ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا للتقارير، من المحتمل أن يكون رئيس سريلانكا المحاصر غوتابايا راجاباكسا في طريقه إلى المملكة العربية السعودية. وإذا تأكدت صحة هذا التخمين، فإنه سيُضاف إلى قائمة مثيرة للجدل من القادة الذين تمت الإطاحة بهم ولجأوا إلى المملكة.
فرّ راجاباكسا إلى جزر المالديف بعد اقتحام المتظاهرين مجمع الرئاسة ورئاسة الوزراء وبرك السباحة والتقاطوا صور سيلفي على أثاث فاخر. وأكد الرئيس استقالته بعد أن تم إلقاء المسؤولية عليه هو ورئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ بسوء الإدارة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع حاد في التكاليف ونقص في الضروريات
سافر راجاباسكا على متن رحلة الخطوط الجوية السعودية إلى سنغافورة يوم الخميس، وذلك وفقًا لتقرير نشرته وكالة “أسوشيتد برس”. ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول في جزر المالديف قوله إنه كان متوجها إلى جدة، لكن المسؤول قال في وقت لاحق إنه لا يمكنه تأكيد ذلك.
في حال كانت الوجهة النهائية للرئيس السريلانكي هي المدينة الساحلية السعودية، فإن راجاباكسا سينضم إلى قائمة لا يحسد عليها من الحكام المخلوعين الفارين إلى المملكة الخليجية، إما للتقاعد أو لتكون محطة توقف قصيرة على طريق العودة إلى السلطة.
بدءا من توفير الملاذ للطاغية الأوغندي الوحشي عيدي أمين في الثمانينيات وعدد من القادة الباكستانيين في العقد الأول من القرن الحالي، إلى الترحيب بالرئيسين التونسي واليمني في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، كانت المملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان ملاذا للحكام الذين تم الإطاحة بهم والموصومين بالعار والمحاصرين بعيدًا عن أوطانهم.
موطن لتقاعد “غير مسيس”
يوضح أندرو هاموند، المؤرخ في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب عن المملكة العربية السعودية، في حوار لموقع “ميدل إيست آي” أن “سياسة استضافة القادة المخلوعين الذين لا يحظون برضا شعوبهم من جميع أنحاء العالم تعكس نظرة ذاتية تقليدية للقيادة السعودية للبلاد كمكان محايد وغير مسيّس”.
ويضيف هاموند “من ناحية، هذا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك أحزاب سياسية واحتجاجات ومطالبات وغير ذلك من الظواهر الحديثة المتعلقة بالسياسات الانتخابية التمثيلية”. ويتابع “ولكن من ناحية أخرى، هذا يعني أن البلد يمكن أن يكون منفتحًا ومُضيفا لأشخاص من مختلف الأطياف والأصول، طالما أنهم ينأون بأنفسهم عن الانتماءات السياسية أو يتصرفون ضمن القواعد التي وضعتها الحكومة”.
في معظم حالات اللجوء، يُمنح القادة اللجوء ويصبحون ضيوف الحكومة السعودية. عاش الزعيم الأوغندي أمين، الذي اتسمت فترة حكمه التي دامت ثماني سنوات في السبعينيات بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وعمليات قتل خارج نطاق القضاء وفساد، العقدين الأخيرين من حياته بسلام في جدة.
كان يعيش في فيلا فاخرة مطلة على البحر الأحمر تعود ملكيتها إلى الحكومة السعودية، التي منحته أيضًا راتبًا شهريًا سخيًا. في حوار لصحيفة “صنداي فيجين” أجراه سنة 1999، صرح أمين قائلا “إنني أعيش حياة هادئة وملتزمة بالدين والإسلام والله وليس لدي أي مشاكل مع أي شخص”، مضيفًا “أنا راضٍ عما أحصل عليه حتى أنني أدفع الرسوم المدرسية لعدد من أقاربي الأيتام في أوغندا وأساعد المحتاجين”.
اختار الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي بدوره الحياة الهادئة بعد أن فرّ إلى المملكة العربية السعودية في كانون الثاني/يناير 2011 في أعقاب الثورة التي اندلعت في بلاده وأشعلت شرارة انتفاضات الربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى غرار أمين، لم يُعرف الكثير عن حياة بن علي في المملكة العربية السعودية – باستثناء منشور تمت مشاركته على إنستغرام سنة 2013 يظهر فيه الديكتاتور السابق، الذي حكم تونس لمدة 23 عامًا، وهو يبتسم مرتديًا بيجامة مخططة.
يقول أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج لندن، لموقع “ميدل إيست آي”، إنه “بصفتهم حكاما سلطويين زملاء، يتعاطف السعوديون مع من يواجهون تهديد الاضطرابات الشعبية ويعطون الأولوية لأمن النظام على أي شيء آخر. وغالبا ما يجد قادة الأنظمة التي عرفت اضطرابات شعبية ملاذا لهم في المملكة”. ويضيف “السعوديين يعتبرون أنفسهم من الأنظمة المعادية للثورات لذلك هم يسعون إلى حماية الأنظمة الاستبدادية القائمة”.
