ترجمة وتحرير: نون بوست
جاءت مسألة نزع السلاح لبعض جزر بحر إيجة بوضوح في معاهدات مختلفة، حيث تم الاشتراط أن تكون جزيرتي ”ليمني” و”سيماديريك”، وهم اثنان من جزر المضيق، بدون تسليح عسكري حسب متطلبات القانون الدولي، ولكن رغم هذه الحقيقة؛ تقوم اليونان بتسليح هذه الجزر وبناء منشآت عسكرية ومطارات فيها منذ ستينات القرن الماضي.
ويعتبر اسم بحر “إيجة” مثيرًا للجدل، إلا أنه مقتبس من قبل الأساطير اليونانية، فقد أطلق الأتراك على هذا البحر اسم “بحر الجزر” لكثرة الجزر ولأنهم اعتبروه جزءًا من البحر الأبيض المتوسط الذي أطلقوا عليه أيضًا اسم ”بحري صفيد”.
توجد أكثر من ثلاثة آلاف جزيرة بين جزر كبيرة وصغيرة الحجم، في مساحة تقارب 214 ألف كيلومتر مربع بين شبه جزيرة الأناضول وشبه الجزيرة اليونانية في بحر إيجة، واذا لم يتم احتساب الصخور والجزر المغمورة جزئيًّا، فإن عدد الجزر الكاملة هي 1800 جزيرة في هذه المنطقة.
ووفقًا لقرار ”شاهين كارغين”، الذي كتب أطروحة تحت إشراف ”توكتاميش أتيس”، فإن 3049 من الجزر والشعاب المرجانية في بحر إيجة تنتمي إلى اليونان، و60 منها تنتمي إلى تركيا
جدول الأعمال الدولي
تقسم جزر بحر إيجة في 5 مجموعات رئيسية:
1) جزر سبوراد الشمالية. 2) جزر المضيق الثانية.
3) جزر كيكلاد. 4) جزر ساروهان (شرق سبوراد).
5) جزر مينتيشي ( اثنتا عشر جزيرة).
جزيرة ”ميس”، والتي كانت مؤخرًا محط جدال واسع، هي جزيرة تقع في البحر الأبيض المتوسط، وليس في بحر ايجة حسب مزاعم اليونان.
وكانت مناطق وجزر بحر إيجه بندًا بارزًا على جدول الأعمال ليس فقط في تركيا واليونان، ولكن أيضًا في الساحة الدولية لأكثر من 100 عام؛ فقد كان الأتراك، الذين استقروا على سواحل بحر إيجة منذ 1081، في منافسة مع جنوى وفينيسيا في الفترة الأولى، ثم بين عامي 1912 و1947 بدأوا صراعًا على الهيمنة مع إيطاليا واليونان، اللتان أصبحتا مستقلتين منذ ذلك الحين.
استمر الحكم التركي لمدة 5 إلى 6 قرون وهيمن على معظم الجزر في بحر إيجة، حتى تدخلت اليونان عام 1830، بدعم القوى العظمى الأوروبية ضد للإمبراطورية العثمانية.
بعد استقلال اليونان، وبفضل دعم الدول الأوروبية الكبرى، كانت تضم حوالي 9000 جزيرة، 480 منها كبيرة، بمساحة 50 ألف كيلومتر مربع، وفي وقت لاحق؛ بلغت مساحتها الكاملة 131 الف كيلومترًا مربعًا مع الأراضي التي كسبتها، ليس بالحرب ولكن بفضل الضغوط الدبلوماسية الأوروبية.
ولا تزال سياسة “فكرة ميغالي” التوسعية التي بدأت زمن الإمبراطورية العثمانية مستمرة ضد تركيا، فكانت آخر مكاسب اليونان في بحر إيجه هي جزر مينتيشي (اثنتا عشر جزيرة) قرب سواحل الأناضول عام 1947.
