من جديد عاد العاهل الأردني عبد الله الثاني يتكلم عن أمن المنطقة والتحديات التي تواجهها نتيجة أفعال الميليشيات الإيرانية، وهذه المرة طرح الملك الأردني فكرة تشكيل تحالف شرق أوسطي لمواجهة الأخطار التي تحيط بالمنطقة، وقال العاهل الأردني في مقابلة صحفية إنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، وكشف أن ذلك يمكن أن يتم مع الدول التي تشاطره الرأي.
وعلى ما يبدو فإن الفكرة بصدد التنفيذ بحسب ما تكلم الملك الأردني الذي أشار إلى أن “دول الشرق الأوسط بدأت العمل معًا لمواجهة التحديات التي نشأت عن الحرب في أوكرانيا”، مردفًا “رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جدًا ودوره يجب أن يكون محددًا بشكل جيد”، مؤكدًا “سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.
طروحات عبد الله الثاني ليست وليدة هذه الأيام، ففكرة إنشاء “ناتو عربي” تعود إلى سنوات مضت، لكن هذه المرة تأتي مع حراك دبلوماسي في المنطقة بالإضافة إلى الأزمات التي تشهدها دول العالم عدا عن التغلغل الإيراني المتزايد في المنطقة وما يمثله من تهديد لبعض الدول، وفي مقدمة ذلك كله تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن إلى السعودية بعد أيام ليعقد قمة مع بعض زعماء المنطقة.
ما الجديد في فكرة “الناتو العربي”؟
يتزعم العاهل الأردني منذ فترة حراكًا في المنطقة من أجل مواجهة الميليشيات الإيرانية التي تنتشر على حدود بلاده مع سوريا خاصة بعد الأنباء التي تفيد أن انسحابًا روسيًا قد حصل، وقد أشار عبد الله الثاني سابقًا عن هذا الأمر قائلًا “الوجود الروسي في الجنوب السوري، كان يشكل مصدرًا للتهدئة في سوريا”، موضحًا أن “هذا الفراغ سيملأه الإيرانيون ووكلاؤهم”، وفي الشهور الأخيرة بات الأردن هدفًا واضحًا لشحنات المخدرات التي يرسلها النظام عبر الحدود، ما أشعل حربًا واسعة من أجل المخدرات.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد كشف منذ مدة عن “شراكة عسكرية إقليمية لمكافحة التهديدات الإيرانية”، وقال غانتس إن “إسرائيل” وواشنطن وشركاء إقليميين قد “طوروا تحالف دفاع جوي نجح في إحباط محاولات إيرانية لمهاجمة “إسرائيل” ودول أخرى في الشرق الأوسط”، ولفت غانتس إلى أن ما أسمّاه “تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط”، أحبط بالفعل “محاولات إيرانية لضرب “إسرائيل” ودول المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة”.
وعلى هذا الأساس، فإن مواجهة إيران وحفظ أمن المنطقة هما الهدفان المعلنان من كل التحركات الحاصلة في المنطقة منذ أشهر، وفي إطار هذه التحركات قالت صحيفة “وول ستريت جورنال“: “مسؤولون عسكريون أمريكيون التقوا سرًا نظراء لهم من “إسرائيل” ودول عربية بشرم الشيخ في مارس/آذار الماضي لاستكشاف سبل التنسيق ضد تنامي قدرات إيران الصاروخية وذات الصلة ببرنامجها للطائرات المسيّرة”، وبحسب الصحيفة فإن الاجتماع ضم إضافة إلى الضباط الإسرائيليين والأمريكيين ضباطًا من مصر والأردن ودول خليجية أخرى.
عطفًا على ما سبق، استضافت البحرين اجتماعًا دبلوماسيًا يضم الدول التي شاركت بقمة النقب التي عُقدت منذ شهور، وبحسب الإذاعة الإسرائيلية العامة فإن ممثلين عن البحرين والإمارات ومصر والمغرب و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، يشاركون، في لقاء عمل، وتركزت أهداف قمة النقب التي عقدت في القدس على مواجهة التحديات الأمنية المحيطة بالدول العربية و”إسرائيل”.
وأخيرًا، شهدت المنطقة عدة اجتماعات أخرى منها الاجتماع الذي عقد بشرم الشيخ وضم محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وجرى في تلك القمة بحث “تداعيات التطورات العالمية، خاصة ما يتعلق بالطاقة واستقرار الأسواق والأمن الغذائي”، كما تطرق الاجتماع إلى الملف النووي الإيراني والتوجس الإسرائيلي من اقتراب توقيع الاتفاق النووي الجديد مع إيران، وناقش أيضًا علاقات العواصم الثلاثة بواشنطن.
حراك دبلوماسي قبل زيارة بايدن
تتزامن طروحات “الناتو الشرق أوسطي” مع تفوق حالة الدبلوماسية على التوتر الذي ساد المنطقة بين دول متعددة خلال المرحلة السابقة، خصوصًا التغير الحاصل في العلاقات بين الإمارات والسعودية مع تركيا وقطر إضافة للزيارات المتبادلة بين الأطراف، كما تمثل زيارة أمير قطر إلى مصر انطلاقة لعهد جديد من الممكن أن ينبئ بولادة حلف جديد في المنطقة.
وتعود فكرة التحالف إلى اجتماع عقده رئيس أمريكا الأسبق باراك أوباما لزعماء دول الخليج في واشنطن وتم الاتفاق مع هذه الدول على العمل على خلق جبهة واحدة متحدة لمواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت إيران أم التنظيمات الإرهابية.
