ترجمة وتحرير: نون بوست
خلُصت الأمم المتحدة والمنظمات الإسرائيلية والإقليمية والدولية لحقوق الإنسان خلال السنتين الماضيتين، في مجموعة تقارير مدروسة وموثقة بعناية، إلى أن ما يحدث من وقائع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يمارسه الاحتلال من انتهاكات يرقى إلى جرائم الفصل العنصري. وقد تبنّت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية ومقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنظمة “ييش دين” الإسرائيلية وعيادة حقوق الإنسان الدولية بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، جميعها مصطلح الفصل العنصري من حيث المسمى والتأطير، وخلصت إلى أن “إسرائيل” تكرس نظام الفصل العنصري وهي ترتكب جريمة دولية وجريمة ضد الإنسانية من خلال القمع المنهجي للفلسطينيين.
لا يعد هذا الأمر مفاجئًا بالنسبة للفلسطينيين الذين يوافق 65 بالمئة منهم على أنهم ضحايا نظام الفصل العنصري. على مدى سنوات، نددت جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية بهذه الممارسات، بما في ذلك “مركز الميزان” لحقوق الإنسان ومنظمة “الحق” ومنظمة “الضمير”.
لم يكن هذا الجهد منسقًا، ذلك أن هذه المنظمات قررت بشكل مستقل أن هذا هو الوقت المناسب لتسمية هذه الممارسات بالفصل العنصري وتوضيح السبب. توافق غالبية كبيرة من علماء الشرق الأوسط على هذه التسمية، وتسمية الفصل العنصري وإطارها تشق طريقها ببطء إلى وسائل الإعلام الرئيسية – مثل “نيويورك تايمز“. وفي السنة الماضية، لفظت كنيسة المسيح المتحدة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي من القوانين والإجراءات القانونية وأعلنت أن هذا النظام “معصية”. وتسير الكنائس البروتستانتية الأخرى في نفس الاتجاه.
من الواضح أن هناك قبولًا واسعًا ومتسارعًا في المجتمع المدني لتسمية الفصل العنصري وإطاره السردي. ولعل أكثر المعطيات إثارة للاهتمام حول هذا التطور أننا لم نشهد جهدًا متناسقًا من قبل “إسرائيل” أو مؤيديها لتحدي الحقائق أو القانون الذي تستند إليه تهمة اتباع نظام الفصل العنصري. بدلاً من ذلك، اقتصر الرد على وصف تقارير الفصل العنصري ومن كتبوها بأنهم معادون لـ “إسرائيل” وللسامية.
إن دلّ ذلك على شيء فهو يدل على قوة إطار الفصل العنصري. حسب ما هو متفق عليه على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم فإن الفصل العنصري جريمة دولية، لذلك من الصعب على “إسرائيل” فعل ما فعلته جنوب إفريقيا لعقود في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي – أي الدفاع عن نظام الفصل العنصري باعتباره طريقة شرعية لتنظيم مجتمع متعدد الأعراق والأجناس. فضلا عن ذلك، لا تستطيع “إسرائيل” الدفاع عن الفصل العنصري ومواصلة تقديم نفسها كديمقراطية شرعية.
أما الرد الآخر الوحيد على هذه التهمة هو إنكار أن تكون ممارسات “إسرائيل” فصلا عنصريًا، ولكن هذا الرد غير موجود حتى الآن لسبب بسيط وهو أنه يكاد يكون من المستحيل الدفاع عن تهمة الفصل العنصري بناءً على الأسس الموضوعية، كتمهيد قانوني سريع وكما تظهر تقارير الفصل العنصري المذكورة أعلاه.
