ترجمة وتحرير: نون بوست
التنمر نمط مستمر من العدوانية يمارسه شخص له قدر من القوة على آخر أضعف منه. وترى ستيلا أومالي، مؤلفة كتاب صدر حديثًا بعنوان “أطفال مقاومون للتنمر”، أن التنمر ليس سوى سلوك متكرر. ولكن خلف هذا التعريف البسيط يكمن موقف معقد متعدد المستويات قد يكون تحليله صعبًا للغاية. ما هي القوة التي يحظى بها المُتَنمِّر ومن أين أتت؟ في حالة الأطفال، حسب أومالي، غالبًا ما يكون للمكانة الاجتماعية دور في ذلك أو اعتقاد راسخ دفعهم للاعتقاد في ذلك.
تتمثل إحدى أكبر المشاكل، التي تتطرق إليها أومالي مرارًا وتكرارًا في كتابها وفي محادثتنا، في أن التنمر دائمًا ما يتعلق بأكثر مما يحدث بين شخصين: أي المتنمر والهدف. ماذا عن الأطفال الذين تسميهم أومالي “الساعد الأيمن” للمتنمر وأنصاره، والأطفال الذين يعتقدون أن المتنمر هو الأقوى ويريدون البقاء في صفه؟ ماذا يحدث مع الأطفال الذين يراقبون بصمت هذا السلوك – أو ما يسمى بـ “المتفرجين”؟ من يرى ما يحدث عندما تتطور الأمور بسرعة؟ من يهتف بالظلم؟ لفهم التنمر، علينا رؤية الصورة كاملةً.
تقول أومالي إن التنمر يتعلق بكل فرد في المجموعة أو الغرفة أو المكتب أو الملعب وحتى المتفرجون – أولئك الذين لا يحركون ساكنًا عند حدوث التنمر أمام أعينهم – لأنه على حد تعبير عالم اللاهوت الألماني ديتريش بونهوفر فإن الصمت يعد قولًا والسكون يعد تصرّفًا.
هل يمكن أن يكون أي طفل متنمرًا وهدفًا؟
ترى أومالي أن الطفل يمكن أن يكون متنمرا وهدفا في نفس الوقت، موضحةً: “لم أقابل أبدًا شخصًا اعتقدت أنه لن يكون متنمرًا أبدًا أو لا يمكن أن يكون هدفًا أبدًا، لأنه في الحقيقة لكل فرد جانب خفي – ولن نصبح أشخاصًا أفضل حتى نعترف بذلك”. وتضيف أومالي أن سلوك التنمر لدى الأطفال يميل إلى أن يكون حيوانيا للغاية بوجود غريزة قوية لدى العديد من الأطفال للانضمام إلى المجموعة: “ربما يستغرق تهذيب أنفسنا 18 سنة، وهنا يأتي دور الآباء. وهناك الكثير مما يمكننا القيام به لإحداث فرق”.
ماذا يمكن للوالدين فعله؟
تقول أومالي إن أهم ما على الوالدين فعله هو الانتباه للطفل لمعرفة نقاط ضعفه. أنت تعرف طفلك أفضل من أي شخص آخر: ما هي احتياجاته العاطفية؟ هل يحتاج إلى الحب والانتماء، أم يتوق إلى السلطة والمكانة والاعتراف من الآخرين؟ قد يكون سلوك النوع الأول من الأطفال سلبيا ولطيفا ما يجعلهم أكثر عرضة للتنمر، أو قد يكون مؤهلا ليكون من مؤيدي المتنمر. وعلى نحو مماثل، إذا كان طفلك بحاجة إلى القوة والتقدير – وهذا مزيج رائع للنجاح في العديد من القطاعات – قد ينشأ لديه بسهولة سلوك التنمر. وبصفتك والدا أو أما عليك أن تكون مدركًا ويقظا في كيفية التعامل معه.
