ترجمة حفصة جودة
في البداية ذبلت المحاصيل، وكان الجفاف المتكرر يعني أن أسرة كير لن تتمكن من زراعة الفواكه والخضراوات التي كانت توفر لها الدخل من قبل، بعد ذلك نفقت الماشية وأصبح القطيع المكون من 40 ماعزًا مجرد 6 فقط، أما الأبقار فلم تتمكن من النجاة، عندما جف النهر ولم تعد هناك مياه، اتفقت الأسرة أن لا خيار أمامهم إلا الرحيل عن منزلهم في قرية بوتيس جنوب غرب الصومال.
استمرت الرحلة البالغ طولها 65 كليومترًا إلى مخيم بولو غاراس شرق مدينة بيدوا في ولاية جنوب غرب الصومال بمنطقة الخليج، 4 أيام، في طريق الرحلة، نفق أحد الحمير التي كانت تسحب عربة الأسرة، كانوا يأملون أن يوفر لهم المخيم بعض الراحة مما أصابهم.
في بداية هذا العام، قالت الأمم المتحدة إن الصومال يتجه نحو كارثة محتملة بعد تأخر موسم الأمطار 3 مواسم متتالية، وهذا العام هو رابع موسم يتوقف فيه هطول الأمطار، ما أدى إلى تفاقم مشكلة الجفاف.
حذرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن الحل الوحيد لتلك الأزمة تمويلات عاجلة وفورية لتجنب المجاعة في الصومال، قالت كلير سانفورد – نائب مدير الشؤون الإنسانية في منظمة “انقذوا الأطفال” – إن هذه الأزمة أسوأ ما شهدته في عملها بهذا المجال خلال 23 عامًا.
ومع ذلك، كانت الحياة في مخيم بولو غاراس الذي يضم 630 عائلة، مختلفة قليلًا عن الحياة في القرية، فالمخيم – الذي افتُتح الشهر الماضي – ليس به مصدر للمياه، حيث يعتمد السكان على مدينة بيدوا لشراء الماء أو الحصول عليه بلا مقابل، كما أن الطعام نادر، ويتعين على الوافدين الجدد إنشاء مأوى لهم من أي شيء يجدوه أمامهم.
بصفتها الكبرى بين 5 أبناء، تشعر خديجة عبدي كير بمسؤولية رعاية الأسرة، لكن إعاقتها تمنعها من جلب الطعام والمياه.
تقول خديجة – وهي تجلس أمام مأوى صغير مصنوع من الملابس وفروع الأشجار وتسميه المنزل -: “كأكبر أشقائي من المتوقع أن أساعد بقية الأسرة، من المفترض أن أجلب المياه والطعام، لكن لأنني لا أستطيع الحركة أو الرؤية فإنني أعتمد على الآخرين، في الليلة الماضية لم يكن لدينا ما نأكله، لا نأكل إلا وجبة في اليوم مكونة من الفول والشاي”.
تقول خديجة إن والدها أضعف من أن يسافر معهم، كما أن والدتها تفتقر لمهارات كسب العيش في البلدة، وتضيف “لم نجد بعد مكانًا مناسبًا للعيش فيه، أو مصدرًا منتظمًا للطعام”.
في 2011 – عند إعلان أول مجاعة للصومال في القرن الـ21 – توفي نحو 260 ألف شخص نصفهم من الأطفال، لكن الجفاف هذه المرة مختلف وفقًا لعبد الناصر عبدي آروش وزير الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث في ولاية جنوب غرب الصومال.
يقول آروش “في 2011 كان العالم مدركًا لما يحدث هنا، ما نتج عنه استجابة إنسانية سريعة أنقذت حياة الكثيرين، هذه المرة، لا يهتم أحد لأنهم يركزون على الحرب في أوكرانيا، يجب أن يتضامن الناس مع المجاعة في الصومال وأجزاء أخرى من القرن الإفريقي، يجب أن تتوصل حكومتنا أيضًا إلى خطط لمنع الكوارث المستقبلية”.
تأثرت ولاية جنوب غرب الصومال بالجفاف بشدة، التي كانت من قبل سلة خبز الصومال لتاريخها في زراعة الذرة الحلوة، لكن تآكل التربة والاضطراب السياسي في المنطقة أدى إلى تفاقم آثار أزمة المناخ وتسبب في نتائج كارثية.
من أكثر المتضررين من هذا الجفاف، الأطفال، فنحو 120 طفلًا يعانون من سوء التغذية يُعالجون الآن في مركز رعاية للأطفال تحت عمر 5 سنوات في بيدوا الذي تديره منظمة “انقذوا الأطفال”.
من بين هؤلاء الذين يتلقون المساعدة، ابنة أنيسو محمد ذات العامين، تورم جسد الطفلة بينما تعاني من الإسهال والقيء وتحصل في المركز على الدواء والحليب والبسكويت، لكن بقاء أنيسو – 28 عامًا – بجانب طفلتها المريضة يعني أنها لن تتمكن من رعاية أطفالها الخمس الآخرين.
تقول أنيسو: “كنت أعمل مزارعة حتى أجبرنا الجفاف على الرحيل إلى بيدوا، منذ وصولنا هنا تمكنت من توفير الطعام بالعمل كحمّالة أنقل الأشياء من المتاجر والمنازل، لكنني اضطررت للتوقف لأنني أقضى اليوم كله في مركز الرعاية، أما والد أطفالي فلا يعمل”.
تتحسن حياة إيداجا حسين حسن – 40 عامًا وأم لـ5 أطفال – ببطء، وصلت حسن إلى بيدوا قبل 3 أشهر بعد جفاف محاصيلهم، عندما مرض ابنها حسين ذو الـ18 شهرًا، أخذته إلى مركز رعاية الأمومة والطفولة في مدينة بيردال الذي تديره أيضًا منظمة “انقذوا الأطفال”.
تقول حسن: “لقد حصّنوه ومنحوه الدواء وساعدوني ماديًا والآن يتعافى بفضل الله”، عالج المركز 396 طفلًا يعاني من سوء التغذية منذ بداية شهر يونيو/حزيران، لجأت أيضًا 60 امرأةً حبلى – يعانين من سوء التغذية – إلى المركز للعلاج.
تقول حفصو معلم – مديرة المركز -: “تعمل 4 قابلات على مدار الساعة، وفي بعض الأحيان تنفد الإمدادات، ما يعني فشلنا في رعاية الأمهات والأطفال المحتاجين”.
لكن الوضع يتجه نحو الأسوأ فقط، تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في القرن الإفريقي، 7 ملايين منهم في الصومال – بما يعادل نصف السكان – وفي كل يوم يصل المزيد من الناس إلى مخيم بولو غاراس وسط الأزمة التي تضرب البلاد، حيث يتركون منازلهم أملًا في النجاة.
المصدر: الغارديان