عندما خاطب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، شعبه في حفل تنصيبه الشهر الماضي لفت إلى معلومة يجهلها كثيرون، وأوردها “نون بوست” في تقرير سابق: أن الصومال انفرد على دول المنطقة باختياره النظام الديمقراطي منذ حصوله على الاستقلال عام 1960 باستثناء فترة حكم الديكتاتور الجنرال سياد بري (1969-1991).
وذكّر الرئيس شيخ محمود بالصعوبات الكبيرة التي تواجه البلاد مثل الجفاف الذي جعل الملايين من أبناء الشعب على حافة المجاعة، بفعل الآثار المترتبة على تغير المناخ، لافتًا إلى أنه سيركز على تحقيق المصالحة الوطنية والمحادثات مع أرض الصومال، إلى جانب تحقيق الاستقرار السياسي وتحسين العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، بالإضافة إلى تطبيق النظام الفيدرالي وتوسيعه حتى يتمكن الصوماليون من اختيار قيادتهم.
كما تعهد بتحسين العلاقات مع دول الجوار، مشيرًا إلى أن التجارة والتعاون الاقتصادي يشكلان أولوية في علاقات الصومال مع المجتمع الدولي، وتعهد بتبني سياسية خارجية محايدة وعدم الانخراط في الصراعات الدولية، وأنه سيحرص على التعاون الأمني مع المجتمع الدولي خصوصًا مع دول القرن الإفريقي للتصدي للإرهابيين.
الفقرة الأخيرة سنركز عليها في هذا التقرير، حيث سنتطرق إلى الجولات الخارجية التي أجراها الرئيس الصومالي المنتخب إلى عدد من دول الجوار. قبل أن ندخل في تفاصيل الجولات الخارجية نشير إلى أن فترة رئاسة حسن شيخ محمود الأولى، بين عامي 2012 و2017، اتصفت بسياسة “صفر مشاكل”، فكان الصومال في تلك الفترة يتمتع بعلاقات متوازنة مع دول الجوار والإقليم، خاصة في التعاطي مع الملفات الشائكة منها الصراع مع كينيا على منطقة بحرية غنية بالنفط، إلى جانب النشاط الدبلوماسي الإماراتي في الصومال.
زيارة الإمارات لطي صفحة التوتر
كانت علاقات مقديشو مع أبو ظبي قد توترت بصورة كبيرة في عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو إثر ضبط السلطات الصومالية مبلغًا ماليًا قدره 9 ملايين و600 ألف دولار كان على متن طائرة إماراتية في مطار مقديشو بذريعة أنها مشبوهة.
وفي بيان مقتضب للرئاسة الصومالية نشرته الشهر الماضي عبر صفحتها على “فيسبوك”، أوضحت أن زيارة الرئيس شيخ محمود إلى الإمارات – وهي الأولى له خارجيًا – تستغرق يومين، وتهدف إلى “تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلى جانب تحسين التعاون والتبادل التجاري بين الجانبين”.
فيما ذكر حساب الرئاسة الصومالية على “تويتر” أن الزيارة تأتي انطلاقًا من شعار رفعه محمود خلال حملته الانتخابية: “تصالح صومالي وتوافق مع العالم”.
أثمرت زيارة الرئيس الصومالي للإمارات ولقاؤه برئيس الإمارات، عن الاتفاق على مبادرات إماراتية تُسهم في دعم الشعب الصومالي، بدءًا من منحة قيمتها 20 مليون درهم للمساعدة على مواجهة الجفاف وما نجم عنه من كارثة إنسانية، إلى جانب تسهيل إجراءات دخول المواطنين الصوماليين إلى دولة الإمارات، واستئناف الدعم الصحي عبر إعادة افتتاح “مستشفى الشيخ زايد” في العاصمة مقديشو.
تركيا.. محطة مهمة ذات أبعاد متعددة
ثاني المحطات الخارجية للرئيس الصومالي بعد الإمارات منذ توليه المنصب، كانت تركيا، حيث حملت زيارته أبعادًا كثيرةً في ظل التحديات الأمنية الجاثمة على البلد، وفي ظل الشراكة العسكرية والأمنية الكبيرة التي تجمع كل من أنقرة ومقديشو منذ عدة سنوات، كما سعى شيخ محمود من خلال الزيارة إلى البحث عن دعم إنساني تركي لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة التي تضرب البلاد، في ظل الاستئناف البطيء للدعم الدولي.
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في 5 يوليو/تموز الحاليّ، إن بلاده تعتبر تركيا صديقًا وشريكًا إستراتيجيًا مهمًا لا غنى عنه، وأعرب شيخ محمود عن امتنانه لتركيا على دعمها الصادق لبلاده في مختلف المجالات وخاصة التعليم والصحة والاقتصاد ودعم المؤسسات الأمنية.
