كثيرًا ما تسمع في الجزائر عبارات من قبيل “لقد تراجعت هيبتنا” أو “لم نعد نملك أي تأثير في العالم” وأيضًا “من يعمل حساب لدولتنا”، عبارات تنم عن جرح عميق داخل كل جزائري وحنين لزمن مضى، زمن كان فيه للدبلوماسية الجزائرية صولة وجولة.
دبلوماسية نشطة زمن الاستقلال
يحق للجزائريين الافتخار بماضيهم والحنين إلى زمن الاستقلال الجميل، وقت كان يُحسب للجزائر ألف حساب بفضل دبلوماسيتها القوية، إذ لعبت الدبلوماسية الجزائرية عندما كان هواري بومدين في السلطة (1965-1978) وحتى في الأيام الأولى لرئاسة العقيد الشاذلي بن جديد (1979-1992) دورًا كبيرًا.
كانت هذه الدبلوماسية نشطة للغاية وملتزمة كثيرًا بقضايا العديد من البلدان العربية والإفريقية، ما جعلها بمثابة العلامة التجارية التي تسوق للجزائر المستقلة التي جعلت الثورة أساس وجودها، ففي تلك الفترة أقام الجزائريون ثورة ضد المستعمر الفرنسي وثورة أخرى لبناء دولة حديثة ومدّوا يدهم لكل من طلب تضامنهم.
بداية ازدهار الدبلوماسية الجزائرية لم تكن مع هواري بومدين، إنما بدأت مع أول رئيس للجزائر أحمد بن بلة الذي حكم بين 1963 و1965، ورغم قصر المدة التي ترأس فيها بن بلة البلاد، فإنه حاول الترويج للجزائر دبلوماسيًا.
ساهمت الوساطة الجزائرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في توقيع اتفاقية الجزائر 1981، التي بمقتضاها تم إطلاق سراح الموظفين الأمريكيين
لكن يجدر التذكير بأن الدبلوماسية الجزائرية ظهرت حتى قبل استقلال البلاد، فقد كان قادة التحرير يسعون إلى عزل فرنسا، حتى تنال البلاد استقلالها وتسترجع سيادتها، ونجحوا في تدويل قضية بلادهم في المحافل الدولية خاصة مؤتمر باندونغ.
إلا أن العصر الذهبي كان بالفعل على أكتاف عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية آنذاك، الذي كان أصغر وزير يشغل هذا المنصب، وكان الدافع وراء تحرك الجزائر في الخارج هو الرغبة في فرض هذا البلد كمحاور أساسي للقوى العظمى في القضايا المغاربية وكذلك القضايا الإفريقية.
وشغل بوتفليقة منصب وزير خارجية الجزائر وهو في سن 26، وكان له فضل كبير فيما وصلت له دبلوماسية بلاده من مكانة كبرى بين الأمم، فقد أحسن التسويق للجزائر واستثمار الفرص التي أتيحت أمامه.
“حرب الرمال” تدعم الدبلوماسية
في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 1963، واجهت الجزائر تحديًا جديدًا، هذه المرة ليست فرنسا وإنما الجارة الغربية التي دخلت معها في “حرب الرمال“، حينها كان على الجزائر أن تعمل بنشاط على إقناع المجتمع الدولي بأن المغرب هو المعتدي.
بعد عام تقريبًا من الاستقلال خاضت الجزائر حربًا مسلحة ضد المغرب بسبب مناوشات حدودية في ضواحي منطقة تندوف وحاسي البيضاء، واستمرت الحرب لأيام معدودة، وانتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.
في تلك الفترة تنافس الدبلوماسيون الجزائريون والمغاربة بهدف كسب حلفاء في المعسكر العربي وأيضًا بين الدول الإسلامية وحتى دول عدم الانحياز، وشكّل هذا التنافس دافعًا قويًا للدبلوماسية الجزائرية حتى تزدهر، فقد استطاعت كسب علاقات إقليمية ودولية قوية.
مباشرة إثر وصول بومدين إلى السلطة في يونيو/حزيران 1965، سارع الدبلوماسيون الجزائريون في الانتشار حول العالم لدعم وتشجيع وإسداء المشورة للأنظمة والعواصم الشقيقة حتى وصفها الغيني أملكار كابرال زعيم الحزب الإفريقي لتحرير غينيا وجزر الرأس الأخضر بـ”مكة الثوار”.
