ترجمة وتحرير: نون بوست
نجري مع الدكتور ميشيل مايتا، المدير السابق للإستراتيجية في منظمة إنقاذ الطفل الدولية ومنظمة العمل ضد الجوع، ومؤسس الشبكة المشتركة بين الوكالات للبحث والتحليل، حوارًا ننقاش فيه معه قضية الهجرة من المنظور الإنساني والأوروبي، ومسائل أخرى على رأسها تصور وسائط الإعلام ودور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في هذه المسألة.
عبد النور تومي: شكلت مسألة المهاجرين تحديًا لصانعي السياسات من ناحية وعملت كنقطة بيع سياسية جذابة للأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة من ناحية أخرى. ما الذي يجعل قضية المهاجرين تنتقل من مبدئها الإنساني البحت إلى خطاب سياسي بلاغي في الدول المضيفة في الغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص؟
الدكتور ميشيل مايتا: مع عدم الاستقرار الاقتصادي؛ تزداد المظاهر والإجراءات المعادية للأجانب. كما أن القلق المبني على عدم اليقين والخوف من الوصول إلى الموارد المحدودة يؤديان إلى كره الأجانب ويزيدان من حدة التفرقة؛ حيث يمكن وصف كره الأجانب بأنه خوف رجعي تجاه الأشخاص الذين تختلف هويتهم.
ويأتي مع عدم الاستقرار الاقتصادي صراع سياسي، وتصبح مشاعر العداء تجاه المهاجرين أرضًا خصبة للغوغائية، وواجه المجتمع الغربي وقيمه العالمية المفترضة اليوم تحديات خارجية وداخلية، كما ساهم وباء كوفيد-19 بتسريع الأزمة؛ حيث تتلاحم كل هذه المكونات لجعل المهاجرين واللاجئين سياسيًّا كبش الفداء المثالي. وحتى مجتمعات البحر المتوسط؛ المنفتحة تاريخيًّا على التواصل والتأثير الأجنبي مع الحفاظ على تقاليدها وطابعها الخاص، تستسلم لإغراء إلقاء اللوم على المهاجرين واللاجئين.
عبد النور تومي: هل هذا مرتبط بجنون الارتياب من خطر الإرهاب في أوروبا لدى السياسيين ووسائل الإعلام؟
د. ميشيل مايتا: إن نموذج العمل لوسائل الإعلام الأفضل أداءً، والاستقرار المالي للعديد من الإعلاميين، وخاصة المستقل منهم، جعل وسائل الإعلام عرضة للتأثير السياسي، وإذا اتجهت السياسة للتضحية بالمهاجرين واللاجئين، فإن وسائل الإعلام تتحول إلى أداتها البدائية.
عبد النور تومي: ما الفرق بين اللاجئ والمهاجر؟ هل يحتاج كلاهما إلى الحماية وفقًا لاتفاقية جنيف لسنة 1951؟
الدكتور ميشيل مايتا: كلٌّ من المهاجرين واللاجئين في حالة من التنقل، فقد فر اللاجئون من بلدهم للنجاة بحياتهم أو لأنهم معرضون لخطر انتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد، ليس لديهم خيار، أما المهاجرون فهم جميع من قرروا العيش خارج بلدههم الأصلي وليسوا في حالة لجوء.
وتؤكد اتفاقية اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967 مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي يؤكد أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلده الأصلي عند استمرار التهديدات على حياته ومخاطر انتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد. ومع ذلك؛ يعرّف كلاهما “اللاجئ” بأنه “شخص خارج بلد جنسيته وغير قادر على العودة، بسبب خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية أو رأي سياسي معين”، ويقصر النص ظروف الفرار على الحروب والنزاعات الأهلية.
عبد النور تومي: في هذه الحالة، هل تتحمل البلدان المضيفة التي صدقت على الاتفاقية المسؤولية الأخلاقية من تقديم المساعدة والحماية للمهاجرين واللاجئين على حد سواء؟
الدكتور ميشيل مايتا: إذا كان التعريف الدولي “للاجئ” متسقًا مع تاريخ القانون الدولي للاجئين في القرن العشرين، فهو اليوم قد عفا عليه الزمن وأصبح محدودًا بشدة؛ حيث تشمل العوامل المهددة للحياة التي تجبر على الهجرة جميع الاحتياجات المحتملة للمستويين الأولين من تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات: الأمان والاحتياجات الفسيولوجية. لذلك؛ ومن الناحية الأخلاقية فإنه يجب اعتبار المهاجرين لأسباب اقتصادية ومناخية لاجئين أيضًا، وتحتاج الدول إلى توسيع مفهوم الحماية الدولية وفقًا لذلك، دون التواري وراء تعريف اللجوء العتيق.
