ترجمة وتحرير: نون بوست
يتوفر الهليون في الشتاء، والأجاص من الأرجنتين، التوت الأزرق البيروفي واللوز الكاليفورني؛ هذا جزء صغير من عدة آلاف من المنتجات التي يمكن للمتسوقين شراؤها عند دخولهم أية سوبر ماركت.
إنه أمر يصعب على أسلافنا تخيله قبل قرن من الزمان، لكننا اعتدنا على هذه الوفرة من الخيارات فيما يتعلق بطعامنا.
تقول جانيت كرزان، عالمة الأنثروبولوجيا الغذائية من جامعة بنسلفانيا: “من الصعب حقًا الولوج إلى كارفور مارش في فرنسا أو وول مارت هنا في الولايات المتحدة ومعرفة ما هو متاح”، مضيفة: “نحن نعيش في بيئة غذائية لا تشبه أي شيء عاصره جنسنا البشري على الإطلاق”.
تحتوي محلات السوبر ماركت الألمانية بشكل عام على أكثر من 10 آلاف منتج، ويصل المتوسط في الولايات المتحدة لأكثر من 30 ألف، وفقًا للجمعية الأمريكية للتغذية. وفي المقابل يتخذ المستهلكون قرارات بشأن المنتجات التي سيشترونها في غضون ثوان، وهذه القرارات لها آثار على البيئة.
يعتبر استهلاك الأغذية الدافع الرئيسي للتأثيرات السلبية على البيئة التي يولدها المواطن الأوروبي العادي، وفقًا للمفوضية الأوروبية.
مشكلة الاستهلاك المفرط
إن إنتاج الغذاء مسؤول عن حوالي ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، ومعظمها يأتي من اللحوم والألبان، والتي تساهم في 15 بالمئة من الانبعاثات العالمية، كما يسبب إنتاج الأغذية مشاكل أخرى، مثل التلوث وفقدان التنوع البيولوجي وتلوث التربة ونقص المياه.
كان استهلاك الغذاء في تزايد في جميع أنحاء العالم منذ عقود، وتستهلك الدول ذات الدخل المرتفع – بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا – معظم السعرات الحرارية للفرد. وفي نفس الوقت؛ تقدر الأمم المتحدة أن الأسر على مستوى العالم تبدد 11 بالمئة من إجمالي الغذاء المتاح للاستهلاك؛ على الرغم من أن هذه الإحصاءات لا تشمل الدول منخفضة الدخل. والسؤال هنا هو لماذا نشتري طعامًا أكثر من الكمية التي نقدر على تناولها؟
وفقًا لكرزان؛ فإن جنسنا البشري لديه خوف لا شعوري من الجوع ينبع في الغالب من الوقت الذي كان فيه الطعام صعب التوفر، وتقول: “لدينا رغبة فطرية كبشر، وككائنات بيولوجية، في ضمان أن يكون لدينا طعام لأنفسنا ولأطفالنا”، وتوضح أنه “إذا كنت تعتقد أن بيئتك غير مستقرة، أو أنك قد لا تتمكن من الحصول على وجبة، أو أنك معرض لأن ينفذ طعامك بشكل عام، فسوف تخزن الطعام”.
كيف نختار طعامنا؟
إلى جانب حقيقة أن البشر يحتاجون للطعام للنجاة؛ إلا أن هناك العديد من الاعتبارات التي تؤثر على نوع المنتج الذي نشتريه من السوبر ماركت، فغالبًا ما يتأثر المشترون بشدة بالسعر، فهم يختارون ما يمكنهم تحمل نفقته. لكن العوامل الأخرى مثل التسويق والمخاوف الصحية والذوق والملاءمة والاستدامة، وكذلك التعبير عن الهوية أو القيم؛ تلعب دورًا أيضًا في نوع الطعام الذي نختار شراءه.
ويقول ستيفان والين؛ عالم اجتماع الغذاء بجامعة جيسن في ألمانيا، إنه على الرغم من الانحرافات الطفيفة، يميل الناس إلى تناول نفس الطعام بنسبة 95 بالمئة من الوقت، موضحًا: “أنت تعيش في نمطك المعتاد، وعلى الرغم من أنك قد تجرب بعض الأغذية الجديدة، إلا أن هناك القليل من التنوع فيما نأكله بالفعل”، مضيفًا أن هذه النمط يساعدنا في “التكيف مع صعوبات حياتنا اليومية”.
عندما يواجه المستهلكون وفرة الخيارات في متجر البقالة؛ فإنهم يميلون إلى اتخاذ قرارات سريعة وتستند على العادة؛ حيث إن سلوكنا الاستهلاكي يصعب تغيره لأن خيارات الطعام وأنماط الأكل متأصلة بشدة في الطريقة التي نعيش بها.
