ترجمة وتحرير: نون بوست
أمضت الجزائر 132 عامًا تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، وهي الفترة التي خاض خلالها الجزائريون وبعض الأوروبيين الداعمين لهم معركة متعددة الجوانب ضد المستعمرين. وفي حين أن الجانب العسكري للنضال من أجل الاستقلال المتجسد في نضالات المقاتلين مثل الشيخ بوعمامة وزُهرة ظريف هو أكثر ما يحظى بالاهتمام، فإن موضوعات المقاومة أثّرت أيضًا على الفنون وخاصة الأدب.
ساعد شعراء مثل مفدي زكريا، مؤلف النشيد الوطني الجزائري “قسماً”، في تحديد الطبيعة الثورية للإنتاج الثقافي للدولة الوليدة. لكن أكثر من قرن من الاستعمار ترك بصماته على الجزائر، حيث تستمر النقاشات حول الدور الذي يجب أن تلعبه لغة المحتل في أدب الدولة بعد الاستقلال.
لا تزال اللغة الفرنسية مستخدمة على نطاق واسع في الأدب الجزائري، وهي حقيقة معقدة بسبب العدد الكبير من المهاجرين الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا والذين أصبحت اللغة الفرنسية بالنسبة لهم محل اللغة العربية أو الأمازيغية باعتبارها اللغة العامية الرئيسية في الحياة اليومية.
لكن العديد من المؤلفين المعاصرين مثل أمل مستغانمي والراحل عبد الحميد بن حدوجة والطاهر وطار يقفون مناصرين شرسين للغة العربية. أما الأمازيغية، وهي لغة الشعب الأمازيغي الجزائري، لم تنتشر مثل الفرنسية أو العربية في كل مكان، لكنها بدأت تثبت وجودها شيئًا فشيئًا.
وبغض النظر عن مثل هذه النقاشات، فإنه بالنسبة للقراء الناطقين بالإنجليزية، فإن الأدب الجزائري لا يزال شحيحاً مع عدد محدود فقط من الأعمال المتاحة باللغة الإنجليزية. وفيما يلي، ينصح موقع ميدل إيست آي بخمسة كتب متوفرة باللغة الإنجليزية لتكون بمثابة مقدمة للأدب الجزائري:
1. “داخل معركة الجزائر: مذكرات امرأة مناضلة” تأليف زُهرة ظريف
ربما لا يوجد عمل يروي نضال الجزائر من أجل الاستقلال الذي دام ثماني سنوات أكثر شهرة من فيلم “معركة الجزائر” للمخرج جيلو بونتيكورفو الصادر في سنة 1962. وهو مقتبس من مذكرات ياسف السعدي الصادرة في نفس السنة تحت عنوان “ذكريات من معركة الجزائر”.
ومثل الاقتباس من عنوان هذين العملين السابقين عنوان المذكرات الأخيرة لمقاتلة المقاومة زُهرة ظريف، التي ترجمها أندرو جي فاراند إلى الإنجليزية.
مع وفاة رفيقتها سامية لخضري سنة 2012 التي قاتلت إلى جانبها ضد المستعمرين الفرنسيين، أدركت زُهرة أنها لم تفقد صديقةً عزيزةً فقط أو صديقةً كانت تعتبرها أختًا، وإنما فقدت أيضًا شخصية مهمة في التاريخ الجزائري؛ قلة من الجزائريين يعرفونها اليوم.
بدافع الحاجة إلى الحفاظ على ذكرى نضال بلادها، لا سيما من منظور النساء الجزائريات، قررت زُهرة أن توْدع تجاربها على الورق بنشر مذكراتها سنة 2017.
تستحضر مذكراتها خلال فترة وجودها في جيش التحرير الوطني الطرق التي استخدمت بها المرأة الجزائرية أنوثتها للمساعدة في قضية التحرير، وتحويل الزغاريد التقليدية للمرأة العربية والأمازيغية إلى صرخة محارب لبث الرعب في قلوب المحتلين الفرنسيين.
تنقل زُهرة القارئ إلى القصبة وقلب المقاومة وتقدم سرداً ثميناً للدور الذي لعبته المرأة في استقلال الجزائر. ويغطي الكتاب قرار زُهرة المبكر بالانضمام إلى المقاومة وارتقاءها في صفوف جبهة التحرير الوطني ودورها في تفجير ميلك بار الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وفي سنة 1957، اعتقلت السلطات الفرنسية زُهرة مع ياسف سعدي، وحكمت عليها بالسجن 20 سنةً لكن تم إطلاق سراحها سنة 1962 بعد انتهاء الحرب.
2. “الجزائر، عاصمة العالم الثالث” تأليف إيلين مختفي
ولدت إيلين كلاين لعائلة يهودية علمانية في لونغ آيلاند بنيويورك، واستمرت إيلين في تصوير انتقال الجزائر من أرض استعمارية فرنسية إلى عاصمة العالم الثالث المقاوم ضد الإمبريالية الأوروبية. تصور مذكراتها التي نشرتها سنة 2018 تحت عنوان الجزائر، عاصمة العالم الثالث، تاريخ الجزائر بعد الاستقلال مباشرة.
