هيمنَ الملف السوري على القمة الثلاثية التي عُقدت في العاصمة الإيرانية، طهران، بين رؤساء إيران إبراهيم رئيسي وتركيا رجب طيب أردوغان وروسيا فلاديمير بوتين، وتُعد هذه القمة ضمن سلسلة من القمم التي عُقدت بين الدول الثلاثة بهدف مناقشة حل الأزمة السورية ضمن إطار مسار أستانة.
وقد بدأت هذه الاجتماعات بالانعقاد في مدينة سوتشي الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، لكن قمة طهران الأخيرة ناقشت ما هو أبعد من سوريا، حيث وضعت أوراق أزمتَي الغذاء والطاقة اللتين تضربان العالم بأسره نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، إضافة إلى بحث الموضوع النووي الإيراني والمحادثات العالمية بشأنه.
وفي نقاط سريعة، نلقي الضوء هنا على أبرز ما أثمرت عنه هذه القمة والسياقات التي أحاطت بها.
حيثيات وخلفيات
– عُقدت قمة طهران وسط خلاف روسي إيراني مع تركيا بشأن عزمها استكمال إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا، عبر إطلاق عملية عسكرية جديدة للسيطرة على مناطق تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تعتبرها تركيا عدوًّا لأمنها القومي، فيما ترى طهران وموسكو أن على أنقرة عدم إطلاق هذه المعركة.
– يأتي الاجتماع الثلاثي في طهران بعد القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع قادة الدول الخليجية ودول عربية أخرى في مدينة جدة السعودية، وفي هذا الإطار رأت صحيفة “ذي إندبندنت” أن قمة طهران “تأتي في إطار عرض الوحدة بينهم، وتمثّل ردًّا جيوسياسيًّا قويًّا على زيارة الرئيس الأمريكي لشركائه في الشرق الأوسط”.
– تشهد منطقة الشرق الأوسط انتعاشًا في الحراك الدبلوماسي، إضافة إلى الحديث عن مشاريع وتحالفات جديدة يمكن أن تبصر النور لاحقًا، والأهم في هذا الانفتاح الدبلوماسي ما حصل بين تركيا وبعض الدول العربية من انفتاح دبلوماسي مثل الإمارات والسعودية اللتين كانتا إلى وقت قريب في حالة عداء مع أنقرة.
– جاءت القمة في ظل التأثير الكبير للحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيرها على الاقتصاد العالمي وحالة ارتفاع معدلات التضخم، كما أن هذه القمة لحقت بالاجتماع الذي عُقد في إسطنبول بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة منذ أسبوع مضى، للاتفاق على استئناف إيصال شحنات الحبوب المتوقفة عبر البحر الأسود، وكان من مخرجات الاجتماع الاتفاق على إنشاء مركز تنسيق في إسطنبول لضمان سلامة ممرّات الشحن يضمّ ممثلي الأطراف المعنية.
– جرت القمة بعد تراجُع الآمال بإتمام الاتفاق النووي بين إيران والدول الأخرى ومنها روسيا، حيث ارتفع منسوب التوتر بين إيران والغرب على خلفية تعثر المحادثات خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث طالبت موسكو واشنطن بضمانات ألّا يخضع تعاونها المستقبلي مع طهران في مجالات اقتصادية وعسكرية للعقوبات.
– تُعقد هذه القمة بعد أسابيع من انعقاد الجولة الثامنة عشرة من مفاوضات أستانة التي تنعقد دوريًّا بين الدول الثلاثة إضافة إلى وفد المعارضة السورية ووفد النظام السوري، كما عُقد الاجتماع إثر إلغاء الجولة التاسعة من لقاءات اللجنة الدستورية في جنيف، وذكر وفد النظام أنه “سيكون مستعدًّا للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتمّ تلبية الطلبات المقدَّمة من الاتحاد الروسي”.
– عقد القمة في ظل أزمة طاقة تضرب العالم خصوصًا أوروبا، التي هي من النتائج المترتّبة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، فاتح بيرول، إن “أزمة الطاقة العالمية تؤثر في إمدادات الطاقة بصورة أكبر ممّا حدث في سبعينيات القرن الماضي”.
أبرز التصريحات
– ناقش المجتمعون بشكل أساسي مسار أستانة بشأن سوريا، بالإضافة إلى تطورات الملف النووي الإيراني وحرب روسيا على أوكرانيا والحديث عن أزمة الغذاء العالمية، التي تحاول تركيا التوسُّط لحلها بين كييف وموسكو بمشاركة الأمم المتحدة.
– أشار الرئيس التركي إلى أن “منصة أستانة أثبتت مرة أخرى أنها أكثر المبادرات فاعلية التي يمكن أن تمهّد الطريق لحلّ الأزمة السورية”، وأوضح أن “محاربة الإرهاب من بين القضايا ذات الأولوية على جدول أعمالهم”، مضيفًا: “حربنا ضد التنظيمات الإرهابية ستستمر دائمًا بغضّ النظر عن المكان والجهات التي تدعمها، مصمّمون على اجتثاث بؤر الشر التي تستهدف أمننا القومي في سوريا”، وأضاف أن “عمل اللجنة الدستورية الذي هو نتاج عملية أستانة والآلية الوحيدة التي تجمع الأطراف السورية في الوقت الحالي، ويجب أن يسفر عن نتائج ملموسة”.
– اعتبر الرئيس الإيراني أن “مسار أستانة هو إطار ناجح لحلّ سلمي للأزمة السورية”، وحمّل رئيسي المجتمع الدولي مسؤولية حل أزمة النازحين واللاجئين السوريين، مؤكدًا دعم بلاده أي مبادرة لحل قضيتهم، كما شدد على أن “السيادة السورية خط أحمر”، قائلًا إن “الوجود الأميركي غير الشرعي هناك هو سبب عدم الاستقرار”.
