“نعيش هذه الأيام في صنعاء أتعس من أيام الحرب، عن أي هدنة يتحدثون؟ مرّت أكثر من 3 أشهر من عمر الهدنة، ولم يتغيّر شيء في حياتنا”، هكذا عبّر محمد نصر (50 عامًا)، أب لـ 7 أطفال، عن خيبة أمله من الهدنة الإنسانية مع اقتراب موعد انقضائها.
يعمل نصر سائق سيارة أجرة في العاصمة اليمنية صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، ويشكو من تدهور الأوضاع المعيشية وانعكاساتها السلبية في حياته اليومية، على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 7 سنوات.
وخلال السنوات الماضية أدّت الحرب في اليمن إلى تدمير البنية التحتية، وانهيار الاقتصاد الوطني للبلاد، وأودت بحياة 377 ألف شخص، بصورة مباشرة وغير مباشرة، من بينهم أكثر من 10 آلاف و200 طفل قُتلوا أو أُصيبوا كنتيجة مباشرة للقتال في البلاد.
وتشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يعاني ما يقرب من 80% من إجمالي عدد السكان، أي 24.1 مليون شخص، من احتياج إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية والحماية، وأصبح 10 ملايين شخص على بُعد خطوة من المجاعة والموت جوعًا، فيما يعاني 7 ملايين شخص من سوء التغذية.
وبعد أكثر من 7 سنوات من الحرب، تمكّنت الأمم المتحدة من إقناع أطراف النزاع في اليمن على الموافقة على هدنة لمدة شهرَين، إذ دخلت الهدنة حيّز التنفيذ في 2 أبريل/ نيسان وما زالت مستمرة حتى اللحظة بعد موافقة الأطراف المتنازعة على تمديد الهدنة لمدة شهرَين إضافيَّين، كانت قد دخلت حيّز التنفيذ في 2 يونيو/ حزيران الماضي وتستمرّ حتى 2 أغسطس/ آب القادم.
ونصّت بنود الهدنة الإنسانية التي رعتها الأمم المتحدة، بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات، على وقف جميع العمليات العسكرية، والسماح بدخول سفن النفط، وفتح مطار صنعاء، وفتح الطرقات بين المدن اليمنية بما فيها مدينة تعز، ومن ثم توفير بيئة مواتية للتوصُّل إلى تسوية سلمية للنزاع.
“هدنة هشّة”
يصفُ نصر الهدنة بـ”الهشة”، ويقول لـ”نون بوست” إنه “غير متفائل من الهدنة، مشيرًا إلى أطراف النزاع التي وافقت على الهدنة الإنسانية لتخفيف معاناة اليمنيين حسب زعمهم، لكن على أرض الواقع تضاعفت معاناة المواطنين”.
يتطلع نصر وملايين اليمنيين إلى هدنة دائمة تفضي إلى إيقاف الحرب الوحشية، حيث لا تزال التعقيدات المرافقة لتنفيذ اتفاق بنود الهدنة من قبل الأطراف المتحاربة تقف حجر عثرة أمام طموحات اليمنيين الباحثين عن تحقيق السلام الدائم في بلادهم.
وقال الصحافي أبو بكر الفقية لـ”نون بوست” إن “الهدنة الإنسانية تمّت بضغط دولي، وهي لا تزال هشة”، لافتًا إلى “استغلالها من قبل أطراف النزاع للتحشيد وإعادة التموضع، ومن ثم الهجوم مجددًا ومحاولة تحقيق مكاسب على الأرض” .
ورغم الانتهاكات والخروقات المتواصلة وعدم تنفيذ بعض بنود الهدنة، يعتقد الفقية أن “الهدنة حققت بعض النتائج الإيجابية فيما يخصّ تقليص مستوى العنف وتوقف القتال وتقليل أرقام القتلى والإصابات، سواء في صفوف المدنيين أو المقاتلين، مع توقف كلي للغارات الجوية للتحالف، ودخول سفن النفط إلى ميناء الحديدة، وتسيير رحلات جوية من مطار صنعاء من وإلى عمّان والقاهرة”.
من جانبه يرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور عادل دشيلة أن “المستفيد الأول من الهدنة في اليمن حتى اللحظة هو جماعة الحوثي المدعومة من إيران”.
وقال دشيلة لـ”نون بوست” إن “مستقبل الهدنة ونجاحها في اليمن مرهون بضغط المجتمع الدولي والإقليمي ومبعوث الأمم المتحدة على جماعة الحوثي بالقبول برفع الحصار عن مدينة تعز، وفي هذه الحالة يمكن تمديد الهدنة والمشاورات حول أي عملية سياسية”.
ولفت دشيلة إلى أن الكرة حاليًّا في ملعب جماعة الحوثي، وما الذي يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي، لافتًا إلى أن الحكومة المعترف بها دوليًّا قدمت كل التنازلات ولم يعد لديها شيء يمكن تقديمه.
“خيّبت آمال اليمنيين”
رغم تمديد الهدنة الإنسانية وصمودها خلال الفترة الماضية، إلا أن مخرجات الهدنة خيّبت آمال اليمنيين خصوصًا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي شهد انهيارًا خلال فترة الهدنة، وانعكس سلبًا على حياة المواطنين وفاقم من معاناتهم اليومية بمختلف المحافظات اليمنية، سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو مناطق سيطرة الحكومة.
