ترجمة تحرير: نون بوست
عندما يسافر الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” والأراضي الفلسطينية في شهر تموز/ يوليو، ينبغي عليه حفر اسمي جمال خاشقجي وشيرين أبو عاقلة في ذهنه مع كل خطوة يخطوها، فكلاهما تحدى السلطة وكشف الحقيقة، وقُتل كلاهما أثناء عملهما كصحفيين، وعلى الرغم من أن كلًّا منهما قُتل في ظروف مختلفة تمامًا، إلا أنهما يمثلان تعهدًا بالتغيير في الشرق الأوسط.
وتقول إدارة بايدن إن سياستها الخارجية تركز على المعركة بين الديمقراطية والاستبداد، وعلى الحاجة إلى إرساء نظام دولي قائم على القواعد. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة ليس لديها – بشكل واضح وصريح – حلفاء ديمقراطيين أو أصدقاء استبداديين؛ لذلك فإن الحل بالنسبة للولايات المتحدة يكمن في التأكد من أنها لا تستخدم نفوذها لتقديم المواعظ والدروس أو التنازل، وإنما للانخراط في محادثة أوسع، وإقناع هذه البلدان بضرورة وفائدة الالتزام بالقيم العالمية الأساسية للجميع.
لهذا السبب؛ تتجاوز مهمة بايدن مجرد النقاش حول خفض سعر برميل النفط، والتعاون الإقليمي، والتهديد من إيران، أو حتى إطلاق سراح المعارضين.
إن الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع مقتل خاشقجي وأبو عاقلة هي مجرد اختبار لوعده بدعم سيادة القانون والمساءلة، وقدرته على تحقيق توازن أفضل بين القيم والسياسة الواقعية على حد سواء. إن نجاح بايدن ليس مهمًا فقط للولايات المتحدة والشرق الأوسط والعلاقة بين الاثنين، وإنما لعلاقة الولايات المتحدة بالعالم.
في الواقع؛ سيكون أسوأ نهج ممكن هو أن تقوم الولايات المتحدة بالتستر على عمليتي القتل، وإرسال رسالة إلى حلفائها في المنطقة مفادها أن بإمكانهم الإفلات من العقاب طالما أنهم يخدمون مصالح الولايات المتحدة قصيرة المدى، والجدير بالذكر أن بايدن يسعى للحصول على مزيد من النفط من السعودية؛ حيث تسعى واشنطن لخنق صادرات الطاقة الروسية والحفاظ على جبهة مناهضة لإيران بين الدول العربية و”إسرائيل”، وتعتبر كلتا المسألتين مهمتان، كما هو الحال بالنسبة للإفراج عن السجناء السياسيين، بيد أن نهج المعاملات هذا لم يحقق نتائج مستدامة في الماضي، وسيفشل تلقائيًّا مرة أخرى.
ومع ذلك؛ ليست كل عمليات القتل متساوية في تأثيرها. كل حياة ثمينة؛ ولكن سرعان ما تُنسى معظم الوفيات ولا تبقى ذكراهم حية سوى لدى أحبائهم؛ بما في ذلك الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة وطنية، في أي مكان في العالم. وتتسبب معظم حالات الوفاة في اندلاع سيل من الاحتجاجات أو إشعال الصراعات، وبعضها فقط يغير مجرى التاريخ.
في بعض الأحيان؛ نعتقد من هول اللحظة أننا وصلنا إلى نقطة تحول، مثل حادثة إطلاق النار على مدرسة ساندي هوك الابتدائية في الولايات المتحدة سنة 2012، أو اغتيال الزعيمة الباكستانية بينظير بوتو في سنة 2007، فقط لندرك، بعد سنوات، أنه لم يحدث سوى بعض التغيير أو لم يتغير شيء، وأن “الوضع الجديد” مشابه “للوضع السابق”.
شهد الشرق الأوسط العديد من الاغتيالات السياسية العنيفة، ولكن ثبت أن بعضها فقط كان بمثابة نقطة تحول. بعبارة أخرى؛ لم يغير اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري سنة 2005 مسار السياسة اللبنانية فحسب، بل غيّر أيضا الجغرافيا السياسية للمنطقة، مما أزال حصنًا ضد صعود النفوذ الإيراني من بيروت إلى صنعاء.