أمضت إيلين هناك 12 سنة تعمل كصحافية، لكن أولى خطواتها مع حركة الاستقلال لم تكن في شمال إفريقيا بل في باريس، التي انتقلت إليها سنة 1951. وفي عيد العمال سنة 1952، التقت الأمريكية بعمال جزائريين مطرودين من مسيرة نقابية فرنسية، السبب الذي جعلها تعترف بـ “كذبة” الشعار الوطني الفرنسي “الحرية والمساواة والأخوة”.
منذ ذلك الحين، أصبحت إيلين مدافعةً عن حرية الجزائر وأصبحت قريبةً من فيلسوف ما بعد الاستعمار فرانتس فانون، الذي توفي لاحقًا متأثرًا بجروح أصيب بها وهو يقاتل الفرنسيين في شمال إفريقيا.
تذكر مذكراتها بالتفصيل انتقالها من نيويورك إلى باريس ثم إلى الجزائر، لكن قصتها تأتي وسط خلفية خاصة بالجزائر. وتذكر مثلا مهرجان عموم إفريقيا الذي أُقيم في الجزائر سنة 1969، وهو مؤتمر في العاصمة الجزائرية يجمع شخصيات مناهضة للعنصرية ومعادية للاستعمار من جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وحتى الولايات المتحدة. وكان من بين الحضور البارزين إلدريدج كليفرو وستوكلي كارمايكل من حزب النمور السود.
إن دور إيلين كصحفية وقدرتها على التحدث باللغتين الإنجليزية والفرنسية سمح لها بأن تكون شاهدة على وقائع تاريخية من منظور فريد: دور امرأة أمريكية بيضاء، أحيانًا في قلب الحدث وأحيانًا خارجه، ولكن دائمًا متفرجة.
في سنة 1991، تزوجت إيلين مختفي من مختار مختفي، وهو من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ومؤلف كتاب “كنت مسلماً فرنسياً: مذكرات”، الذي ترجمته إيلين بنفسها.
3. “في المقهى” و”التعويذة”، بقلم محمد ديب
يعد محمد ديب من أشهر المؤلفين الجزائريين، حيث نشر 30 رواية ومجموعات من القصص القصيرة والشعر والأدب وقصص الأطفال، قبل وفاته سنة 2003 عن عمر 82 سنة.
ومن أشهر أعماله “الثلاثية الجزائرية” التي تضم كتاب “الدار الكبيرة” الصادر سنة 1952، و”الحريق” الصادر سنة 1954 والنول الصادر سنة 1957. وقد خضعت هذه الثلاثية لبعض التعديلات لتتناسب مع عرض تلفزيوني من بطولة الفنانة الراحلة شافية بودرعة والمغنية بيونة.
كان ديب من أوائل الكتاب الجزائريين الناطقين بالفرنسية الذين ركزوا على نقل رواية واقعية للتجربة الجزائرية، ذلك أن القصص التي تتمحور حول الشخصيات الجزائرية كانت نادرة حتى ذلك الوقت.
نُشر كتاب “في المقهى” سنة 1957 أثناء حرب الاستقلال الجزائرية، وترجم “التعويذة” الذي نُشر سنة 1966 بعد الاستقلال إلى اللغة الإنجليزية من قبل سي ديكسون.
تقدم مجموعتا القصص القصيرة مثالين رائعين على أسلوب الكتابة الفريد لديب، أحدهما يتحول بسلاسة من نهج حقيقي يعالج حقائق الاستعمار إلى أسلوب أكثر غموض يمكن وصفه بالواقعية السحرية. وتمثل كل شخصية من شخصيات ديب جزءًا فريدًا من فسيفساء الحياة الجزائرية المتنوعة.
في إحدى القصص، يقضي رجل عاطل عن العمل أيامه في مقهى لقتل الوقت وتجنب التواجد مع أسرته التي لا يستطيع إعالتها. وتصف أخرى الوعي الاجتماعي الناشئ للفلاحين الجزائريين المضطهدين من قبل المستعمرين الفرنسيين، والصحوة التي تنعكس بشكل غامض في نهوض الأرض نفسها. وتتصدر السياسة طليعة هذه القصص، لكن نهاية العمل يتحول الكاتب أكثر نحو الغموض. ينتهي كتاب “في المقهى” بشخصية تبتعد عن الواقع العقلاني نحو حالة أكثر غموض شبيهة بالحلم، حيث يحاول التواصل مع أسلافه. أما القصص في كتاب “التعويذة” تنغمس في هذا النهج الغامض.
4. “أطفال العالم الجديد” بقلم آسيا جبار
آسيا جبار، الاسم المستعار لفاطمة زهرة إملايين، هي واحدة من أكثر الكاتبات تميزًا في الجزائر التي تُرجمت ثمانية من كتبها على الأقل إلى الإنجليزية. ويعتبر كتاب “أطفال العالم الجديد”، الذي ترجمته مارجولين دي جاغر ونشرته دار فيمينست بريس للنشر، نموذجًا لأسلوبها الذي يركز على الشخصيات النسائية المستمدة من تجارب حياتها الخاصة.