وتوضح أومالي أنه “من الرائع أن يكون لطفك نقاط القوة المذكورة آنفًا، لكن عليه أن يتعلم التعاطف. وإذا كان بإمكانك تنمية الشعور بالتعاطف لديه ومساعدته على فهم ما يشعر به الآخرون، فإنك بذلك تساعدك على مقاومة ميوله للتنمر. بعبارة أخرى، كل طفل وكل إنسان له عيوبه. لقد أصبح التنمر فعلا شيطانيا، ومن السهل على الأطفال الوقوع فيه، ونحن بحاجة إلى مساعدتهم للابتعاد عن هذا السلوك”. وتقول أومالي إنه “من السهل نسبيًا مساعدة الأطفال في المرحلة الابتدائية على التخلص من التنمر لأنهم في هذه السن يكونون قابلين للتوجيه نحو العمل الصائب، ويمكنهم أن يتعلموا كيف يكونوا مختلفين”.
ماذا لو كان الوالدان أنفسهم متنمرين؟
أحيانًا يصادف أن يكون كل فرد من أفراد العائلة متنمرًا: الآباء والأشقاء الأكبر سنًا الذين يتنمرون على الأطفال الأصغر سنًا والأطفال الصغار الذين يتنمرون على الآخرين في المدرسة. ومن الصعب مساعدة هذه العائلات ولكنها حالات نادرة جدًا. ولكن الأمر الأكثر شيوعا هو السلوك الفردي للوالدين الذي يمكن أن يهيئ الطفل ليكون متنمرًا.
ما هو السلوك الذي يجب أن أبحث عنه؟
تحذر أومالي من أن بعض الأطفال يذهب إلى المدرسة بفكر متغطرس يجعله يعتقد أنه أفضل من الآخرين. لذلك، تأكد من أن طفلك ليس من هذا النوع من الأطفال: إن فكرة كون طفلك أكثر ذكاءً ووسامة ومهارة في جميع المجالات تعد في الواقع جانبا مظلما من شخصيتك – ونقل هذه الفكرة إلى طفلك سيخلق لديه مشاكل كبيرة.
أفضل طريقة هي التفكير من وجهة نظر الأطفال الآخرين، وتشجيع طفلك على فعل الشيء ذاته. تقول أومالي في هذا الشأن: “عندما تسأل طفلك عن يومه، لا تسأل فقط عن الدروس وعما تناوله على الغداء، بل اسأله عما إذا حظي الجميع بصديق في وقت اللعب اليوم، وإذا أجاب بأن أحدهم كان مستبعدا، فاسأله عما إذا كان قد ابتسم في وجه هذا الشخص، أو سأله إذا كان يريد اللعب؟”.
تُفضل أومالي استعمال مصطلح “الأشخاص المخادعين” عوضا عن “المتنمرين”، والحقيقة حول الأشخاص المخادعين هي أنهم موجودون في كل مكان، وسيظلون في كل مكان طوال حياتك.
تعتقد أومالي أن إحدى أكبر الهدايا التي يمكن للوالدين تقديمها لأطفالهم هي مهارات التعامل مع الأشخاص المخادعين: “الأمر لا يتعلق بأن تكون كبير الحجم، بل بأن تكون ذكيًا، كما يتعلق الأمر بإستراتيجيتك، وبكيفية تعاملك مع هؤلاء الأشخاص. إذا علّمت ابنك أن هناك بعض الناس الأشرار الذين سوف يضربونه، فهذا لن يساعد على تقويته. أما إذا علمته أن يتعرف على الشخص المخادع، وأن يكون حذرا، ويعمل على حل الأمور من حوله: فهذا أمر مفيد، وبهذه الطريقة تكون قد علمته شيئا مهما للغاية”.
من هم “دعاة الحق”؟
هناك مجموعة أخرى تريد أومالي التركيز عليها وهي مجموعة دعاة الحق، حيث تقول إن “هؤلاء الأشخاص لهم أهمية وتأثير، حتى عندما لا يتعلق الأمر بهم. ويمكن أن يكونوا من الناس المزعجين للغاية”. وفي الواقع، يبغض دعاة الحق المتنمر أو المتنمرين، لذلك من المهم إدراك دور هذه المجموعة والتأكد من أن طفلك يدرك ذلك أيضًا.