خاشقجي وأبو عاقلة قُتلا على يد حلفاء أمريكا -بانتظار تحقيق كامل في حالة إسرائيل-، والولايات المتحدة لديها القدرة على المطالبة بالمساءلة، وعليها مسؤولية إخضاع حلفائها لمعايير أعلى
ويندرج مقتل خاشقجي ضمن هذه الفئة؛ فلقد أدت وفاته المروعة في سنة 2018، في القنصلية السعودية في إسطنبول، إلى زعزعة استقرار العلاقات السعودية الأمريكية، وأثارت سخط الصحفيين والنشطاء في جميع أنحاء العالم العربي، وخلال حملته الرئاسية؛ وصف بايدن المملكة العربية السعودية بأنها منبوذة، لكن غزو روسيا لأوكرانيا، والتضخم، وارتفاع أسعار الغاز أجبرنا على إعادة التفكير.
ومن هنا جاءت فكرة زيارة جدة؛ حيث يقول إنه سيحضر اجتماعًا لمجلس التعاون الخليجي، وكذلك الأردن والعراق ومصر، ولكن من المرجح أن يلتقي بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تلومه المخابرات الأمريكية على مقتل خاشقجي.
وتوالت الإغتيالات، وخيمت سحابة الموت فوق الشعب، والبلد، والمنطقة، وكان مقتل شيرين أبو عاقلة أحدثها؛ صحيح أنه قد قُتل العديد من الصحفيين الفلسطينيين رميًا بالرصاص قبل ذلك وبعده، كما قتل فلسطينيون أميركيون آخرون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن موت أبو عاقلة كان مختلفًا؛ فلقد كانت صحفية فلسطينية أمريكية رائدة رحب بها ملايين العرب في وطنهم وهي تروي قصة شعبها بهدوء واتزان وتعاطف على امتداد مسيرة استمرت 25 سنة، وكان موكب جنازتها من أكبر المواكب التي حظيت بها أي شخصية فلسطينية على الإطلاق، وكان غيابها محسوسا بشكل كبير. وقد لا يبدو الأمر كذلك حاليا، لكن شيئًا ما قد تغير، بشكل غير محسوس تقريبًا.
وتدعم هذه الوفيات قضية الإفلات من العقاب، ومسألة ما يحدث عندما يفلت المجرمون من العقاب، وتحقيق التوازن في واشنطن بين القيم والمصالح، ويكمن مفتاح هذا الوضع في التساؤل عمن نفذ عمليات القتل، ومن المحتمل أن تحدد الإجابة كيف يتحقق التوازن.
على سبيل المثال؛ قُتل الحريري على يد أعداء الولايات المتحدة؛ فلقد وقف في وجه مخططات إيران وسوريا للسيطرة على لبنان، وقام باغتياله عناصر ينتمون إلى حزب الله، المليشيا الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، وقد تعرضت دمشق لضغوط دولية مكثفة، وفتحت الأمم المتحدة تحقيقًا في الغرض، وعقدت من أجله محكمة خاصة في لاهاي؛ ولكن في النهاية، كانت الإدانات والعدالة صعبة التحقق، ولكن ليس بسبب قلة المحاولة؛ ولكن لأن الولايات المتحدة ببساطة ليس لديها نفوذ على إيران وحزب الله لفرض المساءلة.
ولكن خاشقجي وأبو عاقلة قُتلا على يد حلفاء أمريكا -بانتظار تحقيق كامل في حالة إسرائيل-، والولايات المتحدة لديها القدرة على المطالبة بالمساءلة، وعليها مسؤولية إخضاع حلفائها لمعايير أعلى، ولكن السؤال هو كيف؟
عبد الله العودة: “نحن كنشطاء سعوديين تضررنا من محمد بن سلمان نشعر بالخيانة من قبل بايدن”
لقد كانت الأولوية مع كل منهما – ومع الشرق الأوسط عمومًا – هي الحفاظ على الاستقرار دائمًا، وعلاقات أمريكا في المنطقة تأسست في الغالب على مقايضة تقديم المزيد من الأسلحة مقابل لفتات رمزية، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين في حالة السعودية أو مصر، أو تخفيف بعض الإجراءات على الفلسطينيين في حالة إسرائيل.
إلا أنه يجب تغيير ذلك، فلا شك أن المملكة العربية السعودية كانت تراقب رد فعل الولايات المتحدة على مقتل أبو عاقلة؛ حيث تشير الأدلة الدامغة إلى أن جنديًا إسرائيليًا قد أطلق النار عليها أثناء تغطيتها لغارة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وحتى الآن لم يكن هناك تحقيق مستقل.
