ترجمة وتحرير: نون بوست
على درب جاويد إقبال؛ أحد أكثر الأسرار غموضًا والأقل دراسة في عصرنا؛ يقوم فيلم جديد عن حياته وجرائمه بتجديد الاهتمام بالرجل الذي انتحر في السجن سنة 2001.
غادر فيصل رزاق، البالغ من العمر تسع سنوات فقط، في صباح يوم 9 حزيران/ يوليو 1999، منزله بأحد أحياء لاهور المكتظة، وهي مدينة تقع في مقاطعة بنجاب الباكستانية. وقد كان يعمل في ورشة يقضي فيها الأطفال في مثل سنه ساعات طويلة في طي الورق المقوى ووضعه في صناديق ورقية، لكسب أجور زهيدة لإعالة أسرهم؛ ومنذ ذلك الحين، لم يره والديه مرة أخرى.
بعد بضعة أسابيع؛ قام شكيل حسن، البالغ من العمر 13 سنة، بتوديعه أهله أثناء خروجه إلى المدرسة، ولكنه لم يدخل الفصل في ذلك اليوم، ولم يكن يتطلب الأمر من فراز خان، وهو مراهق آخر اختفى، أكثر من بضعة دقائق للعودة من محل بقالة قريب حيث كان قد ذهب لشراء بعض الدقيق.
فُقد كل من تسليم الله، 14 سنة، وعبد المجيد، 16 سنة، وزيشان نذير، 13 سنة، و ديلاوار حسين، 15 سنة، خلال الأشهر القليلة التالية؛ وهم من بين عشرات المراهقين من العائلات الفقيرة الذين فُقدوا في متاهة شوارع لاهور التاريخية.
ومن بين الأولاد المفقودين نذكر المسلم الشيعي إعجاز محمد، الذي تطلق عليه عائلته اسم “كاكا”، والذي كان وشقيقه الأكبر – في سن المراهقة – يعملان كمدلكَيْن، وقد كانا يتجولان في الشوارع مرتدين صنادل مهترئة ويتسكعان في الحدائق، ويركلون الزجاجات الملونة لجذب انتباه العملاء. كما كان الأخوان يرتديان أساور في الكاحل مرصعة بالحجارة اللامعة، وكان الرجال يدفعون لهم مقابل تدليك الرأس والكتف، أو يأخذونهم إلى غرف نومهم في بعض الأحيان.
في أحد أيام تشرين الأول/ أكتوبر، اقترب صبيان من كاكا وشقيقه في حدائق مينار إي باكستان، المكان الذي تجمع فيه المسلمون في سنة 1940 للمطالبة بوطن منفصل، وتذكر شقيق كاكا فيما بعد ما أخبره بهم أحد الصبية: “سيدفع لك رئيسنا الذي يحتاج إلى تدليك ضعف السعر إذا ما أتيت معنا”.
يقع المنزل رقم بي- 16 على طريق رافي، على بعد بضع دقائق فقط سيرًا على الأقدام من نصب مينار إي باكستان التذكاري. وقد طُلب من كاكا الذهاب إلى الداخل لمقابلة الرئيس؛ وهو رجل صغير يرتدي نظارة طبية بشعر مفروق بعناية اسمه جاويد إقبال، وقد كانت تلك آخر مرة رأى فيها أي شخص كاكا على قيد الحياة، في حين ذهب شقيقه يبحث عن وظيفة أخرى، وهي طريقة من غير المألوف أن يعملوا بها.
يُعد ما حدث خلال الأشهر القليلة التالية دراما مزعجة تتضمن قاتلًا متسلسلًا مختلًّا عقليًّا ومتلاعبًا، ولم تستطع تحقيقات الشرطة الفاشلة أن تثبت جرائمه بشكل قاطع (على الرغم من اكتشاف بقايا بشرية في منزله)، فيما كان الوالدان المنكوبات والمدينة التي يسيطر عليها الخوف يعيشون الانتظار الذي لا ينتهي لتحقيق العدالة.
عادت قصة جاويد إقبال إلى دائرة الضوء بعد أكثر من عقدين من إغلاق القضية تزامنًا مع الإصدار الأخير لفيلم عن حياة العقل الملتوي الذي اعترف بقتل الأطفال والتخلص من أجسادهم عن طريق وضعهم في خزانات مليئة بالحامض.
وقد نُشر عدد من المقالات ومقاطع الفيديو على الإنترنت مع أجزاء من المعلومات الجديدة في الأشهر القليلة الماضية؛ حيث يحاول الصحفيون والمدونون تجميع مقالات القتل المتسلسل التي تشبه بشكل صارخ عمليات القتل المتسلسلة سيئة السمعة المعروفة باسم نيثاري والتي جرت في الهند المجاورة.
كان المدلك الشاب من بين مائة ضحية للقاتل المتسلسل، الذي اعتدى عليهم بشكل منهجي وخنقهم قبل أن يضع أجسادهم في أحواض من الحمض، حيث تضعه العديد من المواقع الإلكترونية بجانب بعض من أكثر القتلة المتسلسلين احتقارًا في القرن الماضي، إذ لا تُعد قصته مجرد قصة عقل مريض مضطرب، بل هي أيضًا لائحة اتهام لمجتمع فشل في رعاية أكثر شرائحه ضعفًا: الأطفال.
