ترجمة تحرير: نون بوست
تباهى “تحالف غرب آسيا الرباعي”، المعروف أيضا باسم “مجموعة آي 2 يو 2″، بأول نجاح له من خلال استحواذ الملياردير الهندي غوتام أداني على ميناء حيفا. وقد أُعلنت عملية الاستحواذ بعد أيام من قمة افتراضية لمجموعة آي 2 يو 2 خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي إلى الشرق الأوسط.
إنَّ الاستحواذ على ميناء حيفا من قبل شخص مقرّب من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعد عرض مشترك مع شركة غادوت الإسرائيلية يشكل نجاحًا في الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لمواجهة الهيمنة الصينية، في وقت يبدو فيه من الواضح تعثر مبادرة الحزام والطريق متعددة المحاور التي تركز على البنية التحتية.
تخوّل صفقة الميناء، التي يمتلك فيها أداني حصة 70 بالمئة، الشريكين (الهندي والإسرائيلي) من إدارة الميناء حتى سنة 2054. وقد تراجعت “إسرائيل”، تحت الضغط الأمريكي، عن السماح للصين بإدارة ميناء حيفا الذي يرسو فيه الأسطول السادس الأمريكي. ويمتد الميناء عند مخرج قاعدة بحرية مجاورة تستضيف أسطول الغواصات الإسرائيلي، التي يُعتقد أن لديها قدرة صاروخية نووية لجولة ضربات ثانية.
تشير عملية الاستحواذ أيضًا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، أحد أقرب شركاء الصين في المنطقة وعضو في مجموعة آي 2 يو 2 إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والهند، تلعب على الحبلين في الشرق الأوسط. مع ذلك، تبدو الإمارات الشريك الأكثر تحوطًا في رهاناته.
ينشأ هذا التحوط من حالة عدم اليقين في الخليج وفشل بايدن في إقناع حلفاء الولايات المتحدة بأن واشنطن ستكون شريكًا أمنيًا موثوقًا به في المستقبل. تطمح دول الخليج إلى رؤية ترتيبات دفاعية ملزمة بدلاً من تكرار بايدن نفس الكلمات خلال زيارته بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بأمن الخليج.
لا يخفى على أحد أن الثقة في التعويل على الولايات المتحدة قُوّضت في السنوات الأخيرة مع اعتبار الصين المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة مما دفع واشنطن على ما يبدو إلى إيلاء أهمية أقل لمنطقة الشرق الأوسط. تُرجم ذلك في دول الخليج على أنه فشل الولايات المتحدة في الرد بحزم على هجمات إيران وحلفائها على البنية التحتية السعودية والإماراتية الحساسة.
يناسب الاستحواذ على ميناء حيفا مع توجه التحالف الرباعي والسياسة الهندية في الشرق الأوسط
من جانبها، نأت الإمارات العربية المتحدة بنفسها عن المضمون الأمني المناهض لإيران في محادثات بايدن مع القادة الإقليميين. وقالت الإمارات بدلاً من ذلك إنها ترغب في التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدلا من استهدافها وتسعى لإعادة سفيرها إلى طهران.
تشتد المنافسة على ميناء حيفا مع الصين، حيث تمتلك مجموعة ميناء شنغهاي الدولي، التي تدير ميناءً عميق المياه في العاصمة يعد أكبر ميناء لشحن الحاويات في العالم، عقد إدارة مدته 25 سنة لميناء مملوك للقطاع الخاص في خليج حيفا. وهذا الميناء قريب من ميناء حيفا الذي خصخصته الحكومة ببيعه لرجل الأعمال الهندي غوتام أداني وشركة غادوت.
تهدف مجموعة آي 2 يو 2 إلى زيادة التعاون في تنظيم المشاريع بين البلدان الأربعة من خلال الاستثمارات المشتركة في مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي. وقالت الدول الأربع في بيان لها إنها تعتزم “تحديث قطاع البنية التحتية”.