وقد طالب كل من السيناتوريْن الديمقراطي ميت رومني والجمهوري جون أوسوف؛ بإجراء تحقيق كامل وشفاف، كما قال 24 عضوًا ديمقراطيًا آخر في مجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة يجب أن تشارك بشكل مباشر في الإشراف على التحقيق، بينما ذهب أكثر من 50 عضوًا في الكونجرس إلى أبعد من ذلك، قائلين إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يجب أن يبدأ تحقيقًا، كما دعا وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكين، إلى إجراء تحقيق مستقل، على الرغم من عدم تحديد ما سيترتب على ذلك.
فإذا لم تضمن واشنطن إجراء تحقيق ذا مصداقية في مقتل أبو عاقلة – سواء بقيادة الولايات المتحدة أو بالتعاون مع دول أخرى، مثل مصر أو الأردن -، يمكن حينها للرياض أن تجادل بحق بأنه لا ينبغي إلقاء محاضرات بعد الآن حول مقتل خاشقجي؛ وأنها أجرت تحقيقاتها الخاصة؛ وأن ثمانية أشخاص حُكم عليهم بالسجن، وهو أكثر مما فعلته إسرائيل حتى الآن.
فإذا تم رد اعتبار محمد بن سلمان دون أن يكون نادمًا بحق، أو يواجه العدالة أو يكفِّر بطريقة ما من خلال بناء مستقبل للمنطقة يفخر به خاشقجي؛ وإذا لم تقبل إسرائيل بإجراء تحقيق خارجي وأصدرت أحكامًا قاسية على من ثبت أنهم قتلوا أبو عاقلة، وإذا لم تكرِّم ذكرى أبو عاقلة من خلال منح الفلسطينيين الحقوق التي يستحقونها، وإذا كانت أمريكا لا تطالب بالمساءلة على نطاق أوسع؛ فإلى أين ينتهي الإفلات من العقاب؟
في أعقاب مقتل خاشقجي مباشرة؛ نُبذ محمد بن سلمان من قبل معظم العالم، باستثناء روسيا والصين، وحماية الرئيس دونالد ترامب له، الذي تباهى بأنه أنقذ ولي العهد، وكمرشح رئاسي؛ رفع بايدن آمال المعارضين السعوديين ومنتقدي محمد بن سلمان ومجتمع حقوق الإنسان عندما أعلن أنه سيجعل الزعيم الفعلي للسعودية “منبوذًاً“.
هذا الموقف لم يكن ليدوم أبدًا، فربما يكون بايدن قد بنى كلامه على الرغبة في فك الارتباط عن الشرق الأوسط أو على الأقل تحجيم الاهتمام الذي تكرسه أمريكا له، لكنه واجه حقيقة مثيرة للسخط: أنك إذا كنت رئيسًا أمريكيًا، فيمكنك ألَّا تكون مهتمًا بالشرق الأوسط، لكن الشرق الأوسط مهتم بك.
بالنسبة لأي شخص زار المملكة العربية السعودية على مدى العقود الماضية، فإن الانفتاح الثقافي والاجتماعي السريع الأخير مذهل
وهذا هو السبب في أن أي شخص كان يتوقع أن محمد بن سلمان- ملك السعودية القادم على الأرجح، والشاب بما يكفي لتولي العرش لخمسين عامًا قادمة -، سيواجه عقوبات أمريكية؛ كان غافلًا ليس فقط عن السياسة الواقعية والمصالح الأمريكية، ولكن أيضًا عن واقع الشرق الأوسط، فتخيل مثلًا الرقصة السعيدة التي كان من الممكن أن يتمتع بها المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، والفرح بين الميليشيات الوحشية التي تعمل بالوكالة عن إيران في جميع أنحاء المنطقة، إذا عوقب محمد بن سلمان من قبل أمريكا.
