تشهد الجزائر اليوم الثلاثاء احتفالات ضخمة بمناسبة عيد الاستقلال، دشنتها باستعراض عسكري غير مسبوق في العاصمة يخلّد الذكرى الستين لنهاية الاستعمار بعد 132 سنة من الوجود الفرنسي.
احتفالات كانت ستكون أفضل لو أحسنت الأنظمة المتعاقبة على الحكم استغلال ثروات البلاد الكثيرة، فالذي ينظر إلى حال الجزائر الآن ويقارنها بحجم الثروات التي تمتلك يتيقن من حجم الفساد الذي انتشر فيها.
في هذا التقرير لنون بوست، سنتعرف معًا على أبرز ثروات الجزائر وعلى رأسها النفط والغاز، فضلًا عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد والأسباب التي أدت إلى عدم تطور الجزائر رغم ما تملكه من ثروات، كما سنجيب عن سؤال: ماذا لو أحسن القادة حسن استغلال الثروات؟
ثروات كثيرة
تنتج الجزائر النفط والغاز والحديد والصلب والمعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والمعادن الصناعية بما في ذلك الباريت والبنتونايت والأسمنت والحجر المسحوق والحصى والجبس والهيليوم والحجر الجيري والرخام والأسمدة النيتروجينية والفوسفات والبوزولانا والكوارتز والملح والرمل بجميع أنواعه.
كما تمتلك البلاد ثروات باطنية ورواسب معدنية كبيرة غير مستغلة، وتشمل اليورانيوم والألماس والمنغنيز والكوارتز البلوري والمعادن الأرضية النادرة والتنغستن، ناهيك بالسيليكون.
النفط والغاز
سجلت خزينة الدولة أرقامًا قياسية خلال الأشهر الأخيرة، إذ قال مسؤول بشركة سوناطراك الحكومية للنفط والغاز في الجزائر إن إيرادات البلاد من النفط والغاز ارتفعت بنسبة 70% خلال الشهور الخمس الأولى من 2022، وأضاف أن الإيرادات بلغت 21.5 مليار دولار مقارنة بـ12.6 مليار في الفترة نفسها من العام الماضي.
تبين هذه الأرقام حجم الثروة النفطية التي تملكها الجزائر، وتأتي هذه البلاد العربية في المركز الثالث بقائمة أكبر منتجي النفط في قارة إفريقيا بعد نيجيريا وأنغولا، وفق تقديرات لعام 2022، نشرتها صحيفة إنرجي كابيتال آند باور الإفريقية.
تنتج الجزائر يوميًا نحو مليون برميل من النفط بناء على تقسيم الحصص الذي تعتمده مجموعة أوبك+، وخلال سنة 2021، شهد إنتاج عضو أوبك من النفط، زيادة كبيرة – مقارنة بعام الوباء 2020 – وصلت إلى 1.315 مليار برميل من النفط المكافئ، بزيادة قدرها 5%، وهو ما دعم صادرات البلاد التي ارتفعت بنحو 18%.
يعود أول اكتشاف فعلي لليورانيوم الجزائر إلى عام 1973، وذلك في منطقة تمنراست جنوب البلاد
تبلغ احتياطيات البلاد من النفط نحو 12.2 مليار برميل، وتقع معظم احتياطيات النفط المؤكدة في الجزائر في منطقة حاسي مسعود، حيث يقع أكبر حقل نفطي في البلاد، ووفقًا لسوناطراك، ما يقرب من 66% من الأراضي الجزائرية لا تزال غير مستكشفة أو غير مستكشفة إلى حد كبير.
ورغم ارتفاع إنتاج النفط الجزائري خلال عام 2021، فإنه لا يزال دون مستويات ما قبل الوباء، إذ سجل 1.022 مليون برميل يوميًا عام 2019، بحسب أوبك، كما أنه أعلى من مستويات عام الوباء، المقدرة بـ897 ألف برميل يوميًا.
