ترجمة حفصة جودة
كان نضال حلس – 33 عامًا – ينتظر والده ليأخذه إلى المرحاض، عندما وصل أشرف – 55 عامًا – من المسجد بعد الصلاة، وضع نضال على كرسيه المتحرك ودفعه نحو المرحاض، يعاني نضال منذ مولده من شلل في رجله اليسرى التي انتشرت فيها تقرحات الفراش مؤخرًا، وقد ازدادت حالته سوءًا قبل 10 سنوات عندما انكسرت عظمة الرضفة (عظمة رأس الركبة) بعد سقوطه من فوق كرسيه المتحرك.
يقول نضال: “انتشرت تقرحات الفراش في رجلي مسببة ألم لا يُحتمل، ولا يمكن لأطباء غزة أن يقدموا لي شيئًا، لا يمكنني تحمل الأمل، ويسمع جيراني صراخي من الألم كل يوم”.
لكي يخضع نضال لعملية استبدال الركبة في مستشفى المقاصد بالقدس، تقدم مع والده بطلب للهيئة العامة الفلسطينية للشؤون المدنية 5 مرات منذ أغسطس/آب 2021، ومع ذلك، أجلت “إسرائيل” الإجراءات الطبية 4 مرات مثلما تفعل مع أكثر من نصف مرضى غزة الذين يتعرضون لتأجيلات وحظر من دخول مستشفيات الضفة الغربية والقدس أو “إسرائيل” بحجج أمنية رغم أن السلطة الفلسطينية تتكفل بكل النفقات.
هذه الإجراءات جزء من الحصار الإسرائيلي الخانق لقطاع غزة الذي دخل عامه الـ15، فقد فُرض حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، دمر ذلك الحياة الاقتصادية والاجتماعية في القطاع الساحلي مع قيود شديدة على حركة الناس والبضائع التي تركت مليوني فلسطيني يعيشون في سجن مفتوح.
وفقًا للتقرير الشهري لمنظمة الصحة العالمية في أبريل/نيسان، فقد وافقت “إسرائيل” على 57% فقط من تصريحات دخول المرضى من غزة، وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان الدولية وآليات الأمم المتحدة هذا الحصار بعقاب جماعي غير قانوني.
يقول أشرف – وهو أب لـ7 أبناء منهم 6 عاطلين عن العمل -: “تلقينا رسالة قبل يوم من الموعد من هيئة الشؤون المدنية يقولون فيها إن طلبنا قيد البحث – الفحص الأمني – رغم أنني عملت في “إسرائيل” لأكثر من عقد”.
“الحل البديل السفر إلى مصر، لكنني لا أستطيع تحمل تلك النفقات، فأنا بحاجة إلى 2000 دولار على الأقل، والجزء الأسوأ هو رحلة السفر 12 ساعة إلى القاهرة، ثم 3 أيام للعودة إلى غزة بسبب العمليات العسكرية المصرية في صحراء سيناء، فكيف سيتحمل ابني كل ذلك؟”.
يتمثل دخل الأب الرئيسي في راتب الرعاية الاجتماعية من وزارة الشؤون الاجتماعية، كما أنه يحتاج إلى 100 دولار شهريًا لعلاج نضال، من المفترض أن تتراوح مدفوعات الرعاية الاجتماعية ما بين 700 إلى 1800 شيكل (201-518 دولارًا) كل 3 أشهر، لكننا حصلنا على 400 شيكل فقط لأول مرة الأسبوع الماضي بعد أكثر من عام بس نقص التمويل من الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية.
منذ تأسيسها عام 1993، اعتمدت السلطة الفلسطينية بشدة على المساعدات الأجنبية لدفع رواتب الموظفين وضخ المال للاقتصاد، ومع ذلك ففي السنوات الأخيرة، بدأت أمريكا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في استغلال تلك التبرعات لدفع السلطة الفلسطينية نحو تسوية سياسية مع “إسرائيل”.
وصل عجز ميزانية السلطة الفلسطينية في 2021 إلى 1.26 مليار دولار، مع انخفاض قياسي في المساعدات الأجنبية قدره 317 مليون دولار، وفقًا لتقرير البنك الدولي في مايو/أيار.
