وفدان دبلوماسيان من قطر والإمارات في دولة الكويت من أجل إجراء مشاروات بشأن كيفية تنفيذ قرارات قمة العلا وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي بين الدولتين، وعقد بعد اجتماع الكويت اجتماعان آخران من أجل ذات الهدف، وعلى صعيد الزيارات الرسمية فقد كانت زيارة الأمير تميم بن حمد إلى الإمارات هي الأولى حيث كانت بقصد التعزية بوفاة رئيس الإمارات الراحل خليفة بن زايد.
وكان وزير الخارجية القطري قد زار الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأجرى مشاورات مع القيادة الإماراتية، وجاءت تلك الزيارة لتعزيز العلاقات بين الدولتين التي لم يذب جليدها بشكل كامل إلى الآن، وقد زار طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الدوحة في طريق عودته لبلاده من أنقرة، حيث زار تركيا وأجرى فيها لقاءات مع القيادة التركية.
مصر: تعتبر مصر آخر الدول التي أعادت علاقاتها مع الدوحة، فقد زار أمير قطر تميم بن حمد مصر بدعوة من رئيسها عبد الفتاح السيسي قبل أمس الجمعة، وتعد زيارة أمير قطر إلى مصر هي الأولى منذ عام 2015، حينما حضر قمة شرم الشيخ، قبل اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017، وقد بدأ البلدان بتغيير نبرة خطابهما منذ فترة، فبات البلدان يتبنيان لهجة ودية في إطار تحسين العلاقات بعد قمة العلا في السعودية.
يذكر أن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال منذ سنة إن دولة قطر” ترى أن مصر من الدول الكبرى بالمنطقة وتلعب دورًا قياديًا وقطر تدعم ذلك، مضيفًا أن هذا سيخلق فرصًا عديدةً للتنسيق بين البلدين في مختلف الملفات الإقليمية، لا سيما ما حدث في فلسطين بشأن الدور القطري والمصري في التهدئة ووقف إطلاق النار”، وبالتزامن مع زيارة بن حمد إلى القاهرة تذكر نشطاء مصريون أن إحدى التهم التي وجهت للرئيس الراحل محمد مرسي كانت “التخابر مع قطر” فكيف يُسمح للسيسي استضافة من كان التخابر معه تهمة!
تركيا
على صعيد متصل في سياق تغيّر العلاقات بين دول الشرق الأوسط، فقد بدأت تركيا سياسة تصفير المشاكل مع الدول التي اعتبرت لسنوات عدّة بأنها غير صديقة، كما حصل الكثير من السجالات في قضايا عدة الأمر الذي عزز القطيعة بين هذه البلدان، إلى ذلك بادرت بلدان مثل الإمارات والسعودية إلى تحسين علاقاتها مع أنقرة في ظل المتغيرات الدولية التي تجعل دول الشرق الأوسط تبني شراكات غير تلك الموجود سابقًا.
الإمارات وتركيا: في أغسطس/آب 2021 استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس مجلس الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد في أنقرة، كانت هذه الزيارة فاتحة لعودة العلاقات الجامدة بين البلدين منذ سنوات، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا يونيو/تموز 2016 حين اتهمت أنقرة الإمارات بإيواء أشخاص لهم علاقة بالانقلاب كمحمد دحلان الفلسطيني الذي يعمل مستشارًا لمحمد بن زايد رئيس الإمارات حاليًا، كذلك فقد كانت أبو ظبي تحاول عرقلة المشاريع التركية في المنطقة بتهمة “دعم الإرهاب”.
لكن زيارة محمد بن زايد إلى تركيا التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أسست لحقبة جديدة من العلاقات قائمة على المصالح الاقتصادية في المقام الأول وربما تتحول إلى شراكة سياسية وإستراتيجية في ضوء ما تشهده المنطقة من تحالفات، وقد رد الرئيس التركي الزيارة حيث زار دولة الإمارات في فبراير/شباط من هذا العام.