وأضافت أومالي أنه “إذا كنت تستقل إحدى وسائل النقل العام وكان هناك شخص ما يعامل شخصًا آخر بعنصرية، فإن التواصل البصري مع الشخص المستهدف ومنحه نظرة داعمة يساعد في الحد من وطأة التنمر، كما أن تغيير مكانك للوقوف إلى جانبه، وإشراكه أيضا في محادثة حول الرحلة أو الطقس، من شأنه أن يساعد في تقليل قوة المتنمر”. يتمثّل شعار أومالي في تبني دور دعاة الحق، في المدارس على وجه الخصوص، حيث تعتقد أن رعاية ثقافة الدعوة للحق من شأنه أن يحدث فرقا كبيرا.
هل غيرت الرقمنة طبيعة التنمر، أم أنها منحته مجالا جديدا؟
تقول أومالي إن التنمر في العصر الرقمي يشبه ما كان عليه قديما، لكن هناك اختلافات مهمة. أولا، خلق العالم الرقمي مسارا أسرع بكثير لنزع الصفة الإنسانية عن الهدف، وتمثّل هذه الخطوة الرعب الذي نحاول تجنبه.
تضيف أومالي أنه من الصعب للغاية إنقاذ طفل بعد أن تنتزع منه إنسانيته: ولهذا السبب تنصح بأنك إذا شعرت أن هذا يحدث لطفلك في أي مكان، وإذا كانت المدرسة أو السلطات لا تتعاون معك لمعالجتها على وجه السرعة، فعليك إخراج الطفل من ذلك المكان على الفور.
صحيح أن التنمر أمر مزعج، لكنه جزء من واقعنا، والعمل على فهم هذا السلوك والتعمق في أدوارنا وأدوار أطفالنا، يمثّل تمرينا جيّدا لتعزيز الشخصية
تعمل الرقمنة بالفعل على تجريد الناس من إنسانيتهم، إذ أن المساحات الشاسعة التي توفّرها وسائل التواصل الاجتماعي، مثلا، تدور حول خلق صورة لشخص لا يشبه ما هو عليه في الحياة الواقعية. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للمشاهير أن يتظاهروا بالنجاح، والمظهر الوسيم، كما لو أنهم من عالم آخر، بحيث يسهل استهدافهم. ومن بين الأمثلة التي قدمتها أومالي مأساة كارولين فلاك، حيث تقول: “لقد أنشأنا ثقافة تقوم على أهمية الضغط على زر “الإعجاب” لتنضم إلى التيار السائد، مما يجعلك متفرجا. لذلك نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر وعيا بما يحصل من حولنا”.
هل يمكن أن يكون للتنمر أي نقاط إيجابية؟
حسب أومالي لا يخلو التنمرّ من بعض النقاط الإيجابية. صحيح أن التنمر أمر مزعج، لكنه جزء من واقعنا، والعمل على فهم هذا السلوك والتعمق في أدوارنا وأدوار أطفالنا، يمثّل تمرينا جيّدا لتعزيز الشخصية. ووفقا لأومالي “سواء كان طفلك هو المتنمر أو الهدف أو المتفرّج أو مساعد المتنمر، فإنه بإمكانه التعلم من ذلك ويمكنه التغيّر للأفضل. عندما تكون أنت الطرف المتلقي للتنمر فإن ذلك موقف مؤلم، ولكن مثل كل الصدمات يمكنك تجاوز هذا الموقف وأنت أكثر قوة، خاصة إذا كان لديك دعم جيد. يمكن أن يساعدك ذلك على أن تصبح أكثر نضجا ويمنحك نظرة على الحالة البشرية التي لم تكن تعرفها سابقا. ومن شأن تعلم كيفية إدارة هذه الصدمة أن يمنحك فهما أفضل عن الأشخاص المخادعين الذين سيواصل طفلك مواجهتهم طوال حياته”.
المصدر: الغارديان