وسط محلّه الصغير في شارع فرنسا بمحافظة بن عروس التونسية، يقدّم العم طاهر طبق الكفتاجي لزبائنه، مردّدًا مقولته الشهيرة: “إذا لم تشبع، فاطلب الزيادة مجّانًا”.
العمّ طاهر الملقّب بـ”ملك الكفتاجي” في منطقته، اشتهر منذ عشرات السنين، منذ كان عاملًا بأحد أشهر المحلّات في قلب العاصمة تونس، بتحضير وتقديم الكفتاجي التونسي الأصيل، ليصبح واحدًا من أعلام هذه الأكلة الشعبية في تونس.
والكفتاجي هو طبق تونسي تقليدي، اشتهرت محلّات مخصصة بالعاصمة في تحضيره وتقديمه بطرق متعدّدة، ويتكوّن أساسًا من الطماطم والقرع الأحمر (اليقطين) والفلفل والبيض.
تختلف طريقة تحضير الكفتاجي ومكوّناته بين محافظة القيروان والمحافظات الأخرى، حيث يستخدم القيروانيون الفلفل والطماطم والبيض، بينما يشتهر الكفتاجي العاصميّ بإضافة القرع (اليقطين) ليضفي على الطبق حلاوة ونكهة فريدة من نوعها.
سرّ الشهرة
يقول العم الطاهر في حديثه لـ”نون بوست” إن السرّ وراء شهرته الواسعة يكمن أساسًا في جودة المواد التي يقوم بشرائها دوريًّا لتحضير هذا الطبق، مضيفًا أن كثيرين غيره يغيّرون بعض المكونات في بعض الأوقات بسبب غلاء سعرها.
مراد، زبون دائم يتردّد على المطعم منذ سنوات، يقول إن “الكفتاجي عند عمّ الطاهر لا يضاهيه كفتاجي آخر، بفضل جودة مكوّناته ونظافة المحلّ والصنعة الكبيرة التي يتميّز بها العاملون به”.
ويضيف في حديثه لـ”نون بوست” قائلًا: “أنا زبون دائم منذ نحو 3 سنوات، ولقد اخترت هذا المطعم دون غيره لمحافظته على النكهة والطعم نفسهما، دون أن ننسى الكرم الذي يتميّز به صاحب المحل، فالجميع يخرج شبعان”.
طبق الفقراء والأغنياء
ورغم بساطة هذه الأكلة، إلا أن شعبيتها في تونس تزداد يومًا بعد يوم، فهي وجبة الفقراء والأغنياء التي يحرصون على تناولها في أوقات متفاوتة، بالنظر إلى رخص سعرها، واحتوائها على سعرات حرارية عالية، وأيضًا نسبة عالية من الفيتامينات بفضل مكوّناتها المتناسقة من الفلفل والطماطم والبيض.
ولا يُعرف تحديدًا أصل طبق الكفتاجي، لكن تذكر مصادر أن أصله تركي، فكلمتا “كفتة” و”كفتاجي” دخلتا اللهجة التونسية عن طريق الإمبراطورية العثمانية التي أخذتها بدورها عن اللغة الفارسية.
ورغم أن طبق الكفتاجي يعدّ من بين أشهر أكلات الشوارع في تونس، إلا أن متخصصين في مجال الطبخ وطهاة يرون أن هذا الطبق يعدّ من أصناف المقبّلات وليس طبقًا رئيسيًّا متكاملًا، حيث يقدّم الكفتاجي مع البطاطا المقلية والفلفل المقلي والخبز.
وتقدّم المطاعم التونسية في مجملها طبق الكفتاجي دون أي لحوم إضافية، لكن مطاعم أخرى اختارت إضافة مكوّنات على غرار الكبدة والمرقاز (السجق)، ليكون بذلك وجبة متكاملة بفضل احتوائها على اللحوم والخضروات.
بساطة المكوّنات
ورغم بساطة مكوّنات طبق الكفتاجي، إلا أن عددًا محدودًا من المطاعم برعَ في تحضيره وتقديمه بالطريقة المثلى، حتى أن بعض التونسيين يقطعون عشرات الكيلومترات لزيارة محلّات مخصصة دون غيرها لتناول هذا الطبق.
وفي وسط العاصمة تونس يتواجد محلّ “كفتاجي الجنوب” المعروف بتقديم طبق الكفتاجي منذ عام 1931 أبًّا عن جد، ما جعله مقصدًا لمئات التونسيين يوميًّا.
وبحسب صاحب المحل، فإن بدايتهم مع هذا الطبق انطلقت عام 1931، حيث تخصص جدّه في تحضير وتقديم الكفتاجي دون غيره من الأكلات الأخرى، ليحافظ الآباء والأحفاد على هذه المهنة المتوارثة بطريقة التحضير نفسها والمكوّنات نفسها.
وبخصوص طريقة التحضير، يتمّ قلي الطماطم والفلفل واليقطين والبيض ثم قصّها في وعاء، ويتمّ إضافة بعض البهارات وزيت الزيتون والبقدونس والبصل والزيتون حسب رغبة الزبون.
ويختلف طبق الكفتاجي عن الأكلات التونسية الشعبية الأخرى في طريقة تحضيره ومكوّناته، على غرار الصحن التونسي واللبلابي، لكنّ استهلاكه لا يعرف فصلًا محددًا على غرار طبق اللبلابي الذي يعرفُ إقبالًا كبيرًا من التونسيين عند برودة الطقس.
ارتفاع الأسعار
ورغم أن طبق الكفتاجي يعتبر أكلة رخيصة وفي متناول الجميع، إلا أن سعره عرف خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعًا بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية، على غرار الفلفل والطماطم واليقطين والزيت.
وفي هذا السياق، يقول صليح، صاحب مطعم متخصص في الكفتاجي، إن ارتفاع أسعار الزيت ساهمت في ارتفاع تكاليف هذه الأكلة، فلا يخفى على زبائننا أن مكوّنات الكفتاجي جميعها يتمّ قليها في الزيت، قبل قصّها وتقديمها لهم.
ويضيف صليح في حديثه لـ”نون بوست” أن سعر الكفتاجي في مطعمه يبلغ 4 دنانير للصحن و3 دنانير للساندويتش، وهو سعر يعتبر في متناول الجميع، خاصة أن أكلات أخرى لا تحتوي على القيمة الغذائية نفسها للكفتاجي تُباع بأضعاف سعره.
وبحسب بحث ميداني حول المستهلك التونسي وجودة خدمات المطاعم، أجراه المعهد الوطني للاستهلاك على عينة من 700 شخص في إقليم تونس الكبرى، فإن 44% من العينة المستجوبة تُقبل على تناول الطعام خارج المنزل 6 مرات في الأسبوع، وبنِسَب متقاربة بين الذكور والإناث.