ترجمة وتحرير: نون بوست
أعلنت تركيا مؤخرًا عن اكتشاف من شأنه إنهاء تبعيّة الصناعة الخضراء للصين، وبالتحديد الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية. ويُقال إن الاحتياطي المكتشف حديثًا من العناصر الأرضية النادرة، وهي مجموعة من المعادن الحيوية لتخزين الطاقة البديلة، هو ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد الاحتياطي الذي تملكه الصين التي تهيمن على الإنتاج العالمي. وقد عُثر على الإمدادات الجديدة من هذه المعادن بالقرب من مدينة إسكي شهير في سهل الأناضول الأوسط في تركيا – أحد الدول الأعضاء في الناتو – وهو خبر يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للصناعات الغربية.
تشير تقديرات وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية إلى أن 694 مليون طن من الرواسب تحتوي على معادن أرضية نادرة تكفي لتزويد العالم لمدة ألف سنة. وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “هدفنا هو معالجة 570 ألف طن من الخام سنويًا عندما تصل هذه المنشأة إلى كامل قدراتها العملياتية”. ومن شأن ذلك أن يقدم حلاً لمشكلة كبيرة تؤخر محاولات العالم للتحول نحو الصناعات الصديقة للبيئة وتقليل إنتاج الغازات الدفيئة – لكن المشككين أشاروا إلى أن الكثير من التفاصيل غامضة وأن التقديرات المذكورة تشير إلى كمية الخام المكتشفة؛ وأن كمية المعادن النادرة التي سيتم إنتاجها فعليًا ستعتمد – كما هو الحال في جميع عمليات التعدين – على مدى نقاء الخام.
من المؤكد أن الصين لا تبالي بهذا الاكتشاف. ولعل هذا ما أكدته صحيفة “غلوبال تايمز” الشعبية التي يديرها الحزب الشيوعي، نقلاً عن مصادر مطلعة في الصناعة، بقول إن “الصين ستحافظ على تقدمها التكنولوجي والصناعي في صناعة المعادن الأرضية النادرة العالمية في المستقبل”، مضيفةً أن “اكتشاف احتياطي معادن أرضية نادرة في تركيا لن يكون له تأثير واضح على مكانة الصين العالمية”.
مع ذلك، ينبغي أن يقدم الاكتشاف التركي على الأقل صورة أقل قتامة للغرب بشأن المعادن الأرضية النادرة مقارنة بالتصورات المتشائمة للسنوات الأخيرة. يقول ريان كاستيلو، العضو المنتدب لشركة “أداماس إنتيليجينس” الاستشارية: “لن أقول إن هذا الاكتشاف هو المنقذ للسوق الأوروبية، لكنه خبر سار”، وتابع “المشكلة كبيرة جدًا، والطلب ينمو بسرعة كبيرة لدرجة أننا نحتاج إلى العديد من الاكتشافات مثل الاكتشاف التركي”.
للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في السنوات القليلة المقبلة، تُعلّق آمال كبيرة على الاستبدال السريع لمحرك الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية. تتعهد كل من بريطانيا والولايات المتحدة بحظر مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول سنة 2045. لكن صناعة هذه البطاريات تحتاج مجموعة من المعادن، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة الـ 17، التي تقود إنتاجها الصين بتعدين ما بين 80 و90 في المئة من الإمدادات العالمية.
في ظل الانهيار الجيوسياسي الذي يضع الولايات المتحدة والغرب في مواجهة روسيا والصين، يبدو هذا الاعتماد على الصين مسألةً غير مستدامة على نحو متزايد. وفي الشهر الماضي، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون عن تشكيل شراكة أمن المعادن في محاولة لجعل سلسلة التوريد أكثر “أمانًا”. وقد أعلنت الصين من جهتها قيودًا على صادرات العناصر الأرضية النادرة في كانون الأول/ ديسمبر 2020 كوسيلة للحفاظ على مخزوناتها.