قد ينتقد التقدميون بايدن بسبب تحوله الواضح، لكنهم ينسون أن الرؤساء الأمريكيين يجتمعون بانتظام مع الأعداء والحلفاء على حد سواء، ومن بينهم منتهكي الحقوق مثل مصر والصين، هؤلاء التقدميون أنفسهم مذنبون بمعايير مزدوجة، فعندما يضغطون من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران ورفع العقوبات عن طهران بينما يتغاضون عن القمع الذي يمارسه النظام الإيراني، أو عندما ينتقدون ترامب لأنه أمر بالضربة التي قتلت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، دون الاعتراف بأن الكثيرين في المنطقة، بما فيهم العديد من الإيرانيين، اعتقدوا أن ذلك القاتل استحق المصير الذي حصل عليه، إذًا من الممكن الاحتفاظ بكلتا الفكرتين في نفس الوقت.
وبالنسبة للنشطاء السعوديين؛ فإن الشعور بخرق الثقة حقيقي كالشعور بالخطر الوشيك، فقد كتب عبد الله العودة، ابن شيخ مسجون، على تويتر: “نحن كنشطاء سعوديين تضررنا من محمد بن سلمان نشعر بالخيانة من قبل بايدن”؛ حيث يخشى الكثيرون من أن محمد بن سلمان، سوف يقوم بمزيد من الإجراءات الصارمة بعد أن شجعته زيارة بايدن
ولكن حتى بين أولئك الذين عانوا على يد التاج السعودي، هناك اعتراف بأن الرياض لا يمكن تجاهلها إلى الأبد، فخالد الجابري، ابن سعد الجابري، ضابط مخابرات سعودي كبير سابق اتهم محمد بن سلمان بمحاولة قتله، إلا أن الجابري الصغير يبدو ثاقب الفكر؛ فقد كتب في مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا، أنه على الرغم من أنه “ضحية لنظام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي لا يرحم”، إلا أنه لا يزال يعتقد أن “الرئيس بايدن يجب أن ينقذ العلاقة؛ ولكن ليس بأي ثمن”.
وكتب أيضًا قائلا إن بايدن يجب أن يطالب بالمزيد من النفط، وأقل بكثير من القمع، والمزيد من الالتزام بالقيم الأمريكية، وبعض التواضع، لأن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة كان خطأ المملكة العربية السعودية. بشكل أساسي، أن يجعل الزيارة تستحق، وأن يطرح الكثير من الأسئلة لأن الولايات المتحدة لها اليد العليا.
من المتوقع أن يجادل بايدن بأنه بعد عدة أشهر من الحرب الروسية في أوكرانيا، يبدو أن فلاديمير بوتين رهان خاسر وأن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط لا ينبغي لهم التحوط بعد الآن، وأنه يمكن للولايات المتحدة الوصول لحلفائها وقتما تشاء. ومن المتوقع أن يدفع بايدن السعودية إلى الوقوف إلى جانب واشنطن ضد موسكو. وعندما يلتقي بالقادة السعوديين والمصريين في جولته؛ من المتوقع أيضًا أن يواصل بايدن الضغط من أجل إطلاق سراح النشطاء، مثل المدون المصري البريطاني علاء عبد الفتاح، الموجود في السجن معظم السنوات الثماني الماضية؛ بتهمة ملفقة، أو السعي لرفع حظر السفر عن الناشطة السعودية لجين الهذلول.
في الوقت نفسه؛ يجب على الرئيس نسب الفضل إلى أهله؛ فالمملكة العربية السعودية اليوم مختلفة، بشكل لا يمكن التعرف عليها، عما كانت عليه قبل أربع سنوات فقط. كان سقف الأمل منخفضًا، فحتى وقت قريب، كانت المملكة الدولة الوحيدة في العالم التي لا يُسمح فيها للنساء بقيادة السيارات، لكن بالنسبة لأي شخص زار المملكة العربية السعودية على مدى العقود الماضية، فإن الانفتاح الثقافي والاجتماعي السريع الأخير مذهل؛ وبعضه مبهرج ومصاب بجنون العظمة مثل مشروع نيوم، المدينة العصرية التي يتم بناؤها في الصحراء، لكن ليس كل هذا سرابًا؛ لقد كان التغيير تحويليًا ومثيرًا لجيل الشباب في بلد حيث تقل أعمار ثلثي السكان عن 29 عامًا وحيث – حتى سنوات قليلة ماضية – كانت المتعة الوحيدة هي “التطعيس” – وهو نشاط ترفيهي يقتضي الخروج بالسيارات إلى الصحراء وقيادتها ببطء لأعلى التلال الرملية – وربما لا يزال كل هذا التقدم ينهار مع ارتفاع معدلات البطالة، لكن سعر النفط يملأ خزائن الدولة بما يكفي لتقديم الامتيازات لبعض الوقت.