لا تقتصر التربة الجزائرية على هذا، فهي مليئة بأكثر من 2.3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ناهيك بالغاز الصخري، ومن السهل جدًا نقلها إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب الغاز الجديدة (القائمة والمقبلة) وأسطول من ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
تتجه غالبية صادرات النفط والغاز الجزائرية إلى الأسواق الأوروبية الرئيسية، حسب ترتيب الاستهلاك: إيطاليا وألمانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة، كما تطور طلب الأسواق الآسيوية، بما في ذلك الصين، على الغاز الجزائري.
شهد إنتاج الغاز الطبيعي المسال تطورًا ملحوظًا خلال العام الماضي، إذ سجل نموًا بنحو 14%، وبلغ مستوى 26.3 مليون متر مكعب مقارنة بـ23.1 سنة 2020، كما تمكّنت سوناطراك من تغطية متطلبات السوق الوطنية التي بلغت 64 مليون طن من النفط المكافئ في سنة 2021، بزيادة 9% مقارنة بسنة 2020.
الحديد
بعد الاستقلال مباشرة وجدت الجزائر نفسها تمتلك ثروةً ضخمةً من الحديد، كان آخر اكتشافاتها اكتشاف منجم “غار جبيلات” الذي يعدّ أكبر منجم للحديد بالعالم، والواقع أقصى جنوب غربي البلاد، وتصل قدرة إنتاجه من الحديد إلى 1.7 مليار طن.
وظلت هذه الثروة الهائلة من الحديد مجهولة لدى الجزائريين ومدفونة تحت التراب إلى أن استطاع الاحتلال الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر اكتشاف أوّل مخزونٍ للحديد بمنجمي الروينة (عين الدفلى)، وزكارة (مليانا).
النفط الجزاٸري “صحاري بلاند ” يحتل المرتبة الرابعة عالميا كأغلی نفط.#الجزائر pic.twitter.com/0aQ4yEzCi3
— ????́?????? ?? ???̀?? ?? (@AwaTefDz213) September 17, 2021
من شأن دخول منجم “غار جبيلات” مرحلة الاستغلال، تمكين الجزائر من طرح مليوني طن سنويًا لمدة 400 سنة في السوق الدولية للحديد، ليضعها في المرتبة التاسعة عالميًا من حيث التصدير، وتبلغ احتياطات المنجم المؤكدة 3.5 مليار طن.
وتستحوذ الجزائر على 2% من الاحتياطي العالمي للحديد، بفضل منجم غار جبيلات، لكن هناك عدة مناجم حديد أخرى مستغلة على غرار منجمي الونزة وبوخضرة (شرق)، اللذين يبلغ احتياطهما معًا 70 مليون طن.
وتقول السلطات الجزائرية إنها تسعى إلى استخراج 12 مليون طن سنويًا من الحديد الخام، لتموين مصانع الحديد والصلب المحلية، وأيضًا تصدير جزء منه إلى الخارج مع ارتفاع أسعاره إلى ما بين 100 و200 دولار للطن مطلع عام 2021.
اليورانيوم
إلى جانب ذلك، تمتلك الجزائر احتياطات هائلة من اليورانيوم، ففي سنة 2009 قال وزير الطاقة الجزائري حينها شكيب خليل إن احتياطيات بلاده المؤكدة من اليورانيوم القابلة للاستغلال 29 ألف طن، وأوضح الوزير أن هذه الكميات تكفي لتشغيل مفاعلين نوويين، طاقة كل واحد منهما ألف ميغاوات لستين سنة.
من شأن هذه الكميات المهمة أن تمنح السلطات الجزائرية الفرصة للتخطيط واستغلالها من أجل إنشاء قطاع نووي مدني حقيقي يتضمن محطات توليد الطاقة الخاصة بها، ويمكن البلاد من أموال إضافية يمكن استثمارها في قطاعات أخرى مربحة.
تمتلك الجزائر 121 موقعًا يحوي معدن الذهب في الجنوب الكبير، منها 76 موقعًا بمنطقة تمنراست وحدها
يعود أول اكتشاف فعلي لليورانيوم في الجزائر إلى عام 1973، وذلك في منطقة تمنراست جنوب البلاد، وتأمل السلطات في القيام بشراكات فعلية مع شركات أجنبية رائدة في مجال استخراج اليورانيوم، خاصة أنها لا تملك شركات بارزة في هذا المجال.
