جاءت تغريدة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والتي أكّد فيها صحّة التسريبات التي نُسبت إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لتضع المشهد السياسي أمام تحديات صعبة حول طبيعة السيناريو القادم الذي ينتظر العملية السياسية في العراق.
وردًّا على التسريبات طالب الصدر بإطفاء الفتنة من خلال استنكار القيادات المتحالفة مع المالكي وعشيرته، معتبرًا ألّا حقّ للمالكي بقيادة العراق بأي شكل، وأضاف: “أتعجّب من محاولة قتلي من قبل حزب الدعوة وكبيرهم المالكي”، وقال: “أنصح المالكي بالاعتكاف واعتزال العمل السياسي”، مشيرًا إلى أن “وصوله للسلطة سيكون خرابًا ودمارًا للعراق وأهله”.
ردُّ الصدر مثّلَ تحولًا مهمًّا في طريقة التعاطي مع المالكي، فما لا شكّ فيه أن الصراع بين الطرفَين ليس وليد اللحظة، وإنما يعود إلى بدايات تشكُّل العملية السياسية عام 2006، إلا أنها المرة الأولى التي يشير فيها الصدر إلى اسم شخصية سياسية بعينها، في الوقت الذي كان يستخدم فيه عبارات عامة في تغريداته السابقة، سواءً بالردّ على شخص أو كيان أو جماعة مسلَّحة.
حيث إن تأكيد الصدر على صحة هذه التسريبات التي على ما يبدو أنها ستسمر في أجزاء قادمة، يحاول من خلاله إنهاء المالكي سياسيًّا، بل السعي إلى تجريده من وسائل القوة الأخرى التي يمتلكها، سواء على مستوى الحلفاء أو الدولة العميقة التي يديرها.
أسهُم رئيس الحكومة الحالي، مصطفى الكاظمي، عادت للتصاعد مرة أخرى، وهذه المرة عبر إيران
إن تأكيد الصدر على ضرورة أن يختار حلفاء المالكي، والحديث هنا عن الإطار التنسيقي الشيعي، موقفًا واضحًا من الكلام الذي قاله المالكي في التسريبات المنسوبة إليه، سيضع قوى الإطار التنسيقي الشيعي في موقف سياسي صعب للغاية، سواء على مستوى قوى الإطار، التي تعيش إلى جانب ذلك حالة تشتُّت داخلي على مستوى اختيار اسم رئيس الوزراء، أو على مستوى العلاقة مع المالكي الذي على ما يبدو أصبح يشكّل عبئًا على قوى الإطار.
إذ أصبحت هذه القوى محرجة أمام جمهورها، خصوصًا أنه لوّح في هذه التسريبات، وفي الجزء الخامس منها، بضرورة إراقة الدماء في العراق بموافقة مراجع وقيادات لها شرعية، وما يشير إلى ذلك هو عدم صدور أي بيان يوضّح موقفها الرسمي من التسريبات، سوى بعض التصريحات التي اعتبرت هذه التسريبات بمثابة جهد استخباراتي خارجي يهدف لإثارة الفتنة بين أبناء المكوّن الشيعي.
سيناريو صعب بانتظار الإطار
ما لا شكّ فيه أن الأيام المقبلة ستكون حُبلى بالمفاجآت، حيث إن استمرار النهج الهادئ للصدر في تعامله مع هذه التسريبات، ورميه الكرة في ملعب قوى الإطار التنسيقي الشيعي، يشيران إلى أنه على ما يبدو بانتظار ترضية سياسية يقدّمها الإطار التنسيقي الشيعي، أبرزها استبعاد المالكي من العملية السياسية، وترشيح شخصية سياسية حسب المقاسات التي سبق أن أعلن عنها الصدر في خطبة الجمعة الموحَّدة، فنجاح الصدر في حشد الشارع من جهة، والتفاعل الشعبي مع التسريبات من جهة أخرى، فرضا ضغوطًا كبيرة على قوى الإطار التي على ما يبدو تدرس خياراتها الآن.
