تشهد العلاقات بين نظام الأسد وتنظيم “قسد” تحسنًا مطردًا بدأ يظهر للعلن في مناطق سيطرة الأخيرة، رغم محاولاتها (قسد) إخفائها أو عدم إعلانها خلال السنوات السابقة، وما يرتبط بها اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، ذلك مع تكرار التهديدات التركية المباشرة لإطلاق عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرتها غربي الفرات وشرقه.
وتحاول “قسد” تعزيز علاقاتها مع النظام ومنح قواته التي دخلت مناطق سيطرتها برعاية روسية، إمكانيات إضافية في سبيل الحفاظ على وجودها في المنطقة، وردع أي تهديد تركي يقضي بشن عملية عسكرية.
ومع ذلك، كان بمقدور “قسد” طرد عناصر النظام ومؤسساته الحكومية من مناطق سيطرتها عندما كان يقتصر على المربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي، التي تشهد اشتباكات مسلحة بشكل متقطع، مناطق أخرى في حلب وريفها، في حين لا يمكنهما نسف العلاقات الاستراتيجية التي تجمعهما معًا.
مصالح عسكرية مشتركة
كلما شعرت “قسد” بخطر العملية العسكرية التركية، هرولت إلى النظام، ولطالما سعى الأخير لإيجاد بؤرة جديدة يدخل من خلالها إلى عمق مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، في سبيل استعادة المزيد من الجغرافية.
قبل أيام قليلة رُفع علم النظام في منطقة الحوايج في ريف دير الزور الشرقي، الواقعة تحت سيطرة “قسد”، من قبل مجهولين، وبقي العلم مرفوعًا لمدة أيام رغم مشاهدته من قبل “قسد”، إلى أن قام عدد من شبان المنطقة بإزالته، وقبلها في مدن تل رفعت ومنبج بريف حلب، حيث يتكرر رفع علم النظام بتغاضي “قسد” أو بتدبيرها هي، مع دوريات وأرتال عسكرية تجوب المنطقة.
الصحفي زين العابدين العكيدي أكد خلال حديثه لـ “نون بوست”: “أن النظام توغل في الرقة وأنشأ نقطة في حقل صفيان النفطي، تديرها ميليشيات إيرانية، إلى جانب وجوده في مطار الطبقة الذي يحتوي على غرفة عمليات مشتركة تجمع النظام إيران وروسيا، وعناصر النظام تجري جولات داخل مدن قريبة من أماكن تمركزها، أما في دير الزور، فإن الأهالي رفضوا دخول النظام وبقيت المنطقة مكان لعمليات التهريب، بين مناطق النظام و”قسد” على ضفتي الفرات، وتنشط فيها أذرع إيران والنظام بشكل غير مسبوق”.
وأضاف أن “أرتال النظام تدخل مناطق سيطرة “قسد” بإشرافها، ويصلون إلى خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري المعارض، في عين عيسى شمال الرقة وتل تمر والقامشلي في الحسكة، كما دخلت إلى خطوط التماس قرب منبج وتل رفعت في ريف حلب”.
علاقات اقتصادية
تجمع “قسد” ونظام الأسد علاقات اقتصادية، حيث يتواصل التبادل التجاري بين مناطقهما، وعلى رأسها تجارة النفط التي تتم عبر ميليشيا “القاطرجي”، التي تنقل المحروقات من مناطق سيطرة “قسد”، إلى مناطق نظام الأسد، بالإضافة إلى القمح والطحين والسكر، ومعظم المواد الرئيسية، التي تتوفر في مناطق “قسد”.
وقال الصحفي زين العابدين العكيدي: “إن ميليشيا “القاطرجي”، بدأت باستثمار آبار النفط في مناطق سيطرة “قسد”، بشكل أكبر من ذي قبل، وتعمل على نقل كميات كبيرة من المحروقات إلى مناطق النظام، حيث أنشأت مؤخرًا ساحة للتبادل التجاري “منطقة حرة”، في بلدة الكسرة بريف دير الزور، وتتم فيها عمليات التبادل التجاري للقمح والمحروقات والسكر والطحين”.
وأضاف: “إلى جانب ذلك هناك عمليات تهريب، يشرف عليها قادة يعملون في صفوف “قسد”، تجري عمليات تهريب المخدرات والحبوب عبر معابر نهرية، بالإضافة إلى عمليات تهريب السلاح في منطقة الباغوز وهجين شرقي دير الزور”.
ويسعى النظام إلى نشر أذرعه في مختلف المناطق وأخرها حقل العمر النفطي، إلى جانب وجود شخصيات تابعة للنظام في المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية، تعمل على تسهيل تحركات النظام ونشاطاته في مناطق سيطرة “قسد”.
نظام الأسد ومن خلفه إيران وروسيا يحاولون الوصول إلى مناطق شرق الفرات، لأن المنطقة مهمة اقتصاديًا تساعد على بناء اقتصاد النظام المنهار
وقال المحلل الاقتصادي يونس الكريم في حديث لـ “نون بوست”: “نتيجة تخلخل العلاقات خلال فترات سابقة بين قسد والنظام، نشأت علاقات ذات طابع اقتصادي بينهما كون “قسد” لم يكن هدفها الاستقلال وانما الإدارة الذاتية اللامركزية لمناطقها، وهذا ما جعلها تبقي على التعامل بالليرة السورية والحفاظ على دوائر النظام الحكومية، إلى جانب وجود تيارات وعساكر تنضوي تحت “قسد” وهم يتبعون للنظام بشكل غير مباشر بالإضافة إلى القطع العسكرية والمربعات الأمنية التابعة للنظام”.
