يستهل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء 13 يوليو/تموز 2022، جولته المرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط، يرافقه خلالها وزير خارجيته، أنتوني بلينكن وبعض مساعديه، وهي الزيارة التي تم تأجيلها أكثر من مرة وتأتي في ظل سيولة سياسية واقتصادية وأمنية تشهدها الساحة الدولية خلال العامين الماضيين، تعاظمت مع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي.
ومن المقرر أن تكون “إسرائيل” المحطة الأولى لبايدن في أولى جولاته للمنطقة منذ تقلده السلطة، حيث سيزور قاعدة “بلماخيم” الجوية العسكرية وسط دولة الاحتلال، يعقبها اجتماع مع الرئيس إسحق هرتسوغ في مقر رؤساء “إسرائيل”، يليه الخميس لقاء ربما يكون الأصعب مع زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو التي تعاني علاقته مع الحزب الديمقراطي الأمريكي من توترات بين الحين والآخر.
وسيعقد الرئيس الأمريكي لقاءً خاصًا مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الجمعة، في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، قبل أن يختتم جولته بالتوجه إلى جدة لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي، بحضور زعماء دول الخليج إلى جانب قادة مصر والعراق والأردن.
التوقيت الحساس للزيارة والتطورات التي تشهدها المنطقة والخريطة الدولية خلال الآونة الأخيرة جعل حقيبة بايدن مزدحمة بالملفات والقضايا الشائكة، غير أنها جميعها يندرج تحت مسمى “الزيارة الشخصية”، إذ يسعى الرئيس الأمريكي من خلال تلك الجولة للحفاظ على حظوظه السياسية واستعادة شعبيته المتراجعة في وقت تتصاعد فيه معدلات الانتقادات الداخلية بسبب الفشل في التعامل مع بعض الملفات أبرزها الملف الاقتصادي وزيادة معدلات التضخم والركود الذي خيم على الأجواء.. فهل تأتي الزيارة أكلها؟
5 ملفات رئيسية
رغم الملفات المتعددة في كل المسارات، هناك خمس منها رئيسية ستكون المهيمنة على تلك الزيارة، برأي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية يوناثان فريمان، على رأسها “الملف الإيراني“، إذ تحاول تل أبيب الاستفادة من تلك الجولة قدر الإمكان في إثبات حجم التهديدات التي تمثلها طهران بهدف الحشد لموقف حازم ضدها.
ويتوقع فريمان أن تبذل الاستخبارات الإسرائيلية قصارى جهدها في تقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بأنشطة إيران المريبة في المنطقة وأذرعها في لبنان وسوريا واليمن، بجانب خطواتها الحثيثة في مسار إنتاج السلاح النووي، وهو ما يستوجب العمل من أجل التصدي لها بأقصى سرعة، وفق تصريحاته لـ”الأناضول”.
وكان قد أثير مؤخرًا أحاديث عن تدشين تحالف عسكري تحت مسمى “ناتو الشرق الأوسط“، فيما كان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قد دعا مؤخرًا إلى تحالف إقليمي، يضم بعض الدول العربية بجانب “إسرائيل”، وتقوده الولايات المتحدة من أجل مواجهة إيران، وهو التحالف المنقسم عليه حتى الآن بين القوى العربية.
وبالتوازي مع ذلك تحاول “إسرائيل” الخروج من تلك الجولة بأكبر قدر من المكاسب العسكرية والاقتصادية، حيث تأمل – بحسب خبير العلوم السياسية – من واشنطن تحقيق مطلبين أساسيين: الأول يتعلق بـ”دعم منظومة الدفاع الجويّ بالليزر التي أعلنت عنها قبل عدة أشهر وما زالت تحت الاختبار، والثاني هو إعفاء الإسرائيليين من التأشيرات لدخول الأراضي الأمريكية”.
الحرب الروسية الأوكرانية ستكون هي الأخرى على طاولة اجتماع بايدن بقادة دولة الاحتلال، إذ ترى تل أبيب في تلك الحرب تهديدًا مباشرًا لمصالحها في المنطقة، وعليه تقوم بدور الوساطة غير المعلنة بين موسكو وكييف لتهيئة الأجواء نحو تبريد الأزمة في ظل تداعياتها الكارثية على الخريطة الدولية برمتها.
احتمالية إبرام صفقة بين طهران وواشنطن، تتلخص في تعزيز الاتفاق النووي وإنقاذه في اللحظات الأخيرة نظير السماح لإيران بتصدير نفطها للخارج بما يساعد الغرب على تعويض نقص الإمدادات الروسية
أما الملف الرابع المحتمل أن يفرض نفسه – نظريًا – على سلسلة الاجتماعات، فهو الملف الفلسطيني، حيث سيلتقي بايدن مع أبو مازن بعد يوم واحد فقط من لقائه بالمسؤولين الإسرائيليين، وتعد تلك القضية إحدى المسائل الخلافية بين الرئيس الأمريكي والحكومة العبرية، إذ يميل الأول لفكرة حل الدولتين ويعارض الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب لا سيما المتعلقة بتهجير الإسرائيليين والتوسع في النشاط الاستيطاني، ولعل هذا هو السبب في تجميد حكومة لابيد الحاليّة مخططات الاستيطان لحين انتهاء زيارة بايدن.
