ترجمة حفصة جودة
تتذكر سارة ديجبي بالكاد دورتها الشهرية الأولى، لكن الثالثة محفورة في ذاكرتها، كانت في درس القراءة بالصف السابع في مدينة سان أنطونيو، وقدمها مستندة إلى كرسي المكتب أمامها عندما انتشر الألم من حوضها إلى مؤخرة ساقيها ثم شعرت بخدر في قدميها، كانت تخشى ألا تتمكن من الحركة مرة أخرى، فحاولت التنفس ببطء لتوقف هذا الذعر، لكن هذا الألم سيحدد العقد القادم من حياتها.
بمرور الأعوام اعتقدت ديجبي أن جسدها غريبًا، كانت تنزف بشدة في الحفاضات الصحية وملابسها الداخلية وحتى الملاءات، وفي إحدى الليالي استيقظت وهي تصرخ من الألم، تقول سارة: “كنت أعتقد أنه خطأي وأنني بالتأكيد لا أعلم كيف أتحكم في دورتي الشهرية كما تفعل الأخريات”.
في أوائل العشرينيات أصبح الألم شديدًا للغاية، حتى إنها كانت في مترو الأنفاق وفي الحمام، وفي إحدى المرات فقدت وعيها في الطائرة، وكان آخر ما تتذكره أنها ضغطت زر استدعاء مضيفة الطائرة بينما كانوا يستعدون لإغلاق بابها.
استمر هذا الوضع حتى أتمت ديجبي 27 عامًا أي قرابة 15 عامًا من بداية حيضها، وعندها شُخصت بإصابتها بالانتباذ البطاني الرحمي أو كما يُعرف ببطانة الرحم المهاجرة، وهي حالة مرضية مزمنة تصيب 10% من السيدات والفتيات وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
لكن نطاق الأعراض الواسع وقلة الوعي بكيفية اكتشاف وعلاج المرض يمنع الكثير من المريضات من الحصول على المساعدة، لا يوجد علاج دوائي لهذا المرض، لكن الأطباء والباحثين يكتشفون أدوات للتحكم في الآلام المبرحة المصاحبة للمرض، لكن دون تشخيص دقيق يُترك المرضى مثل سارة دون إجابة مقنعة.
يحدث المرض عندما تنمو خلايا مشابهة للخلايا المبطنة للرحم خارج الرحم وعادة ما تترسخ في الحوض، عندما يأتي موعد الدورة الشهرية فإن المواد الكيميائية الحيوية التي تسبب انقباضات الرحم تنشط أيضًا في تلك الخلايا خارج الرحم، ما يسبب ألمًا شديدًا خارجه
عندما سعت سارة للحصول على رعاية طبية، أخبروها أولًا أنها قد تكون مصابة بتكيسات على المبايض أو ربما أصيبت بعدوى جنسية أو أن اللوب الرحمي تسبب في التهابات بالحوض، شعرت سارة أنها تتعرض لخداع طبي (يتجاهل الطبيب آلام المريض ويحيله لأسباب نفسية) حتى صادفت مقالًا يتحدث عن بطانة الرحم المهاجرة وبحثت عن مركز في نيويورك – حيث تعيش – مصمم خصيصًا لعلاجه.
تقول ديجبي – 32 عامًا الآن -: “نحن جميعًا نعلم أعراض الأزمة القلبية، فلماذا لا نعلم أعراض مثل هذا المرض الشائع؟”.
لماذا تسبب بطانة الرحم المهاجرة كل هذا الألم؟
تأتي أعراض بطانة الرحم المهاجرة بشكل معقد ومتشابك والعديد منها يصاحبه ألم شديد، مثل: ألم في أثناء الجماع، ألم في أثناء التبول وحركة الأمعاء، تقلصات الحيض التي تسبب ألمًا مبرحًا في البطن وأسفل الظهر، اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل إمساك أو إسهال مؤلم، فتخلط المريضة عادةً بين تلك الأعراض وأعراض مشكلات صحية أخرى.
يحدث المرض عندما تنمو خلايا مشابهة للخلايا المبطنة للرحم خارج الرحم وعادة ما تترسخ في الحوض، عندما يأتي موعد الدورة الشهرية فإن المواد الكيميائية الحيوية التي تسبب انقباضات الرحم تنشط أيضًا في تلك الخلايا خارج الرحم، ما يسبب ألمًا شديدًا خارجه.
لكن هذا الاضطراب يسبب ألمًا كذلك بين الدورات الشهرية، قد تسبب تلك البطانة انسداد قناتي فالوب، واحتباس الدم في المبياض ليشكل تجاويف ممتلئة بالسوائل تُعرف باسم “أكياس الشيكولاتة” (لأنها تحتوي على سائل بني سميك) أو أورام بطانة الرحم، وفي بعض الحالات النادرة تتمزق هذه الأكياس مسببة آلامًا حادة مبرحة، وقد يسبب هذا الاضطراب كذلك التصاقًا في الأعضاء.