عبد النور تومي: كيف تتعامل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا مع هذه القضية الشائكة؟ ولماذا اتخذت ألمانيا اتجاهًا مغايرًا بشأن قضية المهاجرين في أعقاب تدفق المهاجرين السوريين على حدودها في سنة 2015؟
الدكتور ميشيل مايتا: بين سنتي 2015 و2016، وبينما قامت وسائل الإعلام بنشر محنة الأشخاص الفارين من الحرب والإرهاب في الشرق الأوسط، زاد الدعم الشعبي الألماني لقبول اللاجئين. في ذلك الوقت؛ لم يكن هناك مخاطر سياسية داخلية لقرار ميركل، وبعد خمس سنوات، استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ حصل نصفهم بالفعل على وظائف، فالاندماج سياسة جوهرية في ألمانيا، ويعتبر مهمة للمجتمع بأسره.
وفي سنة 2019؛ قدمت الحكومة الفيدرالية تشريعات لتعزيز التعليم والتوظيف للأجانب. نحن بعيدون كل البعد عن نفس مستوي الوعي والفعالية في مجال الاندماج في إيطاليا وفرنسا. ففي حالة إيطاليا؛ فهذا لأن البلاد لا تزال تكافح من أجل تنميتها الاقتصادية ضد تزايد عدم المساواة الإقليمية. وفي فرنسا – من ناحية أخرى، – يرجع ذلك إلى فشل تجربة التكامل بعد عملية إنهاء الاستعمار، والتي لا تزال عواقبها تتردد حتى اليوم دون تدابير سياسية مضادة.
عبد النور تومي: هناك جماعات تتكسب من هذه الأزمة الإنسانية المأساوية مثل تهريب البشر والاتجار بهم؛ فهل يتطلب ذلك ضرورة التنسيق بقوة بين الأطراف الثلاثة، بلد المغادرة وبلد العبور والبلد المضيف؟
د. ميشيل مايتا: تهيئ عوامل مثل نقص الوعي العالمي بالأشخاص المتنقلين، والقانون الدولي للاجئين الزائد عن الحاجة، وكبش الفداء السياسي للمهاجرين واللاجئين، بالظروف الملائمة لاقتصاد قائم على عملية الاتجار بالبشر التي ترتبط وعملية تهريب المهاجرين من الناحيتين العملية والقانونية.
ويُهرب الأشخاص المُتجَر بهم الذين لا حول لهم ولا قوة لمواجهة الاتجار بالبشر – نظرًا لانعدام الأمن وهشاشة وضعهم – عبر الحدود. ومثل جميع الأنظمة المستدامة؛ ومن أجل القضاء على هذه العملية، تحتاج إلى الكشف عن أسبابها الجذرية، بدءًا من توسيع الحماية الدولية للاجئين، وإنشاء آلية تنسيق عالمية بشأن الأشخاص المتنقلين وصولًا إلى تثقيف الأجيال الشابة حول أهمية التنوع وأهمية دمج المهاجرين واللاجئين من أجل رفاهية المجتمع
عبد النور التومي: كيف تعمل المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، بالنظر إلى برامج تنفيذ المشاريع في تركيا مثلًا مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) والمكتب الإنساني للجماعة الأوروبية (ECHO)؟
د. ميشيل مايتا: بشكل عام؛ تبذل المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني قصارى جهدها للتعويض عن التقصير في حماية وإدماج المهاجرين واللاجئين الذي ترتكبه أنظمتنا الدولية والوطنية الحالية.
ومع ذلك؛ فإن برامجهم قليلة جدًّا، ومن الصعب معالجة الأسباب الجذرية بشكل فعال، حيث تحتاج وكالات الأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأمم المتحدة إلى إصلاحات عميقة من أجل التكيف مع ما يمكن أن يحدث في المستقبل. وبشكل عام؛ يتعين على جميع الجهات الفاعلة الإنسانية التي تعالج احتياجات المهاجرين واللاجئين بموارد محدودة وهياكل عفا عليها الزمن؛ التفكير بشكل أكثر استراتيجية لتحقيق أقصى قدر من التأثير، ولا ينبغي لهم أن يكونوا راضين عن الوضع الحالي للأعمال، ويعد الاستشراف والتخطيط الإستراتيجي والتعاون أهم مفاتيح التغيير والتحول، الذين من شأنهم إنقاذ حياة المزيد من المهاجرين واللاجئين في نهاية المطاف.