ورغم تراجع هذا الملف في قائمة الأولويات الحرجة حاليًا وعدم توقع حدوث أي اختراقات جادة في جداره الصلب، فإن الإدارة الأمريكية ستحاول إعادة بناء الثقة المفقودة بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، من خلال بعض التحركات ربما من بينها التحقيق في مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، بعد ترجيح واشنطن أن تكون قد قُتلت برصاص إسرائيلي غير متعمّد.
ثم يأتي ملف “التطبيع السعودي الإسرائيلي” ضمن أبرز الملفات المدرجة على جدول الزيارة، إذ تعول تل أبيب على التقارب مع المملكة في توسيع دائرة نفوذها المتنامي منذ إبرام اتفاقية “أبراهام” في 2020 مع الإمارات والبحرين ثم المغرب والسودان، مستندة في ذلك إلى التفاهمات المشتركة بين البلدين في الآونة الأخيرة التي وإن كانت تتخذ من إيران عنوانًا رئيسيًا لها لكن في التفاصيل هناك الكثير من التعاون المستتر.
تخفيض أسعار النفط.. الهدف الأبرز
يضع بايدن نصب عينيه منذ الوهلة الأولى التي يطئ فيها بأقدامه سلم طائرة الرئاسة “أسعار النفط” كهدف رئيسي لتلك الجولة التي تأتي في وقت يشهد فيه سوق الطاقة زلزالًا لم يشهده منذ سنوات طويلة، فقد قفزت الأسعار بصورة تجاوزت حاجز الـ100%، فضلًا عن العجز في توفير الكميات المطلوبة من الوقود، ما أحدث حالة من الشلل التام لكثير من القطاعات الاقتصادية.
ولم يكن لبايدن أن يزور السعودية التي وصفها قبل 19 شهرًا بـ”الدولة المنبوذة” ويلتقي بولي عهدها الذي أعلن قبل ذلك إبعاده عن خريطة الاتصالات الرئاسية، إلا مدفوعًا بالهزة العنيفة التي شهدتها أسواق النفط، وما لها من تداعيات على الاقتصاد العالمي بصفة عامة وعلى الداخل الأمريكي بصفة خاصة.
ويأمل الرئيس الأمريكي في تلك الزيارة الضغط على الرياض لزيادة حجم إنتاجها من النفط بما يُحدث شيئًا من التوازن النسبي ويعوض جزئيًا العجز الناجم عن وقف الإمدادات الروسية بما يساعد أمريكا وأوروبا على عبور تلك المرحلة الحرجة التي كشفت عن نقاط الضعف العديدة التي يعاني منها الغرب جراء الاعتماد على الغاز والنفط الروسي.
الكاتبة الصحفية منى العمري ترى أن مصلحة بايدن الشخصية هي ما دفعته لتغيير موقفه من الرياض ليتحول من ناقم على توجهاتها إلى داعم لدورها الإقليمي والدولي على حد تصريحات مساعديه، وهي المصلحة ذاتها التي ربما تدفعه لتغيير توجهاته إزاء النظم التي كانت ينعتها قبل ذلك بـ”المنبوذة” أو “الإرهابية” كنظام الأسد في سوريا والنظام الإيراني.
العمري نقلت عن مقال نشرته صحيفة “الغارديان” للكاتب سايمون تيسدال تحت عنوان “سراب السلام” ما أسماه “مغامرة بايدن”، حيث ألمح إلى احتمالية رفع أمريكا العقوبات عن “منبوذ ثان” في الشرق الأوسط، ألا وهو بشار الأسد في محاولة لمواجهة النفوذ الروسي في سوريا، من خلال تخفيف العقوبات على النظام الأسدي لمساعدة سوريا على استيراد النفط الإيراني بحسب تحليل لها في “الجزيرة”.
التحليل رجح إبرام صفقة بين طهران وواشنطن برعاية ومباركة أوروبية، تتلخص في تعزيز الاتفاق النووي وإنقاذه في اللحظات الأخيرة نظير السماح لإيران بتصدير نفطها للخارج بما يعادل 3 أضعاف ما هو عليه اليوم، وهي الصفقة التي أومأ إليها ضمنيًا وزير النفط الإيراني حين غازل الغرب في مؤتمر النفط والغاز الذي عقد في العاصمة الأذربيجانية باكو مؤخرًا بقوله إن بلاده تمتلك واحدة من أكبر طاقات الغاز في العالم، وأن ما تملكه من احتياطي من الغاز يتجاوز 34 تريليون متر مكعب بطاقة إنتاجية يومية قدرها مليار متر من الغاز، فيما يتجاوز الإنتاج اليومي من النفط 4 ملايين برميل.
