أثارت الدعوة التي أطلقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للإعداد لصلاة جمعة موحدة في بغداد منتصف الشهر الحاليّ، والترتيبات التي تجريها كوادر التيار، إلى جانب إعلان “سرايا السلام” الذراع العسكرية للتيار، جهوزيتها لأي طارئ، التكهنات عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الدعوة، وهل تأتي في سياق برنامج سياسي واضح يسير عليه الصدر في مرحلة ما بعد الانسحاب من العملية السياسية، أم أنها خطوة لاستعراض قوة الشارع، من أجل ردع قوى الإطار التنسيقي التي دخلت في مشاورات موسعة مع الكتلة الكردية والسنية لتشكيل الحكومة المقبلة.
مما لا شك فيه أن خطوات الصدر الأخيرة، وتحديدًا بعد البيان الذي أصدره وزيره المعروف بـ”صالح محمد العراقي” في مطلع الشهر الحاليّ، تشير بوضوح إلى أن هناك انزعاجًا صدريًا واضحًا من سلوكيات قوى الإطار التنسيقي من جهة، ودخول حلفائه السابقين الكرد والسنة على خط التفاوض من جهة أخرى، ما قد يشير إلى أن هناك قناعة صدرية بدأت تترسخ مؤخرًا، بأن الانسحاب السريع من العملية السياسية قد ينعكس سلبًا على وجود التيار الصدري في المعادلة السياسية العراقية المقبلة، ولا بد من اعتماد إجراءات وقائية للحفاظ على نفوذ التيار، فيما لو وصلت التفاهمات بين الإطار والكرد والسنة لمراحل متقدمة.
فالتيار الصدري وزعيمه يدركان أهمية إفشال تحركات قوى الإطار التنسيقي وأهمية تعزيز الخلافات الداخلية التي بدأت تنمو داخله، خصوصًا بين زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي أعلن ائتلافه ترشيحه رسميًا لرئاسة الوزراء، وهادي العامري زعيم تحالف الفتح الذي ما زال متحفظًا على فكرة ترشيح المالكي.
والأكثر من ذلك يرى الصدر أن وجوده في العملية السياسية قبل الانسحاب منها، ساهم بطريقة أو بأخرى في توحيد قوى الإطار، ومن ثم لا بد أن يسهم انسحابه من العملية السياسية في تفريقهم أيضًا.
لحظة إطارية أم صدرية؟
إن التحول السياسي الذي يمر به العراق بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية، جعل كل طرف من أطراف المعادلة السياسية الشيعية “الإطار والتيار”، ينظر إلى أن هناك لحظة سياسية لا بد أن يتم استغلالها بالكامل، فالإطار التنسيقي يرى أن انسحاب الصدر من العملية السياسية خلق فراغًا شيعيًا لا بد من استثماره في تشكيل حكومة عراقية تحقق ما يريده الشارع العراقي، وتجعل الصدر غير مؤثر سياسيًا، بالتزامن مع الوفرة المالية التي يمتلكها العراق، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط وحاجة المجتمع العراقي للخدمات.
في حين يرى التيار الصدري أن انسحابه من العملية السياسية، رغم أنه الفائز بغالبية مقاعد مجلس النواب، فضلًا عن نجاحه في تشريع قانون تجريم التطبيع مع “إسرائيل” والدعم الطارئ للأمن الغذائي، جعله يظهر بمظهر “الوطنية العراقية”، أمام قطاعات واسعة من الشارع العراقي، وأهمها الشارع التشريني التي ما زال يُحمّل قوى الإطار التنسيقي مسؤولية دماء الكثير من الشباب المتظاهر، ومن ثم فإن انسحاب الصدر قد يغير من المزاجية التشرينية حياله، ومن الممكن توظيف هذه المزاجية في خدمة مشروع الصدر فيما لو قرر النزول للشارع.
هناك محركات أخرى ما زالت غائبة عن الحراك المباشر بين الإطار والتيار، أهمها الفاعل الإيراني الذي ما زال ينظر إلى مصالحه السياسية فوق الخلاف الشيعي – الشيعي القائم
ويمكن القول إن الصدر غير مستعجل لحشد أنصاره في الشارع، لا سيما أن ظروف التحرك لن تنضج قبل أن تنتهي المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، وهي – برأيه – ستفشل حتمًا نتيجة الخلافات العميقة بين أطرافها، وتحديدًا داخل الإطار التنسيقي، الذي لم يستطع الاتفاق على شيء حتى الآن، رغم توسيع كتلته البرلمانية لتصبح الكتلة الكبرى في مجلس النواب، لكنّ خيار الشارع يبقى واردًا في حالة واحدة، وهي أن تتمكن القوى المشاركة في المفاوضات الحكومية من التوصل إلى تشكيل حكومة على نمط الحكومات السابقة التي يعتبر الصدر أنها أوصلت البلاد إلى هذه الحال.
فإذا انتهت تلك المفاوضات إلى الفشل، ستنتهي الأمور إلى انتخابات جديدة خلال أشهر، يعتقد الرجل أنها ستعطيه غالبية أكثر وضوحًا، يمكنه من خلالها فرض تشكيل حكومة أغلبية يحكم عبرها البلاد، وهو يستند إلى أن العراق يحتاج إلى حكم قوي يخرجه من الأزمة التي يتخبط بها، ومواصفات مثل هذا الحكم تتوافر فيه حصرًا، لأسباب موضوعية أهمها شعبيته الجارفة.
إجمالًا هناك محركات أخرى ما زالت غائبة عن الحراك المباشر بين الإطار والتيار، أهمها الفاعل الإيراني الذي ما زال ينظر إلى مصالحه السياسية فوق الخلاف الشيعي – الشيعي القائم، وهو على ما يبدو اليوم، بدأ يفكر بكيفية إنتاج رئيس وزراء عراقي يكون جسرًا إيرانيًا للمنطقة.
فحتى فكرة التجديد لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بدأ نقاش كبير بشأنها داخل أروقة صنع القرار في إيران، وبدأت تستهوي الحرس الثوري أكثر من فكرة دعم مرشح إطاري لرئاسة الحكومة، كما أن مرجعية النجف ما زالت لم تقل كلمتها في الخلاف الحاليّ، وهي على ما يبدو لا ترغب في دعم طرف على حساب آخر، خصوصًا أن وضعها الحاليّ يشوبه حالة عدم يقين، مع طموحات الصدر بإمكانية أن يكون رقمًا صعبًا في مرحلة ما بعد السيستاني.