ترجمة وتحرير: نون بوست
يوفر هذا التقرير الذي أعده الباحثان نضال بيطاري وساشا غوش سيمينوف ونشر في معهد نيولاينز، لمحة مفصلة عن كيف يتم تقديم المساعدات الإنسانية إلى السوريين المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، ماذا يحدث للمساعدة بمجرد وصولها إلى البلاد، وكيف يتم تحويلها وسرقتها بشكل منهجي.
ولأن الأمم المتحدة هي واحدة من أكبر المنظمات الإنسانية التي توفر المساعدات في سوريا، ركزنا على فهم توزيع مساعداتها وآلية عمل أحد شركائها التنفيذيين وهو “الهلال الأحمر العربي السوري” الذي تديره حكومة الأسد. تشير التقديرات إلى أن الهلال الأحمر السوري يستلم ما نسبته 60-80٪ من الجميع المساعدات التي تصل إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، وهو يشارك بصورة منهجية بعمليات تحويل مسار المساعدات إلى غير مستحقيها.
ونشارك هنا ملخص التقرير، بما فيه ذلك أهم نقاطه وتوصياته، ويمكن للمهتمين قراءة التقرير كاملًا باللغة الإنجليزية من هنا.
أشارت بعض التقديرات إلى أن حوالي 60 بالمائة من سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سنة 2021. واعتبارًا من كانون الأول /ديسمبر، وكما كشفت الأمم المتحدة؛ فإن 14 مليون شخص في سوريا يعتبرون من المعوزين؛ حيث سجلت هذه الفئة زيادة قدرها 27 بالمائة منذ كانون الأول/ديسمبر 2020. ومن بين هؤلاء المعوزين البالغ عددهم 14 مليونًا، هناك 12 مليونًا يعانون “من الحاجة الشديدة”.
ومنذ سنة 2011؛ ضخ المجتمع الدولي 40 مليار دولار في سوريا، منها 23 مليار دولار على الأقل من خلال برنامج المساعدات متعدد الجوانب التابع للأمم المتحدة.
في سنة 2021؛ كانت أكبر ثلاث جهات مانحة هي الولايات المتحدة (45.5 بالمائة)، وألمانيا (25.5 بالمائة)، والمفوضية الأوروبية (8.2 بالمائة). ومن سنة 2012 إلى سنة 2022، تلقى برنامج الغذاء العالمي 27.4 بالمائة من إجمالي المساعدات، وكان أكبر متلقي منفرد لتمويل الأمم المتحدة هي خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا. وفي هذا السياق؛ صرّح برنامج الأغذية العالمي سنة 2021 بتسليم حوالي 541،325 طنًا متريًا من المساعدات الغذائية لدعم 6،864،565 من إجمالي المستفيدين.
وتُسلم المساعدات الإنسانية إلى سوريا من خلال عدة طرق: إما من خلال نظام خاص يمر عبر البلدان المجاورة، من خلال المعبر الحدودي الذي يفرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2585 في باب الهوى على الحدود مع تركيا، أو عن طريق تقديم المساعدات المباشرة من خلال إبرام اتفاقيات مع الحكومة السورية وبرنامج الدعم المباشر التابع للأمم المتحدة.
وسُلمت بعض المساعدات إلى مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية عبر آلية تعرف باسم إيصال المساعدات “عبر الخطوط”، وتعتمد هذه الطريقة على سماح الحكومة السورية للأمم المتحدة أو غيرها من مجموعات المساعدة الإنسانية بنقل المساعدات في قوافل عبر الخطوط الأمامية العسكرية إلى الأراضي التي تخضع لسيطرة المعارضة.
#الهلال_الأحمر التابع للنظام السوري يضع أكثر من 80٪ من المساعدات المقدمة للسوريين في جيب النظام.. كيف ذلك؟
تحقيق لصحيفة “نيو لاينز” يكشف معلومات حول شبكة المستفيدين من المساعدات المخصصة للشعب السوري. ? pic.twitter.com/f93RZc8aPk— نون بوست (@NoonPost) July 5, 2022
وفي 10 يوليو / تموز، سيصوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على ما إذا كان سيتم تجديد آلية المساعدة الإنسانية عبر الحدود لسوريا؛ وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها إيصال المساعدات وضمان عدم تلاعب الحكومة السورية الفاسدة بها لخدمة مصالحها.
