إخلاءات وهروب جماعي وقتلى بالمئات ومستشفيات تعج بالمرضى، هذا ما تحدثه موجات الحر التي تضرب العالم تمامًا كما الكوارث الأخرى التي تنتج عن أزمة الاحتباس الحراري، فليست وحدها فورات البراكين والعواصف الثلجية والفيضانات هي ما يخلف المآسي، على أنه في حالة موجة الحر تبدو إمكانية الوقاية والنجاة أعلى بكثير.
مقالنا هذا يتناول الجانب الصحي، كيف نحافظ على سلامة أبداننا في موجات الحر، وكيف يمكننا اجتياز الصيف وموجات القيظ بعيدًا عن المرض.
سنتحدث عن مصطلح علمي واسع هو الإجهاد الحراري (Heat Stress)، الذي يشمل طيفًا واسعًا من الأمراض (الخطيرة منها كضربة الشمس والبسيطة كطفح الحرارة الجلدي)، والتي يمكن أن يُصاب بها الجسد عند تعريضه لدرجات حرارة تفوق قدرته على التحمل، لكن قبل الحديث عن هذه الأمراض لا بدَّ من توضيح وفهم آلية عمل الجسد البشري في تنظيم الحرارة.
الجسم البشري مصمَّم على العمل بكفاءة عالية عند حوالي الدرجة 37 مئوية، وللحفاظ على هذه الدرجة تمتلك أجسادنا منظومة بيولوجية رائعة يُطلق عليها اسم “التنظيم الحراري البشري (Human Thermoregulation)”، هذه المنظومة مسؤولة عن عدد من الآليات التي يتّخذها الجسم للحفاظ على مستوى حرارة ثابت يقع في مدى مرونة قليلة بعض الشيء (بين 37 و37.8 درجة مئوية).
تحت المهاد أو الـ Hypothalamus هو جزء الدماغ المسؤول عن تنظيم حرارة الجسم، وخلق حالة من التوازن الثابت بين محيط الجسد الداخلي ومحيطه الخارجي، فعندما تتغير درجة حرارة الجسم ترسل أجهزة الاستشعار في أجهزتنا العصبية المركزية (CNS) رسائل إلى منطقة ما تحت المهاد، التي بدورها تقوم بتحديد الاستجابة التي سيتّخذها الجسم لاستعادة التوازن، حيث يبدأ الجسم بالتعرُّق كمحاولة لخفض حرارة الجسم الداخلية، كما تتّسع الأوعية الدموية الموجودة تحت الجلد، ما يؤدّي إلى زيادة تدفُّق الدم إلى البشرة لجعلها أكثر برودة، ما يتيح للجسم إطلاق الحرارة من خلال الإشعاع الحراري.
عند فشل أجسادنا في التخلُّص من الحرارة، يفقدُ الجسد قدرته على المحافظة على التوازن، ما يؤدي إلى حدوث أضرار كثيرة متفاوتة في الشدة، سنأتي على ذكرها تباعًا.
آثار الإجهاد الحراري على جسم الإنسان: عندما يتعرض الجسم لدرجات حرارة عالية بشكل غير عادي، يمكن أن يتأثر على الشكل التالي ⬇️⬇️ pic.twitter.com/YnDdJq4sdC
— فرانس برس بالعربية (@AFPar) July 16, 2022
ضربة الشمس (Heat Stroke)
ضربة الشمس هي أخطر الأمراض المرتبطة بالحرارة، لأن أي تأخير في العلاج ممكن ان يؤدّي الى تلف الدماغ، القلب، الكليتَين والعضلات، ويزداد الضرر سوءًا كلّما تأخّر العلاج، ما يزيد من إمكانية حدوث مضاعفات خطيرة وإعاقة دائمة أو الوفاة.
تحدث ضربة الشمس عندما يفقد الجسم القدرة على الحفاظ على درجة حرارته الطبيعية، حيث تفشل آلية التعرُّق ولا يستطيع الجسم أن يبرد، فترتفع حرارة الجسم إلى 40 درجة مئوية، غالبًا ما تحدث نتيجة التعرض لفترات طويلة لحرارة الشمس، أو عند بذل مجهود بدني في درجات الحرارة المرتفعة.