يُذكر أن الجزائر تمتلك مفاعلين نوويين تجريبيين في درارية بضواحي العاصمة وعين وسارة قرب الجلفة، وبني مفاعل درارية بقدرة 3 ميغاوات بالتعاون مع الأرجنتين، فيما أنجزت الصين مفاعل عين وسارة بقدرة 15 ميغاوات.
الذهب
تمتلك الجزائر 121 موقعًا يحوي معدن الذهب في الجنوب الكبير، منها 76 موقعًا بمنطقة تمنراست وحدها، وفق وزير المناجم محمد عرقاب وكان هذا الأخير قد كشف عن إنشاء منطقتين للذهب الأولى بتمنراست والثانية في منطقة جانت بولاية إليزي، وستوكل لهما مهمة شراء وجمع خام الذهب الذي يتم إنتاجه من المؤسسات المستحدثة.
وتحتل الجزائر المركز الأول مغاربيًا والثالث عربيًا من حيث احتياطي الذهب، الذي وصل إلى 173.6 طن بقيمة مالية بلغت 10.3 مليار دولار، وفق تقرير صادر عن مجلة فوربس الشرق الأوسط.
يُعَد منجم الذهب “أمسمسا” الواقع على بُعد 460 كيلومترًا غرب ولاية تمنراست، أقصى جنوب البلاد، الذي اكتُشِف وطُوِّر بواسطة شركة GMA Resource Plc، الأكثر إنتاجًا للذهب في الجزائر، حيث تبلغ ودائع الذهب فيه قرابة 70 طنًا، ويبلغ حجم الاحتياطات فيه نحو 3.38 مليون طن.
الفوسفات
يعد الفوسفات أحد أهم الموارد الطبيعية في الجزائر، وتقدر الاحتياطات بأكثر من ملياري طن، وتتركز بشكل رئيسي في شرق البلاد، وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة في العالم من حيث الاحتياطيات المؤكدة، وتوجد أهم الاحتياطات في جبل أونك جنوب تبسة، إذ تحتوي وحدها على أكثر من نصف احتياطيات البلاد، على الرغم من أنها لم تُستغل إلا قليلاً لأكثر من أربعين عامًا.
وقبل 3 أشهر، وقعت شركة “سوناطراك” الجزائرية للمحروقات (حكومية)، عقدًا مع شركتين صينيتين لتطوير مشروع مناجم فوسفات وإنتاج الأسمدة الزراعية شرقي البلاد، باستثمار قدر بنحو 7 مليارات دولار.
تمتلك الجزائر مقومات سياحية هائلة تمكنها من احتلال المراتب الأولى في البلدان السياحية
سيشمل المشروع تطوير واستغلال منجم الفوسفات في منطقة جبل العنق بولاية تبسة قرب الحدود مع تونس، والتحويل الكيميائي للفوسفات بوادي الكبريت، وصناعة الأسمدة بحجر السود بكل من سوق أهراس سكيكدة شرقي الجزائر، ويشمل هذا الاستثمار إعادة تجهيز المنشآت المينائية المخصصة الموجودة في ميناء عنابة شرقيّ الجزائر.
ويستهدف المشروع إنتاج 5.4 مليون طن من الأسمدة سنويًا وجه للاستغلال المحلي، وتسويق الفائض منه للخارج في مرحلة لاحقة، واستحداث 12 ألف وظيفة خلال مرحلة التنفيذ، و6 آلاف وظيفة أخرى دائمة خلال مرحلة الاستغلال، و24 ألف وظيفة غير مباشرة.
ثروات أخرى
فضلًا عن هذه الثروات، تمتلك الجزائر ثروات أخرى منها الثروة الحيوانية التي قُدّرت بين سنتي 2019 و2020، بـ28 مليون رأس غنم ومليون رأس أبقار و400 ألف رأس إبل، كما تتمتع البلاد بثروة سمكية بفضل سواحلها الكبيرة على البحر المتوسط.