وأضاف: “أن” قسد” لا تملك منافذ سوى على مناطق النظام، للتبادل التجاري بشكل رئيسي، في ظل إغلاق حدود سيطرتها مع تركيا، ومحدودية التبادل التجاري مع إقليم كردستان العراق، ما جعل التبادل التجاري مع النظام يعتبر أساس اقتصاد مناطق الإدارة الذاتية المتشكلة، الذي يعود عليها بعائدات مالية، من خلال تجارة النفط والمواد اللازمة لصناعة الكبتاجون”.
ويتحكم بطبيعة العلاقات الاقتصادية قياديين من “قسد” ونظام الأسد من بينهم أبو دلو والقاطرجي بالإضافة إلى تجار صغار متنوعين يعملون في الحوالات المالية والمواد الغذائية والنفط ومشتقاته وتجارة المعابر، عبر الاستيراد من كردستان العراق ومناطق المعارضة شمال غرب سوريا، إلى مناطق قسد، ثم إلى النظام ما جعل مناطق “قسد” منفذ ومعبر هام لتأمين السلع والاحتياجات لمناطق النظام.
ويؤكد الكريم: “أن نظام الأسد ومن خلفه إيران وروسيا يحاولون الوصول إلى مناطق شرق الفرات، لأن المنطقة مهمة اقتصاديًا تساعد على بناء اقتصاد النظام المنهار، وينهي مشروع تركيا في إقامة منطقة آمنة على طول الشريط الحدود معها، ما يفشل مشروع المعارضة السورية”.
علاقات سياسية مترابطة
تحظى علاقة النظام و”قسد” سياسيًا باهتمام كبير حيث يحاول الطرفان الحفاظ على علاقاتهما بشتى السبل الممكنة، ولطالما لم ترفض “قسد” الحوار مع نظام الأسد، رغم أن النظام لم يبادر بأي شكل من الأشكال للوصول إلى حل سياسي مع “قسد”، كون مطالبها لا تناسبه في استعادة كافة الأراضي السورية.
وفي السياق، صرّح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، في الـ 17 من يونيو/حزيران الحالي، بأن موسكو تحاول إقناع الكرد بالتسوية مع النظام السوري، وإعادة وحدة الأراضي السورية، ودمج قوات سورية الديمقراطية (قسد) في صفوف قوات النظام، الأمر الذي سيمنع التطور السلبي للوضع في سورية.
وفي 19 حزيران/يونيو، ردت إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لـ “مسد”، خلال اجتماع عقدته مع شخصيات نسوية من مدينة الرقة وريفها، على الدعوة الروسية بدمج قسد ونظام الأسد معًا قائلةً: “بدلًا من الهجوم على هذه القوات (قوات سوريا الديمقراطية) الأجدر أن يتم الحديث عن كيفية الحل السياسي، وبالتالي دمج “قسد” مع الجيش السوري في آليات معينة هو الحل الصحيح، في ظل تشتت قوات النظام الضمني”.
وتبرهن العلاقات السياسية بين “قسد”، والنظام السوري، برعاية روسية مدى التفاهم، والتي تعني أن “قسد” مستعدة للحوار مع النظام السوري وفقًا لشروطها التي تمنحها الاندماج في جيش النظام السوري وإدارة فيدرالية لمناطق شمالي شرقي سوريا، فيما يصر النظام على استعادة كافة الأراضي السورية واندماج “قسد” في قواته كقوات رديفة تابعة له.
تعود جذور العلاقات بين “قسد” ونظام الأسد إلى عقود ترتبط بحزب العمال الكردستاني، ولا يمكن أن يتخلى أحدهما عن الآخر في ظل مصالحهم المشتركة شرقي الفرات
ويرى الصحفي سامر الأحمد، أن ما يحصل بين “قسد” والنظام في الوقت الحالي، يرتبط بالتقارب الغربي التركي، والذي يؤثر على علاقة “قسد” كقيادة حزب العمال الكردستاني، مع الغرب وأمريكا، ما دفعها إلى اللجوء إلى النظام مجددًا، وهذا لا يعني أنه جاء بعد قطيعة.
وقال سامر الأحمد خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن النظام و”قسد” بينهما تنسيق عسكري وأمني، وقادة “قسد” (صالح مسلم وإلهام أحمد وألدار خليل) يتمتعون بعلاقات جيدة مع علي مملوك ومسؤولين في النظام، والمشكلة أن النظام عرف أنهم في موقع ضعف ويحاول تحصيل أكبر عدد من المكاسب على مختلف الأصعدة في شرق الفرات”.
وأضاف: “أن النظام يريد تفكيك قوات “قسد” إلى عناصر ودمجهم ضمن قواته، مع تخلي “قسد” عن مكاسبها الاقتصادية التي حصلت عليها سابقًا مع إدارة بعض البلدات محليًا تحت إدارة مركزية واحدة، أو الانضمام في صفوف النظام كالفيلق الخامس في الجنوب السوري، وإجراء عمليات تسوية برعاية روسية”.
في الختام، تعود جذور العلاقات بين “قسد” ونظام الأسد إلى عقود ترتبط بحزب العمال الكردستاني، ولا يمكن أن يتخلى أحدهما عن الآخر في ظل مصالحهم المشتركة شرقي الفرات، بالخصوص في هذا الوقت الحساس الذي يحتاج كل طرف منهما إلى أي حليف يمكنه أن يستند إليه في زحمة تشظي الأوراق وتبدل التحالفات.