حينها لم تكن “إسرائيل” في سياق الدخول بهكذا تحالف، فالدول العربية كانت تجرم التطبيع معها، لكن هذا المشروع توقف بسب انشغال إدارة أوباما بالانسحاب من المنطقة والاتفاق النووي مع إيران الذي ألقى بظلاله على علاقات العرب بأمريكا.
عند وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الحكم طرح فكرة تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” أو “الناتو العربي”، وكان ترامب يرغب في جمع البلدان الخليجية ومصر والأردن بتحالف واحد مع واشنطن من أجل “مواجهة ما تقوم به إيران في المنطقة”، إضافة إلى “خلق جبهة محلية قوية لمواجهة الجماعات المتطرفة، بما يخفف الضغط والعبء العسكري عن الولايات المتحدة في الحفاظ على استقرار المنطقة”.
ظلت الفكرة على الأوراق وداخل غرف الاجتماعات، فقد رأى مراقبون استحالة حدوثها، إلا أن اختراقًا كبيرًا حصل في هذا السياق، إذ عقدت أكثر من دولة عربية خلال عامين فقط اتفاقيات سلام وتطبيع مع “إسرائيل” ضمن ما أطلق عليه اتفاقيات أبراهام، وأصبح الكيان خلال مدة وجيزة حليفًا بعد أن كان عدوًا لعشرات السنين، هنا باتت هذه الدول تفكر بتحالف “شرق أوسطي” وليس تحالف عربي فحسب من أجل إدخال تل أبيب ودمجها في المنطقة أكثر فأكثر.
كما يأتي طرح فكرة تشكيل التحالف في المنطقة مجددًا قبل وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة حيث سيزور السعودية والأراضي الفلسطينية و”إسرائيل” في منتصف يوليو/تموز، كما أنه سيعقد قمة لدول المنطقة في مدينة جدة السعودية يحضرها كل من قادة دول الخليج بالإضافة إلى زعماء مصر والأردن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ترى تل أبيب أن زيارة بايدن سيكون لها تأثير إيجابي عليهم، فقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد” “الزيارة سيكون لها تأثير كبير على المنطقة وعلى الصراع مع إيران، وإمكانات هائلة لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة بشكل كبير”، وفي سياق بناء التحالفات الجديدة قال وزير الدفاع بيني غانتس: “إسرائيل تبني تحالفًا للدفاع الجوي في المنطقة برعاية الولايات المتحدة”، مضيفًا “زيارة بايدن ربما تدعم هذا التحالف”.
معارضون للتحالف
رغم الحراك الواسع الذي يحصل هذه الأيام بين الدول المعنية، فإن دولًا تعارض فكرة هذا التحالف، إذ قالت مصادر مصرية إن الرياض والقاهرة تتحفظان على هذه الفكرة، كما أن الدولتين تعارضان فكرة تحالف “تكون فيه تل أبيب رأس حربة”، التحفظ السعودي المصري يتضح أكثر من خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي ومن ثم لقائه بالملك الأردني في عمان.
ووفقًا للمصادر المصرية فإن جولة محمد بن سلمان “كانت لإحباط هذه الفكرة وهو ما أيده السيسي الذي أكد معارضته لأي أحلاف عسكرية موجهة ضد أي دولة في المنطقة”، إضافة إلى أن القاهرة “تفضل عدم استفزاز إيران”، أما عن التهديد الإيراني المحتمل فترى مصر أن الأفضل التعامل معها بالطرق الدبلوماسية.
يذكر أن القاهرة عبرت عن عدم رغبتها بالمشاركة بأي أحلاف في المنطقة، وهو ما أكده وزير خارجيتها سامح شكري عقب مشاركته بقمة النقب في مارس/آذار المنصرم، وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري: “مصر لم تكن مشاركتها في اجتماع النقب بهدف إنشاء أي تحالف أو أن تكون موجهة ضد أي طرف”.
إضافة إلى انسحابها عام 2019 من مشروع الرئيس الأمريكي ترامب “الناتو العربي”، فقد نأت القاهرة بنفسها عن الجهود الأمريكية، وأبلغت القاهرة حينئذ قرارها للولايات المتحدة، وذكرت المصادر أن مصر لم تر بعد خطة أولية تحدد ملامح هذا التحالف، ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوي عليه خطر زيادة التوتر مع إيران.
إلى ذلك، ما زالت السعودية تحاول التواصل مع إيران عبر الطرق الدبلوماسية ولهذا لا تريد أن تدخل أحلافًا من شأنها ضرب مفاوضاتها الجارية مع طهران عبر العراق، وقد وصفت إيران هذه المفاوضات بالجيدة، ويلعب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دورًا في هذه المباحثات التي كان آخرها أمس الأحد حين زار الكاظمي طهران وسبق ذلك زيارة إلى السعودية التقى فيها بولي العهد محمد بن سلمان.
ختامًا، في حال أُقيم هذا التحالف الشرق أوسطي فإن المستفيد الأكبر منه سيكون “إسرائيل” التي ستنخرط بصورة أكبر في محيطها بعد أن كانت جسمًا غريبًا، كما أن الهدف المرجو من هذا التحالف وهو مواجهة إيران لن يتم على أكمل وجه، فجميع الدول المحتمل مشاركتها لديها علاقات مع طهران أو في اتجاه تحسين العلاقات معها.