ترتبط بعض طقوس الإسلام ارتباطًا مباشرًا بالشؤون الاقتصادية للمجتمع، ويساعد اتباع التعاليم الدينية بنصها الحقيقي وروحها، الأفراد والمجتمعات على تنمية الأعمال والتجارة، جنبًا إلى جنب مع الوفاء بالالتزامات الدينية.
لا يمنع هدف المضحي المتمثل في التقرب إلى الله عز وجل من وجود آثار اقتصادية للأضاحي تمس الأفراد والمجتمعات، من أبرزها زيادة الطلب على الماشية بمختلف أنواعها خلال عيد الأضحى في مختلف دول العالم الإسلامي بوجه عام.
اقتصاد العيد
بخلاف الحديث المطول عن ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام، يرتبط عيد الأضحى بفوائد اجتماعية واقتصادية هائلة للأفراد والعديد من قطاعات الاقتصاد، وتستفيد الصناعات المختلفة بشكل مباشر وغير مباشر، ويحصل ملايين العمال على وظائف ويكسبون أرباحًا في هذه المناسبة، إذ تقدَّر الأموال التي تُنفق في عيد الأضحى بأكثر من 400 مليار دولار من سوق المواد الغذائية الحلال في جميع أنحاء العالم.
يحرك عيد الأضحى بتكاليفه المتعددة من أضحية وملابس ومستلزمات أخرى، العديد من الأسواق العربية، وينعش مهنًا مؤقتة تدوم أيامًا أو أسابيع، فالكل يرغب في شراء الملابس الجديدة لأفراد أسرته، ويعتبر التجار العيد فرصة لبيع بضائعهم، حيث يزداد الإقبال، إلا أن ميزانية الأسر العربية تشكو من الضغوط عليها والخيارات محدودة.
يولد القيام بشعائر العيد فرصًا اقتصادية لكثير من الأعمال التي باستطاعتها تطوير الخدمات المرتبطة بهذه الشعيرة في العالم الإسلامي وتطوير أساليب القيام بها والاستفادة منها بدرجة أكبر
بخلاف أضحية العيد، شهدت أسعار الملابس هي الأخرى زيادة كبيرة مع اقتراب عيد الأضحى، فقد ناهز ثمن ملابس الأطفال في مصر نحو 900 جنيه (50 دولارًا)، وأنفق المصريون بحسب ما تشير التوقعات 134.6 مليار جنيه على الملابس والأحذية هذا العام، وبلغ حجم استيراد الأردن من الألبسة والأحذية 80 مليون دينار حتى نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي.
ورفعت مستلزمات العيد معدل الإنفاق في الأسر الفلسطينية بنسبة 30%، أما إنفاق الأسر الخليجية فيرتفع في موسم عيد الأضحى بنسب تتراوح بين 50% إلى 80%، أما في السوادن فيغادر نحو 3 ملايين شخص العاصمة الخرطوم لقضاء عطلة العيد في الولايات الأخرى، وتحمل كل هذه الأنشطة نوعًا من النمو الاقتصادي.
وكما تنتعش أسواق الملابس الجاهزة في العالم العربي، تنتعش عدد من المهن الموسمية الأخرى خلال عيد الأضحى، فسوق حياكة الملابس يعيش أزهى فتراته قبيل العيد، حيث يقُبل الناس على حياكة ملابسهم خاصة التقليدية منها.
يستفيد أصحاب المهن من العيد، ويولد القيام بشعائر العيد فرصًا اقتصادية لكثير من الأعمال التي باستطاعتها تطوير الخدمات المرتبطة بهذه الشعيرة في العالم الإسلامي وتطوير أساليب القيام بها والاستفادة منها بدرجة أكبر، على سبيل المثال، قبل حلول العيد، يحل موسم الحلاقين الذين يمنون النفس بازدهار سوقهم، وسط تراجع أصاب المهنة بسبب المنافسة وارتفاع تكاليف المعيشة.
وما إن تطل ليلة العيد حتى ينتعش سوق الملاهي في العالم العربي، إذ تفتح محال الألعاب أبوابها باكرًا لاستقبال زوار العيد خاصة الأطفال، ويعتبر أصحاب مدن الملاهي موسم العيد ذروة عملهم خلال العام، ويستعدون له باكرًا.
بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، هناك أيضًا فوائد اجتماعية في عيد الأضحى، ففي البلدان الفقيرة، يمكن للأشخاص الذين يعانون من فقر شديد وسوء التغذية ولا يستطيعون تناول اللحوم طوال العام، الاستمتاع بهذه البركة في عيد الأضحى، إذ تُقسم الأضحية إلى 3 أجزاء: ثلث للفقراء والمحتاجين، وثلث آخر للأقارب والأصدقاء والجيران، وتحتفظ الأسرة بالثلث المتبقي.
اقتصاد الحج
الحج والأضحية لهما تأثير اقتصادي واسع ويحفزان الأنشطة الاقتصادية الضخمة ويساعدان الأفراد والصناعات على النمو، وخلال ذلك يتم التضحية بملايين الحيوانات، ويتداول المستهلكون ثروة تقدر بمليارات الدولارات، ويحصل العاطلون على عمل والرعاة الفقراء على الأموال والفقراء على الطعام والصناعات على المواد الخام ويزيد الإنتاج وترتفع الصادرات.
يظهر الأثر الأكبر للحج على صعيد قطاع العقارات الذي يستحوذ على نصيب الأسد من الإنفاق على الحج
فالحج ركن من أركان الإسلام ونشاط ديني سنوي، يزور خلاله ملايين المسلمين كل عام مدينتي مكة والمدينة المقدستين، وأحد آثار ذلك توليد نشاط اقتصادي بمليارات الدولارات يفيد وكلاء السفر والمطاعم والمحلات التجارية وصناعة الأغذية وشركات الهاتف وشركات الطيران والنقل البري والجزارين والعمال داخل المملكة وفي البلدان الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى.
يبقى الحجاج في السعودية لعدة أسابيع، ويمثل إنفاقهم دخلًا للعديد من القطاعات، ما يدفع بالنشاط الاقتصادي المستمر في أثناء إقامتهم هناك، وقد ظهر هذا التأثير جليًا خلال العامين الماضيين، حين انخفض نشاط الحج بشكل كبير بسبب الصدمات المزدوجة للتباطؤ الناجم عن فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط.
وتشير دراسة نشرتها جامعة “أم القرى” إلى أن الحج يترك آثارًا كبيرةً على صعيد الإنفاق الكلي، ويظهر الأثر الأكبر للحج على صعيد قطاع العقارات الذي يستحوذ على نصيب الأسد من الإنفاق على الحج، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن ما ينفق على قطاع الإسكان يستحوذ على 30-40% من إجمالي ميزانية الحاج، وهو ما انعكس مؤخرًا على نشاط القطاع العقاري بمدينة مكة المكرمة.
وبالمثل، تجذب العمرة التي يتم أداؤها في أي وقت من السنة ملايين الحجاج، وتدر أيضًا مليارات الدولارات للاقتصاد السعودي والاقتصادات الإسلامية الأخرى، وبناءً على ذلك، فإن كل القطاعات التي لها علاقة بأداء العمرة في البلدان الإسلامية، تجني مليارات الدولارات على مدار العام، في حين يتوقع أن تصل إيرادات السعودية من الحج والعمرة أكثر من 50 مليار ريال عام 2030 مع زيارة أكثر من 12 مليون حاج ومعتمر للمملكة.
اقتصاد الأضاحي
الجزء الثاني من اقتصاد العيد يخص الأضاحي التي توفر العديد من الفرص الاقتصادية على جميع المستويات، فمن ناحية، هناك تأثير مباشر على ملايين الفقراء من خلال توفير اللحوم، ومن ناحية أخرى، يتم إنشاء أنشطة اقتصادية ضخمة في العديد من الصناعات على مدار العام بشكل عام وفي عيد الأضحى بشكل خاص.
يقدر إجمالي عدد الأضاحي في العالم بنحو 82.5 مليون، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عالميًا بما يقارب 15 مليون أضحية، تليها إندونيسيا بنحو 10.9 مليون أضحية، وباكستان في المرتبة الثالثة عالميًا بنحو 10.4 مليون أضحية، ويقدَّر عائد التضحية بالحيوانات في باكستان بأكثر من 500 مليار روبية، وبعد النظر في الصناعات الأخرى، سيكون هذا المبلغ أعلى من ذلك بكثير.