ليس بلدًا للأطفال
كل سنة؛ يهرب آلاف الأولاد من منازلهم في باكستان، لينتهي الأمر بمعظمهم في الشوارع، مجتمعين في الليل، سويًا بالقرب من القمامة، ويتناولون كميات كبيرة من الهيروين أو صمد بوند، وهو مادة لاصقة متعددة الكلوروبرين مسببة للإدمان تُباع في المتاجر.
لا يقدم معظم الآباء بلاغات عن المفقودين لدى الشرطة لأنهم عادة ما يُقابلون بالرفض؛ حيث قال مسؤولو الشرطة لوالد مجيد: “ابحث عنه عند أقاربك”.
في السنوات الأخيرة؛ أدت سلسلة من الاعتداءات الوحشية وقتل القاصرين إلى وضع السلطات الباكستانية على حافة الهاوية؛ حيث يقول نشطاء حقوق الأطفال إن الشرطة لا تأخذ مسألة الأطفال المفقودين على محمل الجد إلا بعد أن تُروج لها القنوات الإخبارية التلفزيونية.
ومع وجود أسر كبيرة لإطعامها، عادة ما يتخلى الآباء عن البحث عن طفلهم المفقود بعد بضعة أيام من زيارة المستشفيات والمشارح، رغم أملهم الدائم في سماع طرق على الباب في يوم من الأيام ورؤية طفلهم على عتبة الباب.
لقد كانت سنة 1999 سنة صعبة بالنسبة للباكستانيين؛ ففي أيار/ مايو من تلك السنة، استولى الدكتاتور العسكري الجنرال برويز مشرف على الحكومة بعد الانقلاب، وكان الاقتصاد يعاني من العقوبات الأمريكية المفروضة في أعقاب التجارب النووية التي أجراها الجيش قبل سنة، وقد كان الشباب قلقين بشأن خطأ سنة 2000 (المشكلة البرمجية الخاصة بإدخال سنة 2000 إلى أنظمة الحواسيب والبرامج).
بالنسبة للشرطة؛ كانت التقارير عن الأطفال المفقودين متدنية للغاية في قائمة الأولويات. ولذلك، فقد أثار وصول رسالة من شخص زعم أنه قتل 100 من الفتيان الهاربين إلى مكتب شرطة لاهور في أواخر نوفمبر / تشرين الثاني، الكثير من الشكوك.
ذهب طارق كامبو، نائب مدير الشرطة (DSP) – وهو ضابط متوسط الرتبة – على مضض إلى العنوان الذي أُرسلت منه الرسالة: 16 بي- شارع رافي، وهو نفس المكان الذي اختفى فيه المدلك الشاب.
تكشف السجلات العامة لما حدث في المنزل في ذلك اليوم عن عدم استعداد الشرطة للتعامل مع المتلاعب الرئيسي، فقد كان إقبال في المنزل، ولكن عندما استجوبته الشرطة بشأن الرسالة، بدأ يتصرف بشكل مُريب، وقد أخرج في إحدى اللحظات بندقيته وهدد بإطلاق النار على نفسه إذا لم يُترك وحده.
لم تعتقله الشرطة؛ ولم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى داخل المنزل المكون من ثلاث غرف نوم، والذي بُني مثل دمية ماتريوشكا الروسية التي تكون فيها إحدى الغرف داخل الأخرى، وغادر كامبو ليترك إقبال مُحتفظا بسلاحه المرخص.
كان يجب على الشرطة أن يتعرفوا على إقبال. فخلال العقد الذي سبق هذه الحادثة قُدمت شكايتان ضده بشأن اللواط تتعلق بأولاد قصر، وقال كامبو لرؤسائه: ” إن هذا الرجل مجنون، لا يمكن أن يكون قاتلًا لمئة طفل”.
إلى أين ذهب؟
كان لدى إقبال، البالغ من العمر وقتها 38 عامًا، شعور مبالغ فيه بأهميته؛ إذ يتذكر معارفه أنه كان دائم التباهي بعلاقاته المزعومة مع السياسيين والبيروقراطيين، ولكنه يشعر في الوقت الحالي بالإحباط لأن الشرطة لم تأخذه على محمل الجد، وهو شعور مشابه للرفض الذي تعرض له عندما كان طفلًا، عندما لم تقبل عائلته اختلافه عن الأولاد الآخرين.
وأشار ضياء الحق، شقيق إقبال، إلى أنه كان إذا ما أراد أي شيء، يهدد بإيذاء نفسه حتى يلين والدهما: “لقد كان عنيفًا وغريب الأطوار، وكان يسبب الكثير من المتاعب لوالدينا”.
مع عدم أخذ الشرطة له على محمل الجد؛ أرسل إقبال نفس الرسالة بالبريد، إلى جانب صور العشرات من الأولاد، إلى مكتب جانغ، أشهر الصحف الباكستانية الناطقة باللغة الأردية. وقد وصل المغلف الثقيل على مكتب محرر قسم الجرائم في الصحيفة جميل تشيستي الذي قال في مقابلة حديثة على يوتيوب: “بعد الاطلاع على محتويات الظرف، اعتقدت أنه يمكن أن يكون هناك احتمالان: إما أن يكون أحدهم يحاول توريطه، أو أن هذا الرجل فعل ذلك بالفعل”.