في تلك الفترة، قدمت الجزائر دعمًا كبيرًا لدول القارة الافريقية حتى تنال استقلالها، كما قدمت مساعدات مادية ومعنوية لحركات التحرير والمعارضة في كل من البرتغال وجزر الكناري والبرازيل وحتى الولايات المتحدة، حيث استقبلت العديد من القادة المعارضين للميز العنصري.
أصبحت الجزائر عاصمة ثورية تحت قيادة الوزير الشاب بوتفليقة، إذ لا يكاد الدبلوماسيون الجزائريون يتوقفون عن العمل حتى إنهم حقّقوا العديد من الانتصارات المرموقة لفائدة العديد من الدول الإفريقية، ما جعل نجم الجزائر في الساحة الدولية يبزغ كمدافع عن قضايا التحرر ونظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث.
انتصارات دبلوماسية كثيرة
رغم كون الجزائر حديثة العهد بالاستقلال في ذلك الوقت وخرجت للتو من حرب طويلة ومرهقة كلفتها خسائر بشرية كثيرة، فإنها استطاعت تكوين رصيد دبلوماسي مهمّ مكنها من إيجاد حلول لعدة مشاكل عربية وإقليمية.
من أبرز الانتصارات الدبلوماسية التي حققتها الجزائر، ذلك الخطاب الشهير الذي ألقاه بومدين أمام الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 1974، دافع خلاله الرجل الأول في الجزائر عن مفهوم “النظام الدولي الجديد”، وكان بومدين بذلك أول رئيس من العالم الثالث تحدث في الأمم المتحدة عن نظام دولي جديد.
من هذه الانتصارات أيضًا فتح الجزائر أبواب الأمم المتحدة أمام الفلسطينيين، إذ مُنح ياسر عرفات لأول مرة فرصة مخاطبة العالم من منبر الأمم المتحدة في ظل رئاسة جزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1974 في الدورة 29 التي ترأسها عبد العزيز بوتفليقة.
في تلك الدورة ألقى عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية خطابه التاريخي، الذي أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني الظلم والاضطهاد والاحتلال البشع، وقال مقولته الشهيرة: “لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
في تسعينيات القرن الماضي، كان الهدف الأول للدبلوماسية الجزائرية هو تجنب العزلة النهائية للبلاد
نبقى ضمن الانتصارات الدبلوماسية الجزائرية، ونسترجع هذه المرة إبرام الجزائر لاتفاقية حدودية بين العراق وإيران في 6 مارس/آذار 1975، وأظهر بذلك نظام بومدين للمجتمع الدولي قدرته على لعب دور الموفق واللاعب الملتزم في الحل السلمي للنزاعات.
فضلًا عن ذلك، ساهمت الوساطة الجزائرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في توقيع اتفاقية الجزائر 1981، التي بمقتضاها تم إطلاق سراح الموظفين الأمريكيين البالغ عددهم 52 شخصًا الذين تم احتجازهم في السفارة الأمريكية في طهران 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، مقابل التزام الحكومة الأمريكية بعدم التدخل في شؤون إيران ورد الأموال المجمدة وإلغاء العقوبات ضد إيران أمام المحاكم الأمريكية وتجميد أموال الشاه في الولايات المتحدة إلى أن تبت فيها المحاكم.
كما اهتمت الدبلوماسية الجزائرية بالصراعات داخل البلدان في إفريقيا، إذ لعبت دور مهمًا في القضاء على نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا، ذلك أن نيلسون مانديلا تلقى تكوينًا عسكريًا بالجزائر واستفاد من التجربة الجزائرية في مكافحة الاستعمار لتشابه الاستعمار الفرنسي ونظام الأبارتيد.
كما لعبت الجزائر دور الوسيط في العديد من النزاعات بين الدول الإفريقية، وعرضت الوساطة بين السنغال وموريتانيا وبين حركات الطوارق من جهة والنظامين النيجيري والمالي من جهة أخرى، لما تمتلك من سُمعة جيدة لدى الأفارقة.
نتيجة هذه الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة، أصبح للجزائر حضور مهم في القضايا العربية والإسلامية والإفريقية، وأصبحت مرجعًا بارزًا في عمليات السلام والوساطات بين الدول المتنازعة، على عكس باقي دول المنطقة.