زد على ذلك المساحة الشاسعة التي يمكن استغلالها في مجال إنتاج الطاقة الشمسية التي تعتبر البديل الأمثل للبترول والغاز التي صنفت فيها الجزائر من بين أحسن ثلاثة حقول شمسية في العالم، حيث صُنفت الجزائر وإيران ومنطقة أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر وأحسن حقول الطاقة الشمسية.
لا يوجد ارهاب في الجزائر غير ارهاب قيادات الجيش.
لا يوجد فياد في الجزائر غير فساد نظام الحكم.
لا يوجد خونة في الجزائر غير غير عملاء فرنسا.
لا يوجد اقذر في الجزائر من بوصبع و القوادين.
لا يوجد للجزائر أعداء غير أعداء الحراك.
لا يوجد في الجزائر اغبى من من يصفق لهؤلاء— liberté (@Madjidhamtouch) July 2, 2022
ليس هذا فقط، إذ تمتلك الجزائر مقومات سياحية هائلة تمكنها من احتلال المراتب الأولى في البلدان السياحية إن تم استغلالها بالطريقة المثلى، إذ تحتوي البلاد على سواحل جميلة ومناطق أثرية رائعة، فضلًا عن الطبيعة الخلابة.
تناقضات كبيرة
من ينظر إلى هذه الثروات يظن أن الشعب الجزائري يعيش حياة كريمة ولا شيء ينقصه، لكن العكس هو الصحيح إذ تعرف البلاد مشاكل اقتصادية واجتماعية عدة، نتيجة عدم استغلال الأنظمة المتعاقبة على الحكم لهذه الثروات على الوجه الأفضل.
رغم مرور 60 سنة على استقلال البلاد وامتلاكها هذه الثروات الطبيعية الطائلة، فإن الجزائر لم تعرف تقدمًا يُذكر على المستوى الاقتصادي والأوضاع المعيشية لسكانها تنحدر نحو الأسوأ يوميًا، في ظل إجراءات حكومية باهتة للخروج من عنق الزجاجة.
وتوقع مشروع قانون الموازنة العامة للجزائر لسنة 2022، عجزًا تاريخيًا فاق 4100 مليار دينار (30 مليار دولار)، نتيجة ارتفاع النفقات بأكثر من نمو الإيرادات، وتشير الوثيقة إلى أن الإيرادات الإجمالية للسنة المالية المقبلة ستبلغ 5683 مليار دينار (43 مليار دولار)، بينما النفقات الكلية 9858 مليار دينار (74 مليار دولار).
يعتبر الاقتصاد الجزائري من بين أضعف اقتصادات بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك لاعتماده الكلي على النفط والغاز وتراجع نسب النمو وتواصل نزيف احتياطي النقد الأجنبي وعدم قدرة السلطات على التنويع الاقتصادي.
تعاني الدولة العضوة في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”، من ارتفاع نسبة البطالة، فحسب أحدث إحصائية حكومية صدرت في مارس/آذار 2021، فإن نسبة البطالة بلغت نحو 12% وترتفع بين الشباب لأكثر من 20% في بلد يتجاوز عدد سكانه 43 مليون نسمة.
كما يُعدّ معدل دخل الفرد الشهري في الجزائر من بين الأضعف عربيًا، إذ يبلغ شهريًا نحو 256 دولارًا (نحو 34 ألف دينار)، لتحتل المرتبة 13 عربيًا، حسب تصنيف لموقع “نومبيو”، ووفقًا للتصنيف الذي شمل 104 دول، جاءت الجزائر في المركز الـ97 عالميًا من حيث قيمة الدخل الشهري للفرد.
عرفت الجزائر في الأشهر الأخيرة غرق عشرات المهاجرين غير النظاميين في البحر المتوسط
بسبب هذه النسبة المرتفعة من البطالة ارتفع معدل الفقر في البلاد، ورغم عدم تقديم الحكومة الجزائرية رقمًا محددًا لمواطنيها الذين يعيشون في فقر أو فقر مدقع، فإن بعض العمليات التضامنية تعطي فكرة عن عدد الفقراء في البلاد، حتى لو كانت هذه الأرقام غير كافية.