أعراض الإصابه :
( ضربة الشمس ، الإجهاد الحراري ) pic.twitter.com/nVOlMUBa9H— صحتك (@Uhealthtoday) June 20, 2022
الأعراض
– العلامة الرئيسية هي ارتفاع درجة حرارة الجسم لـ 40 درجة مئوية أو أعلى.
– اختلال الحالة العقلية والسلوكية (الارتباك، الكلام المتداخل، الهيجان، الهذيان وربما الغيبوبة).
– صداع.
– تسارُع في ضربات القلب.
– تنفُّس بشكل سريع.
– بشرة حارة وجافة أو تعرُّق غزير.
– غثيان أو تقيُّؤ.
– العلاج
– نقل المريض إلى المشفى لطلب المساعدة الطبية العاجلة.
– في حال تأخُّر نقل المريض إلى المشفى لا بدَّ من اتخاذ خطوات إسعافية لإنقاذه بنقله أولًا إلى منطقة مظللة بعيدة عن حرارة الشمس المباشرة.
– قُم بتبريد الشخص بأي وسيلة متاحة (غسل الجلد بالماء، رشّ المصاب بخرطوم المياه، وضع المصاب في حمام الثلج، إبقاء الملابس مبللة ووضع قطع قماش مبللة على الرأس والرقبة والإبطَين).
– تدوير الهواء حول المصاب.
– عدم إعطاء المصاب أي أدوية خافضة للحرارة.
الإغماء الحراري (Heat Syncope)
هي حالة من فقدان الوعي أو نوبة دوار وصداع تحدث عندما ينخفض الضغط الدموي، بعد فقدان المصاب السوائل جرّاء كثرة التعرق نتيجة تعرض جسمه لدرجات حرارة عالية، ويتمّ إسعاف المصاب بنقله إلى مكان بارد ومظلّل، وإعطائه الماء أو العصير بشكل بطيء.
الإرهاق الحراري (Heat Exhaustion)
يحدث نتيجة فقدان الجسم الأملاح والسوائل بسبب التعرُّق المفرط المؤدي في الغالب إلى الجفاف، غالبًا ما يصيب كبار السن، الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم والعمّال الذين يعملون في ظروف عمل غير صحية.
الأعراض
– ارتفاع درجة الحرارة لـ 38 درجة مئوية أو أعلى.
– صداع، دوخة وارتباك.
– فقدان الشهية والشعور بالغثيان.
– التعرق المفرط والجلد شاحب ورطب.
– تقلُّصات في الذراعَين والساقَين والمعدة.
– تسارُع التنفس وضربات القلب.
– الشعور بالعطش الشديد.
– البول القليل والغامق.
تعرَّف على أعراض الإجهاد الحراري وطريقة إسعاف المصاب بالإجهاد pic.twitter.com/JaKwYJchXD
— هيئة الهلال الأحمر السعودي (@mediasrca) September 9, 2021
العلاج
يكمن خطر الإنهاك الحراري بالوقت، حيث إن الـ 30 دقيقة الأولى من حدوث الاصابة هي التوقيت الذهبي لإنقاذ المصاب، قبل أن تتحول الإصابة من إرهاق حراري إلى ضربة شمس إن لم يتمَّ إسعاف المصاب بشكل صحيح.
الأهم في العلاج هو خفض حرارة المريض عن طريق نقله إلى مكان ظل بعيد عن الحرارة، وتبريد جسمه من خلال نزع الحذاء وقطع الملابس غير الضرورية، وغسل الوجه والأطراف بالماء وإعطاء المصاب الماء والسوائل ليشربها، إذا تمَّ إسعاف المريض بالشكل الصحيح من المفترض أن يتحسّن خلال 15 دقيقة، وبخلافه يتم نقل المصاب إلى المشفى بشكل طارئ.