يسلط هذا التقرير الضوء على الطرق التي تسرق بها الحكومة السورية المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة وتستفيد منها، ويقدم توصيات حول كيفية تغيير هذه الديناميكية.
الجدير بالذكر أن أكثر من نصف جميع دولارات المساعدات إلى سوريا تتدفق عبر الأمم المتحدة، ولهذا السبب؛ ينبغي أن يكون إدراك كيفية تنفيذ البرامج وإنفاق الأموال وتقديم المساعدات وضمان المساءلة والشفافية للبرامج أولوية قصوى للجهات المانحة الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك؛ من المهم أن ندرك ما إذا كان برنامج المساعدة التابع للأمم المتحدة في سوريا يقوض العقوبات ذاتها المصممة لمحاسبة الحكومة على جرائمها ضد الشعب السوري، ويخلص هذا التقرير إلى أن تحويل مسار المساعدات هي من الظواهر المتفشية في جميع أنحاء الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا. وباعتباره مصدرًا رئيسيًا لمساعدات الأمم المتحدة؛ تفضح حالة الهلال الأحمر العربي السوري على وجه الخصوص هذا التلاعب الممنهج بنظام المساعدات.
المساعدات عبر الحدود مهمة
لا يمكن تقديم المساعدة لسوريا بأكملها من خلال عمليات المساعدة التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في دمشق فحسب؛ حيث ينبغي أن تستمر المساعدات عبر الحدود التي يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عبر تركيا إلى محافظة إدلب، وإلا سيُحرم الملايين من الحصول على المساعدات التي هم في أمس حاجة إليه.
وقد يؤدي تعطل آليات المساعدة عبر الحدود في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة إلى نقص حاد في المساعدات، مما سيجبر مئات الآلاف من اللاجئين على دخول تركيا، وهذا بدوره يمكن أن يُحول وجهة تدفقات اللاجئين نحو أوروبا.
وسيؤدي عرقلة آلية إيصال المساعدة عبر الحدود إلى خلق المزيد من العقبات القانونية واللوجستية والسياسية للمنظمات غير الحكومية الإنسانية الدولية في سوريا.
ويثير الفساد الموجود ضمن برنامج مساعدات الأمم المتحدة تساؤلات حول حياد الأمم المتحدة في حالات النزاع مثل الحرب في سوريا؛ حيث تقاتل جهة فاعلة معترف بها من الدولة الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وبهذه الطريقة؛ يجعل التزام الأمم المتحدة الصارم بسيادة الدولة برامج المساعدة عرضة لأن يتم التلاعب بها وإساءة استخدامها من قبل الجهات الحكومية المخادعة. وسوف تتلاشى الثقة في حيادية تقديم المساعدات الدولية إذا لم يتم ضمان يؤكد تقديم المساعدة عبر آلية شفافة ومحايدة، مما يشكل سابقة خطيرة لمناطق الصراع الأخرى.
أهم خلاصات التقرير
– يلعب الهلال الأحمر العربي السوري دورًا رئيسيًّا في تحويل مسار مساعدات الأمم المتحدة في سوريا.
– تمثّل المخابرات السورية وأجهزة الجيش جزءًا لا يتجزأ من جميع مراحل عملية المساعدة، وتحويل المساعدات نحو شبكاتها الخاصة.
– تستغل الحكومة السورية مساعدات الأمم المتحدة لدعم جنودها وقواتها الأمنية والميليشيات المتحالفة معها وداعميها السياسيين والتجاريين.
– هناك قدرة أكبر على خلق الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالمساعدات عبر الحدود أكثر من المساعدات عبر خطوط الصراع بسبب عمليات تحويل المساعدات الكثيفة من قبل دمشق.
– أدى الافتقار إلى الرقابة والمساءلة خلال تقديم المساعدات داخل سوريا التي تسيطر عليها الحكومة إلى خلق اقتصاد مصغّر يقوم على تحويل المساعدات وبيعها من أجل الربح على جميع المستويات، فلقد خلقت طريقة نقل المساعدة الحالية للأمم المتحدة فئة من رجال الأعمال الذين يستفيدون من المساعدات الإنسانية في سوريا.