كانت الرسالة، المكتوبة باللغة الأردية، بمثابة اعتراف بسلسلة من جرائم القتل الوحشية وصف فيها إقبال كيف خنق الأولاد وأذاب أجسادهم بالحمض، وأورد في الرسالة أسماءهم وعناوينهم وحتى وصف التفاصيل الدقيقة، مثل أشكال وجوههم ونوع الصنادل التي كانوا يرتدونها؛ وأجزاء الجسم التي أثارته أكثر من غيرها. وكشف كم كلفه شراء الحمض، والوقت الذي يستغرقه ليحلّل الجسم ومن ساعده.
إذا كان ما قاله بالفعل صحيحًا، فإن عدد ضحايا إقبال أكبر من عدد ضحايا صموئيل ليتل، القاتل المتسلسل صاحب أكبر عدد من الضحايا في أمريكا الذي قتل 93 امرأة.
إذا كان من المقرر نشر القصة، كان من المهم أن تتحقق الصحيفة من المنزل الذي ادعى إقبال أنه ترك أدلة فيه.
وجد نشيشتي وزميله المنزل ذو العنوان 16 بي رافي رود في نهاية شارع مسدود؛ حيث كان يشبه الآلاف من الأبنية المماثلة في لاهور ذات الجدران من الطوب المكشوفة والأبواب الخشبية. كان المنزل مهجورًا ومغلقًا، ولم يكن أحد هناك، وكان الجدار الأمامي الذي يبلغ ارتفاعه مترين تقريبًا قابلاً للتسلق، لذا تسلقه الصحفيان، وعثرا في الداخل على حاويات بلاستيكية زرقاء اللون وحزم من الملابس والأحذية؛ تمامًا كما وصف إقبال في رسالته، وكانت هناك رائحة كريهة غريبة معلقة في الهواء.
أزالوا غطاء إحدى الحاويات وشموا فجأة رائحة لاذعة، فقد كان هناك داخل الحاويات ما يبدو أنه بقايا بشرية نصف متحللة ضمن سائل تفوح منه رائحة الفورمالديهايد، وهي مادة كيميائية تستخدم لحفظ الجثث، فاتصلت الصحيفة بعائلات بعض الأولاد المفقودين الذين سجل إقبال عناوينهم بدقة في مذكراته وأوردها في رسالته، عندما تم التأكد من أن الأولاد في عداد المفقودين بالفعل، قرر الصحفيون أن لديهم أدلة كافية لكتابة مقالة.
في اليوم التالي، 3 كانون الأول /ديسمبر، طبعت صحيفة جانغ المقالة على صفحتها الأولى تحت عنوان “ادعاء بقتل مائة طفل”، ونشرت الصحيفة أسماء الضحايا إلى جانب صور 57 من القتلى، كثير منهم بابتسامات تملأ وجوههم، وعمّت الفوضى وانتشر الغضب بمجرد أن سمع الناس بالقضية.
تم إحضار حزم الملابس والأحذية التي تم العثور عليها في منزل إقبال إلى مركز الشرطة للتعرف عليها. ومع انتشار الخبر؛ ملأ الآباء الحزينون الغرفة التي يوجد فيها الأدلة، وصرخت الأمهات عندما تعرفن على القمصان والشلوار (القمصان والسراويل) الخاصة بأولادهن المفقودين، وشتم الآباء أنفسهم لفشلهم في حماية أطفالهم وأقسموا على الانتقام.
وصادرت الشرطة برميلين كبيرين زرقاوين وأكثر من عشرة علب بلاستيكية من منزل إقبال تحتوي على مزيج من أحماض الهيدروكلوريك والكبريتيك، كما وجد المحققون جذعًا بشريًّا داخل إحدى البراميل الزرقاء، ووجدوا في برميل آخر قدمين مبتوريتين من عند الكاحلين ووركًا مقطوعًا من الخصر.
وأشار الطبيب الشرعي إلى أن أجزاء الجسم كانت متحللة بشدة ويصعب فحصها. ومع ذلك؛ قال إن هذه الأجزاء تعود إلى الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة، وكان حول أحدى القدمين سوار كاحل (خلخال)؛ تمامًا مثل الذي كان يرتديه كاكا في الليلة التي شوهد فيها آخر مرة مع جاويد إقبال.
وجمعت الشرطة أكياسًا مليئة بالشعر البشري من منزل إقبال حيث كان الشعر في كل مكان: على المشط، على قضيب حديدي، على الأواني، على الأرض، على السرير، وفي الإبريق. (يمكن أن يستغرق الشعر أسابيع ليذوب تمامًا في الحمض).
مع انطلاق الصحفيين الأجانب إلى لاهور، واجه محققو الشرطة مضايقات من الحكومة لإنهاء القضية بسرعة. كان لديهم إقرار بالذنب والأدلة، لكن جافيد إقبال – الذي، مثل القاتل الأمريكي المتسلسل دينيس رايدر، استغل الشرطة والصحفيين – لم يتم العثور عليه في أي مكان.
الصبي الذي يحمل سرًّا
بعد عدم قدرتها على تحديد موقع إقبال، ألقت الشرطة القبض على أقاربه وأصدقائه وذلك عندما بدأ ماضيه المظلم والمعقد بالتكشف.
