مرت أكثر من سنة ونصف على تطبيع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، تطبيع جاء بناء على صفقة تعترف بمقتضاها الإدارة الأمريكية بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ العام 1975.
منذ توقيع اتفاقيات التطبيع نهاية سنة 2020، والزيارات الثنائية والاتفاقيات بين الطرفين لا تنتهي، إذ شملت العديد من المجالات أبرزها المجال الأمني والعسكري، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من مخاوف دول الجوار خاصة الجزائر التي سبق أن كشفت خشيتها من أن يتحول المغرب إلى قاعدة خلفية للتمدد الإسرائيلي في منطقة المغرب العربي.
تعاون أمني وعسكري
ركز المغرب وكيان الاحتلال الإسرائيلي على تدعيم تعاونهما الأمني والعسكري عقب تطبيع العلاقات بينهما، رغم أن هذا التعاون سبق اتفاقيات ديسمبر/كانون الأول 2020، إذ لم تنقطع العلاقات بين الطرفين لأسباب عدة.
رغم أن الإمارات والبحرين كانتا سباقتين في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بتوقيعهما في 15 من سبتمبر/أيلول 2020 إعلان إبراهام بالبيت الأبيض برعاية أمريكية، فإن المغرب الذي انضم إلى القائمة في 10 من ديسمبر/كانون الأول 2020 سارع إلى توطيد علاقاته بالإسرائيليين.
يسعى الكيان الإسرائيلي من وراء صفقات الأسلحة إلى إيجاد موطئ قدم له في المغرب العربي
يعد المغرب أكثر دول التطبيع العربي التي تأخذ علاقاتها مع الكيان الصهيوني منحى تصاعديًا، رغم أنه آخر المنظمين لقائمة التطبيع، إذ سبقه إلى ذلك كل من دولة الإمارات والبحرين والسودان، وسبق أن أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن بلاده “ستذهب إلى أقصى حد ممكن في تطوير العلاقات الثنائية”.
يرجع هذا التصاعد الكبير كما قلنا من البداية إلى عدم انقطاع العلاقات بين الطرفين منذ قيامها، وأيضًا إلى وجود أكبر جالية يهودية في شمال إفريقيا بالمغرب، إذ يبلغ عددها نحو 3 آلاف شخص، فيما يعيش نحو 700 ألف يهودي من أصل مغربي في “إسرائيل”.
فضلًا عن ذلك لعب اللوبي اليهودي الموجود في المغرب دورًا مهمًا في تطوير العلاقات بين الطرفين، وكذلك فعل اللوبي المغربي اليهودي في “إسرائيل”، فمن مصلحة الاثنين تطوير العلاقات للاستفادة أكثر من الامتيازات الموجودة.
مجالات التعاون
قبل يومين، وصل رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، إلى المغرب في أول زيارة رسمية من نوعها إلى البلد العربي، وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن زيارة كوخافي تأتي في إطار التعاون الدفاعي مع المغرب، من ذلك تبادل المعارف والتدريب والقدرة على التدريب معًا في مناورات مشتركة وتطوير الأسلحة وإلى جانب نقل المعرفة ربما بخصوص الأسلحة أيضًا، وفق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف.
تؤكد هذه الزيارة حجم التعاون العسكري بين الطرفين، وهي أيضًا إعلان لتعاون قادم بينهما، وقبل نحو شهر شارك الكيان الإسرائيلي في مناورات “الأسد الإفريقي” لأول مرة، ومثل مراقبون عسكريون كيان الاحتلال في هذه المناورات التي تعتبر الكبرى في القارة الإفريقية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها.
كما سبق أن استضاف الجيش الإسرائيلي وحدة كوماندوز مغربية في تدريبات متعددة الجنسيات في يوليو/تموز 2021، واستضاف الشهر الماضي أيضًا ضباطًا مغربيين سامين للاتفاق على برنامج عمل مشترك لمدة عام كامل.
أما في الطرف المقابل، فقد استقبل المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الذي وقع اتفاقًا بشأن التعاون الأمني بين الطرفين، كما سبق أن استقبل المغرب مستشارًا للأمن الإسرائيلي ووزير الخارجية يائير لبيد.
#إسرائيل #المغرب https://t.co/Q7rsMqPRZr
— كابتن إيلا Captain Ella (@CaptainElla1) July 20, 2022
يظهر هذا التعاون في اقتناء المغرب منظومة الدفاع الجوي “براك 8″، التي تنتجها شركة “الصناعات الجوية” الإسرائيلية، وبلغت الصفقة 500 مليون دولار، وفق وسائل إعلام محلية إسرائيلية، ويمكن تثبيت هذه المنظومة على السفن أو على الأرض، وهي معدة لاعتراض الصواريخ التي يصل مداها إلى 150 كيلومترًا.
كما اشترى المغرب من الإسرائيليين مقاتلات مسيّرة انتحارية من نوع “هاروب”، وهي المسيرات التي سبق أن تم بيع مقاتلات من نوعها لأذربيجان في العام الماضي خلال النزاع بينها وبين أرمينيا، وتعتبر هذه المسيرات إضافة نوعية لسلاح الجو المغربي.
فضلًا عن ذلك، أشارت وسائل إعلام محلية مغربية وإسرائيلية إلى حصول اتفاق بين المغرب والكيان الإسرائيلي يتحصل بمقتضاه المغرب على رادارات “ألتا” ومنظومات دفاعية ضد الحوامات من إنتاج سكاي- لوك، إلى جانب بلورة مشروع لتحسين طائرات إف 5 القديمة التابعة لسلاح الجو المغربي.
