ترجمة وتحرير: نون بوست
تقدم المشاريع التي تشارك فيها مجموعات الباتوا والمجتمعات المهمشة الأخرى وقودًا ودخلًا بديلين، ولكن لا يمكن أن تكون إلا جزءًا صغيرًا من حملة أوسع لوقف اجتثاث الغابات.
كل بضع ثوان يتم كشط حفنة من الطين المائل للاحمرار من دلو ويتم لفها بخفة على شكل كرة وتغطى بغبار الفحم وتترك في الشمس حتى تجف؛ وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت نزيغير نتافونا، 39 عامًا، تصنع هذه الكرات في أطراف منتزه كاهوزي بييغا الوطني ذو الغابات المطيرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لاستعمالها كوقود؛ حيث تمثل القوالب الصغيرة بصيص أمل صغير هنا وسط تهديد متعدد الطبقات يستهدف هذه الغابة والأشخاص الذين يعيشون فيها.
وتعيش نتافونا على بعد حوالي 4 كيلومترات خارج المنتزه في قرية شيبوغا؛ حيث عاش شعب الباتوا في المنطقة منذ آلاف السنين، ومنذ سبعينيات القرن الماضي وقعوا في دائرة من العنف داخل الغابات التي تعد موطنًا لغوريلا السهول الشرقية المعروفة بـ”غوريلا غراير” المهددة بالانقراض. وتفاقمت التوترات في الأسابيع الأخيرة بعد أن تم اتهام تحقيق – تم بتمويل ألماني – في مذابح مزعومة في الحديقة بالتستر على روايات اغتصاب وقتل شعب الباتوا المعروفين سابقًا باسم الأقزام من قبل حراس المنتزه.
تغطي الغابات المطيرة في حوض نهر الكونغو 178 مليون هكتار (440 مليون فدان) عبر ستة بلدان وتمتص حوالي 4 في المائة من انبعاثات الكربون السنوية العالمية، وتحافظ على هطول الأمطار في أماكن بعيدة مثل مصر، وهي موطن لـ80 مليون شخص وتحتوي على مجموعة كبيرة من الحيوانات والحشرات والنباتات النادرة ويعتبر الحفاظ عليها أمرًا أساسيًا في مكافحة الاحتباس الحراري.
لكن جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها واحد من أعلى معدلات اجتثاث الغابات في العالم، حيث فقدت 490 ألف هكتار (1.2 مليون فدان) من الغابات المطيرة الأولية سنة 2020؛ وفقًا لموقع غلوبال فوريست ووتش. وعلى عكس غابات الأمازون حيث يعتبر قطع الأشجارعلى نطاق صناعي هو المسؤول في الغالب، فإن إنتاج الفحم على نطاق صغير في جمهورية الكونغو الديمقراطية وقطع الأشجار، وحرق الأراضي من أجل الزراعة يؤدي إلى إزالة الغابات؛ فحوالي 90 في المائة من فقدان الغابات بين سنتي 2000 و2014 كانت بسبب أصحاب الملكيات الصغيرة الزراعية، وفقًا لتقرير مجلة ساينس أدفانسيس الصادر سنة 2018.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 الذي تم عقده في غلاسكو، تعهد أكثر من 100 من القادة بوقف فقدان الغابات بحلول سنة 2030، والتزموا بمبلغ 1.5 مليار دولار (1.2 مليار جنيه إسترليني) لحوض الكونغو، مع تخصيص 500 مليون دولار للسنوات الخمس الأولى. وبعد التوقيع على الاتفاقية، قال رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، إن الأمن الغذائي والعمل بشأن أزمة المناخ سيتم تحقيقهما “من خلال الزراعة المستدامة ولا سيما في مناطق السافانا”. ولكن في الوقت الذي يتم فيه وضع الخطط المجتمعية لتعزيز عمليات التشجير، هناك مخاوف من أن الجهود المبذولة لوقف قطع الأشجار لن يتم التخطيط لها فضلاً عن عدم تحقيق الهدف المتمثل في تقديم التقارير الأولية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، لا يزال الطلب على الفحم النباتي مرتفعًا.
وتتكدس الأرض فوق أغصان الأشجار المشتعلة لإنتاج الفحم في حديقة كاهوزي بييغا الوطنية التي أنشأها المستعمرون البلجيكيون سنة 1937؛ مما يحول الغابة إلى مجرد جذوع أشجار؛ حيث يقوم مستهلكو وناقلو وبائعو الفحم برشوة العسكريين الكونغوليين الذين يتقاضون رواتب منخفضة والمكلفون بمراقبة التجارة. وفي مدينة بوكافو التي تقع على ضفاف بحيرة كيفو المتاخمة لرواندا، تُباع الأكياس بسعر مرتفع؛ حيث يُعد الفحم من الأعمال التجارية الكبيرة مع ارتفاع أسعار الغاز ومحدودية طاقة الشبكة الكهربائية، خاصة وأن 90 في المائة من سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية يستخدمونه للطهي يوميًا، فقد كشفت إحدى الدراسات أن العاصمة كينشاسا تستهلك 4.8 ملايين متر مكعب من حطب الوقود والفحم النباتي سنويًا.
وتم إجبار حوالي 6000 من مجموعة الباتوا – من الصيادين وجامعي الثمار الذين يلعبون دورًا أساسيًا في الحفاظ على الغابات – على ترك أراضي أجدادهم في سنة 1975 عندما تم توسيع الحديقة الوطنية. وعاد بعض من مجموعة الباتوا في سنة 2018، بعد أن أصبحوا مهمشين ومشردين، وبقليل من سبل كسب العيش، قاموا بقطع الأشجار من أجل الفحم والزراعة التي تجعلهم يعيشون على حد الكفاف. وبالإضافة إلى تعرضهم لعمليات القتل والعنف الجنسي المزعومة من قبل الحراس والجيش؛ فإن الباتوا يقعون تحت رحمة الميليشيات العاملة في الحديقة والتي تسيطر على التعدين غير القانوني.
