قبل أسابيع قليلة، كان رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة العدو الأول للواء المتقاعد خليفة حفتر، إذ منعه من دخول منطقة الشرق وقيد عمل حكومته هناك وهدده باستعمال السلاح لإجباره على ترك منصبه وساهم في تعيين رئيس حكومة موازية لحكومته، فيما اتهم الدبيبة حفتر وجماعته بعرقلة عمليات السلام والسعي إلى إشعال حرب في البلاد ودعا إلى ضرورة محاكمته.
لكن الأيام الماضية حملت معها تغييرات كثيرة على الساحة السياسية الليبية، فقد تغيرت بعض التحالفات ورأينا تحالفات جديدة لم تكن تخطر على بال أحد، إذ وضع حفتر اليد في يد مع الدبيبة سعيًا من الطرفين لضمان مصالحهما.
تنوع أوجه التحالف بين الدبيبة وحفتر
بداية شهر يوليو/تموز الحاليّ، أعلن الدبيبة موافقته على طلب وزير النفط محمد عون، إقالة رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله – الذي يقود قطاع النفط بشكل مباشر منذ سنة 2015 نظرًا لإلغاء وزارة النفط – وذلك بعد صراع بين الطرفين.
جاءت إقالة صنع الله رغم أنه من أبرز المقربين من الدبيبة، وتم تعيين فرحات عمر بن قدارة خلفًا له، وسبق أن شغل بن قدارة منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي في فترة حكم الزعيم الراحل معمر القذافي بين عامي 2006 و2011، وهو من أبرز المقربين لخليفة حفتر.
فاجأ هذا الأمر العديد من المتابعين للشأن السياسي الليبي، لكن تبين فيما بعد أن هذا القرار جاء نتيجة تفاهمات جديدة بين أعداء الأمس وأصدقاء اليوم – حفتر والدبيبة – بناءً على لقاءات سابقة بين قيادات تابعة لكلا الطرفين.
ما يحدث في ليبيا ليس بمعزل عما يحدث في المنطقة، فالصفقة الأخيرة بين حفتر والدبيبة، ما هي إلا نتاج التطورات الحاصلة في المنطقة
أكّد قرار إقالة مصطفى صنع الله وتعيين فرحات بن قدارة خلفًا له، وجود إرادة في الشرق والغرب على إعادة ترتيب التحالفات السياسية والأمنية القائمة في البلاد، خاصة أن هذه القرارات الصادرة عن الدبيبة أعقبتها قرارات أخرى صادرة عن جهات فاعلة في الشرق بمقتضاها تم إنهاء إغلاق الحقول والموانئ النفطية المتواصل منذ 3 أشهر، رغم أن مطلبهم وهو تسليم الدبيبة السلطة لرئيس الحكومة المعين من البرلمان فتحي باشاغا لم يتحقق.
ضمن التوافقات الحاصلة أيضًا، توصلت اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في ليبيا أول أمس الثلاثاء إلى توافقات على طريق توحيد المؤسسة العسكرية، وتضم اللجنة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية التابعة لحكومة الوحدة في غربي البلاد و5 من طرف قوات الشرق الليبي بقيادة حفتر.
الناظوري العميل التابع لي حفتر حاليا الذي شارك بالحرب ع طرابلس
اليوم يستقبلوه ويفرشون له السجاد الاحمر
ويرحب بيه من قبل الحداد العميل التابع لي دبيبةمازلتو بتصفقو يا سذج او خلاص وجعتولنا كبودنا وضيعتو البلاد بسذجكم وغباكم
بيوع علني بعد ما كان تحت الطاوله #ليبيا#فريق_مجاهدون pic.twitter.com/lToY9d9lbX
— Omar Al-Mukhtar’s granddaughter???? (@Omar8AlMakhtar6) July 18, 2022
جاءت هذه التوافقات بعد عامين من الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، وبناءً عليه تم التأكيد على الرفض التام والمطلق للعودة إلى الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد ونبذ العنف والدعم الكامل لمدنية الدولة وإبعاد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، مع ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من البلاد.