– اعتبر الرئيس الروسي أن القمة “فرصة لإجراء حوار فعّال يتيح لسوريا تحديد مستقبلها دون تدخل خارجي”، وأشار إلى “وجود قلق لدى موسكو بشأن مخاطر المناطق التي توجد خارج سيطرة النظام السوري”، وقال إنه “يجب أن نتأكد من قيام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتقديم مساعدة لسوريا دون أهداف سياسية أو شروط مسبقة”.
– أعربَ فلاديمير بوتين عن شكره لنظيره التركي على جهود الوساطة التي تجريها أنقرة في قضايا الغذاء والحبوب، وقال بوتين إن المفاوضات المتعلقة بعملية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود تقدّمت بفضل وساطة أنقرة، وأضاف أنه رغم أن “جميع المسائل المتعلقة بصادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود لم يتمَّ حلها بعد، لكن إحراز تقدُّم فيها يعدّ إشارة جيدة بالفعل”.
– أشار أردوغان إلى أن نهج الوفد الروسي في مباحثات إسطنبول الأخيرة حول سبل نقل الحبوب الأوكرانية “كان إيجابيًّا للغاية”.
– قال بوتين خلال حديثه عن أزمة النفط العالمية: “نحن الآن نسمع عن كل أنواع الأفكار الجنونية حول تحديد كميات النفط الروسي وسعره. إنه الشيء نفسه الذي يحدث مع الغاز. والنتيجة ستكون ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير”، كما شدد على أن “المشاكل المتعلقة بنقل الطاقة إلى أوروبا سببها سياسة الغرب وليس روسيا”، موضّحًا أن “الغرب فرضَ عقوبات على خطوط نقل الطاقة وأغلق بعضها، ثم اتّهم شركة غازبروم بالتسبُّب في الأزمة”.
النتائج
في بيان صدر عن المجتمعين في القمة، عبّرت الدول الثلاث عن:
– رفض جميع المحاولات لإيجاد حقائق جديدة على الأرض السورية بذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة إلى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة.
– ضرورة الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، داعين المجتمع الدولي إلى تحمُّل مزيد من المسؤولية في تقاسم أعباء إسكان اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم.
– الحل العسكري للصراع السوري لا يمكن تحقيقه، وأن الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا من خلال عملية سياسية يقودها ويملكها السوريون، وتسهّلها الأمم المتحدة، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
– ضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًّا إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا، لضمان حقهم في العودة ودعمهم في هذا الإطار.
– زيادة المساعدات لسوريا، بما في ذلك إعادة البنية التحتية الأساسية، لا سيما المياه والكهرباء والصرف الصحي والصحّة والمرافق التعليمية والمدارس والمستشفيات.
– إدانة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، مع التأكيد على أنها انتهاك للقانون الدولي والإنساني ولسيادة سوريا، وتعمل على زعزعة استقرار المنطقة وتصعيد التوترات فيها.
لقاءات واتفاقيات
إضافة إلى انعقاد القمة الثلاثية في طهران حصلت لقاءات ثنائية أسفرت عن اتفاقيات.
– استقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نظيره التركي رجب طيب أردوغان قبل البدء بإجراء المباحثات الثنائية، حيث أكّد الزعيمان أن لديهما “هدفًا مشتركًا للوصول بحجم التبادل التجاري بين البلدَين إلى نحو 30 مليار دولار”، وفي موضوع منفصل أكّد أردوغان خلال اللقاء برئيسي أن “المرحلة القادمة ستشهد إعادة تقييم لمسار أستانة بخصوص سوريا وتفعيله مجددًا”.
– استقبل رئيسي نظيره الروسي فلاديمير بوتين وبحثا التطورات الإقليمية، وتُعتبر زيارة بوتين إلى إيران الثانية خارج بلاده منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وذكر بيانٌ أن اللقاء بحث “فرص توسيع التعاون أكثر في العديد من المجالات، بما في ذلك الطاقة والعبور والعلاقات التجارية”.
– التقى الرئيس التركي بالمرشد الإيراني علي خامنئي، وقال الأخير إن “الحفاظ على وحدة سوريا أمر مهم، محذّرًا من أن أي عمل عسكري فيها سيصبّ في مصلحة الجماعات الإرهابية وسيعود بالضرر عليها وعلى تركيا والمنطقة”، مشيرًا إلى أن بلاده تعتبر أمن تركيا وحدودها من أمنها، وتتعاون معها في مجال “محاربة الإرهاب”.
– التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخامنئي الذي أشاد بـ”التعاون الطويل الأمد” بين إيران وروسيا، وأشار خامنئي إلى وجود “العديد من التفاهمات والعقود بين البلدَين، بما في ذلك في مجالَي النفط والغاز، يجب أن تتمَّ متابعتها وتنفيذها بالكامل”.
– أعلنت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط وشركة غازبروم الحكومية الروسية توقيع “وثيقة تفاهم” قيمتها نحو 40 مليار دولار، وتنصّ الوثيقة على أن شركة غازبروم ستساعد إيران في تطوير حقلَين للغاز إضافة إلى 6 حقول نفطية أخرى، واستكمال مشاريع إنتاج الغاز السائل، وبناء خطوط أنابيب.
– التقى الرئيس التركي نظيره الروسي على هامش القمة الثلاثية، وبحثا الموضوعات الخاصة بسوريا وأزمة الحبوب والغذاء العالمية.