لي يسأل ع مخرجات لقاء لي دار بين مسؤلي دفاع في المغرب شقيق و اسرائيل
تزيد المغرب ب صواريخ جد متطورة مع حزمة من الدرونات الانتحارية الحديثة و كذالك منظومة الدفاع الجوي القبة الحديدية نعم كنت سبق و تكلمت عنها وها قد حان اوان حصول الأشقاء على فخر صناعة الدفاعية
وطبعاً ??يستاهل
— ??Marganit Cohen?? (@cohen_marganit) July 20, 2022
وسبق أن زود كيان الاحتلال الإسرائيلي المغرب ببعض التطبيقات الإلكترونية لأغراض أمنية واستخباراتية، مثل تطبيق بيغاسوس الذي طورته شركة إن إس أو الإسرائيلية، ويتهم المغرب باستخدام هذا البرنامج لاستهداف صحافيين ومعارضين وشخصيات سياسية مغربية وأجنبية.
أهداف مختلفة
يسعى المغرب من وراء تعزيز التعاون العسكري مع “إسرائيل” إلى تطوير جيشه، خاصة أن الجيش الإسرائيلي يمتلك أسلحة متطورة في شتى المجالات، لذلك يعمل المغرب على الاستفادة من هذا الأمر في مواجهة التغييرات التي تشهدها المنطقة.
كما يريد المغرب أيضًا “الاستقواء” بحليف قوي له مكانته على الخريطة الإقليمية والدولية، في ظل حرب التسليح التي تشهدها المنطقة، وسعي كل طرف إلى بناء تحالفات قوية تضمن له بعض الأمان وفق تصوراتهم.
أما من الجانب الإسرائيلي، فكيان الاحتلال يسعى للظفر بصفقات أكثر لتمويل ميزانيته، فالمغرب يُخصص ميزانية كبرى للقطاع العسكري، إذ بلغت 10 مليارات دولار، ويذكر أن حجم الإنفاق العسكري المغربي خلال الفترة الممتدة بين 2005 و2015 بلغ نحو 48 مليار دولار، حيث احتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيًا ضمن كبار مشتريي السلاح بين عامي 2012 و2016، واستحوذت الرباط على 15% من إجمالي مشتريات إفريقيا.
لن تقف الجزائر مكتوفة الأيدي، وستعمل هي الأخرى على تقوية مكانتها وزيادة تسليحها
فضلًا عن ذلك، يسعى الكيان الإسرائيلي من وراء صفقات الأسلحة إلى إيجاد موطئ قدم له في المغرب العربي، يمكنه من القيام بمهامه هناك وفي إفريقيا بأريحية أكثر، وقد وجد في المغرب خير حليف في هذا الأمر.
كما يعلم الكيان الإسرائيلي أن هذه الصفقات من شأنها أن تزيد التفرقة وحدة الخلاف بين المغرب والجزائر، لذلك يسعى جاهدًا إلى توقيع اتفاقيات وإبرام صفقات جديدة مع المغرب حتى تُفرق أكثر بين الأشقاء وتثبّت القطيعة بينهما.
أي موقف للجزائر فيما يحصل؟
في ظل هذه الاتفاقيات والصفقات المتتالية بين الإسرائيليين والمغاربة وجب السؤال عن موقف الجزائر مما يحدث، فهي طرف مهم في المعادلة، إذ سبق أن اتهمت المغرب بفتح أبوابه أمام الكيان الإسرائيلي واستهداف استقرارها، وجعل ترابه الوطني قاعدة خلفية ورقبة للتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضدها.
من شأن الصفقات الجديدة بين المغرب والكيان الإسرائيلي أن تزيد من حدة التسليح في المنطقة، ومن المنتظر أن تزيد الجزائر من صفقات الأسلحة، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، حيث تخصص الجزائر سنويًا نحو 10 مليارات دولار لوزارة الدفاع.
الجزائر ?? المكافحة والرافضة للخضوع للمؤامرة الاسرائيلية الصهيونبة أصبحت هدف معرضة للخطر نتيجة انصياع وخضوع المغرب?? المشين ?
بعد زيارة رئيس حكومة اسرائيل ?? ووزير الخارجية والدفاع، هاهو قائد اركان الجيش الاسرائيلي في الرباط لتوطين وتنفيذ المؤامرة ???? ضد الجزائر الشجاعة ?? pic.twitter.com/eeBERzE2Dr— Maître Takioullah Eidda, Avocat (@EiddaAvocat) July 19, 2022
فضلًا عن ذلك، من المرتقب أن تدعم الجزائر علاقاتها مع العديد من القوى الأخرى لفرض قوتها وسيادتها على المنطقة، من ذلك تطوير علاقتها مع إيران التي تعتبر “العدو” الأول للكيان الإسرائيلي وفق تصريحات قادة الكيان.
كما ستعمل الجزائر على تطوير علاقاتها بروسيا التي تعد المزود الأول لها بالأسلحة، فضلًا عن تطوير علاقاتها مع إيطاليا والصين وتركيا، والاستفادة من التقدم الحاصل في هذه الدول خاصة في المجال العسكري.
يعني هذا أن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي، وستعمل هي الأخرى على تقوية مكانتها وزيادة تسليحها، ما من شأنه أن يُهدد أمن واستقرار المنطقة ويؤخر تقدم شعوب المغرب العربي التي تأمل في رؤية دولها متحدة ولا خلافات بينها.