ينحدر إقبال من عائلة كبيرة مكونة من خمسة أشقاء وأربع شقيقات. كانوا يعيشون في شارع براندريث، وهو حي تجاري قديم في لاهور؛ حيث كان والدهم يمتلك شركة لصناعة الأنابيب الفولاذية واسمها محمد علي وأولاده، ووفقًا لمعايير الطبقة المتوسطة في المنطقة؛ كانت الأسرة ميسورة الحال.
قال عويس ضياء، ابن شقيق إقبال لـ”تي آر تي وورلد”: “كان لدينا عدة عقارات ومخازن ومباني وأراضي. الكثير من الناس في لاهور يسمعون محمد علي وأولاده”.
كانت عائلة علي من الأتباع الشديدين للأولياء الذين تنتشر مزاراتهم في مقاطعة البنجاب، كما آمنت بالمعالجين الدينيين ونبوءاتهم.
منذ سنه المبكرة، كان إقبال قارئًا نهمًا، وكان يحتفظ باليوميات ويكتب في المجلات، وكان دائمًا يثير الضجيج في المنزل وكان يتشاجر مع أقرانه في الحي. كان يتصرف بطرق يصعب تفسيرها في بعض الأحيان.
يقول ضياء الحق، شقيق إقبال: “يدخل جافيد أحيانًا في حالة من النشوة. في بعض الأحيان؛ كان يوقظ الجميع في منتصف الليل ويطلب منا الوقوف خلفه. كان الأمر كما لو أن الروح قد استحوذت عليه، أعتقد حقًا أنه كان ممسوسًا عندما كان طفلاً”.
لكن إقبال كان في الواقع مثليًا، وهي حقيقة رفضت أسرته المسلمة المحافظة الاعتراف بها، لكنها حقيقة يعرفها كل من حوله. فبعد سنوات؛ كتب إقبال أن معالجًا دينيًا قد حذر عائلته من حدوث أشياء سيئة إذا أُجبر على الزواج من امرأة.
في السبعينيات والثمانينيات، كان من الصعب على الأفراد – حتى في الولايات المتحدة الليبرالية – أن يظهروا علانية أنهم مثليين، كما يقول البروفيسور ستيفن هولمز، الذي أمضى سنوات في دراسة القتلة المتسلسلين العنيفين، وقال لـ “تي آر تي وورلد”: “لقد رفضتهم أسرهم، وقد تم نبذهم تمامًا”.
بالنسبة لإقبال، لا بد أن هويته كرجل مثلي الجنس قد بدأت في النمو والتطور مع إدراك أنه لم يتم قبوله من قبل من حوله، كما يقول هولمز.
لكن مع مرور الوقت؛ يقول جيرانه وأصدقاؤه إنهم بدأوا في رؤية نظرات من شيطان شرير في وجهه، فعندما كان في العشرينات من عمره، بدأ في إظهار صفات المتحرش بالأطفال الذي كان يحب الأولاد البالغين.
الحياة والأكاذيب التي عاشها
في أوائل الثمانينيات، اشترى راو نفاسات – الذي كان يبلغ من العمر 11 عامًا في ذلك الوقت – وبعض أصدقائه في الصف السادس من مدرسة إف جي في سرغودا، الواقعة على بعد حوالي 180 كيلومترات من لاهو، نسخة من مجلة الطاهر من كشك على جانب الطريق.
كانت تفصلهم عن خدمات البريد الإلكتروني وبرنامج إم إس مسينجر والدردشة عبر الإنترنت العديد من سنوات، وكان الناس ينشرون أسمائهم وأعمارهم وعناوين منازلهم في المجلات للعثور على أصدقاء مراسلة حيث كانت كتابة الرسائل وسيلة لمقابلة أشخاص جدد، وهكذا بدأ نفاسات وبعض الأولاد من سرجودا بالتواصل مع جاويد إقبال.
قال نافسات لـ”تي أر تي وورلد”: “كان يكتب عن اهتمامه بجمع الطوابع وكيف كان يريد استبدالها”. كان إقبال متملقًا وماهرًا بالاقناع.
“أتذكر أنه كان يكتب بأقلام ملونة – أخضر وأزرق وأصفر. كانت رائحة رسائله طيبة، وكأنها قد تم رشها بالعطر”.
شجع إقبال الأولاد على مشاركة صورهم من خلال تقديم مكافآت مغرية لهم، “لقد أرسل ورقة نقدية بقيمة 20 روبية مع رسائله لإغرائنا بمشاركة صورنا وطلب منا زيارته. أراد أن يشارك صوره الخاصة أيضًا”.
في حي براندريث رود، كان إقبال يكتسب شهرة كمفترس للأطفال، وكانت عائلته تكافح للتعامل مع الشكاوى المتزايدة بشأن سلوكه المشتهي للأطفال.
قال رضوان باجوا، الذي نشأ في حي إقبال: “كان سرًّا معروفًا، وكان الجميع يعلم أنه يتحرش بالأولاد الصغار”.
مع مرور الوقت؛ أصبح إقبال أكثر جرأة وعنفًا، ولم يعد يبحث عن علاقات توافقية. في سنة 1990؛ استدرج طفلًا في التاسعة من عمره إلى منزله واعتدى عليه.