يقول أشرف: “لا يمكنني علاجه، لذا أعطيه مسكنات الألم باستمرار لتخفيف معاناته”.
انقطاع الكهرباء
تعاني فداء الريفي من شلل نصفي – تلف دماغي يسبب شللًا في جانب واحد من الجسم – وسماك شائع (اضطراب جلدي)، لذا تحتاج إلى مكيف هواء ومرتبة هوائية، لكن نظرًا لانقطاع الكهرباء اليومي الذي يمتد ما بين 8 إلى 16 ساعة وظروف أسرتها المالية، لا يمكنها الحصول عليهم.
تقول فداء: “لا يمكننا شراء مكيف هواء لذا أعتمد على المروحة، لكننا لا نملك مصدرًا آخر للكهرباء، لذا عندما ينقطع التيار أبدأ في العرق فأحك جلدي حتى ينزف، في هذا الوقت أنام على الأرض بدلًا من السرير، فرغم أنه مؤلم لظهري، فإن النوم كذلك أفضل من النزف بسبب الحرارة”.
تؤثر أزمة الكهرباء بشكل سيئ على ذوي الإعاقة، فهي تعني عدم وجود كهرباء للمصاعد أو لشحن بطاريات الكراسي المتحركة الكهربائية أو المراتب الهوائية وأشياء أخرى.
تقول الريفي: “تحتاج بطارية دراجة التنقل الخاصة بي إلى 4 ساعات للشحن بالكامل، لكنني أنام مبكرًا بينما تعود الكهرباء للعمل في العاشرة مساءً 3 أو 4 أيام في الأسبوع وتنقطع مرة أخرى في السادسة صباحًا قبل أن أستيقظ، ولأنني لا أستطيع شحن دراجاتي فلا أستطيع مغادرة المنزل وأضطر للإلغاء مواعيدي”.
وصل معدل الفقر في غزة إلى 53%، بينما تبلغ احتياجات الريفي الطبية 200 دولار شهريًا، وهو مبلغ لا يتحمله والدها محمد – 56 عامًا ، فني الكهرباء وأب لـ10 أبناء – الذي يقول: “من المفترض أن يغطي الكريم كامل جسمها 3 مرات في اليوم، خاصة عند انقطاع الكهرباء وبدء تعرقها”.
يعاني 3% من سكان غزة البالغ عددهم 2.17 مليون نسمة من الإعاقة وفقًا لمكتب الإحصاءات الفلسطينية المركزي
“في بعض الأحيان لا نجد أدويتها في غزة، لذا نضطر لشراء بديل لا يكون بنفس الفاعلية، لكنها لا تعاني بسبب نقص الدواء بقدر معاناتها نتيجة انقطاع الكهرباء”.
ارتفاع أسعار قطع الغيار
أصدرت هيومن رايتش ووتش تقريرًا في 2022 قالت فيه إن عقدًا من القيود الإسرائيلية على غزة سلبت ذوي الإعاقة حقهم في حرية التنقل، بالإضافة إلى الوصول للأجهزة والكهرباء والتكنولوجيا التي يحتاجونها للتواصل ومغادرة منازلهم.
يعاني محمد عمرين – 33 عامًا وأب لـ3 أطفال – من شلل دماغي ويعتمد بشكل كامل على دراجته للتنقل، لكن بسبب الحصار ارتفعت أسعار قطع غيار الدراجات والكراسي المتحركة الكهربائية.
يقول عمرين – صاحب شهادة في المحاسبة لم يتمكن من العمل بها مطلقًا -: “دراجتي معطلة منذ أكثر من عام ولا أملك المبلغ اللازم لإصلاحها الذي يبلغ 1500 شيكل (432 دولارًا)، لذا أمشي باستخدام العكازات لمدة 50 دقيقة كل يوم للوصول إلى وسيلة مواصلات رخيصة”.
“لدي منضدة في سوق الشارع أعمل بها منذ الـ9 صباحًا حتى الـ10 ليلًا، لأجني 25 شيكلًا (7.20 دولار) في اليوم، لكن سيارة الأجرة تكلفني 8 شيكل كل يوم، إذا انخفضت أسعار قطع الغيار يومًا ما سأصلح كرسي المتحرك لأوفر هذا المال لأسرتي”.
