شراء ملابس جديدة وتحضير حلويات ومأكولات وتجهيز الأضاحي وركن المراجيح في الحارات والأزقة والاجتماع لصلاة العيد وتبادل الزيارات في العيد الكبير وتوزيع العيديات على الأطفال، هكذا -وعلى مدى قرون- يجتهد الناس في البلدان الإسلامية لإظهار البهجة والفرح في عيد الأضحى، ما لا يُتاح للمسلمين في بلاد المهجر غير المسلمة.
إذ غالبًا ما تواجه عوائل الأقليات والجاليات المسلمة في الغرب مشكلة في الإحساس بالعيد ومنح أطفالها روحه وبهجته وطقوسه، كون تلك البلاد لا تظهر فيها أي مظاهر خاصة بأعياد المسلمين، وغالبًا لا يحظى الأب والأم العاملة بإجازة يومَي العيد ويضطران للذهاب إلى العمل.
على أننا بدأنا نلحظ -في السنوات الأخيرة- انتشار ظاهرة تزيين المنازل وإعداد الهدايا وإضاءة الشرفات احتفالًا بقدوم العيد، في محاولة من العائلات المغتربة إحياء الهوية المسلمة لدى أبنائها عبر بثّ روح البهجة في العيد، وخلق طقوس تشعرهم بالاحتفاء بالأيام المباركة التي تتزامن مع رمضان والحج.
يرتبط انتشار ظاهرة التزيين لأعياد المسلمين بعدة عوامل، منها ما يتعلق بنمط الحياة الحديث الذي يبالغ أحيانًا في التركيز على المظاهر والديكورات أكثر من المعاني والعلاقات الاجتماعية، أو قد يرتبط بازدياد أعداد المسلمين المقيمين في المهجر، خاصة مع موجات اللجوء التي نشطت بعد الربيع العربي والثورات المضادة.
بهجة في المهجر
يعيش مسلمو المهجر في بلاد غير إسلامية تحتفل بأعيادها وتعبّر عن فرحتها عن طريق تغيير ديكورات المنازل أو وضع شجرة الميلاد وإضاءة الشوارع وتحويل المدن لتحفة فنية متلألئة فضلًا عن انتشار هذه المباهج في المدارس والنوادي.
كل هذا يجعل من الضروري بالنسبة إلى العائلة المسلمة استخدام كل وسائل البهجة وإظهار الفرح عند الاحتفال بالأعياد والمناسبات الإسلامية بما يتناسب مع ثقافتها وشعائرها، حتى تكون بديلًا كافيًا عن الاحتفال بأعياد غير المسلمين.
ومن الجميل تشجيع أطفالنا على تقديم الهدايا والحلويات لغير المسلمين من الجيران، ما يعطيهم شعورًا بالفخر تجاه ثقافتهم وأعيادهم، كما أن تزيين الشرفات والسيارات يدعو الجيران لمشاركتنا احتفالنا وتعريفهم بثقافتنا.
تزداد أهمية هذه العادات مع ما يواجه المسلمون في الغرب من تحديات كبيرة في تثبيت هوية أبنائهم وتنشئتهم على العقيدة الإسلامية والحفاظ على دينهم وثقافتهم، ما يدفع بالكثير من الأهالي لاستغلال كل مناسبة دينية أو ثقافية في تقريب الإسلام من أطفالهم بطرق وأساليب مختلفة ومتنوعة.
ارتبطت الأعياد في ذاكرتنا بالعيدية، وهو مبلغ نقدي يُعطى من الأهل والأقارب للأطفال وتُترك لهم حرية صرفه، ولم تكن الهدايا ضمن طقوس الاحتفاء بالعيد، لكن تحرص العائلات اليوم على تجهيز الهدايا وتغليفها لتكون مفاجأة جميلة للأطفال في بداية يوم عيد مبهج، وهو من المظاهر التي تعتبرها عائلات كثيرة في المهجر ضرورية حتى لا ترتبط فكرة الهدايا اللامعة باحتفالات رأس السنة فقط.
تغييرات بسيطة
إحدى وسائل صناعة ذكريات جديدة وجميلة لا تُنسى في عمق ذاكرة أطفالنا هي التركيز على المشاعر الإيجابية واستخدام حواسهم الخمس في عيش التجارب، لتبقى أبدًا في عقولهم وأرواحهم وتترك أثرًا مبهجًا يبتسمون كلما ذكروه، ففي عيد الأضحى يسمع الأطفال التكبيرات والتهليلات، ويشاركون في تحضير حلويات العيد، وتحفظ ذاكرتهم تفاصيل العيد كلما فاحت رائحة المعمول من الفرن وذابت قطعة منها في فمهم.
