إذن، فشلت المحادثات النووية ما بين إيران والدول الغربية دون الإسفار عن اتفاق؛ ليتم تمديد المفاوضات إلى موعد آخر دون أي عوائق، ويمكن القول إن ما كان “أزمة حقيقية” العام الماضي، اليوم يتم التعامل معها دون أي صعوبات أو “دراما”.
هذا الفشل في الوصول إلى اتفاقية يمثل تحولاً في شكل العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهو ما يمكن فهمه بالنظر مرة أخرى للتحولات الجيوسياسية الكبيرة في الشرق الأوسط، الأمر الذي أعاد تعريف القضية النووية.
جذور هذه التحولات تمتد إلى ظهور “الدولة الإسلامية”، حيث إنه فكريًا هنالك فرق كبير بين الدولة الإسلامية وغيرها من الحركات الجهادية، إلا أنه ومن حيث الوجود الجغرافي فإن الدولة الاسلامية فرضت نفسها بمنأى عن غيرها من الحركات.
ففي الوقت الذي كانت فيه القاعدة تتوق للسيطرة على دولة ما، إلا أنها ظلت على الدوام مجموعة جهادية متفرقة، ولم “تعقّد” أي منطقة بشكل واضح، القاعدة بقيت حركة وليس مكان أو دولة!
إلا أن الدولة الإسلامية – كما يوحي اسمها – شيء مختلف، إنها ترى نفسها النواة التي يجب على الدولة الإسلامية أن تنمو من خلالها، كما أنها أسست نفسها في سوريا والعراق ككيان جغرافي، هذه المجموعة حددت لنفسها مساحة معينة ما بين سوريا والعراق، وشكلت جيشًا للدفاع عن هذه المساحة، كما أنها صممت للتوسع والتمدد في هذه المساحة.
ومن غير الواضح حتى الآن إذا ما كانت الدولة الإسلامية سوف تتمكن من البقاء على قيد الحياة أم لا، فهي تحت هجمات التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة للقضاء عليها، كما أنه ليس من الواضح بعد إذا ما كانت سوف تتمدد، خصوصًا أنه يبدو كما لو أن الدولة وصلت إلى أقصى حد في التمدد حتى “كردستان العراق”، والجيش العراقي (الذي هزم من الدولة سابقًا) يبدو كما لو أنه يخطط لهجوم مضاد.
الدولة الإسلامية أنشأت دوامة في المنطقة بحيث أجبرت الدول على تغيير سياستها وتصرفاتها، حيث إنها فرضت نفسها ككيان إقليمي لا يمكن تجاهله، ليس فقط بغداد ودمشق (كون الدولة الإسلامية تأخذ جزءًا كبيرًا من أراضيها)، بل إيران، تركيا، المملكة العربية السعودية، عليها أن تعيد حساباتها، حيث إن الدولة تملك عنصر “الإرهاب” كعنصر مركزي بإمكانها التوسع من خلاله، كما أنها تتصرف باتجاه “جيوسياسي”، الأمر الذي يبقيها على قيد الحياة.
والآن أصبحت الدولة الإسلامية تهديدًا حقيقيًا للنفط الكردي والحكم العراقي في بغداد، حيث إنها مثلت العناصر من العرب السنة في العراق، والتي كانت جزءًا من المقاومة هناك ضد الدولة، كما أنها تمددت إلى حدود المناطق الشيعية والكردية ثم وسعت انتشارها لترتبط جغرافيًا مع قواتها في سوريا، لتغير ديناميكية العراق بشكل كبير، حيث كان السنة ضعاف ومشتتين، إلا أن الدولة الآن قوة كبيرة في المنطقة الشمالية وغرب بغداد، الأمر الذي عقد الأمر أكثر في سوريا، حيث أضعف الكتائب المقاتلة لنظام الأسد من غير الدولة الإسلامية وبالتالي عزز الأسد و زاد من قوته، كل ذلك يوضح التعقيد الجيوسياسي في حضور الدولة الإسلامية.
الولايات المتحدة عندما انسحبت من العراق كانت على أمل بأن بغداد وإن كانت غير قادرة على حكم أراضيها بمستوى ثابت فإنها قادرة على إحداث نوع من الاستقرار بدرجات متفاوتة، الآن ومع ظهور الدولة الإسلامية وتمددها في الأراضي العراقية والكردية أجبرت الولايات المتحدة على التفكير مليًّا في إمكانية الدولة على السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، الأمر الذي يشكل تحديًا للولايات المتحدة مما جعلها ترسل طائرات – وربما قوات برية – لمواجهة الدولة في سعيها لبناء حلف إقليمي.
اليوم، تركيا هي المفتاح الرئيسي لهذا الحلف، كونه يمتلك أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة، وهو الأكثر عرضة للأحداث في سوريا والعراق، إلا أن تركيا في عهد الرئيس “رجب طيب أردوغان” تسعى لتجنب النزاعات مع جيرانها الأمر الذي نجحت فيه حتى الآن، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من أنقرة إرسال قوات برية بشكل خاص لمقارمة الدولة الإسلامية، أنقرة لديها مصلحة في القيام بذلك، حيث إن النفط العراقي من شأنه أن يساعد في تنويع مصادر الطاقة كما أنها تريد أن تبقي الصراع بعيدًا عن أراضيها.
الحكومة التركية عملت جاهدة لإبقاء الصراع السوري بعيدًا عن حدودها والحد من تدخلها في الصراع هناك، كما أنها لا تريد للدولة الإسلامية الضغط على أكراد العراق للانتشار في الأراضي التركية الكردية، إلا أنه وفي الوقت ذاته فإن تركيا تخشى من عدم الاستقرار جنوب أراضيها، كذلك تخشى من قوة إقليمية في سوريا والعراق والتي تمثل تهديدًا أساسيًا، مما يجعل مصالح تركيا لا تتناغم كثيرًا مع مصالح أمريكا التي تسعى لضرب داعش وإنهاء وجودها، بينما تريد تركيا إسقاط الأسد كشرط لدخول التحالف ضد داعش، الأمر الذي يجعل الدولة الإسلامية محل العلاقات الأمريكية التركية بدلاً مع علاقات تركيا مع إسرائيل.
المصدر: ستراتفور