تحقق الأبحاث الناشئة في أسباب المرض ولماذا تتعرض له بعض السيدات عن غيرهن، أظهرت الدراسات علاقة بين بطانة الرحم المهاجرة والتعرض لاعتداء جنسي في الطفولة أو المراهقة، كما يبحث العلماء في احتمالية أن يكون المرض وراثيًا، ورغم أن البيانات غير حاسمة، فإن بعض الأطباء يرون أن تاريخ العائلة قد يكون عامل خطر.
الأطباء عادةً ما يتجهون للتشخيص بمرض آخر قبل الاتجاه إلى بطانة الرحم المهاجرة، وغالبًا ما تواجه النساء فترة طويلة بين بداية الأعراض والتشخيص والحصول على علاج فعلي
بينما تظهر الأعراض على بعض السيدات في أثناء دوراتهن الشهرية الأولى، فإن بعضهن يتطور لديهن المرض في فترة متقدمة من حياتهن، هناك 4 مراحل لبطانة الرحم المهاجرة حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للطب التناسلي وهي: طفيف، معتدل، متوسط، شديد، وذلك وفقًا لموقع وحجم وعمق البطانة الرحمية المغروسة في الحوض.
تقول الدكتورة مونيكا روزن اختصاصية أمراض النساء والتوليد بكلية الطب بجامعة ميتشغان، إن بعض الآلام الشديدة لا ترتبط بالضرورة بمرحلة متأخرة من المرض، وتضيف “بعض السيدات في المرحلة الرابعة لا يصيبهن الألم طوال حياتهن، وبعض السيدات في المرحلة الأولى يعانين من آلام شديدة ولا يستطعن مغادرة الفراش”.
الألم الذي نتجاهله
رغم آلام المريضات، فإن الأطباء عادة ما يتجهون للتشخيص بمرض آخر قبل الاتجاه إلى بطانة الرحم المهاجرة، وغالبًا ما تواجه النساء فترة طويلة بين بداية الأعراض والتشخيص والحصول على علاج فعلي وفقًا لما تقول الدكتورة كاثي هونغ مديرة مركز بطانة الرحم المهاجرة بمستشفى لانغون في نيوريورك.
يرجع ذلك جزئيًا إلى قلة الوعي في المجتمع الطبي بشأن كيفية ظهور المرض، وجزئيًا لأن الأطباء يفشلون تحديدًا في تشخيص آلام الجهاز الهضمي بأنها قد تكون بطانة رحم مهاجرة، حتى المريضات يتجاهلن آلامهن ويعتبرن أنها مجرد دورة شهرية سيئة.
تقول ليندسي سورينسين – 38 عامًا – التي كانت تعاني نزيفًا شديدًا منذ بداية حيضها عندما كانت 14 عامًا: “كنت أذهب إلى أطباء أمراض النساء حتى عمر 28 ليخبروني أن الوضع طبيعي وأن بعض النساء تأتيهن الدورة الشهرية بشكل صعب”.
في إحدى المرات ذهبت سورينسين إلى الطوارئ عندما جاءتها الدورة الشهرية في العمل ووجدها مديرها متكومة في وضع الجنين بزاوية مكتبها، لتكتشف بعد ذلك أنها مصابة ببطانة الرحم المهاجرة الشديدة التي وصلت إلى قفصها الصدري، كما أن الأنسجة تسببت في التصاق الأعضاء بالبطن السفلية.
الطريقة الوحيدة الفعالة لتشخيص بطانة الرحم المهاجرة تتم عن طريق منظار البطن، وهي جراحة تتضمن شقًا صغيرًا في البطن، وفي تلك العملية قد يلجأ الطبيب لإزالة أو كي بعض الخلايا المغروسة خارج الرحم
تقول الدكتورة هونغ: “من أكبر العوائق التي واجهتني كفتاة صغيرة أنهم أخبرونا أن آلام الدورة طبيعية، هذه أول خرافة يجب أن نبددها، فالألم ليس طبيعيًا أبدًا”، كما تقول الدكتورة روزن إن بطانة الرحم المهاجرة قد تسبب آلامًا بين فترات الحيض، ما يجعل التشخيص أكثر صعوبة.
تقول نانسي إستون إنها ذهبت إلى طبيبة أمراض النساء في مراهقها بإلحاح من والدتها التي سمعت تأوهاتها ورأت تشنجاتها، تتذكر إستون أن والدتها أخبرتها أنها لا تعتقد شعورها بكل هذا الألم عندما أنجبتها، لكن الطبيبة لم تذكر مطلقًا كلمة “بطانة الرحم المهاجرة”، لكنها وصفت لها حبوب منع الحمل الهرمونية التي تستخدم عادة لتخفيف آلام النساء في أثناء الدورة الشهرية.