وكم من إنسان عادت به الذاكرة إلى موطن الطفولة ومنزله الأول وحضن والدته، برائحة مرّت من أنفه صدفة من أحد المخابز، أو بلوحة استوقفته لأطفال يتحلقون حول والدهم.
وبهذا فإن إحداث تغييرات بسيطة في المنزل وإضافة ديكورات خاصة بالعيد وتعليق البوالين يساهم في تعزيز ذاكرة خاصة لدى أطفالنا ويخلق مشاعر لطيفة نحتاجها للترحيب بالزائر العزيز، فضلًا عن الأثر الإيجابي لمشاركة الأطفال في التزيين، خاصة إذا ركّز الأهل على أهمية تعليم أولادهم التعاون والمشاركة وحسن التواصل والتنسيق واستخدام الإبداع في التحضيرات، بدلًا من الانشغال بإنجاز ديكورات مثالية.
الاغتراب لا يعني الحياة في بلاد أجنبية مختلفة بالدين واللغة فقط، بل قد يكون بالإقامة في بلد أو مدينة جديدة خالية من العائلة والأقارب، ما يفقد العيد جزءًا أساسيًّا من فرحته وبهجته وقد يتحول ليوم ترفيهي مشابه لأي إجازة أخرى.
وهنا أيضًا يجد الوالدان في مشاركة أطفالهما تزيين المنزل وتحضير البوالين وتعليق اللوحات، نشاطًا إضافيًّا يمكّنهما من التعويض عن ضعف الفعاليات الاجتماعية.
في سنوات مضت، لم تكن تشكّل التربية الدينية عائقًا أمام الوالدَين في تنشئة طفلهما، وغالبًا كانت الأمور تتمّ بسلاسة، وتنتقل عقيدة الأهل وطريقتهم في ممارسة الشعائر ببساطة ووضوح إلى أطفالهم، أما اليوم فيتعرض الأطفال لكثير من التشويش فيما يتعلق بالمعتقدات والمظاهر الدينية.
وهذا ما يزيد العبء والمسؤولية على الوالدَين، ويدفعهما للتفكير في أساليب مبتكرة لإيصال الأفكار الدينية لأطفالهما وغرس العقيدة السليمة في نفوسهم وتبسيط الشعائر بتقريبها من أذهانهم، مثلًا تحرص العائلات والمراكز الإسلامية اليوم على إنشاء مجسّمات تشبه الكعبة المشرفة، وإضافة رسومات الخراف على تفاصيل زينة عيد الأضحى.
على خطى النبي ﷺ
إضافة إلى الأهمية الثقافية والتربوية في إظهار الفرح بالعيد والقيام بكل الأنشطة المعبّرة عن الفرحة، من المهم أن نشرح للأطفال أن الاحتفال بالعيد من الشعائر الإسلامية ومظهر من مظاهره، وأن إظهار السرور في العيد عبادة يُثاب عليها المسلم.
وفي الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دخل عليَّ رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنّيان بغناء يوم بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي؟! فأقبل عليه رسول الله ﷺ فقال: دعهما، لِتعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة، إني أُرسلت بحنيفية سمحة”.
وأيضًا ما جاء عن أنس -رضي الله عنه- قال: “قَدِم النبيّ ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما: يومَ الفطر والأضحى”، رواه أبو داود.
فيديو يظهر كيف اجتهدت ربّة هذه الأسرة لصناعة طاولة حلويات العيد مع زينة في محاولة لخلق بعض الأجواء الاحتفالية في المهجر
تشير هذه الأحاديث وما ورد في السنّة عن احتفاء بيت النبوة بالعيد، إلى أن الإسلام يدرك حاجة الإنسان للفرح والاحتفال لا سيما الأطفال، وأنه من الطبيعي أن يقع الإنسان في مقارنة بين ثقافته وثقافة الآخر.
إن كل ما يظهر فرحة المسلمين بهذا العيد ويدخل السرور إلى قلب الأطفال هو من الأعمال المباركة التي يحثّ عليها الإسلام، ما لم يرتكب فيها إثمًا أو حرامًا.
رغم الصعوبات والتحديات الكثيرة التي يواجهها الأهالي اليوم في تنشئة أطفالهم تنشئة سليمة، وكثرة مصادر المعرفة بما يؤدّي إلى التشويش في بعض الأحيان، إلا أن الأفكار الإبداعية والوسائل المتاحة للوالدَين متوفرة بما يدعمهما في رحلة جميلة ممتعة مع أطفالهما.