تُعرّف الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1976 “جريمة الفصل العنصري” لتشمل الأفعال اللاإنسانية التي تُرتكب بغرض تمكين وترسيخ سيطرة مجموعة عرقية على أخرى واضطهاد أفرادها بشكل منهجي، بما في ذلك حرمانهم من الحياة أو الحرية عن طريق القتل والتعذيب والاعتقال/السجن وتتضمن أيضا “أي تدابير تشريعية أو غيرها من الممارسات التي تهدف إلى منع مجموعة عرقية من المشاركة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحياة الثقافية للبلد والاختلاق المتعمد للظروف التي تحول دون التطور الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لهذه المجموعة، “بما في ذلك الحق في التعليم وحق المغادرة والعودة من وإلى بلادهم والحق في الجنسية والحق في حرية التنقل والإقامة والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ وأي تدابير “مصممة لتقسيم السكان على أسس عرقية من خلال إنشاء محميات منفصلة أو غيتوات أو مصادرة الممتلكات والأراضي التي تنتمي إلى جماعة عرقية أو أفراد منها”.
نظام الفصل العنصري أو العقائدي أو العرقي الذي يهدف إلى إبقاء هيمنة المجموعة اليهودية على المجموعة العربية الفلسطينية
علاوة على ذلك، تعلن الاتفاقية أن الفصل العنصري يعد “جريمة ضد الإنسانية” وتفرض مسؤولية جنائية دولية على “الأفراد وأعضاء المنظمات والمؤسسات وممثلي الدول” – سواء كانوا مقيمين في الأراضي التي ارتكبت فيها هذه الأفعال أم لا – إذا “ارتكبوا أو شاركوا أو حرضوا أو تآمروا بشكل مباشر على ارتكاب أفعال” تشكل تمييزًا عنصريًا، أو “حرضوا أو شجعوا أو تعاونوا في ارتكاب جريمة الفصل العنصري”.
كما أن البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف، الذي تمت إضافته بعد سنة واحد من اتفاقية الفصل العنصري، يحظر ارتكاب ممارسات الفصل العنصري بشكل متعمد ويصف ممارسات الفصل العنصري بأنها “جرائم حرب”. وفي سنة 1998، حددت المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة الفصل العنصري على أنها جريمة ضد الإنسانية تخضع للسلطة القضائية التابعة لها إذا تم ارتكابها “كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين”.
تعمل التقارير الأخيرة حول الفصل العنصري على توضيح مدى تطابق الحقائق على الأرض مع هذه المعايير القانونية لجريمة الفصل العنصري: نظام الفصل العنصري أو العقائدي أو العرقي الذي يهدف إلى إبقاء هيمنة المجموعة اليهودية على المجموعة العربية الفلسطينية، والتدابير القانونية والممارسات اللاإنسانية المصاحبة لفرض هذا النظام والمحافظة على استمراريته. وأيًا كان التقرير حول الفصل العنصري فجميعها تتحدث عن: التجزئة المتعمدة للفلسطينيين حسب المكان الذي يعيشون فيه، والحكم العسكري على الفلسطينيين دون حقوق، والجدار العازل ونقاط التفتيش التي تقيد السفر وحرية التنقل، وعشرات القوانين التمييزية داخل الخط الأخضر وخارجه، والنظام التعسفي السائد للتصاريح والتراخيص التي تقيد الإسكان والتنمية الاقتصادية، والقتل غير القانوني، والاعتداء المسلح على المدنيين العزل، والاعتقالات التعسفية والسجن والتعذيب، والعقوبات الجماعية وأكثر من ذلك، كل ذلك يتم بشكل متعمد ومنهجي.
يتضح مدى صعوبة الدفاع عن تهمة الفصل العنصري الإسرائيلي في ندوة عبر الإنترنت برعاية مجلة فلسطين-“إسرائيل” بعنوان “إسرائيل وعتبة الفصل العنصري: دعوة للاستيقاظ”. كان عنوان مداخلة فرانسيس راداي، أستاذة القانون الفخري في الجامعة العبرية، “تأطير منظمة العفو الدولية المأساوي للمأساة”، وقد وجّهت الكثير من الانتقادات لتقرير منظمة العفو الدولية بشأن الفصل العنصري وادعت أن نتائجه مشوهة، لكن كان عليها أن تقرّ بأن ما صوره التقرير في الضفة الغربية كان دقيقا ويرقى إلى الأعمال اللاإنسانية المحددة في نظام روما الأساسي، الذي يمكن وصفه بشكل صحيح بأنه نظام فصل عنصري وكذلك احتلال أو استعمار استيطاني.
