عاودت “إسرائيل” توجيه اتهاماتها لإيران بمحاولة استهداف مواطنين إسرائيليين داخل الأراضي التركية، كما جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد، الذي وجه الشكر لأنقرة لإحباطها هذا المخطط بعدما أوقفت ثمانية أشخاص، الأسبوع الماضي، بينهم إيرانيون، للاشتباه بتجهيزهم لعدة هجمات ضد مواطنين إسرائيليين، بينهم سفير سابق.
الاتهامات ليست الأولى من نوعها، فقد سبق لتل أبيب أن حذرت رعاياها في تركيا من مثل تلك الهجمات، داعية إياها لعدم التوجه إلى هناك في الوقت الراهن، كما ناشدت الموجودين بمغادرة إسطنبول في أسرع وقت، فيما نفت طهران تلك الدعاوى التي وصفتها بـ”السخيفة ولا أساس لها من الصحة، وتندرج في إطار مؤامرة مخطط لها تهدف إلى تدمير العلاقات بين البلدين المسلمين”، بحسب بيان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، الصادر قبل أيام.
التحذيرات الإسرائيلية من مثل تلك المحاولات خلال الآونة الأخيرة تتزامن مع إشادات إسرائيلية بالتعاون الاستخباراتي بين أنقرة وتل أبيب في الكشف عن تلك المخططات التي بلا شك تضع السلطات التركية في موقف حرج فيما يتعلق بقدراتها الأمنية واختراق عمقها الداخلي، وهو ما يؤثر حتمًا على ثقلها الإقليمي وصورتها الخارجية.
تحذيرات متكررة
تصاعدت التحذيرات الإسرائيلية من استهداف مواطنيها على أيدي الاستخبارات الإيرانية منذ عملية اغتيال قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، مطلع 2020، إذ تتهم طهران جهاز المخابرات الإسرائيلية (موساد) بالتواطؤ في تلك العملية من خلال المعلومات التي قدمها لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي) عن تحركات سليماني بين بغداد ودمشق، وهو ما أثار الشارع الإيراني ضد حكومته حينها وطالب بالانتقام والثأر من كل من تورط في تلك الجريمة وفي المقدمة منهم “إسرائيل”.
غير أن وتيرة تلك التحذيرات زادت بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة بعد الضغوط التي تتعرض لها الاستخبارات الإيرانية بسبب فشلها في الثأر لمقتل علمائها وأطبائها، ما دفعها للبحث عن أي انتصار هامشي من خلال استهداف الإسرائيليين في أي مكان ولو كان ذلك في بلاد صديقة ومجاورة كما هو الحال مع تركيا، وهو ما ترجحه بعض الشواهد أبرزها اعتقال قوات الأمن التركية 9 أشخاص متورطين في مخطط إيراني لاستهداف رجل الأعمال الإسرائيلي يائير غيلر، في فبراير/شباط الماضي، ردًا على اغتيال “إسرائيل” للعالم النووي الإيراني محسن فخري زاده عام 2020، وفق ما ذكرت صحيفة “صباح” التركية.
هذا بجانب العديد من الجرائم التي ارتكبتها الاستخبارات الإيرانية ضد خصومها في تركيا قبل ذلك، وأبرزها اغتيال المعارض الإيراني الضابط السابق بالحرس محسن ورد نجاني في إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث نجحت القوات التركية في القبض على المنفذين وتبين أنهم رجال استخبارات إيرانية.
وقبل تحذيرات وزير الخارجية الإسرائيلي بيوم واحد فقط بثت “القناة 13” العبرية تقريرًا قالت فيه إن هناك خطرًا واضحًا على حياة الإسرائيليين في تركيا، لافتة إلى وجود عدة فرق من فيلق القدس الإيراني في تركيا تحاول تنفيذ عمليات خطف وقتل ضد سياح إسرائيليين، منوهة أن “الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدرس إمكانية حظر الطيران إلى تركيا بسبب التخوفات من هجمات إيرانية”.
الإعلام الإسرائيلي الرسمي وتصريحات الخارجية يشيران إلى تعاون متبادل بين الاستخبارات الإسرائيلية والتركية للكشف عن هذا المخطط بعدما شاركت الحكومة الإسرائيلية السلطات التركية المعلومات والمعطيات المتوافرة لديها، وهو ما سهل عملية إحباط المخطط قبل تنفيذه، وفق الرواية الإسرائيلية.