يتناسب الاستحواذ على ميناء حيفا مع توجه التحالف الرباعي والسياسة الهندية في الشرق الأوسط التي يرى المحلل تشيلامكوري راجا موهان إنها “مشبعة بقدر أكبر من الواقعية.. التي تتخلى عن أوجه القصور الأيديولوجية الموروثة التي تتجنب إغراء رؤية الشرق الأوسط من منظور ديني، وتسعى جاهدة لتحقيق الإمكانات الكاملة التي تنتظر الهند في المنطقة”.
سارع أداني للاعتراف بالأهمية الجيوسياسية لعملية الاستحواذ بطريقة مجازية في تغريدة له على تويتر: “إنني مسرور للفوز بمناقصة خصخصة ميناء حيفا في إسرائيل مع شريكنا غادوت، التي تحمل أهمية استراتيجية وتاريخية عظيمة لكلا البلدين! وإنني فخور بالتواجد في حيفا حيث قاد الهنود في سنة 1918 واحدة من أعظم معارك الفرسان في التاريخ العسكري!”.
قد تساهم مجموعة آي 2 يو 2 في إعادة صياغة نظام غرب آسيا. لكن الفوز بلعبة توازن القوى قد يكون بعيد المنال، وق فشلت حتى الآن في السيطرة على إيران والصين أو منع روسيا من غزو أوكرانيا.
في هذه التغريدة، كان الملياردير يشير إلى الاستيلاء على حيفا من قبل اللواء الخامس عشر من سلاح الفرسان الإمبراطوري المكون من القوات التي قدمتها الولايات الأميرية الهندية في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، حيث هزمت قوات الحلفاء العثمانيين في فلسطين وسيناء.
كان عرض 1.18 مليار دولار أمريكي الذي قدمه أداني مقابل الاستحواذ على الميناء أعلى بنسبة 55 بالمئة من ثاني أعلى عرض، وأعلى بكثير مما توقعته الحكومة الإسرائيلية. وقال الصحفي آفي بار إيلي: “يبدو الأمر كما لو أن أداني يقول: تنحوا جانبًا، هذه صفقة إستراتيجية والسعر بالنسبة لنا غير مهم”.
تأتي صفقة الاستحواذ في أعقاب إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والإمارات العربية المتحدة في شهر شباط/ فبراير، وكذلك يوجد اتفاق مماثل بين إسرائيل والهند قيد الإعداد. وتعد حيفا أول مشروع ميناء لأداني خارج الهند، حيث يدير 13 محطة حاويات بحرية ويتحكم في حركة 24 بالمئة من التجارة البحرية.
جاءت عملية الاستحواذ أيضًا في أعقاب مبادرات للإنتاج المشترك للأسلحة الإسرائيلية في الهند التي كان أداني شريكًا فيها من خلال التصنيع الأولي للأسلحة الصغيرة. ومنذ ذلك الحين، توسع التعاون ليشمل إنتاج الصواريخ والطائرات المسيَّرة.
يعزز الاستحواذ على ميناء حيفا ما وصفه المحلّلان جوكول ساهني ومحمد سليمان في مقال مشترك بأنه صعود كتلة هندية إبراهيمية تعمل تدريجيًا على توطيد إنشاء نظام غرب آسيا. ويجادل المحلّلان بأن الكتلة “تخلق توازن قوة ضد القوى المستقلة الديناميكية في المنطقة مثل إيران وتركيا، وتعمل على استقرار المنطقة في عصر تنافس القوى العظمى”.
يقول مبتكر عبارة “هندية إبراهيمية” محمد سليمان إنها تصنيف أفضل من مجموعة آي 2 يو 2 لأن “السلام والاستقرار الإقليميين في غرب آسيا لا يمكن ضمانهما من خلال الوجود العسكري الأحادي للولايات المتحدة بل من خلال توازن القوة التي ستخفف في نهاية المطاف من طموحات الدول الصاعدة في المنطقة. ويسمح المصطلح الأصلي لـ “هندية إبراهيمية” للمنتدى بالتوسع ليشمل دولًا أخرى مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.
قد تساهم مجموعة آي 2 يو 2 في إعادة صياغة نظام غرب آسيا. لكن الفوز بلعبة توازن القوى قد يكون بعيد المنال، وق فشلت حتى الآن في السيطرة على إيران والصين أو منع روسيا من غزو أوكرانيا.
المصدر: أوراسيان ريفيو