الاعتراف العالمي الآخذ في الاتساع بالفصل العنصري الإسرائيلي يأتي بطبيعة الحال مع الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتفكيك نظام الفصل العنصري
كان الدكتور توني كلوغ، الذي عمل سابقًا في منظمة العفو الدولية لمدة 15 سنة، غير راضٍ عن تسمية الفصل العنصري لأنه كان يعتقد أن أفضل طريقة لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان هي عبر إنهاء الصراع بسرعة، ولم ير كيف أن تسمية وتأطير الفصل العنصري يساعد على تحقيق ذلك. لكنه أقرّ أيضًا بأن ما يحدث في الضفة الغربية والقدس الشرقية هو “فصل عنصري متعمّد” يرسخ انتهاكات حقوق الإنسان.
في “إسرائيل” نفسها، حيث “هناك مجموعة راسخة من الانتهاكات، وغطاء كامل من الحقوق والامتيازات الحصرية للمواطنين اليهود، بينما يعمل الفلسطينيون كأعضاء في الحكومة وأطباء ومحامين داخل مؤسسات منفصلة”، تساءل كلوغ كيف يمكن أن نفرّق بين “التمييز” و”الخطيئة الكبرى للفصل العنصري”. لكن في كامل المساحة بين النهر والبحر، وبوجود “أرض واحدة لشعبين ونظامين” مثل الضفة الغربية، اعترف كلوغ بأن “إسرائيل ليس لديها قضية ضد الفصل العنصري”.
أشار ألون ليل، السفير الإسرائيلي السابق لدى جنوب إفريقيا والمدير العام السابق لوزارة الخارجية، إلى أن النوايا الإسرائيلية تغيرت قبل عشر سنوات واستغنت عن حل الدولتين وإنهاء الاحتلال لصالح الضم. مقارنة بجنوب إفريقيا، وبدلاً من الاعتراف بالحقوق الجماعية للسكان الأصليين، وضع الأفريكان البيض في أذهانهم أنهم طوروا الأرض والمدارس والمستشفيات واعتقدوا أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به من أجل أن يهيمنوا على السود إلى الأبد. قال ليل إن هذا كان فصلًا عنصريًا، وينطبق الأمر ذاته على اليهود الإسرائيليين الذين يفكرون بنفس الطريقة في علاقتهم مع الفلسطينيين. والمقاومة في جنوب إفريقيا لم تسم ما يحدث تمييزًا بل اعتبرته فصلًا عنصريًا. في المقابل، استغرق الغرب 45 عامًا لفهم معنى الكلمة وعندما استوعبها كان للاسم وقع كافٍ في المجتمع الدولي لإنهاء الفصل العنصري.
وهنا تكمن قوة تأطير جريمة الفصل العنصري. إلى جانب “إسرائيل”، اتُهمت دولتان فقط بتهمة الفصل العنصري وهما جنوب أفريقيا وميانمار – وكان ذلك في مقاطعة واحدة فقط مع الروهينجا وليس الدولة بأكملها. واليوم، يصنف الفصل العنصري عالميًا بأنه جريمة عالمية شنيعة وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب. لذلك، فإن تسمية الفصل العنصري وإطاره يشكلان لكمة تفوق قوتها إطار حقوق الإنسان وإطار الاحتلال والإطار الاستعماري الاستيطاني.
إن الاعتراف العالمي الآخذ في الاتساع بالفصل العنصري الإسرائيلي يأتي بطبيعة الحال مع الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتفكيك نظام الفصل العنصري، حيث أن القيام ببعض الإصلاحات لن يكون كافيًا. في المقابل، للفصل العنصري القدرة على إشراك المجتمع الدولي بصورة فشلت فيها جميع أطر الاستعمار الاستيطاني وحقوق الإنسان والتمييز والاحتلال.