تمامًا مثل نصر خيّبت الهدنة آمال جمال مهيوب (45 عامًا)، أب لـ 5 أطفال وموظف حكومي في التربية والتعليم في مدينة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي منذ عام 2014.
وقال مهيوب أن “الأوضاع المعيشية للكثير من المواطنين تضاعفت بشكل كبير خلال الشهرَين الماضيَّين، خصوصًا ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين والموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ عام 2016″، لافتًا إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق.
خلال الأشهر الماضية شهدت أسعار السلع والخدمات الأساسية في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين ارتفاعًا ملحوظًا، على وجه الخصوص سلع الدقيق والسكّر والزيوت والألبان وغيرها من المواد الغذائية، رغم توفر المشتقات النفطية عقب سماح التحالف العربي الذي تقوده السعودية لسفن النفط بالوصول إلى ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي منذ عام 2014.
ولا تزال الأوضاع المعيشية للكثير من المواطنين القاطنين في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا تشهد انهيارًا مستمرًّا مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، نتيجة انهيار سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وتردّي الخدمات الصحية وانقطاع خدمات الكهرباء خصوصًا في مدينة عدن جنوب اليمن.
“التنصُّل من تنفيذ بنود الهدنة”
من ضمن بنود الهدنة الإنسانية في اليمن فتح الطرقات في مدينة تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين، من الرجال والنساء والأطفال، وتنقلاتهم بالاستفادة من الجوّ الذي تهيئه الهدنة.
رفضت جماعة الحوثي فتح الطرقات في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، وأصرّت على التمسُّك بفتح طرق فرعية وترابية لا تؤدّي إلى تخفيف المعاناة الإنسانية التي يعيشها أبناء مدينة تعز، وهو ما رفضه سكان المدينة، وكذا الحكومة المعترف بها دوليًّا وسط مطالبات حثيثة بفتح طريق الحوبان أحد أهم المنافذ الرئيسية للمدينة.
تقول نجوى حسن، وهي صحفية وناشطة مجتمعية تقيم في مدينة تعز، إن “عدم فتح الطرقات في محافظة تعز يُعتبر عرقلة واضحة أمام المواطن من قبل جميع أطراف النزاع”، مشيرة إلى أنه “كان من المفترض بعد فتح مطار صنعاء الدولي فتح طرق تعز لكسر الحصار الذي يعاني منه السكان منذ اندلاع الحرب”.
وأضافت حسن لـ”نون بوست”: “الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي على المدينة منذ سنوات أدّى إلى تفاقم معاناة المواطنين خصوصًا في السفر إلى المدينة، إذ أصبح السفر إليها يستغرق ساعات طويلة مصحوبة بجهد ومشقة بسبب الطرق الوعرة”، مشيرة إلى أنها “طرق غير آمنة امام المسافرين وقد تؤدي بحياتهم الى الهلاك”.
تشير حسن إلى أنها غير متفائلة من الهدنة، معتبرة أنها ليست كافية في فتح الطرقات وتدعو إلى تكثيف الجهود المحلية والدولية للضغط على جماعة الحوثي لفتح الطرق، لأن مستقبل نجاح الهدنة مرهون برفع الحصار عن تعز.
يوافقها في الرأي الصحفي الفقية، قائلًا إن “مستقبل الهدنة الإنسانية في اليمن سيتأثر بملف رفع الحصار عن مدينة تعز”، مشيرًا إلى أن “الأمور لا تبشّر بخير إذ لم يتمَّ فتح الطرقات إلى المدينة المحاصرة منذ 7 سنوات”.
“التسوية بعيدة المنال”
يقول الفقية إن “توقف الحروب عادة يعتمد على إنهاك أو إضعاف طرفَي الصراع أو أحدهما، وبالتالي الوصول إلى قناعة تامة بفشل الخيار العسكري، ما يخلق حالة من الاستعداد لتقديم التنازلات والوصول لتسوية نهائية، وحتى اللحظة لم يصل أي طرف في اليمن حد الانهيار”.
من جانبه يستبعد دشيلة انتهاء حرب اليمن في الوقت الراهن، ويلخّص أهم التحديات التي تواجه حلّ تسوية الأزمة اليمنية، حيث يقول لـ”نون بوست” إن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يزال متمسّكًا بإقامة دولته وفصل المناطق الجنوبية عن المناطق الشمالية.
وتابع دشيلة: “لا تزال جماعة الحوثي تعوّل على الخيار العسكري، وتنظر إلى المناطق الشمالية كحقّ حصري لها لا يجوز لأحد أن يشاركها في الحكم، هذه المشاريع لا تزال تعيق الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، كما أن الأجندات الإقليمية تؤثر بشكل سلبي على إحراز أي تقدم في العملية السياسية”.
مكملًا: “في حال توصّلت القوى الإقليمية إلى إيجاد تسوية، بالإمكان أن ينعكس هذا بشكل إيجابي على الأزمة في اليمن”، وينهي دشيلة حديثه بالتأكيد على أن “الأزمة اليمنية مرتبطة بملفات إقليمية، لذلك حتى اللحظة تبقى الأمور ضبابية، وبالتالي الحديث عن تسوية سياسية في هذه المرحلة غير وارد”.