لم ينجح العلاج وحاولت إستون بكل يأس تخفيف آلامها الشديدة بأي بديل حتى إنها تناولت مادة مخدرة كانت موصوفة لجدها بعد خروجه من عملية جراحية إضافة إلى مكملات غذائية من فيتامين “ب” التي سمعت أنها تخفف الألم.
في العشرينيات أخبرت طبيبتها أنها تعتقد بإصابتها ببطانة الرحم المهاجرة، لكن الطبيبة أخبرتها أن تتناول دواء أيبوبروفين (مسكن للألم ومضاد للالتهابات) كل 12 ساعة، كانت إستون متشككة بشأن تناول كل هذه الأدوية لكنه خفف من ألمها.
تقول إستون: “في تلك الفترة توقفت عن الشكوى وربما هذا ما منعني من الحصول على تشخيص صحيح”، في الخمسينيات اكتشفت إستون أنها مصابة بسرطان المبيض وخضعت لعملية استئصال الرحم.
أظهرت الدراسات أن بطانة الرحم المهاجرة ترتبط بتطور سرطان المبيض رغم أن خطر الإصابة بالسرطان لا يزال قليلًا، لكن إستون تعتقد أنها لو كانت سعت للحصول على تشخيص صحيح وعلاج مناسب، ربما كان بإمكانها تجنب السرطان وإزالة الرحم، تقول إستون: “في الحقيقة أنا فخورة بأنني لم أكن ضعيفة، كنت أعتقد أنه مجرد ألم ويجب أن أتعامل معه”.
كيف نعالج آلام بطانة الرحم المهاجرة؟
رغم أنه لا يوجد دواء لعلاج بطانة الرحم المهاجرة، فإن الأطباء يقولون إن هناك خيارات لعلاج المرض، يقول الدكتور توماسو فالكون أستاذ أمراض النساء والتوليد وعلم الأحياء التناسلي بكلية الطب في كليفلاند: “يجب أن يحصل كل من يصاب بألم على تشخيص ولو مؤقت، فالألم إشارة إلى أن هناك خطأ ما”.
يُوصف لمعظم مريضات بطانة الرحم المهاجرة أقراص منع الحمل، وفي بعض الأحيان اللوب الهرموني، فالهرمونات التي يفرزها تقلل من هرمون الإستروجين وتبطء نمو بطانة الرحم، ما يساعد في تخفيف الألم
الطريقة الوحيدة الفعالة لتشخيص بطانة الرحم المهاجرة تتم عن طريق منظار البطن، وهي جراحة تتضمن شقًا صغيرًا في البطن، وفي تلك العملية قد يلجأ الطبيب لإزالة أو كي بعض الخلايا المغروسة خارج الرحم، لكن حسب الدكتور فالكون، فالكثير من المريضات يمتنعن عن الخضوع لتلك الجراحة، أما الأشعة فوق الصوتية والرنين المغناطيسي يمكن أن يؤكدن فقط وجود تكيسات أو أنسجة زائدة.
يُوصف لمعظم مريضات بطانة الرحم المهاجرة أقراص منع الحمل، وفي بعض الأحيان اللوب الهرموني، فالهرمونات التي يفرزها تقلل من هرمون الإستروجين وتبطء نمو بطانة الرحم، ما يساعد في تخفيف الألم.
أظهرت بعض الأبحاث أن الوخز بالإبر قد يخفف آلام المرض، كما أن العلاج الطبيعي خاصة علاج قاع الحوض قد يساعد في تخفيف التقلصات التي تنشأ نتيجة انقباض عضلات الحوض في أثناء الدورة الشهرية.
يقول دكتور فالكون: “لا نستطيع فقط أن نلجأ للجراحة أو الدواء عندما يكون هناك مساعدة مناسبة أخرى في المجال الطبي”.
تشير بعض الدراسات إلى أن تغيير أسلوب الحياة قد يساعد في إدارة آلام بطانة الرحم المهاجرة، وجدت دراسة عام 2012 أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أبلغن عن تراجع الأعراض عندما لجأن إلى نظام غذائي خالٍ من الغلوتين، كما أن تناول الأطعمة المضادة للالتهابات مثل الفواكة والخضراوات والحد من السكر والكافيين قد يساعد في تقليل الألم.
ينصح الخبراء باللجوء إلى طبيب آخر عند الشك في الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة، تقول دكتورة هونغ “إذا لم يأخذ الطبيب كلامك على محمل الجد أو أطلق تعليقًا وقحًا، فمن الضروري أن نلجأ إلى طبيب آخر يستمع إلينا”.
تقول ديجبي إنه من الضروري أن تدرك السيدات اللاتي يعانين من آلام شديدة في الدروة الشهرية مدى شدة أعراضهن، فحتى الآن ما زلت أحاول أن أتقبل أنني لم أكن أبالغ حقًا، وتضيف “كنت أشعر بالسواد التام، وكنت أعتقد أنني أبالغ في ردة فعلي بشكل درامي”.
المصدر: نيويورك تايمز