نقل السيادة على مرحلتين
تم نقل سيادة اليونان على جزر بحر إيجة من خلال مرحلتين، في المرحلة الأولى، التي كانت بين 24 أبريل 1830، عندما استقلت اليونان، و24 يوليو 1923، عندما تم توقيع معاهدة لوزان. في المرحلة الثانية، أعطيت بعض الجزر لأثينا لكي تديرها بموجب معاهدة السلام الإيطالية بباريس في 10 فبراير عام 1947.
وبشكل خاص؛ تم إخضاع الجزر التي تم التنازل عنها لليونان مع المعاهدة الأخيرة لنزع السلاح من أجل معالجة المخاوف الأمنية لتركيا.
حتى الآن؛ لا توجد حدود بحرية مرسومة بين البلدين في بحر إيجه، والمشاكل الرئيسية التي نتجت عن ذلك هي: الجزر والشعاب المرجانية التي لم يتم نقل سيادتها، والمناطق الرمادية، وقضية نزع سلاح وسحب التواجد العسكري اليوناني من الجزر حسب المعاهدات الدولية، ومنطقة المياه الإقليمية، ومنطقة الجرف القاري، ومنطقة المجال الجوي وخط ”فير”.
في هذا السياق؛ تعتبر اليونان بحر إيجه بحرًا داخليًا تحت سيطرتها؛ حيث إنها تتجاهل جميع حقوق تركيا في بحر إيجه، وكذلك الجزر ومنطقة نفوذ المياه الإقليمية، ولا تعترف بنقل السيادة إلى ساحل الأناضول. بل إنها تعتبر تعبير تركيا عن حقوقها النابعة من القانون الدولي تهديدًا لوحدة أراضي اليونان، وهذا الوضع مخالف للحقائق التاريخية والقانونية والدبلوماسية.
تعرب اليونان عن توسيع الجرف القاري باعتباره المشكلة الوحيدة في بحر إيجه وتريد أن تقوم محكمة العدل الدولية من أجل حلها. على الصعيد الدولي؛ تدِّعي اليونان أن تركيا هي وريثة الحضارة اليونانية التي يقوم عليها العالم الغربي، وتتهمها بالتصرف على أساس القوة الغاشمة وليس القانون، وتقول اليونان إنها تستند إلى القانون الدولي بينما تدافع عن أطروحاتها بسياستها الخارجية الفعالة، ومع ذلك؛ فهو تشير إلى بعض النصوص القانونية المعنية وتتجاهل بعضها.
إذا قمنا بإدراج المشاكل بين البلدين بإيجاز، فإن المياه الإقليمية تأتي في المقدمة، باعتبارها البند الأول، وبينما تشير اليونان باستمرار إلى المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تنظم المسافة البحرية الإقليمية بـ 12 ميلاً على الأكثر، وتتجاهل المادة 300 من نفس الوثيقة التي تنص على أن “يجب استخدام جميع الحقوق والصلاحيات والحريات الواردة في العقد على أساس حسن النية”.
لم توقع تركيا على الوثيقة المذكورة؛ ومن ناحية أخرى، تفسر اليونان كل مادة من الوثيقة التي وقعتها على النحو الذي يناسبها، بينما تتجاهل المواد الاخرى وهو ما يمثل حالة تناقض مع نفسها.
قضية المياه الإقليمية
تم تحديد المياه الإقليمية على أنها 3 أميال في معاهدة لوزان، ومع ذلك؛ تريد اليونان زيادة مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا؛ فيما تمت زيادتها بالفعل في وقت لاحق إلى 6 أميال بموافقة كل الأطراف.
لن يمنع هذا المطلب تركيا من الخروج من بحر مرمرة والبحر الأبيض المتوسط فقط؛ بل سيحد أيضًا من استخدامها لشواطئ الأناضول على بحر إيجه، ولذلك فهذا المطلب غير مقبول بطبيعة الحال من قبل تركيا.