ما يُسجل أيضًا، لقاء رئيس الأركان العامة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد ونظيره عبد الرزاق الناظوري ممثلًا عن المنطقة الشرقية، في طرابلس لأول مرة، ويؤكد هذا اللقاء ما ذهبنا إليه من وجود اتفاقات جديدة بين الدبيبة وحفتر، ومن المنتظر أن نشهد زيارات أخرى متبادلة بين قيادات الدبيبة وحفتر.
مصالح وراء التحالفات الجديدة
يحاول الدبيبة من وراء هذه الخطوات الجديدة والمتسارعة نحو معسكر الشرق تحييد رئيس الحكومة المكلف من برلمان طبرق فتحي باشاغا – الذي فشل في اقتحام العاصمة طرابلس في أكثر من مرة -، فهو يرى في التحالف مع حفتر أفضل قرار في هذه الفترة.
ومن المنتظر في حال تواصل هذه التوافقات أن نشهد في الأيام القليلة القادمة تهميشًا لحكومة باشاغا أو الإطاحة بها، فالبرلمان الذي عين هذه الحكومة تابع لحفتر، وما تعيين باشاغا رئيسًا لحكومة موازية لحكومة الدبيبة إلا عملًا بتوصيات حفتر.
يعلم الدبيبة أن المظاهرات التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي يمكن أن تُبعده عن الحكم إن تواصل قطع الكهرباء عن الأهالي وتواصل غلق حقول النفط، لذلك فإن التحالف مع حفتر من شأنه إعادة تدفق النفط وحل مشكلة الكهرباء وضمان عائدات مالية مهمة، وهو ما سيُساعد في تخفيف الضغط عليه.
إلى جانب ذلك، يعلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية يقينًا أن حفتر الشخص الوحيد القادر على مزاحمته في الحكم، لذلك يرى في التقرب منه ضمانًا لحكمه، خاصة أن المدة القانونية لحكومته انتهت الشهر الماضي، ويرى الدبيبة أن الاستجابة لبعض شروط حفتر أفضل من فقدان الحكم بأكمله.
لن يبقى الا صوت الحق
حفتر يدعو عليه مصفقيه بعد ان كذب عليهم بالامن والامان المزيف
دبيبة يدعي عليه مصفقية بعد ان وعدهم بالتغييرات والاصلحات وتوزيع المنح ورفع الرواتب وزيادة العلوات
هلا ما يحدث الان تمهيد لعودة المالكية وتفعيل الدستور بشهر 8 القادم ?#ليبيا#فريق_مجاهدون
— Omar Al-Mukhtar’s granddaughter???? (@Omar8AlMakhtar6) July 19, 2022
من جهته يعاني حفتر من ضائقة مالية كبرى في ظل عدم صرف حكومة الدبيبة منذ أشهر مرتبات القوات العسكرية العاملة تحت إمرته، وفي ظل بحثه عن أموال لتمويل آلته الحربية فإن التحالف مع الدبيبة في هذا الوقت يعتبر أفضل قرار.
ومن المنتظر أن يضخ الدبيبة في أقرب وقت أموالًا لصالح حفتر مقابل تخليه عن تحالفه مع باشاغا والعمل معه وإعادة رسم خريطة الحكم في البلاد، ولن يكون بن قدارة وهذه الأموال المكافأة الوحيدة لحفتر، فمن المنتظر أن يتم تعيين بعض الوجوه التابعة له في مناصب وزارية بحكومة الوحدة الوطنية.
ما دفع حفتر إلى قبول التحالف مع الدبيبة أيضًا، تلك المظاهرات التي شهدتها العديد من المناطق في البلاد، فهذه المظاهرات التي اندلعت في الأول من يوليو/تموز الحاليّ طالبت برحيل جميع الوجوه السياسية الحاليّة، بما في ذلك حفتر، لذلك يرى في التحالف مع الدبيبة طريقة لتخفيف الضغط عليه والاستجابة لبعض طلبات المحتجين.