تم تقديم شكوى ضده باللواط، لكنه قام برشوة الشرطة والوالدين لإسكاتهم، وضع هذا الحادث إسفينًا بينه وبين إخوته الذين أرادوا أن يسلكوا طريقًا مختلفًا عنه، لذلك بمجرد توزيع ميراث الأسرة، حصل إقبال على مبلغ ضخم.
أصبحت قصة حياة إقبال غريبة منذ ذلك الحدث، فقد قام ببناء منزل وافتتح ورشة حدادة خاصة به، وكان جميع موظفيه تقريبًا من الأولاد دون السن القانونية، ومعظمهم من الفارين من عائلاتهم.
في هذا السياق؛ يقول ضياء الحق: “لقد أحب هؤلاء الأولاد كثيرًا”، فقد قدم لهم الطعام والسكن واشترى لهم ملابس جديدة وغالبًا ما كان يأخذهم في رحلات برية إلى موري، وهو منتجع في الشمال. وكان ساجد أحد الأولاد، الذي أصبح أحد مساعديه الموثوق بهم.
من بعض النواحي، يشبه سلوك إقبال سلوك جون واين جاسي، القاتل المتسلسل الذي اغتصب وقتل أكثر من 30 شابًا في الولايات المتحدة في السبعينيات؛ حيث كان جاسي يدير عملاً للبناء ووظف أيضًا شبانًا؛ الذين قتل بعضهم لاحقًا.
على الرغم من كونه معروفًا باسم مغتصب الأطفال، إلا أن السلطات لم تمنع إقبال من الانخراط في أنشطة تجعله على مقربة من الأولاد الصغار، فقد افتتح ساحة ألعاب فيديو في متجر قريب من منزله، على غرار الذباب الذي ينجذب إلى شراب السكر، كان الأولاد يتدفقون هناك في كامل ساعات اليوم.
في هذا الصدد يتذكر عويس، ابن أخيه: “لقد أنفق ببذخ على الأطفال. كان يشتري لنا مفرقعات نارية. حتى أنه بنى أحواض أسماك وحوضًا للأفاعي للترفيه عن أطفال الحي”.
الغريب أن إقبال تزوج مرتين، لكن كلا الزواجين انتهيا بالطلاق في غضون بضع سنوات، وله ابنة من زواجه الأول وابن من الزواج الثاني.
يقول هولمز: “حقيقة أنه تزوج مرتين لا تفاجئني على الإطلاق”، ويضيف: “يخفي الكثير من هؤلاء الأشخاص شخصياتهم الحقيقية عن شركائهم وأصدقائهم. من خلال الزواج يحاولون التوافق مع الجنس الآخر حتى لو كان الأمر عليهم صعبًا للغاية”.
فيما يتعلق بإقبال؛ كانت عائلته هي التي أجبرته على الزواج، على أمل أن يساعده ذلك على تحقيق الاستقرار وأن يتوقف عن التسكع مع الأولاد الصغار.
على مر السنين؛ اتُّهم جاويد مرتين على الأقل باغتصاب صبية ينتمون لعائلات من الطبقة العاملة، لكنه قام برشوة والدي الضحايا لتجنب تحقيقات الشرطة.
كان إقبال مولعًا بالتباهي بعلاقاته ومدى أهميته. ففي أوائل التسعينيات؛ نشر مجلته الخاصة التي كانت تحت اسم، “مكافحة الفساد”، والتي عرض فيها مقابلات مع كبار مسؤولي الشرطة.
ويقول الأشخاص الذين عملوا في سوق “الشدباغ”؛ حيث توجد ورشته وقاعة ألعاب الفيديو؛ إنه حاول التحرش بمسؤولين الحكوميين أيضًا، فذات مرة؛ قام بتنظيم سوق للسلع الرخيصة والمستعملة – وهو أمر لا يمكن القيام به بدون رعاية رسمية – ودعا سياسيًا إلى افتتاحه، وهو خالد سهيل، وهو طبيب نفسي كندي تحدث في كتابه عن حياة إقبال بعنوان “أسطورة المختار”.
تم الإبلاغ عن إقبال مرة أخرى للشرطة في شباط/فبراير 1998 بعد أن استدرج صبيان من ضريح داتا دربار الشهير واغتصبهما تحت تهديد السلاح، وتمامًا كما فعل في الجرائم السابقة، تمكن من الإفلات من العقاب من خلال الرشوة.
في هذا السياق يقول افتخار مبارك، المدير التنفيذي لمنظمة البحث عن العدالة، وهي منظمة غير حكومية مقرها لاهور تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الأطفال: “كانت داتا دربار هي المركز الذي كان يأوي الأولاد الهاربون للاحتماء من جميع أنحاء البلاد”.
وأضاف قائلًا: “لم يكن الأمن والمراقبة على ما هو عليه اليوم، ولم تكن هناك كاميرات تسجل أين يذهب الأطفال أو من أخذهم”، لكن ثقة إقبال في قدرته على استدراج ضحاياه القصر كانت موضع اختبار.
ولادة وحش من جديد
في إحدى ليالي أيلول/سبتمبر بعد بضعة أشهر، استأجر إقبال مدلكًا، ما حدث بعد ذلك كان غامضًا إلى حد ما، لكن الشرطة تقول إنه اغتصب الصبي البالغ من العمر 15 عامًا. وفي منتصف الليل؛ هاجم هذا الصبي – بمفرده أو بمساعدة شخص آخر – إقبال، وكسر جمجمته وكسر فكه.
