يقوم بابا الفاتيكان “البابا فرنسيس” اليوم الجمعة، بزيارة إلى تركيا، هي سادس زياراته الدولية، تستمر لثلاثة أيام وسينتقل خلالها بين عدد من المدن التركية من بينها العاصمة أنقرة، حيث سيحل ضيفًا على الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.
وعلى الرغم من أن عدد المسيحيين الكاثوليك في تركيا يقدر بـ 35 ألف نسمة ولا يتجاوز نسبة 0.05 من إجمالي السكان، فإن تاريخ البلاد وجغرافيتها في العهد الجديد جعلها وجهة لكل من شغلوا منصب البابا منذ عهد “بوليس السادس” في سنة 1967.
ومن وجهة نظر البابا، ستتركز هذه الزيارة على الأهداف الدينية، ففي ظل عدم وجود حشود ستستقبل البابا في تركيا، ومع اعتبار أن تركيا تضم ثاني معلم مسيحي في العالم، البطريركية الأرثوذكسية الروم في إسطنبول، وكذلك المنزل المفترض للسيدة مريم العذراء في منطقة أفسس بالقرب من إزمير.
وتعتبر العلاقة مع الكنيسة الأرثوذكسية من أهم بنود جدول أعمال البابا، حيث تسعى فروع المسيحية، الكاثولوكية والأرثوذكسية، إصلاح العلاقات فيما بينها وإنهاء الانقسام الذي بدأ منذ أكثر من 1000 عام، وفي هذه الزيارة سيقطع البابا فرنسيس خطوة كبيرة في هذا الاتجاه عبر حضور قداس الروم الأرثوذكس مع البطريرك.
غير أن تركيا دولة كبيرة وتقريبا هي دولة مسلمة بالكامل؛ مما سيجعل القواعد الدبلوماسية تحدد شكل زيارة البابا، فالعلاقة بين تركيا والفاتيكان هي علاقة سياسية بالأساس، وهي ممتدة إلى العهد العثماني، وعلى الرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية لا تحظى باعتراف ديني رسمي في تركيا تتبادل كل من تركيا والفاتيكان السفراء فيما بينهما بشكل طبيعي.
وتأتي زيارة البابا لتركيا تلبية لدعوة من رئيس الجمهورية “رجب طيب أردوغان”، وستشمل لقاء بين البابا ورئيس الجمهورية وكذلك رئيس الوزراء “أحمد داوود أوغلو”، مع العلم أنه قد لوحظ أن الإعلام التركي تعامل مع آخر زيارة للبابا السابق على أنها زيارة لرئيس جمهورية الفاتيكان.
وتمثل هذه الزيارة فرصة لتسليط الضوء على ملف اعتماد تركيا في الاتحاد الأوروبي، حيث لازالت تركيا تأمل في الانضمام للاتحاد، وتأمل في أن يساعد دعم البابا في التأثير على الملف، وقد أبدى البابا السابق على إثر زيارته لتركيا في 2006 تأييده المبدئي لانضمام تركيا للاتحاد بعد أن كان معارضًا لهذه الفكرة عندما كان كاردينالاً باعتبار أن تركيا دولة مسلمة.
ومن المرجح أن البابا فرنسيس، القادم من بلد من العالم الثالث، سيكون أكثر تعاطفًا مع فكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، الفكرة التي لم تمت، وخاصة أنه في الفترة الأخيرة قام بمقارنة الاتحاد الأوروبي بالجدة المسنة الشاحبة.
وتوجد بعض التوترات الخطيرة في العلاقة بين الفاتيكان وتركيا، وكما أشرنا في البداية، من بين هذه التوترات عدم رغبة تركيا في الاعتراف بالكاثوليكية المسيحية كديانة رسمية في البلاد، وحسب ما تراه أنقرة، فإن تركيا متسامحة جدًا في ملف الأقليات الدينية، رغم أن عام 2006 شهد مقتل كاهن كاثوليكي اسمه “أندريا سانتورو” على يد مراهق تركي في مدينة ترابزون، وحدوث سلسلة من الهجمات على رجال الدين الكاثوليك في البلاد.
أخطر هذه الهجمات كان في يونيو 2010، عندما قًتل أسقف إسكندرون “لويجي بادوفيزي” بعد طعنه حتى الموت على يد سائقه عندما كان يصلي، وقد رأت المحاكم أن الهجوم كان حادثًا معزولاً.
وفي مايو 1981، قام “محمد علي آغا” القومي المتطرف بإطلاق النار على البابا “يوحنا بولس الثاني” وأوشك على قتله، والآن تم إخلاء سبيله بعد أن قضى فترة العقوبة وأعلن عن ندمه، وطلب آغا مؤخرًا أن يُسمح له بالالتقاء بالبابا عند زيارته القادمة، ولا يعلم ما إذا كانت السلطات التركية ستسمح له بذلك.
ومثل “بينيديكت السادس عشر”، سيقوم فرنسيس بزيارة مسجد السلطان أحمد في إسطنبول، ويعتقد بعض الكاثوليك وكذلك بعض العلمانيين الأتراك أن البابا ربما يفتح ملف “آيا صوفيا”، الكنيسة التي تحولت إلى مسجد في عهد الدولة العثمانية وأصبحت الآن متحفًا، ويطالب بعض السياسيين بأن تستخدم كمسجد من جديد، وسيطلب من السلطات التركية أن تبقيها على حالها الراهن.
وفي شهر نوفمبر 2006، تم اتخاذ تدابير أمنية مشددة في إسطنبول وأنقرة لضمان سلامة البابا؛ مما أدى إلى حالة إغلاق شبه تام في المدينتين طيلة يومين، وهو ما يعتقد أنه سيحصل خلال الزيارة الجديدة، خاصة وأن التهديد قد تضاعف.
يعارض فرنسيس الإجراءات الأمنية المشددة التي تمنعه من الاتصال بالناس في جولاته، ويقال إنه يصر على التنقل بين المدن في سيارة عادية ولا يفضل السيارة المدرعة، ولكن بالنسبة للأتراك ستكون الأولوية للأمن.
ونشرت الصحف الإيطالية تقارير عديدة حول مخططات مفترضة لاغتيال البابا، ومنها ما هو منقول عن صحيفة “دابق” التابعة لتنظيم “داعش” على لسان المتحدث باسمها “محمد العدنان” الذي قال “سنحتل روما، وستبقى الدولة حتى ترفع رايتها فوق روما”.
وتركيا اليوم هي ملجأ لحوالي 2 مليون لاجئًا سوريًا، وهي تأمل اليوم في أن يساهم البابا في لفت نظر أوروبا لمحنة اللاجئين وفي جعل دول أخرى تساهم في تحمل العبء الإنساني، كما أنه سيكون من الممكن أن يلتقي فرنسيس بعدد من اللاجئين السوريين والعراقيين المسيحيين.