تقدم الرواية الثالثة صورة متغيرة ودقيقة للجزائر الثورية. تدور أحداث الكتاب في مدينة غير مسماة، عُرفت لاحقًا باسم البليدة، “مدينة الورود” الجزائرية، في أيار/ مايو 1956، ويستطلع الكتاب يومًا واحدًا في حياة خمس شخصيات رئيسية أنثوية وأربع شخصيات ذكورية.
كما يوحي عنوان الكتاب وإطاره أثناء حرب الاستقلال الجزائرية، يروي الكتاب قصة شخصيات تسعى وراء واقع جديد يتحررون فيه من المستعمرين الفرنسيين ومن القيود المفروضة على المرأة من قبل كل من المجتمع الاستعماري والجزائري.
تتقاطع قصص الشخصيات مع تلاشي حبكة المتاهة لتكشف عن الانقسامات الموجودة داخل المجتمع الجزائري في ذلك الوقت. يوسف، الزوج الثاني لشخصية شريفة، ينضم إلى مقاومة الفرنسيين، بينما حكيم، ضابط الشرطة، لا يزال مخلصًا للسلطات الاستعمارية.
تركز آسيا جبار بنفس القدر على دور المرأة في حركة الاستقلال. شريفة ترتدي الحجاب لكنها ترفض الأمومة وعليها أن تتحمل نظرات الذكور الجزائرية والفرنسية وهي تشق طريقها إلى وسط المدينة لتحذير يوسف من تهديد يلوح في الأفق. حضر آلاف المعزين، بمن فيهم سياسيون بارزون، جنازة آسيا جبار في مسقط رأسها شرشال بعد وفاتها في سنة 2015.
5. “التكتم” بقلم فايزة جين
تُرجم أحدث روايات فايزة جين بعنوان “التكتم” من قبل سارة أرديزون وتم نشرها من قبل دار “ساكي بوكس” للنشر. وفي حين أن جميع الكتب السابقة للمؤلفة كانت قصصًا تدور أحداثها في الجزائر، فإن أحداث رواية “التكتم” تدور في فرنسا وأبطالها مجموعة من الشخصيات الفرنسية الجزائرية.
تتمحور القصة حول يمينة، وهي جزائرية عاشت نضال الجزائر من أجل الاستقلال وفترة ما بعد الاستقلال، التي عانى خلالها الجزائريون من الفقر المدقع. تتبنى فايزة جين منهج التحول الزمني، حيث تنتقل بين حاضر يمينة في سنة 2019 إلى ماضيها في سنة 1954؛ وهو أداة عرضية لشرح التصرف الحالي للشخصية.
يتعامل الكتاب بشكل أساسي مع قضية الصدمة المستمرة الناتجة عن الاستعمار والتمييز العنصري المرتبط بذلك الذي يواجهه الجزائريون في فرنسا، فضلاً عن الانقسام بين الأجيال في التعامل مع هذه القضايا.
تتزوج يمينة وتنتقل إلى فرنسا مع زوجها، حيث تشعر بأنها غير مرئية ومثل الضيفة. لكن الأمر مختلف بالنسبة لأطفالها، فابنتها حنّه هي النقيض لأمها المتحفظة، وهي ثائرة وواثقة ومتحدية، ويظهر ذلك في قولها: “لسنا” ضيوفًا”! هل تلقيت دعوة من قبل؟ لأنني لم أفعل! […] لقد ولدنا هنا! ومجيئنا إلى هنا لم يكن مصادفة!”.
في اللغة العامية، يُشار إلى أطفال الشتات في شمال إفريقيا على أنهم من “عائلة مهاجرة”. شرعت حنّه في تصحيح هذا المنظور، لأن الشتات الجزائري في فرنسا ليس نتيجة الهجرة بل نتيجة للاستعمار.
في المقابل، تكافح يمينة لتكون صريحة مثل ابنتها، فهي تكبح غضبها وتحاول أن تبقى غير مرئية لأن ذلك من مهارات الحياة التي تعلمتها خلال طفولتها تحت الحكم الاستعماري الفرنسي. لكن نار غضبها لا تنطفئ أبدًا، وبدلاً من ذلك تنتقل إلى حنّه.
تصف رواية جين الرقيقة كيف يمكن استخدام “التكتم” كسلاح، ووسيلة للمقاومة لجيل لا يستطيع أن يكون صاخبًا كالذي سبقه بنجاح، لكنه أيضًا لا يريد أن يتحول الغضب إلى كراهية تستنزف الأطفال.
تتضمن المقدمة الافتتاحية للكتاب اقتباسا من كتاب جيمس بالدوين “النار القادمة” ورد فيه: “أنت تحتاج مرونة روحية كبيرة حتى لا تكره الحاقد الذي تكون قدمه على رقبتك، والإعجاز الأعظم ألا تعلم طفلك أن يكره”. وقد أهدت الكاتبة الرواية لوالدها عبد الحميد جين، الذي تقول إنه مات “من التكتم”.
المصدر: ميدل إيست آي