وقال: “أثمن كرم وجهود الدولة التركية وشعبها فيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية التي يواجهها الشعب الصومالي”، وأضاف “أود أن أشكر أيضًا تركيا على الدعم الذي قدمته للصومال في مكافحة جائحة كورونا، وحاليًّا في مواجهة الجفاف”.
كانت زيارة شيخ محمود إلى تركيا ردًا مباشرًا على الاتهامات التي وجّهها إليه أنصار الرئيس السابق فرماجو بأنه مقرب من الإمارات، ويسعى إلى تنفيذ أجندتها في الصومال، بينما في الحقيقة أنه يتبنى سياسية “صفر مشاكل” مع الجيران والعالم، كما سعت إلى ذلك الإمارات وتركيا وغيرهما من دول الإقليم في الآونة الأخيرة.
لم يذكر الرئيس شيخ محمود أو المسؤولون الحكوميون الآخرون حجم الدعم الإنساني الذي شكر تركيا عليه مؤخرًا، لكنه بطبيعة الحال يشير إلى أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، فالشركات التركية تدير في الوقت الحاليّ عدة مقرات إستراتيجية في الصومال، مثل الميناء والمطار، إلى جانب توليها مهمة توفير التدريبات العسكرية للجنود والقوات الصومالية.
الملف الأمني لا يقل أهمية عن الوضع الاقتصادي، إذ يسعى الرئيس شيخ محمود إلى كسر شوكة حركة الشباب المتطرفة، التي استعادت كثيرًا من نفوذها بعد تراجع العمليات العسكرية ضدها في السنتين الماضيتين نتيجة انشغال الرئيس السابق فرماجو بالصراعات مع الأقاليم ودول الجوار، إضافة إلى صراعه مع رئيسي الوزراء السابقين حسن علي خيري ومحمد حسين روبلي.
لذلك، يحتاج الرئيس الحاليّ شيخ محمود إلى تعاون عسكري مع تركيا لدحر مقاتلي حركة الشباب المتشددة، وبإمكان أنقرة تعزيز قدرات مقديشو العسكرية بما يرجح كفة الجيش الصومالي ضد المتطرفين، إذ تشير توقعات الخبراء العسكريين إلى أن الحكومة الصومالية الجديدة ستعمل على توجيه ضربة عسكرية لحركة الشباب، مما يحقق لشيخ محمود مكاسب أمنية خلال ولايته الثانية.
إريتريا.. ملف إعادة الجنود الصوماليين
على الرغم من أن الرئيس الإريتري إسياس أفورقي لم يهنئ الرئيس الصومالي بفوزه في الانتخابات، ولم يشارك في احتفال تنصيبه، فإن ذلك لم يمنع الرئيس شيخ محمود من زيارة إريتريا الأسبوع الماضي بسبب قضية الجنود الصوماليين التي تعهد بأن تكون على رأس أولوياته، إذ تم ابتعاث آلاف الجنود الصوماليين إلى إريتريا للتدريب في عهد فرماجو، وقال تقرير أممي إن هناك معلومات تشير إلى تورطهم في الحرب التي شنتها الحكومتان الإثيوبية والإريترية على إقليم تيغراي عام 2020.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أعلن بعد عودته من أسمرة، أن الجنود الذين أرسلوا للتدريبات في إريتريا سيعودون إلى بلدهم بعد أكثر من عام من الجدل بشأن احتمال نشرهم سرًا في إقليم تيغراي الإثيوبي الذي يشهد نزاعًا دمويًا منذ العام 2020.
وقال محمود: “ذهبتُ إلى هناك (إريتريا). وكما ترون في الصور، رأيت الأولاد، أنا أب لديه أطفال وجد، لذلك أعرف ألم الآباء عندما لا يتلقون أخبارًا عن أبنائهم”.
وأضاف أن حكومته تعمل من أجل عودة هؤلاء الجنود بأمان، من دون أن يذكر تفاصيل عن عددهم أو جدولًا زمنيًا لذلك، ولم يشر حسن شيخ محمود أيضًا إلى احتمال تورطهم في الحرب بإثيوبيا.
وبشكل عام، جاء مشهد لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالمجندين الصوماليين وظهورهم على وسائل الإعلام بشكل علني للجميع لأول مرة بمثابة طمأنة لعائلاتهم والتأكيد على عودتهم القريبة لبلادهم بعد طول غياب، وهو ما أعاد الرئيس تأكيده بعد استقباله وفدًا من عائلات الجنود.
