ترجمة وتحرير: نون بوست
تملأ فرقة نحاسية الأجواء بالموسيقى التركية النابضة بالحياة وهي تسير في شارع مرصوف بالحصى؛ حيث يملأ السياح والسكان المحليون الذين يصفقون ويرقصون الساحة الرئيسية.
ويرتدي الموسيقيون زيًّا فيروزيًّا مرصعًا بالذهب على مستوى الأكتاف؛ وهي ألوان تتناسب مع اللون الأزرق السماوي لمياه بحر إيجة في ألاتشاتي، الواقعة في شبه جزيرة تشيشمي في غرب تركيا، والتي تتمتع بجميع السمات المميزة لمدينة البحر الأبيض المتوسط النموذجية، بمنازلها الحجرية الريفية ذات الأبواب الخشبية المطلية بشكل نابض بالحياة، والشوارع المتعرجة المليئة بالمطاعم الراقية والمعارض الفنية الحديثة والمتاجر.
يتدفق المصطافون الأتراك إلى هذه الوجهة الخلابة، التي تقع على بعد حوالي ساعة بالسيارة جنوب غرب إزمير، منذ إحيائها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما يأتيها أيضًا أناس من حول العالم؛ بحيث ستجد في كل مكان أشخاصًا يحتسون الشاي التركي في مقاهي المدينة في الهواء الطلق، ويستمتعون بالهواء النقي وأشعة الشمس.
بلدة ملونة
ولم يقتصر الأمر على كسب المصطافين فحسب؛ فقد أصبحت ألاتشاتي عاصمة رياضة ركوب الأمواج الشراعية في تركيا، نظرًا للرياح القوية الموجودة بها على مدار السنة؛ حيث تقول بيريهان أكبولوت، التي تدير فندق كورابيي الذي يبعد بضع دقائق سيرًا على الأقدام من كورابيي ستون: “إن الهواء الذي تتنفسه هنا ثمين، ودائمًا ما سيكون هناك نسيم يجعلك تشعر بتحسن؛ حتى لو كان الجو حارًا جدًا خلال أشهر الصيف”.
ريتشارد كويست من سي إن إن يسافر إلى غرب تركيا لاكتشاف سبب تسميتهم إزمير بـ “لؤلؤة بحر إيجه”.
يمكن بسهولة الخلط بين فندق كورابيي وأي بيت ضيافة على طراز بحر إيجة بفضل جدرانه المطلية باللون الأبيض وأبوابه الزرقاء.
وقد انتقلت أكبولوت من اسطنبول في سنة 2009، وافتتحت في السنة التالية الفندق الذي يحتوي على فناء مزين تتوسطه حديقة ليمون، وفي الوقت الحالي تعيش هي وزوجها بين وجهتين؛ يستمتعان بحياة المدينة الكبيرة “إسطنبول خلال الشتاء، ويعودان إلى المدينة الجميلة لموسم الصيف، وتضيف: “من السهل جدا تنظيم حياتك في ألاتشاتي. ولكن السبب الحقيقي وراء إعجابي بها يتمثل في كونه مكان لا يتعين عليك فيه التفكير كثيرًا فيما يجب عليك فعله أو المكان الذي تقصده”.
يقع شارع الكنيس المختبئ داخل بازار كيميرالتي في إزمير ويتم تجديده.
على مر السنين، مرت ألاتشاتي بالعديد من التجديدات؛ حيث كانت مجرد مستنقع حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما قامت السلطات بتجفيفه لتخليص المنطقة من البعوض المسبب للملاريا، ثم استقر فيها العمال اليونانيون من الجزر المجاورة لزراعة كروم العنب وبساتين الزيتون، ولا تزال تعتبر المنطقة الأولى لصناعة النبيذ وإنتاج زيت الزيتون في تركيا.