وفي 23 يونيو/حزيران الحاليّ ألقت شرطة إسطنبول القبض على خمسة إيرانيين مع ثلاثة آخرين بتهمة العمل لتنفيذ مخطط الاستهداف، وفق صحيفة “خبر تورك” اليومية التي قالت: “وحدات من الاستخبارات ومكافحة الإرهاب داهمت شققًا وفنادق في إسطنبول كان يقيم بها المشتبه بهم، وصادرت وثائق رقمية ومسدسين بكاتمي صوت”، فيما أشارت وكالة الأنباء التركية “إخلاص” إلى أن الأشخاص الثماني المقبوض عليهم يعملون لحساب الاستخبارات الإيرانية، مضيفة أنه تم ضبط أسلحة خلال عمليات تفتيش نُفّذت في منطقة بيوغلو في وسط إسطنبول.
وبعيدًا عن النفي الدبلوماسي الإيراني لاتهامات الخارجية الإسرائيلية فإن هناك العديد من الشواهد التي ترجحها، فهناك رغبة انتقامية واضحة لدى طهران للثأر من تل أبيب بعد استهدافها عناصر وشخصيات سياسية وأمنية إيرانية خلال الآونة الأخيرة، حفاظًا على سمعة نظامها في الداخل ولتعزيز نفوذها الإقليمي خارجيًا.
وتشير التقارير إلى أنه خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الحاليّ وجهت “إسرائيل” ضربات قوية لإيران عبر سلسلة اغتيال شملت عددًا من الضباط والعلماء يتجاوز عددهم 7 أشخاص، فضلًا عن استهداف منشآت ومواقع حيوية ومراكز أبحاث نووية عبر طائرات مسيرة.
ولا شك أن استهداف أجانب فوق الأراضي التركية يعكس صورة مشوهة عن قدرات وإمكانات الأمن التركي ويضع سمعة البلاد على المحك، هذا بجانب تفنيد المعتقد الذي طالما حاولت السلطات التركية الترويج له خلال العقد الأخير كونها البلد الأكثر استقبالًا وحماية للمقهورين في بلدانهم والفارين من ويلات أنظمتها الحاكمة.
بجانب استهداف مواطني دول تعتبرها أعداء، تمتلك إيران سجلًا حافلًا من الاغتيالات السياسية للمعارضين والنشطاء المقيمين في الخارج طيلة العقود الأربع الماضية
في المقابل، فإن “إسرائيل” راعت قدر الإمكان تجنب الدخول في صدام وتوتر مع تركيا، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال التصريحات الإسرائيلية التي اكتفت بالتعامل مع الواقعة في إطارها الضيق، فلم تتضمن الطلب من مواطنيها عدم السفر إلى تركيا بشكل عام، وفي الوقت ذاته الإبقاء على الرحلات الجوية إلى مختلف المدن التركية كما هي.
يذكر أن العلاقات بين جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) وجهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MİT)، عادت إلى طبيعتها من التعاون والتنسيق، بعد 10 سنوات من الاتصالات الفاترة بين الجانبين، منذ أن توترت بسبب استيلاء “إسرائيل” على السفينة المدنية “مافي مرمرة” عام 2010، وكان من نتائجه خفض مسؤولو المخابرات في الجانبين مستويات تعاونهما إلى الحد الأدنى.
وعاد التعاون بشكل رسمي ومباشر قبيل زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج إلى تركيا، في مارس/آذار الماضي، وذلك إزاء قضية رجل الأعمال الإسرائيلي يائير جيلر الذي يعيش في إسطنبول ويُزعم أنه كان مستهدفًا بمحاولة اغتيال إيرانية انتقامًا من اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بحسب ما ذكرته دورية “إنتلجنس أونلاين” المعنية بالشؤون الاستخباراتية.
“دبلوماسية الجواسيس”.. تاريخ من التعاون الاستخباراتي
يمثل التعاون الاستخباراتي والأمني بين جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، وجهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MİT)، الضلع الأساسي في جدار العلاقات التركية الإسرائيلية، إذ ظل المحور الأكثر استمرارًا في مسار تلك العلاقات مهما واجهت من محطات صعبة على المستوى السياسي في ظل التوترات التي كانت تنشب بين الحين والآخر.
وبعيدًا عن أن تركيا واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الاحتلال عام 1949، فضلًا عن العلاقات الاقتصادية المتنامية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فإن التعاون الاستخباراتي كان العلامة الأبرز في مسار العلاقات الممتدة لأكثر من 70 عامًا.
ويعود التعاون الاستخباراتي بين جهازي الاستخبارات لدى البلدين إلى عام 1958 حين وقع اتفاق “ترايدنت” أو ما عرف لاحقا باسم “الشبح”، وهو الاتفاق السري الموقع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون ونظيره التركي حينها عدنان مندريس، المتعلق بالتعاون الأمني بينهما ضد التطرف في الشرق الأوسط وفي مواجهة النفوذ السوفيتي المتنامي وقتها، حسبما تناولت مجلة “واشنطن ريبورت” التي تقدم تحليلات معمقة لشؤون الشرق الأوسط.