ثانيًا، بالنسبة للجرف القاري؛ تطالب اليونان بخط متساوٍ في جزرها القريبة من الأناضول، وهذا المطلب يتعارض أيضًا مع مبادئ النوايا الحسنة والقانون الدولي. وعلى الرغم من أن بعض الجزر، التي تعد امتدادًا طبيعيًا للأناضول، تنتمي إلى اليونان، إلا أنها تقع في المنطقة المدرجة في الجرف القاري للأناضول؛ تمامًا مثل الجزر البريطانية في القناة الإنجليزية، بالقرب من ساحل فرنسا، ومثلما يدافع الفرنسيون عن حقوقهم في الجرف القاري في الجزر القريبة من سواحلهم بحجج لصالحهم، فمن الطبيعي أن تطالب تركيا بحقوقها بنفس الطريقة.
ثالثًا؛ طالبت اليونان بزيادة مجالها الجوي إلى 10 أميال عام 1931، ومنذ عام 1974، تنتهك القانون والمنطق الدوليين. ووفقًا للقانون الدولي، “المجال الجوي” هو إسقاط في الهواء للنقطة التي يمتد فيها البحر الإقليمي، هو استمرار للدولة البرية.
ونظرًا لأن المياه الإقليمية تمتد من 3 إلى 6 أميال بين الدولتين، فسيكون المجال الجوي الخارج عن 6 أميال مجالًا جويًّا دوليًّا. وفي هذا الصدد؛ فإن هذه الحقوق التي تدافع عنها تركيا في الجو والبحر، هي لصالح دول المنطقة، باستثناء اليونان.
رابعًا؛ قضية خط منطقة معلومات الطيران، وهذه مشكلة تتعلق بالطيران المدني؛ فقد تأسست منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) عام 1944 بهدف تأمين أنشطة الطيران المدني. وفي هذا السياق؛ تم إنشاء مناطق تحكّم تسمى مناطق إعلام الطيران (فير)، وفيما يتعلق بسلامة الطيران، فإنها تقع على عاتق الدولة التي سبق تحديدها من قبل منظمة الطيران المدني الدولي لتوفير جميع أنواع مرافق المرور والاتصالات داخل منطقة معلومات الطيران، ولا يعطي السيادة للدولة التي تتولى مسؤوليتها مهمة الطيران المدني.
إن محاولة اليونان التدخل في الطائرات العسكرية التركية على أساس مفهوم خط معلومات الطيران خالية أيضًا من أي مبرر قانوني، فلا يُطلب من الطائرات العسكرية تقديم معلومات الطيران إلى الموقع الذي تحدده منظمة الطيران المدني الدولي عند دخولها خط معلومات الطيران. ومع ذلك؛ تقول اليونان إنه يجب على جميع الطائرات العسكرية التي تدخل خط منطقة الطيران لأثينا مشاركة خطط طيرانها. ومن ناحية أخرى؛ قررت تركيا أنها لن تلتزم بتقديم خطط طيران طائراتها العسكرية وفقًا للمادة الثالثة من اتفاقية منظمة الطيران المدني الدولي لعام 1944.
خامسًا؛ تم تسجيل مسألة نزع السلاح من بعض الجزر بوضوح في معاهدات مختلفة، وتحديدًاجزيرتي ”ليمني” و”سيماديريك”، وهم جزيرتان من جزر المضيق، اشترط بعدم تسليحهما عسكريًّا حسب متطلبات القانون الدولي. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، تقوم اليونان بتسليح هذه الجزر وبناء منشآت عسكرية ومطارات منذ ستينيات القرن الماضي.