– في حين أن العقوبات المسلطة على الحكومة السورية كانت مصممة لعزل الجهات الفاعلة السيئة عن الاقتصاد العالمي ومعاقبتهم على الفظائع المرتكبة، فإن مساعدات الأمم المتحدة منحتهم شريان حياة اقتصادي وساعدتهم في دعم المجهودات الحربية للحكومة.
– بإمكان الحكومة السورية وحلفائها تحويل مساعدات الأمم المتحدة بدعم من الحلفاء السياسيين ورجال الأعمال في لبنان.
توصيات للسياسات
– يجب على الحكومة الأمريكية ومفوضية الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى المانحة في الاتحاد الأوروبي مراجعة سياساتها بالكامل مع الأمم المتحدة وكيفية استغلال أموال المساعدات في سوريا؛ حيث يجب أن يشمل ذلك تدقيقًا جنائيًّا كاملًا من قِبَل طرف خارجي يشبه نوع التحقيق الذي يجريه مكتب المفتش العام للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مزاعم الهدر والاحتيال وسوء التصرف والفساد، ويجب على نظراء الأمم المتحدة أن يفهموا أنهم في الواقع شركاء تنفيذ مسؤولون قانونيًّا وماليًّا، ومعرّضون للمساءلة أمام الجهات المانحة فيما يتعلق بالأموال التي ينفقونها.
– يجب على الحكومة الأمريكية – إلى جانب حكومات الاتحاد الأوروبي – فرض عقوبات على أعضاء مجلس الإدارة وموظفي صنع القرار في الهلال الأحمر العربي السوري الذين يلعبون دورًا مباشرًا في التحويل الشامل للمساعدات الإنسانية.
– يجب على الدول المانحة أن تطالب آلية الأمم المتحدة بتمرير المزيد من المساعدات من خلال الآلية المتاحة عبر الحدود.
– إذا لم تتمكن الدول المانحة من فرض مراقبة مستقلة لبرامج الأمم المتحدة داخل الدولة لضمان عدم حدوث تحويل منهجي للمساعدات، فيجب أن تكون هناك آلية تقرّر ما إذا كان ينبغي تعليق برنامج المساعدة أو تخفيض تمويله إلى حين تنفيذ الإصلاح المناسب.
– تحتاج الحكومة الأمريكية ومفوضية الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى المانحة في الاتحاد الأوروبي إلى تفتيش العمليات التي تسيّرها الأمم المتحدة في لبنان، وخاصة المشتريات، لتحديد الطريقة التي تُحوِّل بها شبكة الحكومة السورية هناك المساعدات وأموال المساعدات. ويجب معاقبة أي جهات حكومية لبنانية متورطة، كما يجب تحديد ما إذا كان يمكن للبنان أن يظل مركز الأمم المتحدة بالنسبة لمساعدات سوريا أو ما إذا كان ينبغي نقل مركز العمليات إلى مكان آخر.
– إذا لم تتمكّن الأمم المتحدة من إجراء تغييرات جوهرية على برنامج مساعداتها في سوريا أو إذا كانت ترفض القيام بذلك، فإنه يجب حينها على الحكومات المانحة تقليل التمويل واستخدام برامج المساعدات الممولة مباشرة بدلًا من ذلك.
وفي حال فشل التصويت بشأن المساعدات عبر الحدود المقرر في تموز/يوليو وانهارت الآلية التي اختارتها الأمم المتحدة، فإنه يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمانحين الرئيسيين السعي إلى توقيع عدة اتفاقيات متعددة الأطراف مع تركيا وحكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية لتسهيل عمل آليات المساعدة المستقلة في شمال غرب وشمال شرق سوريا، بدلًا من التطبيع مع الحكومة السورية.
ويجب أن يحفز ذلك المجتمع الدولي على الحد بشكل كبير من التمويل الخاصة بالأمم المتحدة في سوريا والتركيز على برامج المساعدات المستقلة التي تمتلكها بالفعل جميع الحكومات الدولية الرئيسية المانحة.
المصدر: نيوز لاينز انستيتيوت.