“موقع المحادثات الحساسة”
لا يختار كل زعيم مخلوع مقيم في السعودية إنهاء مسيرته السياسية، بل يستخدمها بعض الحكام كمحطة توقف قبل محاولة العودة إلى السلطة من جديد. فعلى سبيل المثال، أطيح برئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف سنة 1999 بتهم الخطف والقرصنة والفساد ليُنفى إلى السعودية مع 18 من أفراد عائلته.
كتب خليفته برفيز مشرف لاحقًا في مذكراته أنه لولا تدخل الملك السعودي آنذاك فهد، لكان شريف قد أُعدم. وقد عرضت الرياض في وقت لاحق اللجوء على مشرف نفسه بعد اتهامه بالخيانة العظمى. عاد شريف من المملكة في سنة 2008، وقضى خمس سنوات كزعيم للمعارضة، قبل أن يحكم باكستان مرة أخرى في سنة 2013. كما أمضى رئيس الوزراء الحالي للبلاد، شقيق شريف الأصغر شهباز شريف، سنوات في المنفى السعودي مع بقية أفراد عائلته.
حيال هذا الشأن، يقول هاموند: “بدأت بعض دول الخليج الأخرى مثل قطر والإمارات العربية المتحدة بالاضطلاع بهذا الدور في العشرين عامًا الماضية، حيث استضافت شخصيات سياسية مثيرة للجدل. وهذا يتوافق مع الاستراتيجية الأوسع لتحويل هذه البلدان إلى مراكز للسياحة والاستثمار بالإضافة إلى توفير موقع للمحادثات السياسية الحساسة التي تهدف إلى حل النزاعات”.
يستشهد هاموند بقيادة قطر للمفاوضات مع طالبان، التي أمضى قادتها سنوات في المنفى في الإمارة الخليجية قبل أن يعودوا إلى السلطة في أفغانستان السنة الماضية. ويضيف هاموند: “إنه جزء من الترويج والتسويق لقوتهم الناعمة، ناهيك عن أنهم يخدمون مصالح القوى العالمية التقليدية ويمنحونها سببًا إضافيًا لعدم مضايقة هؤلاء القادة بشأن قضايا حقوق الإنسان. من المفيد للقوى الغربية التي تعتبر نفسها سادة للعالم أن تعرف أن هناك مكانًا يمكن فيه استضافة الحكام المستبدين في بلدان يمكنها توفير مساحة هادئة وتمكينهم من فترة تقاعد تعمها السكينة”.
ويشير كريغ إلى أن القادة المخلوعين الذين فروا إلى المملكة العربية السعودية ربما فقدوا سلطتهم، إلا أنهم لا يزال مهمين بالنسبة للرياض. ويضيف: “يوفر القادة المخلوعون الوصول إلى شبكات بديلة من النخب التي يمكن للمملكة استخدامها لفرض نفوذها وتأثيرها بعد الثورة. يتعلق الأمر بأهمية منح الأنظمة الاستبدادية الاستقرار بقدر ما يتعلق بفرض أجندة سياستها الخارجية”.
السعودية تصحح “حسابات خاطئة”
واصل الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي محاولة إدارة حكومته من منفاه في المملكة العربية السعودية. بعد فترة وجيزة من سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء سنة 2014، فر هادي إلى الرياض، التي قادت تحالفًا من الدول للتدخل في اليمن، مما أدى إلى اندلاع أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.
أدار هادي حكومته في المنفى لعدة سنوات حتى تنازل عن السلطة في النهاية لمجلس قيادة جديد في نيسان/ أبريل. وحسب بعض المسؤولين، فقد أجبرته السلطات السعودية على الاستقالة وفرضت عليه الإقامة الجبرية.
في الواقع، ليست هذه هي المرة الأولى التي يُزعم فيها أن الرياض تعتقل زعيمًا محاصرًا. في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، اتُهمت المملكة العربية السعودية باحتجاز سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني بعد أيام من إجباره على الاستقالة في خطاب متلفز ألقاه من الرياض.
يعتقد هاموند أن استضافة القادة المخلوعين قد تكون محاولة لتحسين صورة السعودية على الساحة الدولية، في إشارة إلى مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي. ويقول “بالنسبة لولي العهد محمد بن سلمان، إنها بالتأكيد فرصة لتبييض صورته من التقديرات الخاطئة التي طالته في السنوات الأخيرة، مثل اختطاف رئيس وزراء لبنان أو قتل كاتب معارض كان محبوبًا في دوائر النخبة الأمريكية”. ويضيف “سيعزز ذلك أهميته لإدارة بايدن مع زيارته المرتقبة”.
سواء عاد إلى موطنه في سريلانكا لتولي منصبه من جديد أو للتقاعد بعيدا عن الأنظار، فإن راجاباكسا يسير على خطى الزعماء السابقين الذين تمت الإطاحة بهم.
المصدر: ميدل إيست آي