ناتو الشرق الأوسط.. شكوك وانقسامات
وفق تلك الرؤية فإن فكرة إنشاء ناتو شرق أوسطي لمناهضة إيران، بالمعنى التي كُشف النقاب عنه قبل فترة، ربما تكون غير مقبولة في ظل سياسة تبريد الأجواء بين واشنطن وطهران، غير أن ذلك ربما يواجه بضغوط إسرائيلية مدعومة باللوبي الصهيوني بشأن ضرورة إقامة هذا التحالف الذي بلا شك سيخدم دولة الاحتلال على المستويين الإقليمي والدولي، فمن جانب سيعزز حضورها العسكري في مواجهة إيران وعلى الجانب الآخر سيعمق حجم التقارب مع الدول العربية خاصة السعودية التي تسارع “إسرائيل” الخطى لإبرام اتفاقية تطبيع معها.
ومن ثم من المتوقع أن يكون الاكتفاء هنا بنشر منظومة دفاع جوية لحماية “إسرائيل” وحلفاء أمريكا في المنطقة، بما يرضي نهمهم التأميني، لكنه لم يرتق بعد لدرجة التحالف العسكري المتكامل خاصة في ظل التحفظات المصرية السعودية إزاء هذا التحالف الذي يراه البلدان تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة القومي، رغم الدعم الإماراتي الكامل لهذا المشروع.
يأمل بايدن إنعاش خزائن بلاده عبر الاتفاقيات الاقتصادية المتوقع إبرامها والاستفادة من تداعيات زيادة الضخ النفطي الخليجي الذي سيقود الأسعار إلى التراجع بلا شك، ما سيكون له مردوده الإيجابي على الداخل الأمريكي
وفي هذا المسار كشفت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، الثلاثاء 12 يوليو/تموز 2022 اعتزام الرئيس الأمريكي توقيع اتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، تحت اسم “إعلان القدس“، على هامش الزيارة، يتضمن التزام الولايات المتحدة بأمن دولة الاحتلال وازدهار العلاقات بين البلدين.
وبحسب القناة، فإن هذا الاتفاق سيتضمن “تعزيز التعاون بين “إسرائيل” ودول الخليج، بما في ذلك السعودية – في مجالات الدفاع الجوي والدفاع البحري والتعاون في مجالات الدفاع مثل التعامل مع الحرائق والكوارث وحالات الطوارئ وكذلك في مجالات التكنولوجيا -“.
سمعة على المحك
يجد بايدن أنه وإدارته الجديدة في مأزق سياسي كبير في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات التضخم والركود رغم المحفزات التي دفع بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعبور تلك المرحلة الحساسة التي توجه الاقتصاد العالمي الذي لم يستفق بعد من ضربة جائحة كورونا حتى تعرض لضربة أكثر شراسة على خلفية الحرب الروسية.
ويسارع الرئيس الديمقراطي الخطى للدفاع عن سمعته كرئيس للبلاد بعدما تراجعت شعبيته بصورة غير مسبوقة، حتى لو كان الثمن التخلي عن الشعارات القيمية والأخلاقية التي رفعها خلال جولته الانتخابية المتعلقة بالموقف إزاء الدول ذات السجلات الحقوقية المشينة، خاصة الرياض وطهران، هذا بجانب فنزويلا التي فتحت واشنطن صفحة جديدة معها وتوجه وفد أمريكي لزيارة عاصمتها أواخر يونيو/حزيران الماضي بهدف ضخ المزيد من مخزونها النفطي في السوق العالمية.
يأمل الرئيس إنعاش خزائن بلاده عبر الاتفاقيات الاقتصادية المتوقع إبرامها، والاستفادة من تداعيات زيادة الضخ النفطي الخليجي الذي سيقود الأسعار إلى التراجع بلا شك، ما سيكون له مردوده الإيجابي على الداخل الأمريكي ومعدلات التضخم والبطالة والأسعار والضرائب بما يخفف نسبيًا من الاحتقان الشعبي ويمتص حالة الغضب العارمة.
وفي السياق ذاته يحاول بايدن تعويض شعبيته المتراجعة من خلال خطابه الشعبوي الذي يعتمد على هزيمة روسيا وتقليم أظافر نفوذها غربيًا من خلال تجريدها من أقوى أسلحتها، إمداداتها من النفط والغاز، التي تمثل أحد أضلاع الاقتصاد الروسي المحورية والورقة الأبرز لتعاظم الحضور الروسي أوروبيًا.
في المحصلة، رغم التخمة التي تشهدها حقيبة بايدن وزحمة الملفات التي يحملها خلال تلك الجولة لإنقاذ مستقبله السياسي، فإن التعويل عليها في إحداث الفارق وتحقيق الأهداف المنشودة من ورائها تبقى مسألة أسيرة التعاطي العربي مع تلك الزيارة، فهل يستغل العرب الحالة الأمريكية الراهنة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب؟ هذا ما تكشفه تفاصيل اللقاءات التي ليس شرطًا أن يُفصح عن كل ما دار بها بشكل علني.