انعكاس التطورات في المنطقة
ما يحدث في ليبيا ليس بمعزل عما يحدث في المنطقة، فالصفقة الأخيرة بين حفتر والدبيبة ما هي إلا نتاج التطورات الحاصلة في المنطقة ونتاج توافقات بين دول متدخلة في الشأن الليبي، وفق الناشط السياسي الليبي هشام الحاراتي.
يقول الحاراتي في حديث مع “نون بوست”: “تحالف الدبيبة وحفتر في هذه الأيام عبارة عن انعكاس للتقارب الحاصل في العلاقات بين بعض الدول المؤثرة في المشهد الليبي، وقد أنتج هذا التحالف المؤسس على مصلحة الرجلين عقد صفقة سياسية بينهما تضمن لكل منهما بقاءه في المشهد أكثر وقت ممكن”.
الجماعات المسلحة في ليبيا سئمت الاقتتال نتيجة تراجع جهوزيتها وإنهاك قوتها بعد سنوات من الحرب
أضاف محدثنا “هذه التحالفت يمكن أن تؤدي إلى استقرار الأوضاع في الوقت الحاليّ”، لكنه استدرك بالقول: “هذه الصفقة يمكن أن تكون مؤقتة باعتبار أنه لا توجد جدية لإجراء الانتخابات من كل الأطراف المهيمنة على المشهد”.
“كما أن تجارب حفتر السابقة في المفاوضات تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الرجل لا عهد له ونزوته السلطوية هي من تقوده لخوض المغامرات والانقلاب على أي تحالفات متوقعة في أي وقت، وما تحالفه الأخير مع باشاغا إلا خير مثال”.
أي موقف للكتائب المسلحة؟
السؤال المطروح الآن: أي موقف للكتائب المسلحة من هذه التحالفات والصفقات الجديدة بين حفتر والدبيبة؟ صحيح أننا لم نسمع بعد مواقف واضحة من كبرى التشكيلات العسكرية سواء في الغرب أم الشرق، لكن الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن سؤالنا.
نداء اخير لكل ثوار المنطقه الغربية الاحرار
العاصمة في خطر وحفتر داخل اليها قريبا بالامس الناظوري والقادم حفترلا تنتظرو من دبيبة او الحداد او غيرهم كلهم طبعو لي حفتر
الي من يهمه الثورة والثوار الثوارة ع وشك الانهيار
ان كانت اسلحتكم للثورة فهبو لنصرتها ?#ليبيا#فريق_مجاهدون
— Omar Al-Mukhtar’s granddaughter???? (@Omar8AlMakhtar6) July 19, 2022
لكن قبل أن تجيب الأيام عن هذا السؤال، توجد بعض المؤشرات والمعطيات التي لها أن تبين الجواب مسبقًا، فمن المعروف أن حفتر والدبيبة لا يسيطران على الكتائب التي تعمل تحت إمرتهما إلا إذ دفعا المال لهم وحفظا لهم مصالحهم ومكاسبهم.
يعني أن ولاءات الجماعات المسلحة في ليبيا لمن يدفع أكثر، لذلك رأينا بعض الجماعات تغير ولاءها حسب الطرف الذي يدفع لها، يعني هذا أن الدبيبة وحفتر مطالبان لحفظ تحالفهما أن يدفعا للجماعات المسلحة، وهو ما يتطلب منهما الحفاظ على تدفق النفط المصدر الوحيد للمال في ليبيا.
الجماعات المسلحة في ليبيا سئمت الاقتتال نتيجة تراجع جهوزيتها وإنهاك قوتها بعد سنوات من الحرب، لذلك يسهل كسب ودّهم وولائهم، لكن ذلك لا يتم إلا في حضور المال، فهو مفتاح كل الصفقات والتفاهمات حتى بين الأعداء.