في شيبوغا وقريتين مجاورتين؛ انخرطت مجموعة الباتوا في مخطط مصمم لمنحهم دخلاً بديلاً ودمجهم في المجتمع الأوسع، ويعمل عالم الأحياء سيدريك موليري البالغ من العمر 25 سنة، مع منظمة إنسانية أوبجكتيف بروس منذ سنة 2019، لتعليم النساء إنتاج وبيع الصابون ومواقد الطهي والعسل، إلى جانب صنع 1000 كرة وقود يوميًا، وبيعها مقابل دولار واحد لكل 20 كرة.
وتحترق كرات الوقود بنسبة 70 بالمئة بشكل أكثر كفاءة من الفحم، مما يقلل من سعر الوقود بمقدار الثلث ويقلل من إزالة الغابات، ويمتد المخطط ليشمل أرامل حراس الغابات الذين قُتلوا في النزاع مع الباتوا أو الجماعات المسلحة، بهدف بناء علاقات سلمية بين المجتمعات.
ويقول موليري، الذي تخرج من جامعة بوكافو ويسعى إلى وظيفة في التكامل المجتمعي وحماية بيئة جنوب كيفو: “الأمر اقتصادي وبيئي؛ فلن يحتاجوا الآن للذهاب إلى المنتزة وقطع الأشجار وقتل الحيوانات”، وهو يعتقد أن رعاية فقراء جمهورية الكونغو الديمقراطية ستحمي الغابة، ويريد أن يرى المزيد من المشاريع من هذا القبيل، ويقدر أنه في حالة مشاركة 1000 امرأة يمكن تقليل إزالة الغابات في المتنزه بنسبة 25-30 بالمئة.
لكن كانت هناك صعوبات في نقل الكرات إلى بوكافو؛ حيث يمكنهم جلب ضعف السعر وتقديم بديل لسوق الفحم غير القانوني الذي تديره العصابات الإجرامية؛ حيث يقول موليري: “نحن بحاجة إلى الاستثمار”.
إلى الشمال، يتم إنتاج 56 بالمئة من الفحم المستخدم في مدينة غوما بشكل غير قانوني في منتزة فيرونغا الوطني، وهنا يدعم الصندوق العالمي للحياة البرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية إنتاج الآلاف من مواقد الفحم الموفرة للطاقة ومولدات الغاز الحيوي العائلية، فضلاً عن محاولة استعادة الغابات؛ حيث يقول الصندوق العالمي للطبيعة إنه زرع حوالي 20 مليون شجرة سريعة النمو منذ سنة 2007 للفحم والنجارة، لكن هذا قلل من معدلات إزالة الغابات في فيرونجا بنسبة 2.2 بالمئة فقط.
للمسؤولين أصحاب النفوذ مصالح في تجارة الفحم المستمرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، البلد الذي ضربه الاستعمار الوحشي الذي أدى إلى عقود من الصراع، والسياسيين الفاسدين الذين استخدموا ثروتها المعدنية كبنوك شخصية.
ويقول تييري لوسينج، مدير الطاقة المستدامة في دبليو دبليو إف-دي آر إس: “إذا لم نعالج هذه المشكلة، بالإضافة إلى ذلك فلن نتحدث عن الغابات خلال 10 سنوات، وستكون هناك مزارع البن ومزارع الكاكاو والنخيل… لكن لن توجد غابات”.
ويقول سايمون لويس، أستاذ علوم التغيير العالمي في جامعة كوليدج لندن وجامعة ليدز، إن وقف إزالة الغابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية “طلب صعب للغاية وسيكلف الكثير من المال والاستثمار”؛ حيث إن هناك “فقر طموح”، على حد تعبيره، والمواقد والمزارع لن تقضي عليه، معتقدًا أن الحل هو الطاقة الشمسية التي تغذي شبكة الكهرباء لمدن جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأطلق الرئيس تشيسكيدي مشروعًا طموحًا للطاقة الشمسية في كينشاسا وفيرونجا في سنة 2020 وقام ببناء محطات كهرومائية، لكن لا يمكن الاستهانة بدور الدول الغنية التي تعتمد على ما يصدر إليها من الذهب والمعادن النادرة التي تدخل في الهواتف الذكية وبطاريات السيارات الكهربائية ن بما في ذلك بريطانيا – حيث يؤدي ذلك إلى “إزالة الغابات وتدمير الموائل”، وفقًا لمايك باريت من الصندوق العالمي للطبيعة في المملكة المتحدة، الذي قال إن المملكة المتحدة يجب أن “تلعب دورها” من خلال تقليل أثرها البيئي العالمي بنسبة 75 بالمئة بحلول سنة 2030.
مرة أخرى في شيبوجا؛ تتوهج ثلاث كرات طينية تحت قدر من حساء الفاصوليا؛ حيث يعترف موليري بأن هذه ليست “حلاً بحد ذاته” لكنه مصمم على بذل كل ما في وسعه لحماية الأرض التي نشأ فيها. وأثناء الدردشة، قال نتافونا لموليري: “حماية الغابات في دمائنا، على الرغم من أن هذه الحكومة لا تفكر فينا بهذه الطريقة”.
المصدر: الغارديان