تقدم بعض جمعيات المجتمع المدني المحلية كراسي متحركة كهربائية جديدة لذوي الإعاقة كل عامين أو ثلاثة حسب التمويل، من بين هذه المنظمات غير الحكومية الجمعية الوطنية لإعادة التأهيل وجمعية بلسم لإعادة التأهيل الاجتماعي وجمعية المعاقين جسديًا وغيرهم.
يدير معظم هذه الجمعيات مواطنون من غزة لكنها تحصل على تمويل من منظمات إقليمية ودولية ومن بعض الدول، يقول عمرين: “حصلت على كرسيّ المتحرك عام 2018، وعندما طلبت كرسيًا جديدًا أخبرتني الجمعية بعدم توافر التمويل الكافي”.
وضع متدهور
يعاني 3% من سكان غزة البالغ عددهم 2.17 مليون نسمة من الإعاقة وفقًا لمكتب الإحصاءات الفلسطينية المركزي، لكن جودة قطع غيار الدراجات والكراسي المتحركة ضعيفة، وليست متاحة دائمًا، كما أن أسعارهم مرتفعة، وفقًا لما يقوله علي الهندي صاحب ورشة للكراسي الكهربائية المتحركة.
يقول هندي: “يصل سعر اللوحة الأم إلى 1500 شيكل (432 دولارًا) مقارنة بـ600 شيكل في 2012، ويبلغ متوسط أسعار الشواحن 800 شيكل (231 دولارًا) مقارنة بـ100 دولار في 2012، حاولت استيراد كراسي متحركة ودراجات تنقل مستعملة من “إسرائيل” العام الماضي لكنها منعتني من ذلك، لقد ارتفعت الأسعار 3 و4 أضعاف بسبب الحصار”.
“قبل 10 أعوام، كنت أعمل على مشروعين أو ثلاثة في الشهر لصالح الجمعيات المحلية لصيانة الكراسي المتحركة والدراجات، والآن لا أعمل إلا على مشروع واحد كل شهرين أو ثلاثة”.
يقول جمال الروزي مدير الجمعية الوطنية لإعادة التأهيل: “نظرًا للوضع المتدهور، يميل المانحون لتمويل المساعدات الإنسانية بدلًا من المشروعات التنموية”، فمشروع الإغاثة يقدم مساعدات إنسانية للمحتاجين في أثناء وبعد الأزمة، في المقابل، تهدف المشروعات التنموية إلى توليد مصدر دخل لذوي الإعاقة على المدى الطويل من خلال مشروعات اقتصادية صغيرة متنوعة.
يضيف الروزي “إضافة إلى نقص قطع الغيار والآثار الكارثية لانقطاع الكهرباء على ذوي الإعاقة، تناقص التمويل الأجنبي بشكل حاد، فالتمويل الذي حصلت عليه جمعيتي مؤخرًا أقل بنسبة 60% عن التمويل قبل الحصار، وللأسف اضطررنا العام الماضي إلى إيقاف المشروعات طويلة المدى لـ2000 مواطن من ذوي الإعاقة بسبب نقص التمويل”.
يقول صلاح عبد العاطي خبير حقوق الإنسان ومدير اللجنة الوطنية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني إنه وفقًا لمعاهدة جنيف الرابعة، فإن حرمان ذوي الإعاقة من الوصول إلى مستشفيات الضفة الغربية وحظر المعدات الطبية عنهم يعد جريمة حرب.
ويضيف “يجب أن يتدخل المجتمع الدولي لكسر هذا الحصار والسماح بدخول المعدات والأجهزة الطبية لذوي الإعاقة”.
حصل نضال على موعد جديد يوم 8 أغسطس/آب في مستشفى المقاصد، يقول نضال: “أناشد جميع الناس مساعدتي لتلقي العلاج، لقد حذرني الأطباء من أن عدم تلقي العلاج قد يصيبني بالغرغرينا وحينها سيضطرون إلى بتر رجلي، أرجوكم لا أريد ذلك”.
المصدر: ميدل إيست آي