عبد النور التومي: ما الذي يجعل الدول الأوروبية تفتقر إلى سياسة هجرة متماسكة؟ وهل تنظر إلى هذا السؤال الإنساني على أنه كارثة طبيعية بدلًا من ذلك؟
د. ميشيل مايتا: يخشى القادة الأوروبيون من أن تؤجج كراهية الأجانب والتمييز، تزامنًا مع صعود القومية؛ عدم الاستقرار السياسي في أوروبا وأن تهدد الاتحاد الأوروبي نفسه، ومقارنة بالاحتواء الذي يعد السياسة الأكثر تفاعلًا وتوافقًا، يكون الاندماج أكثر إثارة للجدل عندما تتجه تدفقات اللاجئين والمهاجرين نحو أوروبا. وقد كان عدم وجود ترقب سياسي لهذه الأزمة أمرًا رمزيًّا. ولسوء الحظ؛ لا تُستثنى المساعدات الإنسانية من التأثير السياسي أو التلاعب؛ حيث يجعل نموذج العمل معظم الفاعلين الإنسانيين عرضة للتأثير السياسي؛ فعندما يتم احتواء بنك مانح إنساني أوروبي، تميل بعض الجهات الفاعلة الإنسانية إلى دعمه بثقة عمياء، وهم يشعرون بالراحة لـ “إنقاذهم الأرواح” على المدى القصير.
لطالما كانت الجهات الفاعلة الإنسانية محفورة في ثقافة الطوارئ؛ حيث إن “إنقاذ الأرواح” هو عبارة عن سلسلة من العمليات التي تمثل سلسلة قيمة مركزية. وغالبًا ما تفتقر هذه الجهات إلى التفكير الإستراتيجي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمعالجة القضايا المعقدة مثل سلامة المهاجرين واللاجئين ورفاهيتهم. وباسم “الحياد”؛ تدافع بعض الجهات الفاعلة الإنسانية عن أنفسها للعب في الساحة السياسية، ولكنهم موجهين من قبل فاعلين سياسيين. وتؤدي عوامل مثل التناقض الإستراتيجي، وثقافة التفاعل، وأيديولوجية “المنقذ الأبيض”، والجمود التنظيمي إلى تدهور التأثير الإنساني وإمكانية توفير الجهات الفاعلة مستقبلًا مستدامًا للأشخاص المتنقلين بشكل كبير.
عبد النور التومي: كيف تعزز مراكز الفكر الإنساني مثل شبكة البحث والتحليل المشتركة بين الوكالات (IARAN) العمل الإنساني والسياسات تجاه صانعي القرار؟
د. ميشيل مايتا: لطالما استخدم صناع القرار في الجيوش الوطنية، والحكومات على العديد من المستويات، والشركات الكبيرة الاستشراف الإستراتيجي، ومع ذلك؛ لم تُدمج بعد في طرق عمل الجهات الفاعلة الإنسانية. وقد صُممت شبكة البحث والتحليل المشتركة بين الوكالات على أنها تجربة بحثية تشغيلية في سنة 2012، لتصبح في نهاية سنة 2018 كيانًا مستقلًا. وبرز العمل الذي تضمن هذه التجربة في التطبيق العملي للاستشراف الإستراتيجي للجهات الفاعلة الإنسانية التشغيلية، رغم أنه شمل أيضًا دعم الحكومات والمؤسسات الأكاديمية. ومنذ إنشائها؛ وفي كل نسخة من هيكلها، عملت شبكة البحث والتحليل المشتركة بين الوكالات على تحقيق رؤية لإنشاء نظام بيئي إنساني أكثر إنصافًا وفعالية يستفيد فيه كل فاعل من مهاراته وخبراته الخاصة للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
وتعمل شبكة البحث والتحليل المشتركة بين الوكالات كشبكة تعاونية من المتخصصين في المجال الإنساني ولديها خبرة في العمل لصالح عدد كبير من المنظمات المختلفة، وهي عبارة عن مؤسسة فكرية ذات زمالة نشطة وجناح استشاري نقدم من خلاله التدريب والبحث الاستشرافي والدعم الاستباقي الإستراتيجي لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة الإنسانية، وقد قمنا في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بنشر دليل لتوفير نقطة دخول للجهات الفاعلة الإنسانية لتحسين محو الأمية في المستقبل واستغلال أدوات الاستشراف الاستراتيجي في عملهم.
المصدر: مينا أفيرز