السعودية وتركيا: زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تركيا، مؤخرًا حيث التقى مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وتعتبر هذه أول زيارة رسمية يجريها ولي العهد إلى تركيا، وأتت بعد أقل من شهرين من أول زيارة يجريها الرئيس أردوغان للسعودية منذ سنوات، وكانت العلاقات بين البلدين قد تدهورت بشكل حاد خاصة بعد وقوف تركيا إلى جانب قطر في أزمتها مع الدول الخليجية ومصر ودعمها لثورات الربيع العربي واستضافة قيادات من الإخوان المسلمين على أراضيها وهو ما يغضب السعودية.
كانت قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي تمثل أكبر تحد في العلاقات بين البلدين، حيث قتل الصحفي في قنصلية بلاده في إسطنبول، ما أدى إلى ضجة عالمية وصلت إلى ضرب عزلة دولية على ابن سلمان – المتهم الأبرز بقتل خاشقجي -، لكن مع الأيام ومع برود القضية حاولت تركيا التقرب من الرياض وذلك لتحسين العلاقات الاقتصادية التي توقفت بين البلدين، وكذلك فإن السعوديين باتوا يبحثون عن شركاء جدد بعد الفتور الحاصل بينهم وبين واشنطن.
مصر وتركيا: ما زالت العلاقات بين البلدين تتأرجح، حيث يعقد البلدان عزمهما على إصلاح العلاقات، لكن دون تقدم يذكر على وسائل الإعلام، فيما يرى مراقبون أن العلاقات المصرية التركية ستتحسن قدمًا بعد تحسن العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية، يذكر أن جولات استشكافية بين أنقرة والقاهرة عقدت في الشهور الماضية من أجل إصلاح العلاقات.
ففي مايو/أيار من العام الماضي زار وفد تركي برئاسة مساعد وزير الخارجية، سادات أونال، القاهرة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، وذلك من أجل إحداث خرق أول على صعيد الدفع باتجاه المصالحة، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتزام تركيا التقرب تدريجيًا من “إسرائيل” ومصر بعد فتحها صفحة جديدة مع دول الخليج.
النظام السوري
في سنة 2021، بدأت بعض الدول العربية بحراك جديد في المنطقة عنوانه التطبيع مع نظام الأسد، ويأتي ذلك بدفع من حكومات عربية وخاصة الأردن الذي يعمل على إحياء النقاش في أوساط الفاعلين داخل جامعة الدول العربية بخصوص إعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة للنظام، وتقول هذه الدول إن إعادة العلاقات مع النظام هي نوع من أنواع مواجهة إيران من خلال احتضان العرب للنظام وبذلك يمكن لهم أن يبعدوا طهران عنه، وكانت الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع نظام الأسد بعد الوحشية التي أظهرها تجاه شعبه، لكن في السياسة لا يبقى العدو عدوًا لفترة طويلة.
وفي إطار هذا التطبيع فتحت بعض الدول أبوابها للزيارات المتبادلة بينها وبين حكومة الأسد، وكان أكبر اختراق في هذا الأمر، هو استقبال محمد بن زايد لرئيس النظام السوري بشار الأسد في أبو ظبي، وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى للأسد إلى بلد عربي منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، وسبق أن عملت الإمارات خطوات تطبيعية عبر إرسالها وزير خارجيتها عبد الله بن زايد لزيارة الأسد في دمشق.
بالإضافة إلى الإمارات كانت الجزائر وتونس، تحثان الخطى من أجل إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام السوري، كما صدرت من الأنظمة العربية الكثير من التصريحات الإيجابية تجاهه، وهو ما عدّ 2021 عامًا للتطبيع مع الأسد خاصة بعد اللقاءات التي حصلت بين مسؤولي النظام والعديد من وزراء الخارجية العرب على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة العام الماضي، حيث التقى وفد النظام بعدد من وزراء الخارجية العرب للمرة الأولى منذ سنوات.
ختامًا: السياسة لا تقف عند الشعوب وحقوقها كما أنها لا تقف عند المبادئ والقيم، إنما هي مصالح متبادلة بين الأطراف الحاكمة تتغير وفقًا لتغير الظروف، وهنا يبدو أن دول الشرق الأوسط تتجه نحو تصفير المشاكل فيما بينها في ظل توالي الأزمات العالمية الكبيرة وتغير الظروف والأحوال، لكن لا يعلم ما إذا كانت هذه المصالحات السياسية كفيلة بأن تهدئ المنطقة المشتعلة منذ زمن بعيد.