يعتبر موسم الأضاحي في فلسطين ذي خصوصية مختلفة عن بقية أرجاء الوطن العربي والإقليم ككل، حيث تتربع على قائمة البلدان الأعلى تكلفة للأضحية الواحدة مقارنة بمستويات دخل الفرد اليومية والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
وأدى الارتفاع في الأسعار خلال السنوات الماضية إلى بروز ظواهر جديدة في الأضاحي، ففي قطاع غزة المحاصر يتشارك عدد من المضحين في العجل الواحد، بحيث يتم تقسيمه إلى نظام حصص كنوع من التخفيف عن المضحين، وفي الضفة الغربية المحتلة تبدو الظروف الاقتصادية أفضل حالًا وهو ما يشجع على ذبح الأضحية بشكلها التقليدي المعتاد، إلا أن الأسعار لا تختلف عن القطاع رغم وجود بعض الإنتاجات المحلية على صعيد لحوم الأضاحي.
وعند النظر لتكلفة الأضحية على صعيد الرأس الواحد للعجول فهي تقترب من 2000 دولار أمريكي كتكلفة إجمالية، بما يوازي 7000 شيكل إسرائيلي من العملة المتداولة محليًا، فيما تصل تكلفة الأضحية على صعيد الخراف ما بين 300 – 500 دينار أردني.
وتلعب اتفاقية باريس الاقتصادية دورًا بارزًا في ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم عمومًا في فلسطين نظرًا للإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على عملية الاستيراد وعدم وجود معابر مفتوحة على السوق الخارجي.
ويشترط الاحتلال سلسلة من الإجراءات عند عملية الاستيراد أبرزها وضع العجول والخراف في محاجر خاصة قبل فترة استيرادها فيما يتحمل التاجر الفلسطيني المستورد التكلفة المالية للحجر، إضافة لحجرها لدى الاحتلال فترة عدا عن الضريبة المحلية التي تحصل.
ارتفاع أسعار الأضاحي.. ما الأسباب؟
يؤكد وكيل مساعد القطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة برام الله طارق أبو لبن أن الارتفاع الحاصل في أسعار لحوم الأضاحي تأثر بالارتفاع العالمي الحاصل منذ بداية عام 2019، إلى جانب الارتباط بالاحتلال الإسرائيلي والشروط الموجودة.
يقول أبو لبن في حديثه لـ”نون بوست”: “الاحتلال يلزم الفلسطينيين باتخاذ سلسلة من الإجراءات عند استيراد المنتجات الحيوانية أو مدخلات الإنتاج الخاصة بها عبر المعابر التي تخضع جميعها لسيطرة وتحكم الاحتلال”، ويضيف “في فلسطين نلتزم بالتكاليف التي تتوافق مع السياسات الإسرائيلية، فهناك برتوكولات تضعها سلطات الاحتلال وتؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج والتربية وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار إنتاج المواشي واللحوم مقارنة بالدول المجاورة”.
وخلال السنوات الأخيرة برزت ظواهر عدة للتغلب على هذا الارتفاع، لعل أبرزها كان ذبح الأضاحي في بلدان عربية مجاورة أو دول آسيوية وتوزيعها على الفقراء هناك من أجل إحياء هذه الشعيرة والتغلب على العقبات المالية، وداخليًا فقد ظهرت ونتيجة للظروف الاقتصادية ظاهرة الاشتراك في رأس من العجل عبر مجموعة تتراوح بين 4 إلى 9 أشخاص ويتم تقسيم المبلغ الإجمالي حسب الوزن والحصة النهائية التي سيحصل عليها كل شخص.
بين المحلي والمستورد
تختلف تجربة الضفة الغربية المحتلة فيما يتعلق بالمواشي عن قطاع غزة، فخلال السنوات الأخيرة تم العمل على زيادة الإنتاج المحلي بنسبة معقولة مقارنة بالسابق في الضفة، إلا أنها تبقى عن تغطية كامل احتياجات السوق المحلي، أما القطاع فالأسباب متعلقة بعدم وجود المساحات الزراعية وارتفاع التكلفة الإنتاجية، فلا توجد أي إنتاجات محلية حقيقية.
ووفق بيانات وزارة الزراعة في رام الله فإنه وعلى صعيد الخراف والسخول فإن ما يتم إنتاجه يزيد على 55 إلى 60% محليًا في مناطق الضفة تحديدًا والباقي يتم استيراده من الخارج، أما على صعيد العجول فيتم إنتاج 15% في المزارع المحلية والباقي يتم استيراده من الخارج.