قضية الصحراء وبداية أفول الدبلوماسية القوية
سنة 1975، انسحبت إسبانيا من الصحراء الغربية، وتركت الأمر للمغاربة والموريتانيين الذين سيطروا على المنطقة وتقاسموها فيما بينهم، الأمر الذي لم يرق للجزائر التي تؤكد دعمها حق تقرير المصير لكل الشعوب وترى أحقية الصحراويين في تحقيق المصير.
ساهمت الجزائر في تأسيس جبهة البوليساريو وما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” المعلنة من جانب واحد وبدأت في حشد دبلوماسيتها من أجل ثلاثة أهداف رئيسية ومتكاملة، وهي جعل المغرب ونظام الملك الحسن الثاني يتحملان المسؤولية الكاملة عن صراع الصحراء من خلال وضع قضية الصحراء على أساس إنهاء الاستعمار وحق تقرير المصير للقبائل الصحراوية.
وأيضًا اعتراف الجزائر بجبهة البوليساريو كمحاور شرعي وممثل وحيد للقبائل الصحراوية، إلى جانب السعي للحصول على اعتراف دولي بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” المعلنة ليلة 27 إلى 28 فبراير/شباط 1976.
سجلت الجزائر نقاطًا كثيرةً على حساب المغرب في تلك الفترة، إذ اعترفت العديد من الدول بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” أو على الأقل تبنت موقفًا يطالب بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم تحت رعاية الأمم المتحدة.
سمح اعتراف غالبية الدول الإفريقية بـ”الجمهورية الصحراوية الديمقراطية” بانضمامها إلى منظمة الوحدة الإفريقية، وهو ما أثار غضب المغرب ودفعه إلى الانسحاب من المنظمة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1984.
صحيح أن الجزائر كسبت نقاطًا في قضية الصحراء، لكن الثمن كان شديدًا أيضًا، إذ بدأت في فقدان ذلك الإشعاع الدبلوماسي وتلك المصداقية فكيف لدولة تدّعي الدفاع عن فكرة النظام الدولي الجديد أن تدخل في حرب باردة مع جارتها؟
تراجع كبير
في 3 مايو/أيار 1982، تعرض وزير الخارجية الجزائري آنذاك محمد الصديق بن يحيى لحادثة اغتيال، راح ضحيتها رفقة 13 من إطارات وزارة الخارجية وطاقم الطائرة التي أُسقطت على الحدود الفاصلة بين العراق وإيران، وهو في مهمة دبلوماسية لحل الخلاف بين العراق وإيران وتوقيف الحرب بينهما.
مثلت هذه الحادثة، بداية تراجع الدبلوماسية الجزائرية وانسحاب الجزائر التدريجي من المسائل المتعلقة بالصراعات في الشرق الأوسط، فهناك أطراف إقليمية لم يرق لها هذا الدور الكبير للجزائر لذلك عملت على إضعافها.
تفاقم الأمر كثيرًا نهاية الثمانينيات، في ظل الأزمة الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية واقتراب الجزائر من حافة الإفلاس سنة 1994، إذ لم يكن لدى النظام الجزائري الوقت أو الوسائل الكافية للاهتمام بالشؤون الإقليمية والعالمية.
حاول تبون إعادة بوصلة دبلوماسية بلاده إلى مكانها المعهود، والخروج من الانطواء والعزلة اللذين عُرفت بهما البلاد في العقود الأخيرة
في تسعينيات القرن الماضي، كان الهدف الأول للدبلوماسية الجزائرية هو تجنب العزلة النهائية للبلاد، فقد كانت الدبلوماسية تعمل على جعل العواصم الكبرى تقبل قرار تعطيل العملية الانتخابية في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991 التي شهدت انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
كما عمل دبلوماسيو الجزائر على إقناع حلفائهم أن ما يحصل في البلاد من حرب أهلية هو شأن داخلي، ولا يحق لأحد التدخل، وعملوا أيضًا على إقناع الشركاء برؤية النظام بخطر الإسلاميين الفائزين بالانتخابات واستحالة دمجهم في اللعبة السياسية.