يقول تقرير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن عدد الجزائريين الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2018 قُدِّر بـ15 مليونًا، ما يمثل نحو 38% من العدد الإجمالي للسكان، أي أن من بين كل 3 جزائريين يوجد جزائري يعيش فقرًا مدقعًا.
إضافة إلى ارتفاع مستويات الفقر والبطالة لتلك النسب القياسية، فقد عرفت الأسعار ارتفاعًا لأرقام قياسية أيضًا، نتيجة إقرار الموازنات العامة للدولة رفع قيمة الضرائب بصفة متتالية وفرض ضرائب جديدة على بعض المنتجات المستوردة والمحلية، في محاولة لتنويع مصادر الدخل.
هذا الوضع دفع الشباب الجزائري إلى المخاطرة بحياته وخوض غمار البحر نحو سواحل أوروبا، وأتى الجزائريون في المركز الأول للواصلين إلى إسبانيا بشكل غير نظامي سنة 2021، وأُحصِي نحو 10 آلاف جزائري وصلوا إلى إسبانيا بحرًا، وذلك بالإضافة إلى وجود عدد من الجزائريين الذين سافروا إلى إسبانيا بشكل شرعي وقررّوا البقاء هناك رغم انتهاء مدة تأشيراتهم.
وعرفت الجزائر في الأشهر الأخيرة غرق عشرات المهاجرين غير النظاميين في البحر المتوسط، وكشف تقرير رسمي جزائري أن السلطات فككت 400 شبكة لتهريب المهاجرين نحو أوروبا خلال عامي 2020 و2021.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ لم تتمكن الجزائر إلى الآن من تطوير بنيتها التحتية، فهي لا تملك مطارات ولا موانئ عالمية ويضطر عدد كبير من الشركات والأهالي إلى استغلال الموانئ والمطارات التونسية، كما أن الطرقات ما زالت ضعيفة ولم تربط كل مناطق البلاد.
#الجزائر و #فينيزويلا وجهان لعملة واحدة: كلاهما يعوم على بركة نفط لكنهما من أفقر دول العالم، كلاهما يتقلب في نعيم عائدات المحروقات والمعادن النفيسة لكنهما يحتلان المراتب الدنيا في سلم التنمية البشرية، كلاهما يغدق المال لشراء السلم الاجتماعي لكن ذلك لن يشفع لهما أمام شعبيهما.
— Brahim OUFQIR (@Droufqirbrahim) February 15, 2019
كدليل على الحالة المتردية التي تعرفها الجزائر، بلغنا سنة 2022، لكن إلى الآن الرعاية الصحية في بلد المليون شهيد لا تزال بعيدة عـن المستوى المطلوب مقارنة ببعض دول الجوار، نظرًا للعديد من العوامل التي أثرت سلبًا علـى مسار تطورها، ومن أهمها ضعف الاستجابة لحاجات الأفراد وغياب الرقابة واستشراء الفساد، إضافة إلى غياب الرؤية الإصلاحية لواقع الاقتصاد عامة الذي يقوم أساسًا على النفط.
إلى الآن لا يوجد مستشفى عصري في الجزائر يأتمن فيه قادة البلاد على حياتهم، رغم أن هذا البلد العربي يزخر بثروات كثيرة وبكادر طبي محترف، فما إن يشعر القائد بالمرض وإن كان بسيطًا، حتى يسارع إلى التوجه نحو المستشفيات الأجنبية – من روسيا إلى بلجيكا إلى فرنسا إلى سويسرا – للعلاج.
سبق أن كشف تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن قرابة نصف مليون مواطن يعالجون في الخارج، ونقل عن مديرة مستشفى “ميدي ستات” بإسطنبول أسيل حاليت أن تركيا استقبلت نحو 450 ألف مريض جزائري، وفق إحصاءات رسمية.
كما يلاحظ الجزائريون مرات عديدة نقصًا في مياه الشرب، خاصة في العاصمة الجزائر، ولجأت السلطات إلى تزويد عدة مناطق بالماء مرة كل يومين، وفرضت العديد من الشروط على المواطنين والمصانع للتحكم في استهلاك المياه.