بسبب الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” لمدة 74 سنة الذي سمح لها بالإفلات من العقاب، بالكاد بدأ قوس الكون الأخلاقي في الانحناء نحو العدالة هناك، ويمكن أن يستغرق 45 سنة أخرى ليحقق تجريم الفصل العنصري وإطاره النتيجة التي نأملها. لكن على الأقل الآن لدينا أداة أكثر فعالية للتنظيم والإقناع، وذلك إذا قرعنا طبلة الفصل العنصري أكثر وبقوة أكبر. يصف أستاذ القانون الدولي ريتشارد فولك هذا الازدهار الجديد لرواية الفصل العنصري بأنه انتصار كبير في المجال الرمزي لحرب الشرعية، المجال الذي انتصرت أو خسرت فيه معظم الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية.
كان مايكل لينك، الذي انتهت فترة ولايته التي دامت لست سنوات كمقرر خاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في وقت سابق من هذه السنة، وبعد وقت قصير من تسليم تقريره عن الفصل العنصري الإسرائيلي، قد كتب الأسبوع الماضي عن قوة تأطير الفصل العنصري واصفًا “إسرائيل” لما هي عليه “في جريدة الداون”.
عندما بدأ لينك فترة ولايته، آمن بأن “استخدام لغة الفصل العنصري” بالتأكيد “سيحجر القلوب الدبلوماسية ويغلق المجال للنقاش. وقد كانت استراتيجيتي الأولية، التركيز على القانون الإنساني الدولي – قوانين الحرب والاحتلال – وقوانين حقوق الإنسان الدولية” – وهي “أطر قائمة على الحقوق”.
لكن بعد خمس سنوات، “متفاجئًا من عدم الرغبة المطلقة لمعظم الدول في أوروبا وأمريكا الشمالية وصولًا إلى أوقيانوسيا” في “فرض المساءلة” على إسرائيل، التي “تحدت أكثر من 30 قرارًا لمجلس الأمن يطالبها بالتراجع عن ضمها غير القانوني للقدس الشرقية، وإنهاء مستوطناتها غير القانونية” و”إنهاء احتلالها”، قبل لينك “عدم جدوى” الاعتماد على “أدوات القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان”، التي “لم يعد بإمكانها استيعاب الواقع القانوني والسياسي الجديد على نحو كاف” على أرض الواقع، الذي أدرك الآن أنه “لا يمكن تمييزه عن الضم والفصل العنصري”.
وقد ازداد عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية في تلك السنوات الخمس من 620 ألف إلى 715 ألف، في المجتمعات الخاصة باليهود التي تتمتع بحقوق المواطنة الكاملة، بينما يخضع خمسة ملايين فلسطيني يعيشون بينهم للقانون العسكري الإسرائيلي أو “تحت شكل مشوه من حقوق الإقامة غير المستقرة”.
بناء على ذلك، قرر لينك تسمية الفصل العنصري باسمه الحقيقي. وأشار إلى أن تقريره عن الفصل العنصري، حظي بتغطية إعلامية دولية أكثر من أي من تقاريره السابقة عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
آمل أن يدفعنا التأمل بحرص في أهم مبادئنا الأخلاقية والدينية إلى التضامن مع الفلسطينيين، ليس فقط لتحريرهم، وإنما لتحرير أنفسنا من دور المضطهد العنصري
وحدوث ذلك في السنتين الماضيتين دليل على الإدراك المتسع وقبول موت حل الدولتين – الذي لم ترغب به “إسرائيل” قط ولن تسمح به أبدًا لأنه يعني وجود دولة فلسطينية شرعية حقيقية ومتجاورة مثل الدول القومية الأخرى بدلًا من سلسلة من البانتوستانات المعزولة التي ستستمر في الخضوع لإسرائيل، ولن تتخل على الـ 700 ألف مستوطن في القدس الشرقية والضفة الغربية.