انحلال الربيدات (Rhabdomyolysis)
هي حالة طبّية مرتبطة بالإجهاد الحراري والمجهود البدني المطوَّل، تحدث بسبب التدمير السريع لخلايا العضلات وتمزُّقها وموتها، حيث عندما تموت الأنسجة العضلية يتم إطلاق بروتينات كبيرة في الدم يمكنها أن تتسبّب في تلف الكليتَين.
الأعراض
– ألم عضلي شديد في الأطراف وأسفل الظهر.
– بول داكن (لون الكولا) وقليل.
– إعياء.
– غثيان وتقيُّؤ.
العلاج
– نقل المصاب فورًا إلى أقرب مستشفى.
– إيقاف الجهد البدني المبذول.
– شرب الماء.
التشنُّجات الحرارية (Heat Cramps)
من أكثر الإصابات شيوعًا في فصل الصيف، وغالبًا ما تصيب العضلات التي تبذل مجهودًا كبيرًا مثل عضلات الفخذ والساق والكتف، والتي تُصاب بتقلُّصات مؤقتة ومؤلمة أثناء أو بعد ممارسة نشاط بدني في الجوّ الحار الذي ينتج عنه فرط التعرُّق، والذي بدوره يسبّب اختلالًا في توازن الأملاح في الجسم (الصوديوم خصيصًا).
العلاج
تشنجات الحرارة غالبًا ما تكون بسيطة ولا تستدعي العلاج، ومن الممكن اتّباع بعض الوصفات المنزلية كالبقاء في مكان بارد وشرب الماء والسوائل التي تحتوي على الأملاح، لكن من الضروري جدًّا الانتباه إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض قلب سابقة، أو الذين يتبعون حمية غذائية قليلة الصوديوم، بأن يتمَّ عرضهم بشكل عاجل على الطبيب.
الطفح الجلدي الناتج عن الحرارة (Heat Rash)
غالبًا ما يحدث تهيُّج للبشرة في الجو الحار والرطب بسبب انسداد أقنية إفراز العرق، ويظهر بشكل بثور صغيرة أو كتل عميقة ملتهبة غالبًا ما يصاحبها حكة وشعور بوخز، يكون أكثر شيوعًا عند الأطفال في مناطق البطن، الرقبة، الإبط والظهر في الغالب.
العلاج
– تجنُّب الرطوبة وارتداء الملابس القطنية الواسعة.
– غسل الجسم بالماء البارد.
– الحفاظ على المنطقة المصابة جافة.
– من الممكن استخدام الباودر وتجنُّب استخدام المراهم.
عوامل الخطورة التي تزيد من نسبة الإصابة بطيف الإجهاد الحراري
– الأطفال الرضّع الأقل من عمر 4 سنوات وكبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة من غيرهم.
– الأمراض المزمنة، أمراض القلب والكلى، السمنة، وبالأخص مرضى السكّر الذين يكونون أكثر عرضة من غيرهم بدخول المشافي نتيجة مضاعفات التعرض للحرارة، والمرضى الذين يستخدمون أدوية ارتفاع ضغط الدم، أدوية الأمراض النفسية، أدوية الصرع والرعاش.
– العيش في المدن.
– ارتفاع مؤشر الحرارة (Heat Index)، حيث يرتفع خطر الإصابة بشكل كبير إذا ما ارتفع مؤشر الحرارة إلى أكثر من 90 درجة.
الصيف فصل ممتع، بقليل من الوعي والحرص على اتّباع بعض الإرشادات بإمكاننا جعله أكثر أمانًا، تجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة فترات طويلة بين الساعة الـ 11 صباحًا والـ 3 ظهرًا، عدم ترك أي شخص وبالأخص الأطفال في سيارة مغلقة، تجنُّب ممارسة الرياضة في ساعات النهار الحارة، شرب الكثير من الماء والسوائل، تجنُّب المشروبات التي تحتوي على الكافيين وعدم نسيان وضع واقي الشمس.