وتعرض إقبال للضرب الشديد لدرجة أنه بقي في غيبوبة لمدة 20 يومًا ولم يتمكن من المشي دون مساعدة لعدة أشهر. جراء ذلك، تراجعت إيرادات أعماله التجارية وسرعان ما استنفد رصيده المصرفي بسبب تكاليف علاجه الطبي، والذي شمل الجراحة.
في ذلك الوقت؛ انتقل إقبال إلى منزل أصغر بكثير على طريق ب-رافي مع والدته المسنة التي اعتنت به أثناء شفائه.
وحسب أقوال إقبال؛ فإن وفاة والدته بعد بضعة أشهر، بينما كان لا يزال يكافح من أجل الوقوف على قدميه، تركته متعطشا إلى الانتقام، وكتب في مذكراته: “قررت أن أجعل مائة أم تبكي مثلما بكت والدتي على ألمي”.
بين تموز/يوليو، وكانون الأول/ديسمبر 1999، استخدم إقبال الموظفين الشباب الذين عملوا وعاشوا معه – بما في ذلك ساجد – لجذب المراهقين إلى منزله، حيث اعتدى عليهم بعد ذلك وخنقهم بسلسلة معدنية.
بعد أن تعافى من إصاباته، بدأ بفضول يشير إلى نفسه بصيغة الماضي، حيث كتب في مذكراته: “لقد قُتلت في تلك الليلة عندما تعرضت للهجوم”، وكانت تلك الإشارة إلى “مقتله” موضع نقاش بين الأشخاص الذين درسوا قضيته.
في سياق متصل، أوضح فيصل نجيب، محامي الدفاع عن إقبال أن الأمر يتعلق بحقيقة أنه لم يعد يشعر أنه رجل بعد دخوله المستشفى، وأضاف نجيب لـ”بي بي سي أوردو”، التي نشرت في كانون الأول/ديسمبر الماضي قصة عن حياة إقبال: “أعتقد أنه أصبح عاجزًا جنسيًّا”.
ربما أدى هذا الحادث إلى ظهور مفترس أكثر وحشية فيه بعد أن أصيب بعجز جزئي. في هذا الشأن، يقول هولمز: “عندما نتحدث عن الانفصام في شخصية هؤلاء الأفراد، تتغير شخصياتهم، ينتقلون من كونهم شخصًا يلمس الطفل ويعتقد أنه يفعل شيئًا مميزًا، إلى شخص يهاجمهم بشراسة”، ويضيف: “يبدو أن الهجوم عليه أدى بالفعل إلى انقسام شخصيته. فالضرب الذي تعرض له، غيّر شخصيته وخياله”.
وصنف هولمز؛ الذي نظر في قضية إقبال بعد أن تواصلت معه تي أر تي وولد، إقبال ليس فقط على أنه معتدي جنسي على الأطفال بل على المراهقين وقاتل؛ وهو أندر نوع من الحيوانات المفترسة: شخص يسعد بالسيطرة على الأطفال وقتلهم.
كان إقبال، طوال الوقت، يظهر سمات وجوانب من شخصيته تشبه تلك المرتبطة بقتلة متسلسلين؛ حيث كان يلتقط صورا ويحتفظ بمذكرات تحتوي على أوصاف مفصلة لضحاياه وكيف التقى بهم، وقد قام المتحرش بالأطفال ويستلي دود بالأمر ذاته قبل القبض عليه وإعدامه لاحقًا.
عندما بدأ الناس في التساؤل عن سبب قيام إقبال بتوظيف الأولاد الصغار فقط في ورشته أو الاحتفاظ بهم كمساعدين في منزله، كان يقول إنه كان يقدم معروفًا للأطفال الهاربين وأنه يحبهم.
يقول هولمز: “يتحرش معظم مغتصبي المراهقين بالأطفال ويعتقدون أنهم يتشاركون مع ضحاياهم في جوانب مميزة؛ فهذه هي الطريقة التي يبررون بها أفعالهم لأنفسهم نفسيًا وذاتيًا”.
ويُعد إعلان أنفسهم كقتلة متسلسلين كما فعل إقبال مألوفًا بين القتلة المتسلسلين، فإدموند كيمبر، الذي قطع رأس والدته، سلم نفسه في النهاية إلى الشرطة قائلًاً إنه سئم من جرائم القتل، في البداية لم يأخذه ضباط الشرطة على محمل الجد وكانوا يمزحون بل ويدخنون معه؛ حيث يقول هولمز: “ما يحدث هو أنهم يقتلون ويقطعون الرؤوس، وبعد فترة لا يتبقى لهم سوى شعورهم المفرط بالعار، وهذا على الأرجح ما حدث عندما ذهب إلى الصحيفة”.
أنا قاتل المائة طفل
وبعد أن ظل هاربًا لمدة شهر تقريبًا؛ ظهر إقبال في مكتب صحيفة جانغ ليلة التاسع والعشرين من كانون الأول /ديسمبر؛ قبل يومين من احتفالات الألفية الجديدة.