ورغم الانقلاب الذي شهدته تركيا عام 1960 وأعدم على إثره مندريس، فإن التعاون الاستخباراتي مع تل أبيب لم يتوقف، إذ كان هناك لقاء شهير جمع بين الرئيس التركي عصمت إينونو ورئيس حكومة الاحتلال ليفي إشكول في باريس عام 1964 حيث اتفقا على استمرار التعاون، مع تعزيزه بتقديم “إسرائيل” الدعم الفني الشامل لأجهزة الاستخبارات التركية، ووصل التعاون الأمني مداه أواخر تسعينيات القرن الماضي، حين ساعد الموساد الإسرائيلي المخابرات التركية في اختطاف زعيم حزب العمال الكردستاني المعارض، عبد الله أوجلان، وكان ذلك عام 1999.
وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وصل التعاون الاستخباراتي بين البلدين إلى مراحل متطورة، حيث تبادلا معًا المعلومات العسكرية الحساسة المتعلقة بالتقييمات الأمنية لبعض قوى المنطقة التي تشكل خطرًا وتهديدًا للبلدين بحسب رؤيتهما مثل إيران وسوريا والعراق.
وفي الوقت الذي دخلت فيه العلاقات السياسية بين البلدين نفقًا مظلمًا بسبب اعتراض تركيا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ودعمها للمقاومة والانتفاضات المتتالية ضد الاحتلال منذ عام 2000، بجانب حادثة “مافي مرمرة” في 2010، إلى الحد الذي وصلت فيه إلى حظر أفيغدور ليبرمان (وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها) جميع الصفقات الدفاعية مع تركيا عام 2016، كان تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالإرهاب هو الاستثناء الوحيد من تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكان ما يعرف بـ”دبلوماسية الجواسيس” هي حلقة الوصل الأكثر حضورًا بين أنقرة وتل أبيب خلال فترات التوتر السياسي الأخيرة، حيث أجبرت حوادث تفكيك الاستخبارات التركية لشبكات جاسوسية تابعة للموساد الإسرائيلي في تركيا الحكومة الإسرائيلية على الاتصال بالرئيس التركي لمحاولة حل الأزمة قبل تفاقمها.
وخلال العامين الماضيين فقط، نجح التعاون بين جهازي الاستخبارات التركي والإسرائيلي في إحباط 12 مخططًا لشن هجمات على مواطنين إسرائيليين في تركيا، فضلًا عن تفكيك أنقرة للعديد من شبكات التجسس الإيرانية، بحسب “يديعوت أحرونوت”.
واستطاعت أنقرة توظيف تلك الدبلوماسية لتعزيز تعاونها مع “إسرائيل”، لا سيما بعد إعلانها إحباط عملية كانت تستهدف مصالح “إسرائيل” في تركيا واغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي يائير غيلر، في فبراير/شباط الماضي، وهي العملية التي ساعدت كثيرًا في التقارب بين البلدين الذي تعزز بزيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا قبل 3 أشهر.
القتل خارج الحدود
بجانب استهداف مواطني دول تعتبرها أعداء، تمتلك إيران سجلًا حافلًا من الاغتيالات السياسية للمعارضين والنشطاء المقيمين في الخارج طيلة العقود الأربع الماضية، إذ تهيمن على العقلية الحاكمة هناك إستراتيجية الصوت الواحد والقرار الواحد، فكل من يغرد خارج السرب لا مصير له في العرف الملالي إلا القتل أو التنكيل، حتى لو كان خارج بلاده.
وكان قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، قد صرح قبيل اغتياله بثلاثة أشهر أنه نظم 6 جيوش خارج الأراضي الإيرانية بدعم من قيادة الحرس الثوري الإيراني وهيئة الأركان العامة للجيش، للدفاع عن طهران ضد أي هجوم، أو تحركات تهدد بلاده، كان أبرزها حزب الله اللبناني وقوات النظام في سوريا والحشد الشعبي العراقي وميليشيا الحوثيين في اليمن، وكثيرًا ما استخدمت تلك الجيوش لاستهداف المعارضين للنظام الإيراني بوصفهم أعداء للدولة.
في يونيو/حزيران 2020، نشر مركز أبحاث “فريدوم هاوس” الأمريكي تقريرًا مفصلًا عن استهداف النشطاء السياسيين المنفيين في الولايات المتحدة، لافتًا إلى أنه خلال الفترة من 2014 وحتى نهاية 2019 وصل عدد المستهدفين 735 حالة، كان الإيرانيون على رأسهم بأوامر مباشرة من استخبارات بلادهم.
التقرير استعرض الكثير من الحالات المستهدفة، منها على سبيل المثال الصحفية والناشطة الإيرانية مسيح علي نجاد، التي تعرضت لمحاولة اختطاف صيف 2019 في مدينة نيويورك، لإخراجها من أمريكا بواسطة قارب سريع، ونقلها إلى طهران، حيث قال مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ويليام سويني جونيور، في بيان له معلنًا عن الجريمة: “نحن نزعم أن مجموعة مدعومة من الحكومة الإيرانية، تآمرت لاختطاف صحفية مقرها الولايات المتحدة هنا على أرضنا وإعادتها قسرًا إلى إيران”.