وتقدر وزارة الزراعة استهلاك الفلسطينيين العام من اللحوم الحمراء، بقرابة 60 ألف طن من اللحوم بالمعدل العام على صعيد الضفة والقدس المحتلتين وقطاع غزة، وهي نسبة خاضعة للتغيير بفعل العرض والطلب والمنافسة مع اللحوم البيضاء.
ارتفعت أسعار الأعلاف بواقع 40% عن العام الماضي نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية واعتماد السوق الفلسطيني على الاستيراد منها
ويشير أبو لبن إلى أن لحوم الأضاحي لهذا العام شهدت إنتاجًا محليًا في مزارع الفلسطينيين بنسبة تقترب من 90 – 95% من الخراف والسخول، حيث توجد 160 ألف رأس من الخراف معدة للذبح، فيما تم استيراد 20 ألف من الاحتلال والخارج، عدا عن قرابة 43 ألف رأس من السخول التي تم تربيتها في المزارع المحلية، أما على صعيد العجول فتم إنتاج قرابة 26 ألف منها محليًا و8 آلاف تم استيرادها من الاحتلال.
من جانبه يقول المسؤول في وزارة الزراعة بغزة حسين الخطيب إن أسعار الأضاحي لهذا العام ارتفعت بشكل طفيف عن العامين الأخيرين نظرًا لارتفاع أسعار الأعلاف والحبوب بواقع 200 دولار أمريكي للطن الواحد تقريبًا.
ووفق حديث الخطيب لـ”نون بوست” فإن الزيادة في جميع أسعار اللحوم كانت بواقع شيكل إسرائيلي، بحيث أصبحت أسعار اللحوم التي كان الكيلوغرام الواحد منها سعره 20 شيكلًا إسرائيليًا (ما يوازي 5.7 دولار أمريكي) 21 شيكلًا.
وبخلاف الضفة الغربية المحتلة فلا توجد أي مراعي للتربية في غزة أو توليد السلالات نتيجة عدم وجود المساحات والأراضي أو المراعي اللازمة فضلًا عن ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم وجود المزروعات الخاصة بالمواشي.
السياسات الإسرائيلية.. كيف يتحكم الاحتلال بأسعار اللحوم؟
تلعب اتفاقية باريس الاقتصادية (إحدى الاتفاقيات المنبثقة عن اتفاقية أوسلو) دورًا في ارتفاع معظم أسعار السلع في فلسطين، حيث كفلت هذه الاتفاقية للاحتلال الترتيبات المالية المتعلقة بأموال المقاصة الضريبية التي تجبيها لصالح السلطة مقابل نسبة مالية.
ونصت هذه الاتفاقية على حق الاحتلال في جباية الضرائب على السلع والخدمات القادمة أو الضريبة المضافة الموحدة (بحيث لا تقل نسبتها في الأراضي الفلسطينية عنها في “إسرائيل” بأكثر من 1%)، ورغم أن الاتفاقيات الموقعة نصت على أن تنتهي المرحلة الانتقالية في غضون خمس سنوات، فإنها ما زالت تحكم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ ربع قرن.
وبالتالي عند استيراد المواشي تلعب الإجراءات الإسرائيلية دورًا في التأثير على الأسعار، إذ يفرض الاحتلال مدخلات خاصة مثل حجر المواشي لفترة طويلة على نفقة المستورد واستخدام سفن خاصة للنقل للموانئ الإسرائيلية والحجر في المحاجر الإسرائيلية، وهو ما يؤدي إلى مضاعفة فاتورة الشراء للكيلوغرام الواحد، وفقًا لوزارة الزراعة الفلسطينية.
وبحسب تقديرات الجهات الحكومية في غزة فإن الاحتلال يضع تكاليف عالية على عملية الإدخال والاستيراد من الخارج، وهو ما يجعل الأسعار ترتفع بصورة كبيرة بحيث تتخطى أسعارها 50% من السعر الحقيقي في بلد المنشأ. وبموازاة ذلك، فقد ارتفعت أسعار الأعلاف بواقع 40% عن العام الماضي نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية واعتماد السوق الفلسطيني على الاستيراد منها، وهو ما أدى إلى رفع الأسعار بزيادة طفيفة عن الأعوام الماضية.