وقد ذُهل رجال الشرطة، الذين كانوا يواجهون ضغوطًا شعبية بسبب فشلهم في اعتقاله؛ حيث كان المحققون قد قبضوا بالفعل على الموظفين المراهقين الذين ساعدوا في استدراج ضحاياه، لكن إقبال استمر في التهرب من الاعتقال، مختبئًا بين الفقراء (الزهّاد الرُّحل) في ضريح خارج العاصمة إسلام أباد.
كان استسلام جافيد مستوحىً بالضبط من سفاحي هوليوود؛ حيث دخل إلى مكتب استقبال الصحيفة مرتديًا نعلًا باليًا، ولحيته استطالت لعدة أيام، وملابسه ملطخة بالغبار، وأخبرهم بهدوء: “أنا جافيد إقبال.. قاتل المائة طفل”، وتحدث إلى الصحفيين لمدة ساعة قبل تسليمه إلى الشرطة، مفصِّلًا لهم كيفية ارتكابه جرائم القتل والتخلص من الجثث، وقد سُجلت تلك المقابلة واستخدمت فيما بعد كدليل ضده في المحاكمة.
وقد كانت محاكمته، التي جرت تحت تغطية إعلامية مستمرة، قضية رأي عام؛ حيث كانت المحكمة غالبًا ما تكون مكتظة بالناس حتى آخرها، وقد استمر الآباء طوال شهر كانون الأول/ديسمبر في القدوم من المدن المختلفة في جميع أنحاء البلاد إلى لاهور للتعرف على ملابس وأحذية أولادهم المفقودين.
ووصلت حالة الغضب العام إلى حد اضطرت معه الشرطة إلى اصطحاب إقبال إلى المحكمة تحت حراسة أكثر من عشرة من ضباط الشرطة خوفًا من أن يقوم الآباء بإعدامه دون محاكمة.
ورُفعت محاكمة إقبال أمام محكمة القاضي “الله بكش رانجها”، الذي أوضح منذ البداية أنه يريد إنهاء القضية بسرعة، وقدّمت الشرطة اتهامات بالقتل ضد إقبال كمشتبه به الرئيسي، إلى جانب ثلاثة من موظفيه وهم ساجد، ومحمد نديم ومحمد صابر وكلاهما قاصر.
وقدمت الشرطة الاعتراف الذي حصلت عليه من إقبال، إلى جانب الرفات البشري الذي كان بالكاد يمكن التعرف عليه لاثنين على الأقل من الضحايا الصغار؛ ولكن من أجل إدانته، احتاج الادعاء إلى عشرات الشهود، إلا أن إقبال لم يترك ناجين للشهادة ضده.
وقد عينت المحكمة برهان معظم، المحامي الجنائي البالغ من العمر 35 عامًا في ذلك الوقت، كمدعٍ خاصٍ للمحاكمة، والذي يقول: “في البداية، تساءلت مثل أي شخص آخر، كيف قتل رجل الكثير من الأطفال في مدينة مثل لاهور دون أن يلاحظه أحد”.
لم يكن لدى محامي الدفاع عن إقبال والمتهمين الآخرين فرصة تذكر ضد هذه المجموعة الكبيرة من الأدلة، وقد حاولوا إحداث ثغرات في أدلة الادعاء
يستطيع جيل كامل من الباكستانيين أن يتذكروا صورة إقبال منذ وقت محاكمته؛ ذو سلوكٍ هادئٍ، وشعرٍ ممشطٍ بعناية، وشاربٍ مشذب، ونظاراتٍ مربعة وسترة رمادية.
يقول معظم: “كان جافيد إقبال متلاعبًا بشدة، فقد كان يعرف كيف يستغل الظروف لمصلحته”.
وكان إقبال يعلم جيدًا أن هذه القضية كانت رفيعة المستوى وأن الشرطة لن تجرؤ على التعدي عليه مثل المجرمين الصغار الآخرين، حتى أنه انتابته نوبات غضب في المحكمة – نوبات الغضب التي يمكن اعتبارها مثيرة للسخرية تقريبًا-.
وبالنسبة لشخص يواجه تهمة قتل 100 طفل، فقد بدا إقبال مرحًا بشكل غير عادي في المحكمة، حيث يقول برهان متذكرًا: “ذات يوم طلب من القاضي أن يأمر مسعود عزيز، وهو ضابط شرطة مخيف، بإحضار سترة له لأنه شعر بالبرد”.
ويضيف قائلا: “في مرة أخرى، جعل القاضي يدفع ثمن نان شانا (طبق من الحمص بالكاري) لأن الطقس كان لطيفًا، وظل القاضي يهاوده”.
وعلى مدار الأسابيع الأربعة التالية، قدم الادعاء أكثر من 105 شاهدٍ، بينهم عشرات من أقارب الصبية المفقودين، كما تمكنت الشرطة من العثور على سائق العربة التي استخدمها أحد موظفي إقبال لنقل براميل حمضية إلى نهر للتخلص منها، كما كان لديهم أيضًا شهادة من بائع متجول رأى اثنين من الأولاد المفقودين مع موظفي إقبال الموثوقين بهم قبل اختفائهم.
بعض الآباء لم يتعرفوا على ملابس أطفالهم فحسب، بل شاركوا أيضًا تفاصيل لم يكن يعرفها غيرهم حول هذه الملابس، ففي أحياء الطبقة العاملة في جميع أنحاء البلاد، تقوم النساء بخياطة ملابس أطفالهن بأنفسهن.