أشارت المفوضية الأوروبية السنة الماضية إلى أن 98 في المئة من العناصر الأرضية النادرة في الاتحاد الأوروبي مستوردة من الصين، بينما تبلغ نسبة واردات الولايات المتحدة نحو 80 في المئة. وفي السنة الماضي، بلغت صادرات الصين حوالي 49 ألف طن، مما يجعل أرقام تركيا تبدو جذابة. يوضح كاستيلو أن التقديرات تشير إلى أن نقاء العناصر الأرضية النادرة في تركيا بلغ 2 في المئة، وهو ما سيوفر خامات معالجة كافية لإرضاء السوق العالمية لمدة 40 إلى 50 عامًا – فقط عند مستويات الطلب الحالية. لكن الطلب يتزايد بشكل كبير جنبا إلى جنب مع عدد سكان العالم.
حسب الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة اليوم، من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى ثمانية مليارات في تشرين الثاني/ نوفمبر. وكلما زاد الطلب على الطاقة من قبل عدد السكان المتزايد، زاد الطلب على الإنتاج الأنظف.
يعتمد تحويل الاكتشاف الجديد لتركيا إلى صادرات قابلة للاستخدام على بناء مصانع المعالجة الضرورية، وهي عملية معقدة للغاية. إن العناصر الأرضية النادرة ليست نادرةً في الواقع لأن المعادن النادرة التي تعرف بالعناصر الأرضية النادرة يصعب للغاية فصلها عن الرواسب التي توجد فيها وعن بعضها البعض. ومع أن الرواسب التركية كبيرة، إلا أنه يمكن مقارنتها بالرواسب الأخرى التي تم اكتشافها مؤخرًا في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ناهيك عن الاحتياطيات القديمة في البرازيل وروسيا وفيتنام.
يستغرق انطلاق الإنتاج في المتوسط عشر سنوات. وحسب سيمون موريس، المدير التنفيذي لشركة “بنشمارك مينرال إنتليجنس” “لقد كشفت الطفرة في مجال الاستكشاف على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية عن العديد من رواسب العناصر الأرضية النادرة الواعدة”. لكن هناك فرق كبير بين الموارد والاحتياطيات والاحتياطيات القابلة للاستخدام. وهو يضيف أن “الاستثمار سيكلف مليارات الجنيهات لجعل عملية الإنتاج على نطاق واسع حقيقة واقعة”؛ مشيرا إلى أن تركيا تعيش لحظة سعيدة إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه.
إن شراكة الغرب الجديدة لضمان إنتاج مثل هذه المعادن هي مثال آخر على سعي الولايات المتحدة إلى النأي بنفسها بعيدًا عن مبادئ السوق الحرة النقية في مواجهة استثمارات الدولة الصينية الشرسة في الصناعات الرئيسية لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وقد ذكرت الصين هذا الهدف عند إعلانها عن قيود على صادرات المعادن الأرضية النادرة. ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية، تمت صياغة هذا القانون لحماية الأمن القومي ومصالح الصين وكان جزئيًا ردًا على محاولات الولايات المتحدة تقييد الصادرات إلى الصين من أشباه الموصلات، التي تعتبر المكونات الرئيسية لرقائق الكمبيوتر.
في الوقت الحالي، يشارك البنتاغون بنشاط في الاستثمار في تكنولوجيا استخراج المعادن الأرضية النادرة. وقد أنفق مئات الملايين من الدولارات على عقود مع شركة “لوناس” الأسترالية مع شركة “إم بي ماتريالز” ومقرها لاس فيغاس لبناء منشآت لاستخراج العناصر الأرضية النادرة لإنشاء حماية وطنية، سعيًا إلى إنشاء “سلسلة توريد آمنة للمعادن الاستراتيجية” بحلول سنة 2030.
ولكن حتى هذا الأمر بعيد المنال، وقد لا يكون لاكتشاف تركيا تأثير كبير لفترة أطول. لكن موريس يؤكد أن “بقية العالم سيظل يعتمد كليًا على الصين حتى توجد سلسلة توريد نشطة للعناصر الأرضية النادرة خارج أراضي الصين، تنطلق من المنجم وصولا إلى المنتج النهائي”.
المصدر: ذا تايمز