المسألة السادسة، مشكلة الجزر والصخور التي لم تنتقل سيادتها بالمعاهدات، وخاصة مع أزمة ”كارداك” التي اندلعت عام 1995، فقد أظهرت هذه المشكلة خطورتها، واستمر الخطاب القاسي الذي ظهر خلال أزمة ”كارداك” لفترة من الوقت. بعد ذلك؛ عندما تم الكشف عن علاقات اليونان مع زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، عانت من خسارة كبيرة في المصداقية على الساحة الدولية. فاعتذرت لتركيا؛ ونجحت اليونان في التخلص من إحراجها على المدى القصير
سياسة تركيا
أخيرًا؛ فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين التي حدثت في السنوات الأخيرة، وفقًا لبعض الباحثين، توفر تركيا المأوى وفرصة المعيشة لأكثر من 5 ملايين لاجئ، بينما تعمل كحصن مهم ضد تدفق الأشخاص من إفريقيا وآسيا إلى الدول الأوروبية؛ وحتى هذه السياسة البناءة لتركيا، والتي أفادت بشكل خاص مصالح جزر بحر إيجه واليونان، لم تستطع إرضاء نظيراتها في أثينا. ومع ذلك؛ لولا هذا النهج التركي؛ كان من الممكن أن تظهر هجرة جديدة، بأعداد تصل إلى مئات الآلاف من المهاجرين الذين يريدون الوصول الى أوروبا.
بالنسبة لتركيا؛ يعتمد أمن البحر الأسود ومرمرة والمضيق على الوضع في بحر إيجه. ومع ذلك؛ فإن الجزر والصخور في منطقة بحر إيجة تخضع لسيطرة اليونان إلى حد كبير، وهذا الخلل في التوازن في بحر إيجه يعرض تركيا للخطر في مواجهة تهديدات البحرية، كما أنه يقيد النقل البحري وأنشطة الصيد في تركيا.
على الرغم من ذلك؛ ترغب اليونان في توسيع مناطق سيادتها، وتحاول حبس تركيا في مياهها الإقليمية وعلى سواحلها، خاصة وأنها تجد دعمًا من العالم الغربي لأطروحاتها، كما أن تركيا عازمة على حماية أمنها وحقوقها وفق القانون الدولي في ظل هذه الضغوط.
الماضي المشترك
تتميز سواحل بحر إيجة بمسافة قريبة وبارزة في كلا الاتجاهين الشرقي والغربي، وفي حين أن الجزر الواقعة في غرب بحر إيجه هي امتداد للكتلة اليونانية، فإن الجزر الموجودة في الشرق هي جزء طبيعي من الأناضول.
خلف الجزر ذات الأحجام المختلفة؛ توجد وديان خصبة في سلسلة الجبال الممتدة باتجاه البحر، ولهذا يعتبر بحر إيجه جذابًا من حيث تنقل السكان وكذلك الأنشطة الاقتصادية والسياسية والثقافية بين إفريقيا وآسيا وأوروبا؛ حيث يتم هذا التنقل عبر البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ومن هناك إلى المحيطين الأطلسي والهندي عبر بحر إيجه. لذلك؛ فإن بحر إيجه مهم أيضًا لروسيا وجورجيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا، التي لها سواحل على البحر الأسود؛ حيث يتم نقل الغاز الطبيعي والنفط ومنتجات التصدير الأخرى من روسيا والقوقاز ودول آسيا الوسطى إلى الأسواق العالمية عبر بحر إيجة والمضيق التركي. وتعتبر حركة النقل البحري في بحر إيجة مهمة ليس فقط لتركيا واليونان، وهما دولتان شاطيئيتان، ولكن أيضًا للبلدان المستوردة والمصدرة الأخرى.
ونظرًا لأن اليونان تشعر بالدعم من أوروبا والولايات المتحدة، فإنها تواصل السعي إلى جلب جميع مشاكلها مع تركيا، وخاصة بحر إيجة وقبرص، إلى المنصات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
ومع ذلك؛ فإن الأتراك واليونانيين هما شعبان يعرفان بعضهما البعض جيدًا منذ قرون ولديهم تاريخ مشترك، ويمكنهم حل القضايا فيما بينهم من خلال الحوار المباشر دون الحاجة إلى تدخل طرف ثالث؛ حيث إن تدخل الأطراف الثالثة يضر بمصالح البلدين، كما أن المشاكل العالقة في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط لها تأثير سلبي على اقتصاديات كلا البلدين. على أية حال؛ من الممكن إيجاد حل عادل للمشكلة من خلال النظر في الموقع الجغرافي والتطورات التاريخية والقانونية والاقتصادية والسياسية لجزر إيجه.
المصدر: ستار