ولكن بعد أيام قليلة من بداية المحاكمة، تراجع إقبال عن اعترافه، وزعم محاموه أنه ادعى تنفيذ عمليات القتل فقط لتسليط الضوء على قضية الأطفال الهاربين، وأما الملابس والأحذية فقد تم شراؤها من سوق للأغراض المستعملة، فيما لم تكن تحقيقات الادعاء والشرطة خالية من الثغرات.
فضابط الشرطة طارق كامبو الذي أُرسل لأول مرة للتحقيق في منزل إقبال، لكنه غادر دون أن يكلف نفسه عناء النظر إلى الداخل، اتُّهِم بقتل رجل يدعى إسحاق بيلا، الذي كان صديقًا لإقبال، وكانت الشرطة قد قالت إن بيلا انتحر بعد أن قفز من نافذة الطابق الثالث لمبنى الشرطة حيث كان يجري استجوابه، لكن التحقيق وجد أن بيلا تعرض للتعذيب، وتم إيقاف كامبو وعدد قليل من ضباط الشرطة الآخرين عن العمل.
كما أن أجزاء الجثث التي تم العثور عليها في البراميل البلاستيكية تم فحصها من قبل خبير الطب الشرعي فقط، وبما أن أول مختبر للحمض النووي في باكستان لم يُنشأ حتى سنة 2006، فلم يكن بالإمكان إجراء تحليل أكثر شمولاً للحمض النووي يربط رفات الأولاد المفقودين بعائلاتهم.
واستغرقت المحاكمة أكثر من شهر بقليل، كان القاضي رانجا يجري خلالها إجراءات المحاكمة كل يوم تقريبًا تحت تغطية إعلامية مستمرة.
تى يومنا هذا، يصر شقيق إقبال ومحاميه على أنه لم يقتل أحدًا، يقولون إنه قام ببناء قصة، وزرع الأدلة وخدع المحققين فقط لكسب الشهرة والدعاية
وفي النهاية، لم يكن لدى محامي الدفاع عن إقبال والمتهمين الآخرين فرصة تذكر ضد هذه المجموعة الكبيرة من الأدلة، وقد حاولوا إحداث ثغرات في أدلة الادعاء، فعلى سبيل المثال، تساءل محامي الدفاع فيصل نجيب، عن سبب عدم سماع أي من جيران جافيد أو رؤيتهم أي شيء عند اختفاء صبي في سن المراهقة تلو الآخر داخل المنزل، لكن الدفاع لم يستطع أبدًا العثور على أي من الأولاد المفقودين حيًّا.
وفي 16 آذار/مارس سنة 2000 أنهى القاضي رانجها جلسات الاستماع – بعد أكثر من شهر بقليل من بدء المحاكمة -، وأعلن حكمه، الذي كان عاطفيًا بشدة.
لقد كان حكمًا غير مسبوق انتهك الحقوق الدستورية من نواحٍ عديدة؛ حيث حكم القاضي بإعدام إقبال وساجد في منارة باكستان، وأن جثتيهما ستُقطع إلى 100 قطعة وتذاب في حامض أمام عائلات الضحايا، ويقول معظم، المدعي العام: “كان ذلك مبالغًا فيه، فقد انتهك الحكم بعض قوانين حقوق الإنسان”.
تم إرسال إقبال وساجد إلى سجن كوت لخبات شديد الحراسة، وحتى هناك، فإن إحساس إقبال المتضخم بأهميته لم يتلاشى أبدًا؛ حيث أصر على أن قضيته قد حظيت بأهمية شديدة لدرجة أن منظمة غير حكومية أجنبية مستعدة للدفاع عنه.
وبينما كان ينتظر الإعدام، أخبر إقبال خالد سهيل الطبيب النفسي والمؤلف الكندي، أن الله اختاره لهدف خاص، ونقل خالد في كتابه عن إقبال قوله: “انظر هنا، بين حاجبي سترى علامة، معظم الناس إما لديهم مساحة فارغة أو شعر يربط الحاجبين، ولكن أنا لدي ثلاثة نتوءات، إنها نجمة، علامة خاصة من الله”.
وبعد سنة من إدانتهم، قام إقبال وأحد مساعديه الذي يدعى صابر بانتحار مزدوج في زنزانات سجنهم، والتي كانت بجوار بعضها البعض؛ حيث قالت الشرطة إنهم استخدموا قمصانهم كحبال لشنق أنفسهم.
ويشتبه محامي إقبال وعائلته في أن الشرطة قتلتهم لأن إقبال أراد تسمية بعض كبار المسؤولين الحكوميين الذين حضروا حفلاته وأساؤوا معاملة الأطفال.
وحتى يومنا هذا، يصر شقيق إقبال ومحاميه على أنه لم يقتل أحدًا، يقولون إنه قام ببناء قصة، وزرع الأدلة وخدع المحققين فقط لكسب الشهرة والدعاية، لكن معظَّم، المدعي العام، لا يصدق أيًا من هذا الكلام؛ حيث يقول: “أرني صبيًا واحدًا تم العثور عليه، لا أعرف طفلًا واحدًا عاد إلى والديه، لقد كان وحشًا، وأعتقد أنه قتل أكثر من 100 صبي”.
المصدر: تي أر تي وورلد