يجادل بعض الناس بأن التضحية بملايين الحيوانات ليست فعلًا مفيدًا، وذهبوا إلى أنه بدلًا من التضحية بالحيوان يجب توزيع القيمة المتساوية نقدًا على الفقراء المحتاجين، ومع ذلك، فإن تجربة ونتائج بعض الدراسات تثبت أن وجهة النظر هذه غير منطقية وغير مناسبة.
إلى جانب الاستشهاد بالأوامر الدينية لإثبات الأساس الديني والجوانب الاقتصادية، وجدت الدراسات أن تأثير توزيع الأموال على الفقراء منخفض للغاية مقارنة بالأضحية، وهناك تأثير اقتصادي أكبر بكثير يعود على ممارسة هذا الالتزام الديني بما في ذلك التسبب في تداول أوسع للثروة في المجتمع وتوفير حوافز لتربية الحيوانات وتحييد الضغط على الأعلاف وتوفير المدخلات الأساسية لصناعة الجلود وتقدير الاهتمام بالجودة وتحقيق التوازن في النظام البيئي.
بدروه، يشتري البنك الإسلامي للتنمية عبر مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي (أضاحي) خلال موسم الحج هذا العام أكثر من مليون رأس من الماشية سنويًا، ويتم استيرادها من الخارج، لكنها لا تؤثر كثيرًا على السوق السعودي، ويستهدف المشروع الارتفاع بعدد الذبائح خلال فترة الذبح الشرعي إلى 5 ملايين رأس بحلول 2030.
وتوفّر مؤسسة البريد السعودي عبر مكاتبها خدمة “وكّلنا وتوكل” إلكترونيًا للتسهيل على الحجاج بتحصيل المبالغ التي يدفعها الحاج مقابل الهدي أو الأضحية، مقابل 450 ريالًا للسند الواحد، ويعمل في هذا المشروع، وذلك بالتعاون مع مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي، الذي أنشئ عام 1983، 40 ألفًا من الكوادر المتخصصة والمتخصصين الشرعيين والأطباء البيطريين لضمان التنفيذ وفقًا للأحكام الشرعية.
يؤدي المشروع نسك الهدي والفدية والأضاحي وكذلك الصدقة والعقيقة والوصية نيابة عن المسلمين، ويقوم البنك الإسلامي للتنمية بدوره بعملية الذبح، وتوزيع لحومها على الحجاج وفقراء الحرم، ومنح الجمعيات الخيرية داخل المملكة عدد من الاضاحي تقارب 600 ألف أضحية، ونقل الفائض إلى المستحقين من الفقراء والمحتاجين في 25 دولة عربية وإسلامية.
عوائد اقتصادية
تبرز الأهمية الاقتصادية لعيد الأضحى في إعادة التوازن بين المناطق الحضرية والريفية وتوزيع الثروة بينهما بحيث لا تقتصر هذه المناسبة على مجرد أداء شعيرة دينية بل تتعداها لتكون فرصة للإنقاذ الاقتصادي لفئات عريضة من المجتمع.
تشكل أسواق الماشية قطب الرحى في العلاقة بين مربيي الماشية والمستهلكين في الدول العربية والإسلامية خلال فترة عيد الأضحى، حيث تعتمد غالبية الأسر على شراء الأضاحي من الأسواق العامة المؤقتة التي تنشئها الهيئات المعنية لتعزيز البنية التحتية، ففي المغرب، أنشات وزارة الفلاحة والصيد البحري 30 سوقًا مؤقتًا مخصصًا لبيع الماشية في العيد بمختلف مناطق المملكة.
يولِّد الطلب المتزايد على الماشية في هذه المناسبة الكثير من الفرص الاقتصادية في المناطق الريفية، حيث تعتبر الثروة الحيوانية مصدرًا رئيسيًا للدخل لسكان المناطق الريفية.
لهذه الممارسة أيضًا آثار اقتصادية شاملة على الفلاحين ومربيي الماشية والتجَّار الذين تشكل تربية الماشية دخلهم الأساسي في الاقتصاد الريفي خاصة في المناطق الريفية والرعوية، ويعتبر آخرون عيد الأضحى فرصةً لتحسين دخلهم، حيث يعتمد عدد كبير من الأسر والأفراد محدودي الدخل على إيرادات تربية وتجارة الماشية، ففي تونس يعمل في قطاع تربية الماشية نحو 270 ألف شخص، يمثّل عيد الأضحى بالنسبة إليهم، المناسبة الأهم على الإطلاق.