ومثل غيرها من المدن في المنطقة، هجر السكان ألاتشاتي إلى حد كبير في عشرينيات القرن الماضي بعد أن انخرطت تركيا واليونان في تبادل سكاني قائم على الدين، وتُرِكَت منازلها الحجرية لعقود دون ترميم لتصبح في حالة يرثى لها. لكنها شهدت تغيرًا جذريًا في السنوات العشرين الماضية، بعد اكتشاف الزوار المتحمسين من جميع أنحاء البلاد فرصة لشراء منازل لقضاء العطلات هنا وبث حياة جديدة في المدينة.
غالبًا ما يتباهى السكان المحليون بمنتجات المنطقة والأطعمة المنزلية. ويوم السبت، تصطف الأكشاك في السوق لعرض الفواكه والخضروات والخبز الطازج والمأكولات البحرية في شارع كمال باشا الرئيسي للمدينة، فيما يمتد السوق إلى العديد من الشوارع الجانبية.
في كل ربيع، يجذب هذا الحدث السنوي الذي يعرض الأعشاب الطبيعية التي تنمو في ألاتشاتي ومدينة تشيشمي الساحلية القريبة جحافل من الزوار إلى المنطقة. تقول أكبولوت “يمكن الحصول على كل شيء: طعام لذيذ، خضروات وفواكه طازجة، أعشاب طبيعية ومأكولات بحرية. وهو مكان لا يمكنك الشعور فيه بالوحدة نظرًا لوجود مزيج جيد من السكان المحليين والمستوطنين الجدد”.
لهذه المنطقة من شرق البحر الأبيض المتوسط تاريخ حافل، حيث يمكن العثور على الآثار القديمة لمدينة أفسس، وهي من مواقع التراث العالمي لليونسكو، على بعد ساعة واحدة فقط بالسيارة جنوب ألاتشاتي، وهي تقع بالقرب من بحر إيجه والمدينة المنشأة حديثًا “سلجوق”، والتي لا تزال أحد أكثر المواقع احترامًا في المسيحية، وهو مقر أفضل المعالم الأثرية في تركيا بما في ذلك معبد هادريان، الذي بُنِيَ تكريمًا للإمبراطور الروماني هادريان.
ولا تبعد الينابيع الساخنة في باموكالي، التي تُترجم حرفيًا إلى “قلعة القطن”، ويمكن الخلط بينها وبين مجموعة من الغيوم الملائكية إذا تم عرضها بالزاوية الصحيحة، سوى بضع ساعات بالسيارة.
مدينة أفسس القديمة هي بلا شك واحدة من عجائب تركيا العظيمة، ولكن على بعد مسافة قصيرة بالسيارة توجد قرية صغيرة تتمتع بالكثير من السحر.
منذ قرون، كان هذا الموقع الشهير المبني من حجر الجير القديم المصنف ضمن التراث العالمي حسب اليونسكو وجهةً للكثير من السياح، كما تعد الأطلال المحفوظة جيدًا لمدينة هيرابوليس القديمة التي كانت في يوم من الأيام مركزًا للشفاء من بين أبرز معالمها، هذا إلى جانب مسبح باموكالي العتيق المعروف أيضًا باسم مسبح كليوباترا، حيث يُعتقد أن الملكة المصرية كليوباترا سبحت فيه ذات مرة.
وبالنسبة لأولئك الذين يفضلون البقاء بالقرب من المدينة، فإن رحلة إلى الينابيع الساخنة لشاطئ إيليجا، حيث تظل المياه ضحلة لمسافة 100 متر أو نحو ذلك من الشاطئ، تعتبر أمرًا مثيرًا للاهتمام.
وقال رئيس بلدية تشيشمي، أكرم وهران، لشبكة “سي إن إن”، معربًا عن إعجابه بالأعشاب في سوق ألاتشاتي يوم السبت: “نطلق على هذا المكان اسم جنة على الأرض. ولن تجد شعورًا مخالفًا لذلك بين زائريها”.
المصدر: سي إن إن