ترجمة وتحرير: نون بوست
على امتداد السنتين الماضيتين؛ اتهم الخبراء الحكومة الهندية بدفع الأقلية المسلمة إلى حافة الإبادة الجماعية؛ ولكن يوم الثلاثاء الماضي، استيقظت البلاد على أنباء تعرض خياط هندوسي للتعذيب حتى الموت في أودايبور على يد رجلين مسلمين، اللذان نشرا مقطع فيديو على الإنترنت يوثق الهجوم، يزعمان فيه أنه كان انتقامًا من مشاركة الضحية لتصريحات مهينة أدلى بها متحدث سابق باسم الحكومة ضد النبي محمد.
وهناك مخاوف حقيقية حاليًّا من أن الهند تتبع مسارًا مماثلًا للسيناريو الذي حدث في رواندا في أوائل التسعينات، عندما تسبب حدث واحد – المتمثل في إسقاط طائرة تقل رئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا – في الإبادة الجماعية ضد التوتسي العرقيين، فلقد عانت هذه الأقلية لسنوات من الدعية العنصرية، وتحديدًا الاستعارات التي وصفتهم بأنهم غزاة أجانب وأعداء للوطن.
ويتردد صدى مأساة رواندا بشكل مخيف وصاخب في الهند اليوم؛ إذ إن هناك عدد من الأسباب السلبية التي تجعل المؤرخين يستحضرون مأساة أودايبور باعتبارها لحظة محورية مماثلة، بالنظر إلى أن حكومة مودي أمضت السنوات الثماني الماضية في اعتبار المسلمين غزاة أجانب مناهضين للقومية ينتمون إلى باكستان. وقد ساعدت هذه الكراهية رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الوصول إلى السلطة في سنة 2014 ثم تعزيز سلطته بعد خمس سنوات.
لا شيء يوحد ويحشد الأغلبية الهندوسية في البلاد مثل التهديد المتخيل أو المتصور من باكستان، وهذا هو السبب في أن نظام مودي يحاول يائسًا ربط عمليات القتل بجارته ذات الأغلبية المسلمة، بغض النظر عن مدى غرابة أو سخافة الفكرة. ففي تغريدة نشرها على تويتر، وعد وزير الداخلية أميت شاه “بفتح تحقيق دقيق في تورط أي منظمة أو وجود روابط دولية”.
نظام مودي يعتزم استخدام حادثة أودايبور كذريعة لزيادة ترسيخ المسلمين كهدف مرجعي لخطابها الأمني
وهذا ليس سوى نداء صاخب يهدف إلى ربط الجناة المسلمين – والهنود المسلمين بشكل كبير – بالقوات الباكستانية “الشريرة”. وإذا حدثت الإبادة الجماعية في الهند، مثلما حذر العديد من الخبراء البارزين، فمن المحتمل أن تنجم عن أحداث واقعية يتم التلاعب بها وتسليحها من قبل رجال الأعمال السياسيين الشائعين.
قمع قاسي
قد تكون عملية القتل المروعة للخياط الهندوسي الشرارة التي ستشعل فتيل هذه الإبادة؛ حيث تقول السلطات إنها تحقق حاليا فيما إذا كان القتلة على صلة بمركز الدعوة الإسلامية في باكستان، بينما يحاول المعلقون المؤيدون للحكومة المقارنة بين عملية القتل وفيلم الدعاية القومية الهندوسية الذي صدر مؤخرًا، بعنوان “ملفات كشمير”، والذي استخدمه نظام مودي كسلاح لتصوير المسلمين الكشميريين على أنهم جهاديون متعطشون للدماء وأدوات لباكستان.
يحدث هذا لأن الصحفيين المسلمين الهنود البارزين لا يتم إسكاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل يتم أيضًا سجنهم في الهند وكشمير لمجرد قيامهم بوظائفهم أو نشر تغريدات تنتقد الحكومة – وهي حملة استدعت إدانة من الهيئات الدولية، بما في ذلك لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود.