نتيجة تراجع قوة الدبلوماسية الجزائرية، قطعت العديد من الدول الإفريقية العلاقات فجأة مع جبهة البوليساريو وما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، واستغل المغرب هذا الأمر وحاول إعادة التوازن إلى ميزان القوة الدبلوماسية لصالحه.
من علامات التراجع أيضًا انسحاب الجزائر من الساحة الدولية خلال التسعينيات والتراجع الدبلوماسي الكبير، تشديد العديد من الدول الغربية لشروط منح التأشيرات فضلًا عن إغلاق بعض السفارات وقطع الخطوط الجوية.
تحسّن طفيف بعد رجوع بوتفليقة
سنة 1999 عاد بوتفليقة إلى الجزائر كمرشح للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد لخلافة لليامين زروال الذي قرر الاستقالة ليعتلي الحكم شهر أبريل/نيسان من نفس السنة، وبعد أن تولى بوتفليقة السلطة أعاد مسك ملف الدبلوماسية الجزائرية من جديد.
أراد بوتفليقة إعادة مجد دبلوماسية بلاده، فأدى رحلات خارجية وزيارات رسمية للعديد من الدول لإقناعها بأن الأزمة في بلاده انتهت، حاملًا معه قانون الوئام المدني الذي صوّت عليه الجزائريون بكثافة في سبتمبر/أيلول 1999، الذي يقر العفو عن المسلحين الذين لم يقترفوا جرائم قتل أو اغتصاب وقبلوا بتسليم أسلحتهم.
تمكن بوتفليقة من استعادة صورة أكثر إيجابية عن الجزائر، وبفضل العودة التدريجية للسلم الأهلي وتحسن الوضع المالي، أصبح للجزائر مرة أخرى كلمة مسموعة على الساحة الدولية، وأصبح بوتفليقة الضيف المُبجل لدول عديدة.
من بين الانتصارات الدبلوماسية التي حققها بوتفليقة حمل إثيوبيا وإريتريا على توقيع اتفاق سلام في الجزائر العاصمة في 12 ديسمبر/كانون الأول 2000، وهو ما مهد لإيقاف الحرب التي كانت نتائجها وخيمة على البلدين.
كما رجع للجزائر دورها المهم في منطقة المغرب العربي وجنوب المتوسط فضلًا عن منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، وشاركت الدبلوماسية الجزائرية في إيجاد العديد من الحلول لنزاعات وأزمات كثيرة في القارة السمراء.
تراجع جديد
استعادت الجزائر في بداية الألفية الثانية جزءًا مهمًا من صورتها، لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ حملت سنة 2009 تطورًا مهمًا وتمثل الأمر في إعادة انتخاب بوتفليقة للمرة الثالثة على التوالي رئيسًا للبلاد رغم حالته الصحية الحرجة حينها.
بقاء بوتفليقة في السلطة مثل إحراجًا للجزائر، ذلك أنه تجاوز الدستور وعدله لصالحه وأيضًا حالته الصحية لم تعد تسمح له بالبقاء أكثر في السلطة، إذ بدأ بوتفليقة سنة 2005 رحلة العلاج في المستشفيات الفرنسية وأصبح زائرًا وفيًا لمستشفى فال دوغراس.
مرض بوتفليقة أثر على دبلوماسية بلاده، ليس هذا فحسب، إذ شهدت المنطقة بروز لاعبين جدد لمنافسة الجزائر ومنهم المملكة العربية السعودية ودولة قطر، نافس هؤلاء الجزائر في قضايا كانت حكرًا عليها، ما أثر عليها كثيرًا.
كما أثر ملف الصحراء الغربية وعدم الوصول إلى حل في صورة الجزائر الخارجية، بعد أن نجح المغرب في إقناع العديد من الدول والمنظمات بأن الجزائر السبب الأبرز لعدم الوصول إلى حل للأزمة وفق النظام المغربي.
تراجعت الدبلوماسية الجزائرية شيئًا فشيئًا وأصبح صوتها غير مسموع في المحافل الإقليمية والدولية، خاصة منذ سنة 2013 تاريخ إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية، إذ خفض بوتفليقة كثيرًا من نشاطه العام داخل البلاد وخارجها.
فقدت الدبلوماسية الجزائرية الهالة التي كانت تتمتع بها في القارة الإفريقية بعد استقلالها، وفقدت مكانتها المغاربية حتى إنها لم تستطع الانخراط في مسار حل الأزمة الليبية وكان دورها غير مرئي في أزمات دول الساحل والصحراء الإفريقية.