يجب على بايدن أن يشيد بجمال خاشقجي وشيرين أبو عاقلة في نفس الجملة خلال جميع محطات توقفه، وأن يعد بطرق عملية لدعم سيادة القانون والحكم والعدالة للجميع.
وفي إسرائيل؛ فالوضع المتفاقم والإذلال اليومي والعنف الذي تتعرض له حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، لا يطاق، ويحدث هذا دون احتجاج دولي وبدون هوادة؛ ويشمل الاعتقال المنتظم للأطفال القصر، ومصادرة الممتلكات والطرد، على سبيل المثال لا الحصر، من الانتهاكات. وقد وصفت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” الاحتلال بأنه عنصري.
قد لا يكون لدى الولايات المتحدة مجال لاستئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي لا تزال فاشلة، لكن إحراز تقدم كبير نحو تدابير متساوية للأمن والحرية والفرص والكرامة للشعب الفلسطيني – وهي التدابير التي روجت لها الإدارة العام الماضي – لا يمكنه الانتظار أكثر من ذلك، وقد حاولت اتفاقيات إبراهيم الالتفاف على مسألة حقوق الفلسطينيين، لكن تطوير العلاقات العربية الإسرائيلية لن يخمد الغضب المتصاعد في الأراضي الفلسطينية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تدعو الدول العربية الأخرى، وخاصة المملكة العربية السعودية، للانضمام إلى الاتفاقات دون إحراز تقدم ملحوظ في حقوق الفلسطينيين.
وفي حديثه مؤخرًا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إن الرياض تتصور دائمًا أنه سيكون هناك تطبيع كامل مع إسرائيل، وهو أمر قال إنه سيحقق فوائد كبيرة، لكنه أوضح أننا “لن نتمكن من جني تلك الفوائد ما لم نتطرق إلى قضية فلسطين”.
أخيرًا، لا يمكن للولايات المتحدة أن تطالب بالمساءلة عن الفظائع الروسية – بمصداقية – بينما تسمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب – بحكم الأمر الواقع – وقتل الصحفيين؛ حيث إن الإفلات من العقاب ينخر في جميع المجالات، في جميع أنحاء العالم، والإفلات من العقاب هو ما دفع بوتين إلى المضي قدمًا إلى أبعد من ذلك، واختبار حدود ما يمكن أن يفلت منه، في جورجيا منذ أكثر من عقد من الزمان، ثم في شبه جزيرة القرم، وفي سوريا، والآن أخيرًا في أوكرانيا؛ إن الإفلات من العقاب مُعْدٍ. ولقد انتهكت الولايات المتحدة أيضًا القواعد عدة مرات وأفلتت من العقاب؛ مما سمح للحلفاء والأعداء على حد سواء بالتجاهل عند الضغط عليهم بشأن انتهاكاتهم، موجهين أصابع الاتهام إلى أمريكا.
في سنة 1991، أعلن الرئيس جورج بوش الأب نظامًا عالميًا جديدًا بعد تحرير الكويت. وقال خلال خطابه عن حالة الاتحاد: “ما هو موجود على المحك أكثر من مجرد بلد صغير، إنها فكرة كبيرة. نظام عالمي جديد؛ حيث تتجمع الدول المتنوعة معًا في قضية مشتركة لتحقيق التطلعات العالمية للبشرية، السلام والأمن، والحرية، وسيادة القانون”.
لقد انهار ذلك النظام العالمي الجديد تحت ضغط تناقضاته، لكن بايدن يملك فرصة للدخول في حقبة جديدة، ومن المفارقات أن نقطة البداية قد تكون الشرق الأوسط مرة أخرى؛ حيث يجب أن يكون النظام القائم على القواعد الذي يتحدث عنه بايدن الآن نظامًا تلتزم فيه الولايات المتحدة بنفسها وشركائها بمعايير أعلى.
وبالابتعاد عن علاقة المعاملات التقليدية مع الشرق الأوسط، والابتعاد عن الوعود النبيلة – والتي كانت جوفاء في نهاية المطاف – لأسلافه؛ يجب على بايدن أن يشيد بجمال خاشقجي وشيرين أبو عاقلة في نفس الجملة خلال جميع محطات توقفه، وأن يعد بطرق عملية لدعم سيادة القانون والحكم والعدالة للجميع.
المصدر: الأتلانتيك