من الواضح أن نظام مودي يعتزم استخدام حادثة أودايبور كذريعة لزيادة ترسيخ المسلمين كهدف مرجعي لخطابها الأمني، وهذا يوفر غطاء لتبرير حملة القمع القاسية ضد الأقلية الدينية؛ وإذا تعلمنا أي شيء من عقدين من “الحرب العالمية على الإرهاب“، فهو أن أبشع انتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين تحدث تحت راية “الأمن القومي”.
ليس من قبيل الصدفة أن تصف الحكومة الهندية جريمة القتل في أودايبور باعتبارها “عملية إرهابية”، وهو مصطلح لم تستخدمه ولا مرة واحدة ضد مئات الهجمات التي شنتها العصابات الهندوسية المتطرفة ضد المسلمين خلال السنوات الثماني من حكم مودي، كما أنه ليس من قبيل الصدفة أنه خلال العقد الممتد من 2009-2019، وقعت حوالي 91 بالمئة من جميع جرائم الكراهية خلال فترة ولاية مودي الأولى.
ووجد تحليل أجرته شبكة التلفزيون الهندية “إن دي تي في” أن البلاد شهدت زيادة هائلة في خطاب الكراهية منذ سنة 2014؛ حيث كان حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي مسؤولاً عن أكثر من 80 بالمئة منه. ويتم تضخيم هذه الكراهية وترديدها في النظام الإعلامي اليميني واسع النطاق في الهند، والذي أصبح يتعذّر تمييزه عن الصحافة السائدة في الآونة الأخيرة.
استهداف مجتمعات الأقليات
في الشهر الماضي، انتقدت نقابة المحررين في الهند وسائل الإعلام الموالية للحكومة بسبب “سلوكها غير المسؤول” الذي يخلق – عمدًا – ظروفًا تؤدي إلى استهداف مجتمعات الأقليات. وقارنت هذه المنافذ بإذاعة رواندا، مشيرة إلى أن “بعض هذه القنوات المدفوعة بالرغبة في زيادة نسبة المشاهدة والأرباح مستوحاة على ما يبدو من قيم إذاعة رواندا التي تسبب بثها التحريضي في إبادة جماعية في الدولة الأفريقية”.
لا تحتاج هذه الدعاية المعادية للمسلمين سوى إلى شرارة لتتحول إلى أعمال عنف واسعة النطاق ضد المسلمين في جميع أنحاء البلاد، فلم يتطلب الأمر سوى خطاب واحد لوزير من حزب بهاراتيا جاناتا في شباط/ فبراير 2020 لإشعال فتيل أعمال الشغب في دلهي، التي أسفرت عن مقتل عشرات المسلمين عبر تعذيبهم وإطلاق النار عليهم وإحراقهم حتى الموت في مجزرة استمرت ستة أيام.
وخرج آلاف القوميين الهندوس يوم الخميس الماضي في مسيرة في مدينة أودايبور حاملين الأعلام الصفراء الهندوسية ومرددين شعارات الإبادة الجماعية، وطالب كثيرون بإعدام الرجلين المسلمين المتهمين بقتل الخياط الهندوسي.
إذا كان لا بد من تجنب القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية، فحينئذٍ يجب العمل بصبر وروية؛ لكن الحكومة الهندية متبرأة من مثل هؤلاء الأشخاص. في الواقع، لم يدن مودي مطلقًا العنف الطائفي أو جرائم الكراهية. وتُحمِّله حكومة الولايات المتحدة مسؤولية التحريض على أعمال الشغب في غوجارات سنة 2002، والتي أسفرت عن مقتل مئات المسلمين.
لهذه الأسباب؛ حذر الرجل الذي تنبأ بالإبادة الجماعية في رواندا قبل سنوات من وقوعها من وقوع إبادة جماعية وشيكة للمسلمين في الهند، مقارنًا الوضع في ظل نظام مودي بالأحداث التي وقعت في كل من رواندا وميانمار، حيث كان قد قتل الآلاف من مسلمي الروهينجا في سنة 2017. ويُعد الوضع الحالي لمسلمي الهند البالغ عددهم 200 مليون أخطر من أي وقت مضى.
المصدر: ميدل إيست آي