محاولات تبون إعادة البوصلة إلى مكانها
عقب وصوله إلى كرسي الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، حاول الرئيس عبد المجيد تبون إعادة بوصلة دبلوماسية بلاده إلى مكانها المعهود، والخروج من الانطواء والعزلة اللذين عُرفت بهما البلاد في العقود الأخيرة.
في هذا الإطار استقبل تبون في ديسمبر/كانون الأول 2021 الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في زيارة رسمية للجزائر امتدت 3 أيام، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس موريتاني منذ 10 سنوات، أي منذ آخر زيارة كان قد قام بها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ديسمبر/كانون الأول 2011.
كما زار تبون تونس ويُذكر أنه لم يحطَّ رئيس جزائري في تونس منذ سنة 2009، وعاد اهتمام الجزائر بالملف الليبي بعد أن اكتفت لسنوات طويلة بدور المتفرج واقترحت في هذا الصدد مبادرات عديدة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وكان لها دور مهم في مؤتمر برلين.
كما كثّف وزير الخارجية الجزائري زياراته إلى دول الجوار من إثيوبيا والسودان والنيجر ومالي ومصر وتركيا، فضلًا عن استقبال الجزائر لعدة مسؤولين بارزين، لإزالة الجمود الحاصل في الدبلوماسية الجزائرية.
ترتبط الجزائر بعلاقات قوية مع تركيا تعززت في السنوات الأخيرة وظهر ذلك في التوافق بين البلدين في العديد من الملفات منها الملف الليبي
فضلًا عن ذلك، رمت الدبلوماسية الجزائرية بثقلها في أزمة حوض النيل، وتقدّمت نحو أديس أبابا والخرطوم والقاهرة بحثًا عن حلّ للعقدة الإقليمية، قبل أن تبدي تحالفًا واضحًا مع إثيوبيا في ظل عدم تطابق وجهات النظر مع القاهرة.
ليس هذا فحسب، إذ انتقلت الدبلوماسية الجزائرية من خيار “الصمت” إلى خيار “الفعل” هذه المرة، بعد اقتناع مسؤولي النظام أن مزيدًا من الصمت في منطقة متحرِّكة سيكلّف النظام الجزائري الكثير، وأصبحت تنتهج علاقات الند بالند.
ظهر ذلك في الأزمة الأخيرة مع إسبانيا، إذ لم تقبل الجزائر التحولات في السياسات الخارجية الإسبانية في علاقات بملفات للجزائر دخل فيها، وقطعت العلاقات معها، وظهر هذا الأمر مع فرنسا كذلك، فالجزائر في موقف قوة ولا تقبل أن تؤتمر.
علاقات قوية مع قوى إقليمية ودولية
الملاحظ أنه رغم تراجع الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة، فإن الجزائر حافظت على العلاقات القوية مع بعض القوى الدولية والإقليمية، إذ ما زالت لاعبًا مؤثرًا داخل الاتحاد الإفريقي وتمكنت بفضل ذلك من عرقلة انضمام الكيان الإسرائيلي إلى الاتحاد القاري.
ترتبط الجزائر بعلاقات قوية مع دول معينة مثل جنوب إفريقيا التي تساند نفس الطرح في ملف الصحراء الغربية وكانت سندًا قويًا لها في معركتها الأخيرة ضد الكيان الصهيوني داخل أروقة الاتحاد الإفريقي.
كما ترتبط الجزائر بعلاقات قوية مع موسكو، وتعتبر الجزائر المستورد الثالث للأسلحة الروسية في العالم، التي تتضمن المقاتلات وطائرات نقل الجند والمروحيات والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والغواصات، كما أن الجزائر تستورد جزءًا كبيرًا من قمحها من روسيا.
إلى جانب ذلك، ترتبط الجزائر بعلاقات قوية مع تركيا تعززت في السنوات الأخيرة، وظهر ذلك في التوافق بين البلدين في العديد من الملفات منها الملف الليبي وتطورات الوضع في المنطقة المغاربية، فضلًا عن علاقاتها المتطورة مع قطر وإثيوبيا، ما يجعلها رقمًا صعبًا يصعب تجاوزه.