ربما كان مانويل سركيس حساسيان، سفير السلطة الفلسطينية في الدنمارك الذي شارك أيضًا في مناظرة المجلة الفلسطينية الإسرائيلية، من أكبر المعارضين لإطار الفصل العنصري. لقد قال إن “الاستعمار الاستيطاني أو التمييز أو الفصل العنصري ليس هو السؤال” وإنما “القضية هي الاحتلال”. وأعرب عن قلقه الشديد من أن تحجيم المشكلة في إطار الفصل العنصري سيصرف تركيز السلطة الفلسطينية عن إنهاء الاحتلال. وهو يرى أن “الفصل العنصري ليس المصطلح الصحيح الذي يجب استخدامه”، لأننا فعليًا “لا نملك هيمنة عرقية على بعضنا البعض. ولا يتعلق الأمر بأن يتعايش الإسرائيليون والفلسطينيون في سعادة ووئام على أرض واحدة، بل يتعلق الأمر بإنهاء الاحتلال”. وهو يعتقد أن الفصل العنصري، كما في حال حركة المقاطعة، “يخرجنا عن مسار نضالنا بصفتنا فلسطينيين ينهون الاحتلال”. وكلما زاد الارتباط بنموذج حل الدولتين القديم وانفصال الشعبين، قل الحرص على تسمية القمع وتأطيره على أنه فصل عنصري.
ولكن إذا انتهى حل الدولتين، فإن الخيار الوحيد هو إما أن يستمر واقع الفصل العنصري اليهودي الحالي الذي يديره اليهود لتحقيق مصلحتهم، أو يتم تبني شكل من أشكال الدولة الديمقراطية المشتركة حيث يتقاسم الشعبان السيادة والمواطنة والمساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية. وهنا يأتي السؤال الحاسم لحركات التحرير والتضامن الفلسطينية: كيف ننتقل من هذه النقطة إلى تلك؟ كيف نُفكّر في الانتقال من نظام الفصل العنصري إلى دولة ديمقراطية واحدة. ما هو السيناريو الذي يمكنه تحقيق ذلك؟ وما هي التكتيكات والاستراتيجيات التي نروجها للفلسطينيين والمتضامنين معهم على حد سواء؟ أعتقد أن هذا هو سؤال المليون، ولم أسمع أو أقرأ إجابة جيدة من أي شخص بعد. لكننا بحاجة ماسة إلى ذلك.
مع احترامي لإخوتي وأخواتي اليهود، لقد كتبت عن العار من قبل في هذه الصفحات، العار اليهودي. وبعد أربع سنوات، حان الوقت لإضافة ملاحظة أخرى حول العار، هذه المرة، عار اسمه الفصل العنصري، الذي تم ربطه، وبحق مكتسب، إلى الدولة اليهودية التي تزعم تمثيل جميع اليهود في العالم. يجب أن يشمل هذا العار كل يهودي تهمه “إسرائيل”، ولكن بشكل خاص من في الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب ممن تسامحوا أو دعموا أو سهلوا أو ساعدوا في تمويل نظام الفصل العنصري اليهودي في إسرائيل. أبذل قصارى جهدي لأتعايش مع هذا العار كل يوم، ولكن يصعب ذلك عندما يدرك المرء أن “إسرائيل” هي البلد الوحيد على وجه الأرض في وقتنا الحالي الذي يستمر في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإدارة نظام عنصري، ليس في محافظة واحدة ولا في الضفة الغربية أو القدس الشرقية فقط، وإنما في كامل المنطقة من النهر إلي البحر.
عندما يدرك المرء أن الأوضاع تتجه للأسوأ عوضًا عن الأفضل، يصبح من الصعب أكثر فأكثر التعايش مع هذا العار. آمل أن يساعد مفهوم وإطار الفصل العنصري المزيد منا على التقليل من نزعتنا القبلية، وأن يدفعنا التأمل بحرص في أهم مبادئنا الأخلاقية والدينية إلى التضامن مع الفلسطينيين، ليس فقط لتحريرهم، وإنما لتحرير أنفسنا من دور المضطهد العنصري.
المصدر: موندوايس