وفي المغرب، قدرت إحصاءات وزارة الفلاحة والصيد البحري أن يبلغ حجم المعاملات 11 مليار درهم، سيتم تحويل معظمها إلى المناطق القروية والريفية، ما يمكن الفلاحين من تغطية التكاليف السنوية للأنشطة الزراعية والحيوانية وتنشيط الحركة الاقتصادية في المناطق التي تتعرض لموجات جفاف متكررة.
وفي باكستان، يُقَّدر إجمالي الأضاحي في العيد بأكثر من 8 ملايين رأس، تبلغ القيمة الإجمالية لها بسعر السوق السائد 80 مليار روبية، ما يعني ضمنًا إجمالي مبلغ قدره 70 مليار روبية للاقتصاد الريفي ونحو 10 مليارات روبية كقيمة للمنتجات الناتجة عن الوفاء بهذا الالتزام.
تجارة موسمية مربحة
أما الأثر الآخر فيتعلق بقطاع الثروة الحيوانية، حيث تصل تجارة الحيوانات في عيد الأضحى إلى ذروتها، ويولِّد الطلب المتزايد على الماشية في هذه المناسبة الكثير من الفرص الاقتصادية في المناطق الريفية، فتعتبر الثروة الحيوانية مصدرًا رئيسيًا للدخل لسكان المناطق الريفية.
في باكستان، على سبيل المثال، يمثل قطاع الثروة الحيوانية نحو 61% من إجمالي النشاط الزراعي و11% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ عائدات النقد الأجنبي منها ما يقارب 3.1% من إجمالي عائدات الصادرات، وهي مصدر 35-40% من الدخل لأكثر من 8 ملايين أسرة ريفية، ما يوفر لهم الأمن الغذائي، لا سيما في المناطق الصحراوية مثل جولستان وطهار ومناطق مختلفة من إقليم بلوشستان.
نما قطاع الثروة الحيوانية في باكستان، وسجلت تربية الماشية والأغنام والماعز على وجه الخصوص نموًا هائلًا على مدار العقدين الماضيين، فقد ارتفع عدد الحيوانات من 49 مليونًا إلى نحو 78 مليونًا في 2020.
على مدى السنوات القليلة الماضية، تجاوزت حصة قطاع الثروة الحيوانية في الناتج المحلي الإجمالي لباكستان حصة قطاع المحاصيل، ما يشير إلى تحول نحو الثروة الحيوانية وانخفاض في قطاع المحاصيل، وهذا يشير إلى وجود إمكانات كبيرة للنمو في قطاع الثروة الحيوانية.
تربية كل هذه الحيوانات مفيدة ومصدر للتخفيف من حدة الفقر، وبالتالي، فإن عيد الأضحى له تأثير مضاعف على الاقتصاد، فهو يفيد صناعات مثل الجلود والثروة الحيوانية والنقل والزراعة والدباغة والأحذية والملابس والقفازات والأحذية بشكل مباشر وغير مباشر.
تعتبر صناعة الجلود من المستفيدين الرئيسيين من عيد الأضحى لكثرة الأضاحي، حيث تستقبل معظم المواد الخام بهذه المناسبة وتكسب النقد الأجنبي للبلاد من خلال تصدير الملابس الجلدية والقفازات والجلود المدبوغة والأحذية، وتعتبر باكستان مركزًا لإنتاج الجلود والمنتجات الجلدية عالية الجودة، مع ما يقرب من 800 مدبغة تعمل في إنتاج جلود الأبقار والجاموس والأغنام والماعز.
وفي مصر، يوفر العدد الكبير من رؤوس الماشية والأغنام كميات كبيرة من الجلود التي تُستخدم في مختلف أشكال الصناعات الجلدية بعد معالجتها في المدابغ، وتقدِّر غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية أن ما يتم توريده إلى المدابغ خلال فترة العيد يزيد على مليون قطعة من الجلد تتنوع بين الجلود البقري والجاموسي وجلود الخراف.
كذلك يمثل موسم العيد فرصةً للكثير من الشباب لمزاولة نشاط تجاري موسمي في العديد من المدن العربية، حيث يعمل الكثيرون في الترويج للسلع المرتبطة بعيد الأضحى ابتداءً من مستلزمات ذبح الأضحية وصولًا إلى السلع المستوردة مثل أدوات تسوية اللحوم وحتى تجارة الفحم والأعلاف.