وفي هذا السياق أيضًا، رغم الأسماء التي بدأت تلوّح بها قوى الإطار التنسيقي الشيعي كمرشّحين لرئاسة الوزراء، وأبرزهم مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ووزير الهجرة والمهجرين السابق محمد شياع السوداني، إلا أن أسهُم رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي عادت للتصاعد مرة أخرى، وهذه المرة عبر إيران، التي تشير آخر الأخبار القادمة منها أن الحرس الثوري لم يعد يمتلك خطوطًا حمراء على الكاظمي، مقابل ضمانات يجب أن يقدّمها، أبرزها عدم المساس بالحشد الشعبي وسلاح الفصائل.
وأبلغَ هذه الموافقة قائدُ فيلق القدس، إسماعيل قاآني، لممثلين عن قوى الإطار التنسيقي الشيعي في اجتماع لهم في طهران مؤخرًا، حيث تشير وجهة نظر قاآني إلى أن المنطقة مقبلة على تهدئة، وأن الكاظمي وحده من يستطيع الحفاظ على التوازن الداخلي والخارجي في العراق، وتحديدًا في الملفات المتعلقة بالشأن الإيراني.
الظرف السياسي الحالي الذي يمرّ به العراق يضع المالكي في موقف سياسي محرج
إن عدم صدور أي موقف من قوى الإطار التنسيقي الشيعي حول تسريبات المالكي، رغم الإساءات التي حملتها هذه التسريبات لقيادات في الحشد، يشير إلى أن هناك توجُّهًا إطاريًّا أولًا وإيرانيًّا ثانيًا بعدم الردّ عليها، خشية أن ينتقل الصراع إلى داخل الإطار التنسيقي الشيعي، أو بين المالكي والفصائل.
فالمالكي، ورغم وضعه السياسي الحرج، إلا أنه لا يزال يملك نفوذًا كبيرًا داخل الحشد الشعبي، هذا إلى جانب أن إيران لا يمكن أن تتنازل عنه بسهولة، خشية أن يعكس تنازلها صورة سيّئة عنها لدى حلفائها في الداخل العراقي، وهي على ما يبدو تحاول أن تؤمّن له مخرجًا سياسيًّا يحافظ على ما تبقّى لها من تأثير داخل البيت الشيعي.
إن الظرف السياسي الحالي الذي يمرّ به العراق يضع المالكي في موقف سياسي محرج، إذ لا يتعلق الأمر باعتزاله أو اعتكافه العمل السياسي، بقدر ما يتعلق الأمر بمستقبل الدولة العميقة التي شكّلها منذ عام 2006، وعلاقته مع قادة الفصائل المسلحة، ودوره المحوري في ترسيخ النفوذ الإيراني في البلاد.
هذه المسارات الثلاثة تبدو متداخلة بشكل أو آخر مع أي مستقبل ينتظر المالكي سلبًا أم إيجابًا، ورغم أن الصدر والمالكي يستفيدان من الصراع بينهما عبر تحشيد الشارع وتقوية التحالفات، إلا أن الوضع تغيّر اليوم مع استمرار تواتُر التسريبات، وتفكُّك مواقف قوى الإطار التنسيقي الشيعي، إذ يبدو أن الصدر نجح حتى اللحظة في كسب جولات المواجهة مع المالكي.
إجمالًا، إن السيناريو الذي ينتظر العملية السياسية سيكون مبنيًّا بالأساس على النتيجة التي سينتهي إليها الصراع بين الرجلَين، إذ تبدو الأمور مرشّحة للتصاعد، خصوصًا بعد خروج مظاهرات مؤيدة للصدر في مدينة ذي قار، مقابل بيان أصدرته عشيرة بني مالك التي ينتمي إليها المالكي، مؤكدة عدم براءتها منه في ردٍّ على تغريدة الصدر، ومن ثم إن خيار التهدئة أو التصعيد سيكون متوقفًا على طبيعة المآلات التي تنتظر العملية السياسية في العراق في المرحلة المقبلة.