لكن علماء المناخ يقولون إن التغيير، بما في ذلك الاعتدال في نظامنا الغذائي، هو بالضبط ما نحتاجه لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الغذاء، وهو ما يعني تناول لحوم حمراء أقل وأطعمة ذات أصل نباتي أكثر، واختيار الأطعمة الموسمية، بدلًا من شراء الفراولة في الشتاء، مما سيحدث فرقًا.
فجوة القيمة والعمل
وجد استطلاع أُجريَ سنة 2020 يبحث في سلوكيات المستهلكين تجاه الغذاء المستدام في 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي؛ أن التكلفة كانت العائق الرئيسي أمام شراء الأشخاص للمنتج الأكثر صداقة للبيئة، إلى جانب نقص المعلومات والتحدي المتمثل في تحديد خيارات الغذاء المستدامة.
وقال ثلثا المستهلكين في الدراسة – التي أجرتها المفوضية الأوروبية بروكسل – إنهم كانوا منفتحين على تغيير عادات أكلهم من أجل البيئة، مع استعداد العديد منهم على تقليل هدر الأغذية في المنزل، وشراء فاكهة وخضروات موسمية وتناول أطعمة ذات أصل نباتي أكثر، لكن واحد فقط من كل خمسة كان على استعداد لإنفاق المزيد من المال على الغذاء المستدام.
وهناك عوامل أخرى تشكل أولوية وهي تتمثل غالبًا في العلامة التجارية أو الذوق أو السعر؛ فقد وثقت عدد من الدراسات هذه الظاهرة المعروفة باسم “فجوة التوجه والسلوك” أو “فجوة السلوك والمخطط”، والتي تستند إلى أنه بينما يهتم العديد من المستهلكين بالبيئة، فإنهم لا يختارون بالضرورة المزيد من المنتجات الصديقة للبيئة.
التغيير الاجتماعي يتم ببطء
يشير والين إلى أنه على الرغم من المناقشات على مدار العقد الماضي حول التأثير الضار لإنتاج اللحوم على البيئة، لم يكن هناك تغيير يذكر في استهلاك اللحوم في ألمانيا؛ وهو أمر يقول إنه يمكن ربطه بفكرة رمز اللحوم للمكانة الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.
يؤمن والين أن التغير التدريجي يحدث، لكنه يقول إنه من أجل أن تلحق المنتجات الجديدة والمستدامة بالرَّكب؛ يجب أن يكونوا ملائمين ومتناسبين مع النمط الحالي المعتاد للمستهلكين وطرق تحضير الطعام.
ويوضح: “قد تكون قطعة من اللحم المصنع في المختبر أو المصنع من الحشرات، لكن إذا ناسبت طرق الشواء “أو” الطبخ في إطار المنزل، فمن المرجح أكثر أن يتم تصنيعها”.
أيمكن تغيير السلوك؟
وفقًا لكرزان؛ هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لـ”البدء بتثقيف الناس بشكل حاسم حول.. خياراتهم الفردية” وتأثيرها على الكوكب.
يمكن أن يكون الأمر مربك بالنسبة للمستهلكين لمعرفة أي الطعام مستدام من الناحية البيئية، نظرًا لأن معظم المنتجات لا تعرض بصمتها الكربونية أو المقدار الذي استهلكته من الأرض والمياه في صنعها، لذا تؤكد كرزان على أهمية تضمين تلك المعلومات في ملصقات الطعام.
وتشمل التدابير الأخرى التي تم طرحها الإعانات والضرائب لجعل المنتجات الصديقة للبيئة الخيار الأكثر يسرًا بالنسبة للتكلفة. “التنبيه” هو طريقة أخرى لتغيير عادات المستهلك دون فرض حوافز مالية، فمثلًا؛ تغير طريقة تغليف المنتج، أو جعل المنتجات من اللحوم المستدامة أو اللحوم النباتية البديلة في وضع أسهل على رؤية المستهلك في محلات السوبر ماركت.
في النهاية؛ تعد خيارات المستهلك جزءًا واحدًا فقط من نظام الغذاء كثيف الاستهلاك للطاقة؛ لكن كرزان تقول إن الناس يمكنهم تبني أنظمة غذائية أكثر استدامة إذا أجروا “تقديرًا حاسمًا” لما يفضلون تناوله والقيام بالتغييرات بناءً على ما هو أفضل لصحتهم وللكوكب، وتضيف أن هذا يمكن “أن يزيل الحمل النفسي الناتج عن الاضطرار لاتخاذ قرار” في كل مرة تسوق.
المصدر: دويتشه فيله