فساد الجنرالات وراء هذه التناقضات
أمام هذا الوضع يتساءل العديد من الجزائريين عن مآلات المليارات الفائضة عن ميزانية الدولة، الجواب بسيط وهو جيوب الجنرالات وكبار رجال الأعمال، إذ يسيطر رجالات الجيش وجزء من رجال الأعمال المقربين منهم على أغلب القطاعات في الجزائر.
دفع الجنرالات الجزائر إلى الحضيض، وفتح تسلّطهم باب الفساد في البلاد وأقام دولة الفساد وتمت إدارتها بطريقة منظمة، ويعتبر ذلك النتيجة الطبيعية لغياب الشفافية والنزاهة والصدق والمساءلة، فالنتيجة الحتمية إذن هي خسارة التنمية وانتشار الفقر وفقدان الأمن النفسي والجسدي.
يتدخل الجيش الجزائري في كل ما هو سياسي واقتصادي ورياضي، لذلك تشهد الجزائر انتشارًا رهيبًا للفساد بكل أنواعه وتمكن من التغلغل في كيانات الدولة وتهديد مبادئ العدل والمساواة، ودفع فساد الجنرالات الجزائر إلى الأسفل لدرجة أن الطوابير منتشرة في كل مكان.
بعد الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في فبراير/شباط 2019، بدأت قضايا الفساد المتعلقة بالجنرالات ورجال الأعمال في الظهور تباعًا، إذ تم القبض على عشرات السياسيين ورجال الأعمال وقيادات في الجيش بتهم تتعلق بالفساد.
يُتهم جنرالات الجيش الجزائري بالسيطرة على اقتصاد البلاد وقيادة مجموعات الجريمة المنظمة
منذ انقلاب هواري بومدين سنة 1965 والجيش هو حاكم الجزائر، حتى إنه من ألغى نتائج انتخابات سنة 1991 حين فاز الإسلاميون بها، واستمر مسيطرًا إما بكون الرئيس عسكريًا سابقًا مثل بومدين والشاذلي بن جديد واليامين زروال وإما أحد رجاله.
وتؤكد العديد من التقارير منها الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الجيش الجزائري من أكثر جيوش المنطقة فسادًا، إذ اخترقته الجريمة المُنظمة وصارت الرشوة أمرًا طبيعيًا داخل المؤسسة العسكرية، خاصة أن شراء الأسلحة أمر محاط بسرية كبيرة.
ويُتهم جنرالات الجيش الجزائري بالسيطرة على اقتصاد البلاد وقيادة مجموعات الجريمة المنظمة من ذلك التهريب والتجارة في المخدرات والإشراف على عمليات الهجرة غير النظامية، في ظل تمتعهم بالحصانة الكاملة، فهم لا يُسألون.
وتكشف الميزانية الضخمة المخصصة سنويًا لوزارة الدفاع جزءًا من هذا الفساد، فالميزانية الضخمة للجيش الجزائري، لا تتناسب مع متطلباته العسكرية كما أنها لا تتناسب مع ما يشتريه بالفعل مع أسلحة.
فساد جنرالات الجيش ليس العامل الوحيد المتسبب في هذا الأمر، فللإدارة الاقتصادية الكارثية واعتماد البلاد الشديد على عائدات النفط والغاز وعدم قدرة القادة الجزائريين، المقيدين من كبار الضباط العسكريين، على تنويع الاقتصاد، دور كبير في تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في هذا البلد العربي.
ماذا لو أحسنت الأنظمة استغلال الثروات؟
أسئلة أخرى تتبادر إلى ذهن الجزائريين، مفادها، ماذا لو أحسنت الأنظمة المتعاقبة على الحكم استغلال هذه الثروات الكثيرة؟ كيف سيكون الوضع حينها؟ يقول الصحفي الجزائري عبد القادر بن مسعود مجيبًا عن هذه الأسئلة: “في الحقيقة؛ الجزائر تزخر بثروات باطنية وبشرية هائلة تمكنها من أن تصبح قوّة اقتصادية قادمة، إذا ما تم الاستغلال الأمثل لها من طرف النظام”.