مع التحديات التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية الراهنة بات الجميع مدفوعًا نحو تخفيف التوترات قدر الإمكان وتبريد أي ملفات مشتعلة، وهو ما يراهن عليه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته لتركيا اليوم
الكاتب الإيراني جمال عبيدي، رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث، في مقال له في صحيفة “النهار” اللبنانية، كشف عن أن سياسة الاغتيالات والاستهدافات الإيرانية لخصومها في الخارج، سواء من الإيرانيين أم الأجانب، تقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالتدخل المباشر من أجهزة الاستخبارات الإيرانية (استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاطلاعات)، كما هو الحال في الهجوم على تجمع معارض لنظام الجمهورية الإسلامية في ضواحي العاصمة باريس عام 2018، فقد اُتهم جهاز الاستخبارات بالتدخل المباشر في محكمة الإرهاب في مدينة Antwerp البلجيكية التي أدانت بشكل مباشر الدبلوماسي الإيراني وزملاءه المشاركين في التخطيط وحبسهم.
أما الركيزة الثانية فتتعلق بتوكيل جهاز الاستخبارات لعصابات إجرامية متخصصة في عمليات القتل والخطف للقيام بالعمليات المستهدفة، وهو ما تكرر مع عشرات النماذج منها: اغتيال مدير قناة “جم” الفارسية، سعيد كريميان، رميًا بالرصاص في تركيا في أبريل/نيسان 2017، وفي نفس العام اغتيال الرئيس الأسبق لـ”حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، أحمد مولى، في هولندا رميًا بالرصاص بالتعاون مع زعيم إحدى العصابات الإجرامية، وخطف المعارض حبيب بني كعب (حبيب أسيود)، من مدينة إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بالتعاون مع مهرب المخدرات الإيراني الأصل الذي كان مقيمًا في تركيا، ناصر شريفي زيندشتي.
هل تتحمل أنقرة حرج طهران مطولًا؟
بعيدًا عن التبعات الأمنية والسياسية للمؤامرات الإيرانية التي تستهدف بها إسرائيليين فوق الأراضي التركية، فإن هناك كوارث اقتصادية ناجمة عن تلك الإستراتيجية، أبرزها حرمان أنقرة من عوائد السياحة الإسرائيلية التي تشكل رقمًا ليس بالسهل في خريطة السياحة التركية (أحد أضلاع الاقتصاد الوطني).
وبحسب إحصاءات وزارة السياحة التركية، فقد بلغ عدد السائحين الإسرائيليين خلال الأشهر الأربع الأولى من العام الحاليّ قرابة 157 ألف سائح، بزيادة قدرها 632% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، فيما تستهدف تركيا زيادة هذا الرقم مستقبلًا في إطار خطوات التقارب المتسارعة مع دولة الاحتلال.
السؤال الأبرز هنا: إلى متى تتحمل تركيا الحرج الذي تتسبب فيه إيران بسياستها الاستهدافية التي لا تراعي مصالح الحلفاء والدول الأخرى؟ غير أن الإجابة عن هذا السؤال تندرج تحت عنوان أبرز وأعرض يتعلق بالتحديات الإقليمية التي تشهدها الساحة وتدفع جميع الأطراف إلى عدم التصعيد وتبريد الأجواء قدر الإمكان.
تؤمن أنقرة في ظل سياستها الجديدة “تصفير الأزمات” أن الاستمرار في التصعيد مع الجيران لن يؤدي إلا لمزيد من نزيف الموارد وإنهاك القدرات، وأنه لا بد من فتح صفحة جديدة مع الجميع استنادًا إلى أرضية مشتركة من المصالح والمكاسب الثنائية مع تنحية الملفات الخلافية جانبًا ولو مؤقتًا.
كما أن هناك مصالح عدة تربط بين البلدين، إذ يتماسا في العديد من الملفات، وهو ما يقوض الجانب التركي في اتخاذ أي موقف تصعيدي مع الدولة الإيرانية التي تحاول هي الأخرى تعزيز تحالفها مع تركيا لدعم موقفها في مفاوضات الاتفاق النووي، ويثقل حضورها على طاولة المفاوضات.
يحاول الجانب التركي جاهدًا التزام سياسة ضبط النفس في مواجهة التحرشات الإيرانية التي تهدد صورة البلاد الخارجية وتشعل الساحة الداخلية، مدفوعا بالتحديات الاقتصادية التي يواجهها لقبول وتمرير عدد من التجاوزات من بعض الدول، لكن إلى أي حد يمكن تحمل تلك الوضعية؟