Madaxweynaha Jamhuuriyadda Federaalka Soomaaliya Mudane Xasan Sheekh Maxamuud ayaa kulan xog-warran ah la qaatay guddiga waalidiinta ciidanka Soomaaliyeed ee tababbarka u jooga dalka Ereteriya. pic.twitter.com/iBirum0cZm
— Villa Somalia (@TheVillaSomalia) July 13, 2022
وخلال زيارته إلى أسمرة أيضًا، وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مع نظيره الإريتري أسياس أفورقي، مذكرة تفاهم نصّت أهم بنودها على تعزيز التعاون الدبلوماسي والسياسي والتكامل الاقتصادي وتمتين العلاقات التاريخية بين الدولتين، إلى جانب التعاون الدفاعي والأمني حفاظًا على أمن واستقرار المنطقة.
لكن الباحث الإريتري عبد القادر محمد علي، أشار إلى أن ما توصل إليه الرئيسان، أقرب إلى إعلان نوايا واتفاق على خطوط عريضة من دون أي تبعات تنفيذية، لا سيما أن مذكرة التفاهم خلت من أي تفصيل يتعلق بآليات تطوير هذه المذكرة إلى اتفاقية مثلًا، أو حتى تنفيذ ما تضمنته.
لذلك يبرز تساؤل ملح عن مستقبل التحالف الثلاثي الذي تم تدشينه عام 2018 بين الرئيس السابق فرماجو والرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وهو التحالف الذي أصبح مصيره محل علامة استفهام كبرى بعد رحيل فرماجو وتولي شيخ محمود الحكم في الصومال.
فذاك التحالف والاتفاقية السرية التي جرى توقيعها بين القادة الثلاث وتم بموجبها إرسال الجنود الصوماليين إلى إريتريا، أسهمت في تشويه صورة الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو لدى الرأي العام الداخلي.
كينيا.. استعادة العلاقات
بعد توترات دبلوماسية بين الصومال وكينيا أفضت إلى شبه قطيعة دبلوماسية في عهد فرماجو، أجرى الرئيس الصومالي شيخ محمود الجمعة الماضية، زيارة إلى نيروبي التقى خلالها الرئيس أوهورو كينياتا في قصر الرئاسة.
كانت علاقات البلدين قد توترت نتيجة النزاع البحري بشأن أحقية مساحات بحرية تضم حقولًا نفطية، إذ أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا يمنح الصومال أحقية أكثرية تلك المنطقة المتنازع عليها بين الحدود البحرية بين الدولتين عام 2021.
وتضمن البيان الصحافي المشترك الذي نشرته وسائل إعلام كينية وصومالية في ختام زيارة شيخ محمود، عدة بنود أهمها استئناف العلاقات التجارية بين البلدين، بما فيها إعادة تشغيل رحلات الخطوط الجوية الكينية بين مقديشو ونيروبي وتسهيل إجراءات حصول المواطنين الصوماليين على التأشيرة الكينية، إضافة إلى إعادة تصدير نبتة القات إلى الصومال، وفي المقابل، تصدر مقديشو أطنانًا من الأسماك إلى نيروبي.
كما اتفقا على تنسيق جهودها في مجال الحرب على الإرهاب، لضمان سلامة وحماية مواطني البلدين، واتفق الرئيسان أوهورو ومحمود كذلك وفقًا لصحيفة “ذا ستار” الكينية، على أن ينسق البلدان مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى لتقديم المساعدات الإنسانية للمساعدة في التخفيف من آثار الجفاف الحاليّ في منطقة القرن الإفريقي.
بحسب الصحيفة الكينية، فإن التوجيهات صدرت لوزارتي الخارجية لضمان تنفيذ القضايا التي اتفق عليها الرئيسان خلال أسبوعين اعتبارًا من تاريخ صدور البيان المشترك.
جولة أخرى مرتقبة تشمل قطر والسعودية
خامس محطات الرئيس الصومالي شيخ محمود كانت جيبوتي المجاورة، حيث عقد مباحثات مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي ركّزت على تعزيز العلاقات في مجالي الأمن والتكامل الاقتصادي، وكان من المفترض أن يتوجه منها إلى إثيوبيا لكنّ الزيارة تأجلت لأسباب لم يتم الإفصاح عنها.
ويتوقع أن يُجري الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، جولة إقليمية أخرى، تشمل كلًا من قطر والسعودية، بهدف السعي لتوفير الدعم للحكومة الفيدرالية والاستجابة لنداءات الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها الجفاف.
تأتي كل هذه التحركات والجولات الخارجية للرئيس الصومالي المنتخب شيخ محمود التزامًا منه بسياسة “صفر مشاكل” مع دول الجوار والإقليم، حيث تطرق إلى ذلك بشكلٍ مباشرٍ في خطابه بحفل التنصيب، الذي ورد فيه: “المبدأ الأساسي سيكون سياسة خارجية محايدة لا تتدخل في المنافسة العالمية. الصومال سيكون صديقًا لأي دولة مستعدة لاحترام سيادة بلدنا ووحدة أراضينا”.