يقول بن مسعود لنون بوست: “إن تم الاستغلال الجيد لهذه الثروات ستصبح الجزائر سويسرا إفريقيا، فالاستغلال الجيد لهذه الثروات معناه أن الجزائر ستصبح واحدة من أغنى الدول بالعالم، إن لم نقل أغناها لما سيجلبه هذا الأمر من فرص واستثمارات وأموال كثيرة”.
يضيف في حديثه “الكثير من الأمور السلبية ستختفي من واقع الجزائريين، بما فيها الهجرة غير النظامية التي ستنقلب رأسًا على عقب وتصبح عندها الجزائر دولة مستقطبة للمهاجرين عكس حالتها الحاليّة”.
من جهته يقول الناشط السياسي حمزة خروبي: “للجزائر كل المقومات لأن تصبح بلدًا ينافس في العالم اقتصاديًا، يصنع ويصدر ولا يستورد فقط، يمكن أن يصل اقتصادها لمستوى الاقتصاد التركي والمكسيكي وحتى البولوني لعدة أسباب أهمها موقعها الإستراتيجي الذي يؤهلها لأن تصبح مركزًا لوجيستيكيًا بين الشمال والجنوب وكذا بين الشرق والغرب، فضلًا عن امتلاكها لثروات واحتياطات هائلة من الثروة الباطنية والبشرية التي لم تحسن استغلالها إلى يومنا هذا لغياب الإستراتيجية والرؤية السياسية الواضحة في هذا المجال”.
تمعن في الصوره جيدا هؤلاء هم رجال فرنسا في الجزائر كل ثروات بلدك يرسلونها لفرنسا اذا كنت تظن انك مستقل عن فرنسا فانت واحد نحن ولله الحمد في حريه وكرامه ولا احد فوقنا الا الله عكس البعض اللي اعطي استقلال زائف pic.twitter.com/wejihXIMHS
— العتيبي ??❤️ (@a46311156) July 1, 2022
يضيف خروبي في حديثه لنون بوست “يمكن القول إن الجزائر تملك كل أشكال الثروات التي يمكنها أن تساهم في نهضة البلاد وتقدمها إلى مصاف الاقتصادات العالمية، لكن هذا لم يحصل نتيجة الفساد الذي انتشر في البلاد وأسباب عديدة أخرى”.
بدوره يقول الناشط السياسي الجزائري نجم الدين بنجابو: “إن تم استغلال الثروات على أحسن وجه كنّا سنشهد جزائر أخرى، إذ سيتم حينها استيعاب أموال الاقتصاد الموازي الذي تجاوزت قيمته حسب العديد من الخبراء 50% من الاقتصاد الكلي وضمه إلى الاقتصاد الوطني والمساهمة في تنشيط الحركية الاقتصادية للبلاد”.
مضيفًا “عندما تكون لدينا خطة وإستراتيجية لتشجيع الحركية التجارية خاصة الصادرات خارج المحروقات، كتشجيع تعليب وتصدير الفائض من الخضراوات والفواكه باتجاه المشرق العربي واستثمار معاهدة التبادل الحر البينية، وكذلك باتجاه السوق الأوروبية والسوق الإفريقية، وعندما نستثمر في السياحة، أكيد ستتطور الجزائر نحو الأفضل”.
وختم محدثنا بالقول: “يمكن أن تكون الجزائر مثل دبي أو أحسن، لكن ذلك يتحقق في ظل نظام شرعي وديموقراطي يؤمن بالشفافية والنزاهة في تسيير ثروات البلاد، في ذلك الوقت فقط يمكن القول إن الجزائر ستصبح أحسن”.
صحيح أن الأمل بغد أفضل للجزائريين يبقى موجودًا، لكن ذلك لن يحصل ما دام المجلس العسكري بقيادة سعيد شنقريحة يسيّر السلطة السياسية، فلا بد أن تشهد البلاد انتخابات حرة تفرز نظامًا مدنيًا ديمقراطيًا حقيقيًا يتسلم حكم البلاد ويطهرها من الفساد.