ترجمة وتحرير: نون بوست
تسعى الهند من خلال تحسين العلاقات مع طالبان إلى الحد من المخاطر الأمنية وموازنة نفوذ باكستان وتحسين الفرص الاقتصادية في أفغانستان. لكن من المرجح أن لا تحقق هذه الاستراتيجية سوى نتائج متواضعة بسبب البيئة الاقتصادية والأمنية الهشة في أفغانستان، فضلاً عن الاختلافات الأيديولوجية والثقافية الدائمة بين نيودلهي وطالبان.
لأول مرة منذ سيطرة طالبان على البلاد السنة الماضية، زار مسؤولون هنود كابول في 6 حزيران/ يونيو في وفد برئاسة السكرتير المشرف على الشؤون الخارجية للهند مع باكستان وأفغانستان وإيران جي بي سينغ لمناقشة تسليم المساعدات الإنسانية مع قادة طالبان. ومنذ استيلاء طالبان على السلطة في آب/ أغسطس 2021 وباستثناء إرسال مثل هذه المساعدات والاتصال غير المباشر بأفغانستان من خلال دول ثالثة، لم تقم نيودلهي بإجراء أي حوار رسمي مع كابول.
تعكس الزيارة الدبلوماسية الأخيرة سياسة الهند الجديدة في التعامل مع حكومة طالبان في أفغانستان، وذلك بالنظر إلى الحقائق الجيوسياسية الجديدة في المنطقة حاليا، فيما يتعلق باستعداد الجماعة الإسلامية المدعومة من باكستان للاحتفاظ بالسيطرة على الدولة غير الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية في المستقبل المنظور.
أرسلت الهند 20 ألف طن من القمح و13 طنًا من الأدوية و500 ألف جرعة من لقاح كوفيد-19 منذ آب/أغسطس 2021 في شكل مساعدات إنسانية إلى كابول نُقلت برًا عبر باكستان.
في أعقاب الزلزال الذي ضرب كابول في 21 حزيران/ يونيو، كانت الهند أول الدول التي أرسلت مساعدات لأفغانستان. كما أرسلت نيودلهي، وفقًا للتقارير الأخيرة، فريقًا تقنيًا إلى كابول للنظر في إعادة فتح السفارة الهندية في المدينة بعد إغلاقها في آب/ أغسطس 2021.
ترتبط محاولات الهند لإعادة العلاقات مع أفغانستان بمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. ومع استيلاء طالبان في آب/ أغسطس 2021 على السلطة، فقدت الهند النفوذ السياسي والدبلوماسي المحدود الذي كانت تتمتع به في أفغانستان لأنها لم تعزز أبدًا علاقة رسمية مع طالبان. ومع ذلك، يظل الحفاظ على موطئ قدم في أفغانستان ضروريا بالنسبة للهند لمواجهة باكستان ونفوذها في أفغانستان.
تهدد العلاقة الوثيقة بين باكستان وطالبان المصالح الهندية في المنطقة لأنها تمنح باكستان عمقًا استراتيجيًا وأمنيًا ضد الهند، ومن شأن استمرار الغياب الهندي في أفغانستان أن يسمح لباكستان بتعزيز دورها على حساب الهند في المنطقة. ولعل هذا ما يجعل الهند مهتمة بزيادة وجودها في أفغانستان لموازنة النفوذ الباكستاني، الأمر الذي يشكل خطرًا أمنيًا على الهند على المدى الطويل.
كما أن قرار الهند قطع العلاقات مع أفغانستان بسبب المخاوف الأمنية في سنة 2021 فتح الباب أمام لاعبين إقليميين آخرين مثل الصين وروسيا وإيران (وكذلك بعض دول الخليج العربي) للانخراط مع طالبان، وبذلك تراجع نفوذ نيودلهي أكثر في المنطقة. ومن جانبها، اهتمت طالبان بتحسين علاقاتها مع الهند وهي تسعى لإنشاء حكومة مستقرة مع شركاء اقتصاديين أجانب مهمين أملا في الحصول على اعتراف دولي.
لعبت الهند دور تقليديا ثانويا في أفغانستان: ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دعمت لوجستيًا التحالف الشمالي ضد طالبان دون التورط بشكل مباشر في الصراع. ثم اتخذ وجود الهند في أفغانستان في ظل الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة شكل مساعدات تنموية للبلاد.
رغم تأكيدات طالبان أن الهنود لن يتعرضوا على أراضيها للأذى، قامت الهند بإجلاء موظفي سفارتها في كابول في آب/ أغسطس 2021. وقد أغلقت القنصليات الهندية في أفغانستان أبوابها حتى قبل استيلاء طالبان على السلطة. وعلى النقيض من ذلك، لم تغلق الصين وباكستان سفارتيهما في كابول وواصلتا التواصل الدبلوماسي مع الحكومة التي تقودها طالبان.
حدد تقرير للأمم المتحدة صدر في أيار/ مايو 2022 وجود معسكرات تدريب لشكر طيبة وجيش محمد.
في 2 حزيران/ يونيو، أشار وزير دفاع الحكومة الأفغانية بالوكالة وابن مؤسس حركة طالبان الملا يعقوب إلى مدى استعداد كابول للعمل مع الهند وحتى إرسال قوات دفاع أفغانية إلى الهند للتدريب.
من خلال المساعدات الإنسانية والتمويل التنموي، ستحاول الهند الحصول على موطئ قدم في أفغانستان. وفي خطوة أولى نحو العمل مع طالبان، من المرجح أن تعيد الهند فتح سفارتها في كابول مع تقليل عدد الموظفين والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تواصل نيودلهي إرسال المساعدات الغذائية والطبية في الأشهر المقبلة بعد الزلزال الذي ضرب كابول وسط الوضع الاقتصادي الكئيب في أفغانستان.
في محاولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، من المنتظر أن تسمح الهند باستيراد الفواكه الجافة الأفغانية إلى جانب بعض المنتجات الزراعية والبستانية، واستئناف النقل الجوي من وإلى أفغانستان. ومن أجل مساعدة طالبان على بناء اقتصاد مستدام، من المرجح أن تستأنف الهند مشاريع البنية التحتية الصغيرة في أفغانستان أيضًا التي تشمل بناء طرق جديدة وعيادات رعاية صحية وشبكات توزيع الطاقة.
يمكن لمشروع خط أنابيب تركمانستان – أفغانستان – باكستان – الهند (تابي) تيسير الحوار الدبلوماسي والاقتصادي بين أفغانستان والهند في السنوات القادمة. وعند الانتهاء، سيقوم الخط بتوريد الغاز من تركمانستان الغنية بالموارد إلى باكستان والهند عبر أفغانستان. ولا يزال تنفيذ خط الأنابيب، الذي كان من المقرر أن يبدأ تشغيله بحلول سنة 2019، يواجه قيودًا أمنية ولوجستية كبيرة. ولكن يمكن لهذا الخط أن يساعد الهند في النهاية على تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة من خلال منحها إمكانية وصول مباشرة إلى الغاز التركماني. كما يمكنه أن يوفر لنيودلهي فرصة عظيمة للدخول في شراكة مع كابول وتعميق مشاركتها في تطوير البنية التحتية في أفغانستان.
من شأن تحسين العلاقات مع الحكومة الأفغانية التي تقودها طالبان في كابول أن يُمكّن الهند من الحصول على المعادن مثل النحاس والفحم وخام الحديد من أفغانستان عبر ممر النقل الدولي الجديد بين الشمال والجنوب. وقد بدأ الطريق التجاري – الذي يمتد من روسيا عبر إيران إلى الهند – العمل الشهر الماضي بأول شحنة. ويشكل طريق زارانج-ديلارام السريع الذي بنته الهند في أفغانستان عقدة مهمة لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب من خلال ربط منطقة ديلارام الأفغانية بالحدود الإيرانية.
يمكن أن يؤدي تزايد نشاط المسلحين والهجمات التي تشنها جماعة جيش محمد ولشكر طيبة، اللتين تربطهما صلة بطالبان، إلى مزيد تهديد أمن الهند تزامنا مع توتر علاقات نيودلهي مع كابول.
بالنظر إلى علاقات إيران الودية بالفعل مع حكومة طالبان في أفغانستان، يمكن لطهران ونيودلهي أيضًا عرض استخدام ميناء تشابهار الذي طورته الهند في إيران لتسهيل الصادرات الأفغانية على المدى الطويل.
إن زيادة التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع طالبان سيساعد الهند على تخفيف التهديدات الأمنية الصادرة من أفغانستان، التي تشمل الجماعات الإرهابية مثل القاعدة التي تتخذ من أفغانستان مقراً لها، إلى جانب الجماعات المسلحة المدعومة من باكستان مثل جيش محمد ولشكر طيبة التي يُقال إنها موجودة أيضا في أفغانستان. كما أن الحدود الشاسعة والجبلية وغير الخاضعة للسيطرة الكافية بين أفغانستان وباكستان تجعل مراقبة أنشطة هذه الجماعات أمرا صعبا جدا، الأمر الذي يخلق تهديدًا إرهابيًا دائمًا للهند.
مع ذلك، يمكن للشراكة مع طالبان أن تساعد نيودلهي في التخفيف من بعض هذه المخاوف من خلال تمكين الهند من الاستفادة من التعاون الدبلوماسي وكذلك الاقتصادي (مثل زيادة التجارة والمساعدات الإنسانية ومشاريع البنية التحتية) للضغط على طالبان لكبح جماح الجماعات المسلحة.
حدد تقرير للأمم المتحدة صدر في أيار/ مايو 2022 وجود معسكرات تدريب لشكر طيبة وجيش محمد.
في نهاية المطاف، من المحتمل أن تحد أيديولوجية طالبان المتطرفة وعلاقاتها مع الجماعات المسلحة والعلاقات الوثيقة مع خصوم الهند الإقليميين من فعالية استراتيجية التقارب التي ترمي إليها نيودلهي. كما أن علاقة طالبان الوثيقة تاريخياً مع باكستان المجاورة للهند، فضلاً عن أوجه التشابه الثقافي الشاملة بين أفغانستان وباكستان، ستقلص من نطاق التعاون الهندي الأفغاني المأمول.
من المرجح أن تسير حركة طالبان بحذر في استعادة العلاقات مع نيودلهي، بالنظر إلى مواقف الهند السابقة المناهضة لطالبان ودعمها للحكومة الأفغانية السابقة التي انهارت في آب/ أغسطس 2021. وتستطيع الصين، المنافس الاستراتيجي الآخر للهند في المنطقة، أن تؤثر في أفغانستان – مما يخلق عاملا آخر قد يمنع طالبان من تفضيل الهند لا سيما في الصفقات الاقتصادية المستقبلية. كما أن قرارات حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القومية الهندوسية والسياسات التمييزية ضد المسلمين تزيد من احتمال حدوث خلافات دبلوماسية مع الإسلاميين المتطرفين المسؤولين حاليًا عن الحكومة الأفغانية التي تقودها طالبان.
وأخيرًا، يمكن أن يؤدي تزايد نشاط المسلحين والهجمات التي تشنها جماعة جيش محمد ولشكر طيبة، اللتين تربطهما صلة بطالبان، إلى مزيد تهديد أمن الهند تزامنا مع توتر علاقات نيودلهي مع كابول.
المصدر: وورلد فيو ستراتفور